لعب عيال

 


 

 


(كلام عابر)

والمصيبة أن العيال بعضهم في خريف العمر مثلي وكلهم راشدون مكلفون تنتفي عنهم شرعا صفة الجهالة. أصل الحكاية أني تلقيت دعوة هاتفية من شخصين أكن لهما كثيرا جدا من الإحترام..أصغرهما رفيق لأبنائي وأكبرهما يصغرني بعدة سنوات. الدعوة كانت لحضور ما قالا لي أنه لقاء تفاكري لما يسمونه مجموعة تصحيح مسار الجالية السودانية في منطقة الدمام ويطلقون عليها لقب اختصارا مسمى (التصحيحية). 

بداية الحكاية كانت أمسية الجمعة 13 سبتمبر 2019 حين تداعي نفر كريم من مكونات المجتمع السوداني في منطقة الدمام في إحدى استراحات مدينة الدمام لتكوين جالية بديلة لجالية الكيزان التي جثمت على أنفاس الناس عقودا من الزمان تسندها يد الدولة القوية ممثلة في السفارة وجهاز المغتربين وجهاز الأمن بأذرعه الممتدة ومخبريه المنتشرين وسط سودانيي المهاجر. حضرت مجموعة من ممثلي الروابط الجهوية وقلة من الروابط المهنية واختاروا لجنة تنفيذية اسموها اللجنة الإنتقالية للجالية السودانية في المنطقة الشرقية واختاروا على رأسها من عرف بقوة الشكيمة وشدة العريكة والقبول لدى الناس والرصيد المجتمعي والخلقي الوافر وهو الأستاذ أحمد علي الاحمر الذي يستمد سماحته من سماحة أهل بحر أبيض وحميمية أهل تريعة البجا التي صرع شبابها المستحيل وكسروا الإحتكار فأتوا عنوة واقتدارا بفريق ريفي ينازل أهل العواصم والبنادر في الدوري الممتاز لكرة القدم. كلمة الانتقال هنا دون الغرق في بيزنطية التعاريف وترف التفاصيل تعني الوضع المؤقت الذي يؤسس لوضع دائم.
بعد ساعات قليلة من إعلان لجنة هذه الجالية قامت مجموعة أخرى أطلقت على نفسها مجموعة أو جماعة تصحيح مسار الجالية السودانية أي تصحيح الجالية الإنتقالية التي قامت منذ ساعات مما لا يسمح بافتراض دافع حسن النية أو عفوية النشأة. جرت محاولات متعددة غير موفقة لرأب الصدع وجمع الشمل اصطدمت بالمتشددين من الطرفين أو الجالية الانتقالية والمجموعة الجديدة، ولكن برزت أخيرا دعوة أكثر قوة من سابقاتها للإجتماع المباشر بين الطرفين بوسطاء او مباشرة بدون وسطاء أو حكماء لاستعادة صفاء المجتمع السوداني في الغربة.
صباح وظهيرة يوم الخميس 5 مارس 2020 تلقيت الدعوتين الهاتفيتين اللتين اشرت لهما لحضور ما أسماه الداعيان باللقاء التفاكري. لم أحضر الاجتماع الذي أقدر أن عدد حاضريه يتراوح بين الستين والخمسين شخصا،لم أحضره من البداية لظرف ما، وسجلت إسمي في كشف الحاضرين لغرض توثيق الحضور كما قال لي من قدم لي الورقة والقلم. لم أمكث إلا قليلا حتى انقلب الاجتماع فجأة من جمع تفاكري إلى جمعية عمومية افترض مديرو الاجتماع أن كل الحاضرين أعضاء في تجمعهم التصحيحي.ضم الاجتماع (التفاكري!!) بض أعضاء الجالية الانتقالية وعددا من المستقلين. انتخبوا بعد ذلك لجنة تنفيذية ترسيخا لحالة الانشقاق حتى وإن بدا الامر غير ذلك.غادرت قبل ذلك الاجتماع الذي تحول من (تفاكر) ل(إنتخاب) ولم أشارك في تلك العبثية رغم أن منصة اللقاء ساقت كلمات طيبة في الترحيب بي وبغيري من المدعوين وإني لها رغم كل ما جرى من الشاكرين. ذات المنصة أخفقت لفترة طويلة في إدارة الإجتماع الذي اختلط فيه للحظات الحابل بالنابل وكان الإنفعال سيد الموقف. لا شك أن إدارة الجالية أصعب بكثير من إدارة الاجتماعات.
وتشير إلى القمر بأصبعك، فينظر الأحمق إلى اصبعك بدلا من النظر للقمر.قلت لهم إن قيام الكيان التصحيح بعد 24 ساعة من قيام الجالية الانتقالية أمر لا ينم عن حسن نية ومعارضة معدة سلفا للجالية الجديدة. انبرى لي من فاتته رمزية التشبيه فانصرف إلى الأرقام ..24 ساعة أو ساعة واحدة. المقصود هو سوء النية المبطنة ولكن الأحمق لا ينفك ينظر إلى أصبعك.
في اليوم التالي اتصلت بمن استدرجاني للحضور طالبا منهما الإعتذار لي عن فعلتهما تلك كما يفعل الرجال المحترمون.أكبرهما سنا اعتذر اعتذارا خجولا مترددا وغير مباشر لا يليق به وبمن في سنه وأصغرهما استعصى عليه حتى مثل ذلك الاعتذار وهيأ له نزقه أن ليس هناك ما يستوجب الإعتذار عن اقحامي شاهدا على ذلك الفعل الفطير العاطل من الذكاء.من حقهما ومن حق القائمين على أمر جماعة التصحيح أن يجتمعوا وينتخبوا ويختاروا لكن ليس من حقهم إقحامي في أمورهم فذلك فعل ليس من الأدب في شيء.
معلوم أن المستفيدين في كل وقت من الشقاق وسط مكونات المجتمع السوداني، هم الكيزان الذين يتربصون بالثورة في الوطن وفي المهاجر. هناك من يتصيدون فرص العمل العام لتحقيق ذواتهم المهملة بلا رصيد معرفي أو أخلاقي، وهناك من يسعون لتحقيق مصالح مادية ومجتمعية اتخذوا من العمل العام مطية لها،وآخرون وجدوا في زهد الطيبين والشرفاء في العمل العام مجالا لهم لملء الفراغ والطبيعة تكره الفراغ. قلة في هذه الأيام من يشرف المنصب ولا يشرفه المنصب،ومن يسعى المنصب وراءه وهو فيه دوما من الزاهدين. ورغم تحفظي على كثير من الوجوه التي شاهدتها متصدرة ذلك اللقاء سيء الإعداد قياسا بفقر ذخيرتها من مكافحة هيمنة الكيزان على الجالية وتماهي بعضهم معهم بل وانضوائهم في عضوية مؤتمرهم الوطني،ورغم أن الحياد في المواقف الأخلاقية هو أم الخطايا، فإني أرى أن الوقت لم يفت بعد على رأب الصدع والتعالي على المرارات،"نبش في وجه أقوام وقلوبنا تلعنهم"،ولكن ليس بأي ثمن. "الني للنار"، و"الرهيفة التنقد"، في النهاية لا يصح إلا الصحيح فقد غيرت الثورة قواعد اللعبة تغييرا جذريا وفات زمن الاستقواء بالسفارات وملحقيها الأمنيين، وبجهاز المغتربين.
(نواصل).
(عبدالله علقم)

abdullahi.algam@gmail.com
///////////////////

 

آراء