حقبة ما بعد كورونا (2)

 


 

 

 

لن تكون جائحة كورونا حدثاً عابراً أو أزمةً طارئةً تنتهي بإنتهاء هذا الوباء. بل سيكون هذا الفيروس حاضراً وبقوة، في كل تفاصيل حياتنا المستقبلية، وسيتحدث العالم عنه كثيراً حتى بعد ذهابه. فما فعله هذا الفيروس بعالم اليوم تضيق العبارة عن حصره، ويعجز القلم عن وصفه، ويقف اللبيب حيراناً أمامه.

هذا الداء العُضال علامةً فارقةً وحدثاً ضخماً سيعقبه تغيير كبير ومفصلي، وهو بمثابة نقلة كونية كبرى، من حقبة إلى حقبة أخرى، ستكون مختلفة تماماً عن سابقاتها. فالعالم ما بعد كورونا لن يكون هو نفس العالم الذي كان قبلها.


ويمكننا القول وبكل ثقة بأن عام 2020 سيقف حاجزاً كالطود العظيم، بين عصرين، وفترتين، وحقبتين، وعالَمين، تُشكِل جميعها عالم ما قبل كورونا وما بعدها.

تخبرنا يوميات المرض، وكفاح العالم المُضني ضده، أن هذا الفيروس، كما توضحه، تفاعلات الأحداث، وما تبثه الشاشات من قصص مأساوية، لهذا المرض، أن هذه الأزمة عميقة ومستمرة، وسيكون لها تأثيراتها على تشكيل مستقبل البشرية على هذا الكوكب، وسنرى قريبا التغيرات الهائلة التي يحدثها هذا الوباء على العالم، على أكثر من صعيد. ونأمل أن نتطرق لها لاحقاً وبالتفصيل.

أحكم فيروس #كورونا الآن قبضته وبسط سيطرته على العالم، فلا صوت يعلو فوق صوت كوفيد -١٩، وخفتت الأصوات على وقعه، وسكتت المدافع والقنابل، وهدرت جيوش كورونا الفيروسية الفتاكة، وأصبح هذا الداء حديث العامة والخاصة.

حتى كتابة هذا المقال أصاب هذا الفيروس أكثر من 1.5 مليون شخص في ما يقارب 200 دولة حول العالم، وهذا أرقام مفزعة ومخيفة وتدعو للقلق على مستقبل البشرية بأثرها.

أما على صعيد تأثيرات هذا الفيروس يكفي تعطيله للحياة العامة، وإيقافه لحركة السفر والتنقل بين الدول، وبين المدن في الدولة الواحدة، وإغلاقه لدُور العبادة في كل العالم جزئياً أو كلياً، بجانب إدخاله الناس مساكنهم وحبسهم بين الجدران طلباً للسلامة منه، ولتحصين أنفسهم من هجماته العنيفة والدقيقة بعد أن عجز الأطباء عن إيجاد مصلاً واقياً منه.

ما أحدثه الفيروس حتى هذه اللحظة يكفي وحده أن يلفتنا لخطورته وأثره الوبيل، على كل العالم وما سيترتب على ذلك مستقبلاً.

يوماً بعد يوم تزداد خطورة الفيروس، وتزداد وتشتدَّ ضغوطه الهائلة على الدول، ويتكشف تبعاً لذلك ضعف الأنظمة الصحية العالمية وهشاشتها، وينزاح يوما بعد يوم غطاء القوة والغطرسة، تحت ضربات هذا الفيروس، الذي لا يُرى بالعين المجردة.

هل استفاق العالم الآن من نومته وسيعمل الجميع في المستقبل معاً لتغيير دفة الحياة إلى الوجهة الصحيحة، بعد أن أثبت هذا الصغير أن الإنسانية كانت لسنوات طويلة تسبح عكس تيار مصالحها؟. وهل جاء هذا الفيروس الصغير ليُعِيد ترتيب حياتنا وأولوياتنا بعد أن ضلت البشرية الطريق وانشغلت بخلافاتها الصغيرة وحروبها العبثية؟؟.


ونواصل.

abduosman13@gmail.com

 

آراء