حقبة ما بعد كورونا (3) … بقلم: عبد البديع عثمان

 


 

 

 

في خطابها بمناسبة مرور مائة يومٍ على إخطارها من قِبل الصين بانتشار فيروس كورونا، في مدينة ووهان، قالت منظمة الصحة العالمية الأسبوع الماضي : " إن كـوفيد-19 مثير للدهشة وغيّر العالم بشكل كبير في فترة زمنية قصيرة".

هذا ما حدث فعلاً فقد كانت تأثيرات هذه الجائحة على العالم سريعة وحاسمة، لأنه ضرب مناطق حساسة في جسد هذا العالم.وسَنستعرِضُ بإيجاز التأثيرات الآنية والمستقبلية المتوقعة لهذا الفيروس.

تأثيرات جائحة كورونا يمكن أن نراها بالعين المجردة، ولا تحتاج لكثير عناء، فصورة واحدة من ملايين الصور والفيديوهات، التي تبثها القنوات والوكالات أو يلتقطها الهواة، للطرقات الخاوية والمدن التي تحولت لمدن أشباح، والطائرات الرابضة في المدرجات، تختصر لك الأزمة في مشهد واحد وتشرح الراهن العالمي المتدهور، وإنها لصور مفزعة، وتنذر بمستقبل قاتم، ووضع أليم.

فيروس كورونا ليس هو الفيروس الوحيد الذي عرفه العالم في الفترة الأخيرة، فقد مرَّ العالم بتجارب مع فيروسات كثيرة، نذكر منها: فيروس "سارس"، وإنلفونزا الطيور، وانفلونزا الخنازير، وغيرها. تلك الفيروسات لم تكن بنفس القوة والتأثير الذي أحدثه هذا الفيروس، بل كان الناس في السابق خلال ظهور تلك الفيروسات في بعض مناطق العالم، يتسامعون بتلك الفيروسات، ويتناقلون أخبارها، عبر وسائل الإعلام والشاشات. ولكن يبدو أن فيروس كورونا أمره عظيم، وخطره جسيم، وأثره وخيمٌ، ومقيم.

الأثر الأبرز والأكبر لهذا الفيروس كان على جبهة الاقتصاد فقد أصابته هذه الجائحة بالشلل التام، وعلى مدار الساعة تزداد الأضرار على هذا القطاع، الأمر الذي سيُعرِضهُ لأزمات متشابكة وهزات قوية، سيفقد بسببها الملايين حول العالم وظائفهم وأعمالهم، وغير ذلك من أضرار يضيق المجال عن حصرها.

ويؤكد الخبراء بأن تأثيرات هذا الوباء على الاقتصاد العالمي ستكون أكبر وأعمق من الأزمة المالية العالمية الاخيرة.

واللافت في الأمر أن الجميع ومن خلال هذه الجائحة، عرفوا وبصورة أوضح أن الاقتصاد هو الذي يقود كل الأنشطة الحياتية، سوى كانت سياسية، أو رياضية، أو اجتماعية، وهو وحده مطلوب الدول والشعوب، ومعشوقها المحبوب.

ولعل الناظر للوضع الاقتصادي ما بعد كورونا سيجِدْ أن آثار الإغلاق الكامل والجزئي وتوقف حركة السفر، قد بدأ العالم يجني ثمارها المرة، على كل الأصعدة، ولا أرقام دقيقة حتى الآن ولا إحصاءات ، وربما سننتظر تلك الأرقام عَقِبْ انتهاء المعركة الطبية المحتدمة مع هذا الفيروس، فحصر الخسائر دائماً يتم بعد انتهاء المعارك وانجلاء غبارها.


من خلال هذه الجائحة تجلت العولمة في أبهى صورها، ووضح الترابط الاقتصادي بين دول العالم، ولكننا للأسف لم نر هذه العولمة على صعيد العلاج ومكافحة المرض، بنفس المستوى الذي رأيناها به على صعيد الإقتصاد.وإن كان العالم قد تأثر بالوباءِ معاً، ولكن الكل قد خاض معركته مع الفيروس منفرداً.

ولذلك فإن انعدام الجماعية والتوحد في مواجهة المرض ربما سيُعرِض بعض التحالفات للتفتت، والتشتت، وهذا مبحث واسع ومْتشعِب سنستعرضه لاحقاً.

من القطاعات التي ضربها كوفيد 19 وشلَّ حركتها أيضاً قطاع الرياضة، ورأينا جميعا كيف أن الفيروس قد أفرغ الملاعب من عشاقها، وجمهورها المتعطش، وأوقف أنفاسها، وصافراتها، وأهازيجها المحببة. وأن تتوقف الرياضة هذا وحده أمر جلل وخطير، وهي التي ما أوقفتها كل الأزمات والظروف، وظلت تدور كما الساعة في انتظام سلس ومثير، ومألوف.

جائحة كورونا حدث كبير وستكون له عواقب وخيمة على كل العالم، فماهي تأثيراته السياسية على الدول والتحالفات؟. وكيف سيُغيِّر هذا الفيروس الصغير عالمنا الراهن؟. وما هي الصورة المتخيلة لهذا العالم ما بعد هذه الجائحة؟.


ونواصل

abduosman13@gmail.com

 

آراء