هاك يا القراي … هذا الرأي

 


 

 

 

لن يكون هذا المقال عن الجدل السياسي الدائر حول د. القراي وخططه لتطوير المناهج، فعجاج هذا الجدل قد سد الأفق، ولمع السيوف فيه كأن ليل تهاوي كواكبه، ولكن سأتناول هنا في هذا المقام مقترحاً أرجو أن يجد القبول، وهو باختصار ضرورة إدراج مقرر دراسي يعنى بالثقافة القانونية والدستورية ضمن المقررات الدراسية، وتدريسه في المرحلة الثانوية.

هذه المادة لا غنى عنها للمجتمع ككل، وهي ضرورية حتى للذين لن يتخصصوا في دراسة القانون في مقبل حياتهم المهنية، فالطبيب يحتاجها وكذا المهندس المعماري، ومهندس الحاسوب، ومختص المختبرات، ومن يتجه للسلك العسكري ومن يترك الدراسة وييمم صوب السوق، أو من يصبح صاحب مبادرة خاصة في مجال العمل الحر، وغيرهم من فئات المجتمع ممن جلس على مقاعد الدراسة في المدارس الثانوية.
في مرحلة الديمقراطية المقبلة والتي تستشرفها بلادنا لا يعقل ان تجد آلاف المتعلمين وأكثرهم يجهل ابجديات الدستور، ولا يعرف شيئا عن القوانين ولو بصورة مبسطة.
في رايي انها ستكون مادة ثرة ويمكن في هذا المقام ايراد تصور بسيط لها والمجال متروك بالطبع للقانونيين والتربويين لوضع ما يرونه مناسبا.
تحت بند الدستور يمكن ان يضم هذا القسم تعريفا بالدستور وتواريخ الدساتير في العالم والدساتير التي وضعت في السودان وما هي الحقوق التي يكفلها الدستور لكل مواطن.
تحت بند حقوق الانسان يمكن ان يشمل هذا البند قوانين الامم المتحدة واعمال المنظمات الدولية وكل ما له علاقة بهذا الشأن ولو بصورة مبسطة.
تحت بند القوانين السودانية، يمكن استعراض تاريخ القانون في السودان، وانواع القوانين، واستعراض بعض مواد القانون الجنائي والقانوني التجاري الأكثر أهمية للجمهور مثل مادة القتل العمد وقوانين الافلاس.
تحت بند التطبيقات العملية يمكن استعراض بعض القضايا والسوابق القضائية وما هي الأحكام التي صدرت، وكيف قامت محكمة الاستئناف على سبيل المثال بنقض حكم قاضي المحكمة الابتدائية، ويمكن استعراض ثلاث او اربع قضايا في هذا الخصوص، خصوصا تلك الاحكام التي يتم نقضها بذكاء شديد ونظر ثاقب من جانب قضاة محاكم الاستئناف، والتي تقف فيها مشدوهاً كيف تمكن هذا القاضي من النفاذ للب القانون وقام باستخراج الخيط الرفيع الذي يفصل بين البراءة والتجريم ببراعة مدهشة، وهي متاحة لمن يقرأ السوابق القضائية في المحاكم السودانية.
وحتى اكون منصفاً ولا أكون من السارقين لأفكار الغير، فهذا التوجه لتناول المواد القانونية والدستورية ليس جديداً، ففي المقررات الدراسية الهندية على سبيل المثال؛ يتم تدريس مادة قريبة من هذه بدءاً من مستوى طلاب الصف السابع، وفيها معلومات مبسطة عن الدساتير والمساواة، والعدالة، وانظمة الحكم، وحقوق المرأة، والنظام البرلماني الهندي ومجالس الولايات، ومجالس القري، وكيفية تكوينها وصلاحياتها وعيوبها، ويتدرج هذا المنهج كلما ارتقى الطالب سنة دراسية فتضاف تفاصيل اكثر لما سبق تدريسه، وتدخل فيه ابواب جديدة تتماشى مع سن الطالب وتراعي توسيع مداركه بصورة تدريجية.
والغرض من ادخال مقرر دراسي جديد ضمن المقررات السودانية يعني بهذا الشأن كما اشرنا؛ هو اشاعة الثقافة القانونية ولو بصورة مبسطة واتاحتها للطلاب، ومن اراد ان يتخصص منهم بعد ذلك في دراسة القانون فالمجال كما هو معروف مفتوح، وبحور القانون واسعة لا تحدها حدود.
اشاعة الثقافة الدستورية والقانونية امر ضروري لتخريج اجيال جديدة مسلحة بالوعي السياسي والوعي القانوني، وعلى استعداد للحوار فيما بينها على اسس الدستور والقانون. لا على اساس قعقعة السلاح ودوي القنابل.
والرأي متروك لأهل الخبرة والاختصاص، ولن نتطفل عليهم ونكون كاللئام على موائد الكرام.


nakhla@hotmail.com

 

آراء