علي عثمان محمد طه

 


 

 

 

يبدو على الرجل مسحة من الوقار، يتخفى فيها ثعبان التنظيم الماكر. اشتهر بصبره على النقد من الآخرين، ولكن لدغته مميتة. استفاد قائد التنظيم من كل الميسر من تنظيمات العقائد السريّة ليشيّد نظاما نازيا أمنيا. وكان يتقيد الأمين العام للتنظيم بأن جميع المنتمين للتنظيم يتعين انتماءهم بعد اجتيازهم التدريب الأمني والعسكري، مهما كانت شيخوختهم. وأن يصير التنظيم بديلا للأسرة والسلالة والقبيلة، فإنهم يلجئون لتعيين فقراء الأصول ليصبحوا تابعين للتنظيم، أغنياء بانتمائهم له. وفي ذات الوقت بديلهم في الرزق وسبيلهم لطموح الترقي. بل وسبيلهم للانتساب بالزواج من العائلات المتأصّلة بالجاه والغنى والجذور الطائفية. ابتعد علي عثمان آخر أمره عن مراكز السلطة التنفيذية الواضحة، وسكن مزرعته ذات السبع أفدنة. وعندما بدت الثورة هدد بتدخل كتائب الحركة الإسلامية، ولكن سيف السلطة أُدخل غمده رغم سلاطة لسان السلطان وأهله، بعد أن أعمل في دماء ضحايا لم يعد حقهم إلى اليوم.

(2)
تعلّم من مدرسة الترابي طرائق الإخوان المسلمين ومسلكهم في نهج المكافيلية والغاية تبرر الوسيلة. السياسة بوابة مفتوحة على كل شيء. الصدق هو الحماقة الكُبرى، والكذب إستراتيجية أكثر فعالية لخدمة الأهداف.
*
بدأ " علي " كسلطان ، ثم عندما خرج الترابي من تمثيلية السجن ، صار كحلقة وصل بين " الترابي " و " البشير ". قاد ثلاثتهم الدمار في أرجاء الكون. تمدد شيطانهم من أمريكا إلى أفغانستان، الجزائر، تونس، والفلبين والعراق والكويت والصومال وإرتريا وأثيوبيا وتشاد وكينيا ومصر وأوغندا، إضافة لجرائمهم على شعوبهم في الداخل. وأباحوا لأنفسهم سلطة الرب في منح الجنان لمقاتليهم وزوجوهم بحور الجنان، وهو غرور لا يليق بأناس يدّعون التقوى والورع، وأذاقوا نيران الجحيم من الجنوب إلى جبال النوبة والنيل الأزرق، حتى أقصى الشمال لم ينج من لهيبهم. قمع القوات المسلحة والعصيان المدني، والفظائع التي ارتُكبت في دار فور، وخرج علي عثمان بمعرفته القوانين أن يتجنب الملاحقات الدولية.

(3)
كتبت الصحافية "لبنى أحمد حسين" موضوعا يمس شخص علي عثمان، وتعرضت في مقالها بذكر لموضوع سكن أسرة علي طه، وسكنهم في حديقة الحيوان عام 2009 وشراكتهم الغذاء مع الحيوانات. وكانت سلطة الإخوان المسلمين قد أغلقت حديقة الحيوانات نهائيا عام 1992. وصمت علي وتحرك الثعبان بالسم فيه ليلدغ، في مكان يمحى به سمعة الصحافية. وكانت تهمة التي تم اختيارها تمس الفعل المخل بالآداب العامة ليتم قبرها اجتماعيا. ولكن تم تحويل العقوبة إلى غرامة مالية ( 500 جنيه سوداني ) أو بالعدم السجن لمدة شهر، بعد أن حشدت الصحافية كل المدونات والإلكترونية، وجاءوا جيوشا للمحكمة. فتهيّبت السلطة وتغير الحكم السياسي. ودفع رئيس صحافة النظام الغرامة. وخرجت الصحافية سرا إلى فرنسا.

(4)
ورد في كتاب أحد قيادات الحركة الإسلامية " المحبوب عبد السلام "( الحركة الإسلامية السودانية - دائرة الضوء - خيوط الظلام - تأملات في العشرية الأولى لعهد الإنقاذ ) مجموعة من محاقن الجريمة مدونة بإتقان لرجل من داخل التنظيم. وقد كان كاتب السّفر يعمل في القصر الجمهوري بصورة سريّة إلى تاريخ المفاصلة التي أخرجته للمعارضة، بعد أن استمتع بالتمكين وقتل المعارضين وهو صامت!.
أدى القسم ستة من قادة الصف الأول للحركة الإسلامية أمام الأمين العام، بكتمان سر التغيير وأداء أماناتهم ورعاية عهد الحركة الإسلامية، مهما اشتّد عليهم في الابتلاء، وهم: علي عثمان محمد طه، علي الحاج محمد، ياسين عمر الإمام، عوض أحمد الجاز، عبد الله حسن أحمد، إبراهيم محمد السنوسي.

(5)
وذلك وفق تفويض مجلس شورى الحركة الإسلامية. تسلّم علي عثمان قيادة الدولة فعليا. اختار المكتب القائد رئيس الثورة، ورتَّب حضوره، واختار مجلس الثورة الذي زاوج فيه بين العناصر الملتزمة والعناصر القريبة للالتزام بنهج الإسلام وأخلاقه، وراعى أن يمثل أجيال ضباط القوات المسلحة، وأن يمثّل كذلك السودان بأطرافه ووسطه، جنوبه وشماله وغربه وشرقه، ثم اتفق على الأفكار الأساسية للبيان الأول الذي أعده نائب الأمين العام، ليطرّق القضايا التي درج على إثارتها القادمون من العساكر الوطنيين، في سنن الانقلابات المتوالية. في صباح 30 يونيو 1989م ، بدأ السودان عهداً جديداً بإذاعة البيان الأول لثورة الإنقاذ الوطني، وأخذت الحركة الإسلامية شكلاً جديداً. بضع مئات من الضباط الملتزمين يعملون من وراء الانقلاب، والمئات الأخرى من عضوية الحركة الإسلامية الملتزمين، أدوا أداورهم العسكرية والمدنية في عملية استلام السلطة، وانسحبوا إلى الظلّ يواصلون عملهم في تأمين الثورة، بينما بقيت مئات أخرى في سجلات الطوارئ، إذا استدعى الأمر مدنياً أو عسكرياً ضمن المهن الحاسمة، كالطب والهندسة أو القضاء والتدريس. انقسم مجلس قيادة الثورة إلى بضع لجان، لجنة الأمن والعمليات العليا التي استترت في مباني المجلس الوطني ليلاً مع استمرار قانون منع التجوال من السادسة مساء إلى السادسة من صباح الغد، ليكون للجنة براح من التأمين. يرأسها نائب رئيس الانقلاب، ويفرّغ لها أشد الأعضاء حماسةً ونشاطاً في أمر القوات المسلحة والأصغر سناً، ثم اللجنة السياسية التي تجهر بنشاطها في ذات المبنى نهاراً، يرأسها أكبر أعضاء المجلس رتبة وقدماً ورسوخاً في تنظيم الحركة الإسلامية. فلجنة السلام والجنوب ولجنة الاقتصاد والخدمات ولجنة الإعلام. ولكن مهما تكن حركة الأعضاء الملتزمين أو عمل لجان مجلس قيادة الانقلاب، فإن قلب الانقلاب الذي يفترض له سلطة نَظم العمل في وجوهه المتكاثرة، وتوجيهها وضبطها وتنسيقها يكمن هنالك في مقر غير بعيد من وسط الخرطوم، ولكنه محاط بأقصى إجراءات السرِّية والكتمان، حيث يجلس نائب الأمين العام للحركة الإسلامية، بعد أن ضمّ المعتقل الكوبري " سجن كوبر " الأمين العام وأكبر مسئول سابق عن العمل العسكري الخاص، وسافر ثالث إلى خارج السودان ينتظر إشارة العودة، وبقي اثنان في الظل يرقبان الأحداث. وانحصرت إدارة الأمور الفعلية الموصولة بالوجوه الظاهرة لمهام الانقلاب في اثنين أثبت الزمان أنهما وجهان لعملة واحدة. فالمقر الذي أقام فيه نائب الأمين العام، يغشاه ليلاً قادة أجهزة التأمين، من الرسميين الجدد والشعبيين القدامى، وتصدر عنه نهاراً القرارات الموصولة بقنوات مؤمّنة، إلى الجهات الرسمية الملتزمة، التي تتولى إصدارها الرسمي وإعلانها إن كانت تقتضي الإذاعة والإشهار. كذلك أحاط كذلك عمل أجهزة المعلومات والأمن بالجهاز التنفيذي الرسمي للدولة، وتولى أعضاؤه الملتزمون حراسة أبواب الوزراء وأبواب كبار المسئولين كافة، في الأجهزة المركزية والأجهزة الولائية ( الإقليمية آنذاك )، وأصبحت وظيفة ( مدير المكتب ) حِكراً لعناصر الأجهزة الخاصة بلا منازع، فهم فضلاً عن طمأنة القيادة بأن كل شيء يجري أمام سمعها وبصرها، يؤمنون قنوات الاتصال الفاعل السريع الذي يوافي شرط السرية والكتمان، الذي كان مطلب المرحلة الأقصى، لكنه اتصل في الزمان مُرسخاً أخلاق الدولة الأمنية المجافية لطبيعة الحركة الإسلامية السودانية، المتحررة الشورية وفق ما يبدو من مظاهرها.

(6)
وإذ تولى مكتب الفئات المختص، والذي ظل ضمن الأجهزة المستترة، لاسيما شقه الأمني المعلوماتي الذي كان يستقصي أحوال العاملين في الأجهزة الرسمية، بين يدي كل الانتخابات النقابية وانتخابات العمل والمهن منذ أول الحركة، ثم انتظم واتصل بكفاءة وفعالية مع مراحل التخطيط الاستراتيجي بعد المصالحة الوطنية عام 1977. بدأ في عهد الانقلاب مرحلة جديدة أشد حساسية وخطراً عن مجرد الفوز بكسب المقاعد في نقابة أو اتحاد، إلى المساس بجوهر عملية تأمين الثورة الإسلامية المفترضة، فوجدت عناصر الفئات ذات النزع الأمني والمعلوماتي في قوائم الصالح العام، سانحة لحسم تاريخ طويل من الصراع المهني والنقابي.
ورغم أن نائب الأمين العام من مقره الحصين، طفق يوضح في اجتماعاته حول تقارير الخدمة المدنية حرص الحركة الإسلامية أن تعمل من خلال أجهزة الدولة القائمة، وليس خلق أجهزة موازية، أو تعطيل صلاحيات العناصر غير الملتزمة، فإن واقع الأمر قد مضى في محاولة إعادة تركيب دولة السودان، بما يوافي أهداف الحركة الإسلامية، وبما يجافي أصول فلسفة تنظيم الحركة نفسها أن تذوب في المجتمع، فحاولت الحركة أن تمد ذراعيها لتحيط بجدار الدولة.

(7)
تولى شأن الأمن في الإنقاذ أولاً أحد قادة الجهاز قبل الانقلاب، وقد أصبح عضواً بمجلس قيادة الثورة، ثم استبدلته ( بؤرة القيادة الخفية ) سريعاً بضابط إسلامي كبير، من ذات دفعة رئيس الانقلاب، ثم عين أستاذ جامعي من قلب أجهزة الحركة الإسلامية نائباً له، لتبدأ قصة الحركة الإسلامية مع جهاز الأمن. تولى مسئولية الأمن لأول الانقلاب العميد إبراهيم نايل إيدام، ليخلفه الفريق محمد السنوسي، ثم عُين دكتور نافع علي نافع نائباً له.

(8)
رغم أن الكثيرين جلبوا أبناءهم طائعين فرحين، يبغون بناء لشخصياتهم بين يدي مرحلة تحول فاصلة في تاريخ الشاب نحو الجامعة، ثم المهرجانات السياسية التي انتظمت كل الساحات لدى التخريج، فقد أعقب كل ذلك حشد المتخرجين بالقوة إلى مطار الخرطوم، ثم إلى جبهات القتال في مناطق العمليات، مُخادعة لم تصدمهم في المقصد الذي سيؤخذون إليه، فشهدت شوارع العاصمة أرتالاً من اليافعين مُطاردين، وقد هربوا من الطائرات التي اُعدت لتحملهم كرهاً إلى الحرب، قبل تَبَلّغ السمعة السيئة لتجربة الخدمة الوطنية كل انحاء السودان، ليحيط المكر السيء بأهله في مأساة معسكر ( العليفون )، بين يدي عيد الفطر المبارك في مذبحة أخرى، جددت ثانية ذكرى الدم المهراق في الأعياد من قِبَل قادة حركة الإنقاذ الوطني الذي هو المسمى للانقلاب. لكن المُخادعة أفضت إلى سمعة سيئة لجهاز الخدمة الوطنية، وأسدت ضربةَ ثانية لقطاع الطلاب في الحركة الإسلامية، كما لم تثمر نصراً في الحرب، إذ لم يقاتل اليُفَّع المقهورون بما يصدّ غوائل الهجوم المجتمِع، الذي أخذ يتبلور من كل الحدود، كما أضيرت ذات سمعة المشروع الحضاري، إذ لم يعقب الحادثة السؤال والتحقيق والعقاب بل رُعت الأقلام وجفّت الصحُف.

حاشية :
(في 21/4/1998 م غرق في النيل نحو (70) طالباً من بين (1162) حُشدوا في معسكر السليت بمنطقة العليفون، وهم يحاولون الهرب بالمراكب على الضفة الشرقية للنيل، بعد أن تأكد لديهم مخادعة الأخذ بالقوة لمناطق العمليات. وفيما صرَّح "عبد الرحيم محمد حسين "وزير الداخلية لصحيفة الشرق الأوسط من القاهرة: " يبدو أن سبب الهروب هو كرههم للقتال وخوفهم منه فضلاً عن أنهم أُجبروا على دخول المعسكر ")

(9)
زاول التعذيب في بيوت الأشباح عناصر من الاستخبارات العسكرية، شاركتهم عناصر من أبناء الحركة الإسلامية وعضويتها، وجرت بعض مشاهده أمام عيون الكبار من العسكريين الملتزمين وقادة أجهزة الحركة الخاصة. واستنكرته كذلك فئة من أبناء الحركة، واعترضت بالصوت العالي عليه داخل أجهزة الحركة، ولكنها لم ترفع صوتها للخارج بالاعتراف أو الاعتذار في تلك الحقبة للذين وقع عليهم الظلم العظيم، من كبار قادة المعارضة وصغارهم.
وإلى تلك العقيدة التي ما لبثت أن استشرت روحاً سائدة في أروقة الأجهزة الأمنية، يمكن أن تُفهم الجرأة البالغة لاتخاذ بعض قراراتها، والحماس الشديد لإعدام كبار الأطباء الذين شرعوا في محاولة للإضراب، أو تورطوا فيها، أو ما وقع بالفعل من إعدام لبعض المتاجرين في النقد الأجنبي بمن فيهم الذي أخطر المحكمة الميدانية الايجازية المستعجلة، أنه يحفظ المال ورثاً لا تصرفاً وبيعاً ، وفيهم كذلك أبناء لرموز في الديانة المسيحية، كانت الثورة تحتاج أن تحفظ معهم عهداً ووداً ينفعها في عمرها الوليد، وفي المستقبل ومما حرصت الحركة الإسلامية في سالف تجربتها أن تحسن رعايته. وإلى تلك الجماعة وتلك الروح تُعزى المجزرة المتعجلة التي ارتكبتها قيادة الانقلاب وقيادة الحركة ممثلة في نائب الأمين العام في (28) من ضباط القوات المسلحة - رحمهم الله - وأضعاف العدد من ضباط الصف، بعد محاولة انقلابية فاشلة حاول المسؤولون عن تأمين الانقلاب أن يبرروا استيلاء الانقلابيين المضادين فيها على مواقع بالغة الخطر، بأنها تركتهم يعملون أمام بصرها حتى يتورطوا بالكامل ويُقبض عليهم مُجرمين. وسوى مجافاة ذلك الزعم للقانون والأخلاق، فإن مجافاته للحقيقة بدت غالبة، إذ أن الأمور قد انفلتت بالفعل من أيديهم فجر التنفيذ، وعوضاً عن إعمال آلية الدقة في المراقبة أعملت آلة العنف في الانتقام، ما زُعم أنه رسالة للقوات المسلحة لتكف عن الانقلابات، لكنها لم تفعل وبقيت المسؤولية في عُنق الإنقاذ إلى اليوم، أن تُخطر ذوي الشهداء كيف تمت المحاكمة، وبأي قانون، وأين دُفنوا وماذا تركوا من وصايا ومتعلقات الشخصية. كان رئيس مجلس الانقلاب في مزرعة أحد قيادات الحركة الإسلامية في العيلفون .

(10)
جهل تنظيم الإخوان المسلمين الفرق بين الدولة والسلطة. واختلط الأمر على أمينهم العام التفريق بينهما، فأطلق العضوية الجوعى لتنال من الدولة وكأنها غنيمة لدى التنظيم. فتفرقت الدولة ووظائفها المدنية والعسكرية والأرض بما رحُبت، وصار غنيمة للتنظيم. وكما قال أحد قياداتهم، سيسلمونها لنبيى الله عيسى!، عندما يرث الله الأرض ومن عليها!.
لقد فهم الغرب منذ زمن طويل العلاقة بين السلطة والدولة، فوضعوا عقد اجتماعي سطروا به حدود السلطة والدولة وموقف المواطنون منهما. أرى إن هذا هو لُب الموضوع فيما نعانيه اليوم، فلو فُهمت الاشكالية وفُرق بين مفهومي السلطة والدولة، لما أغلقت الطرقات وعطل العمل وأوقف الانتاج. لو فُهمت معنى الدولة لما اُحرقت الغابات، وأُتلفت الحاويات وكُسرت الطرقات، وأُلقيت الفضلات كيفما اتفق، وحطمت أبواب المستشفيات وأُهين الاطباء. إن على الحكام أن يغيّروا اتجاههم نحو وعي الدولة ومستلزماتها، وأن يبتعدوا عن وعي السلطة ومحاصصتها وفسادها.

(11)

هذا بعض ما ورد في مستندات وثائقهم. لا يعدو أن يكون قمة جبل الجليد، فلم تزل الأُسر تسأل عن أبنائها الذين افتقدتهم منذ الأيام الأولى لسلطة " الجماعة "، وسلسلة من الجرائم طوال ثلاث عقود من الزمان. هناك جرائم مركبة ومتقاطعة بالحرص والخوف من الانتقام، مع العلم بأن الشعب السوداني طيب ولم تقتل الديمقراطية السودانية مجرماً، ولكن الساكتين على تلك الجرائم شياطين خُرس، كانوا يؤدون أدوارهم في قصة الشمولية وكانوا يعرفون تفاصيل التفاصيل.
ضد كل مؤسسات الخذلان، بأئمتها و كتاتيبها ومدارسها، وما اصطُلِح على تسميتهم هيئة العلماء وخلايا أمنها التي تقف دون نزع أسنان الشر. ضد هذه الصمدية المفرطة التي أباحوا بها لأنفسهم أن يُمسكوا دفة الحكم وهم الذين أتوا بليل وخرقوا الدستور. لم يختارهم أحد. وظفوا هم كل سبل (الاقتلاع من الجذور ) لتدمير الآخرين، الذين يختلفون معهم وضد مشروعهم الذي يحكمون به. وقد خربوا الأرض والموارد وشردوا البشر وقسّموا البلاد. اقتلعوا شجرات مؤسساتٍ اقتصادية راسخة من جذورها، بدلاً من تطويرها. جردوا مؤسسات الدولة من الحيادية والنُظم وحولوها مُتعة لأربابهم وأبنائهم وبنات التنظيم وسدنتهم، ومورداً لأموال السحت. استباحوا الأرض ووقّعوا المواثيق، التي أفضت إلى المؤامرة الكبرى لتقسيم السودان إلى دويلات، دون وعي منهم بالحروب المفتوحة في أرض الرعاة، الذين حملوا عبء اقتصاد الدولة طوال قرنين من الزمان. كانت " الجماعة " أحرص الجميع على تلبية متطلبات الدولة العظمى الأولى في هذا العالم، بتطبيق أحلام " الفوضى الخلاقة " في أرض الواقع. وقدمت لها خبرات التدمير بلا ثمن، إلا أن يبقوا مستمتعين بأن يكون الوطن غنيمة وموارد أهله والأرض فيئاً يتوزعونه بينهم.


عبدالله الشقليني

25 مايو2020

alshiglini@gmail.com

 

آراء