في أوج سنوات العتمة الكيزانية ؛ يقال ان مسؤولاً انقاذياً زار احدى القرى ، و في خضم وعوده الجوفاء في لقائه الجماهيري كعادتهم اعلن تبرعه بتأسيس مدرسة ابتدائية ؛ فتجاوب معه الناس بالاستحسان ، فلم يتمكن من ضبط حماسه أمام هتافات المواطنين فحولها الي مدرسة متوسطة ثم ثانوية، والناس مازاوا يهتفون . عندها قال لهم (والله هسة اعملها لكم جامعة). وهو تجسيد عملي للفوضى التي اصابت الدولة السودانية.
(2) قبل أكثر من عشر سنوات و في إجابة حول أزمة القيادة و وعي المجتمع قلت النص التالي: ((من المحزن ان قياداتنا السياسية موزعة بين العشائرية الطائفية و الشمولية العسكرية – وكلتاهما تقتات على فتات القبلية و الجهوية الرخيصة و من المؤلم ان تلك القيادات ستستمر لبعض الوقت قياسا على غياب مفهوم القومية في ذهنية فئة الشباب رغم الاتساع الكمي في التعليم اشفق كثيرا على خطب بعض الاكاديميين من قادة الانظمة الشمولية- رغم حصول هؤلاء على شهادات اكاديمية رفيعة من جامعات غربية و تواجدهم بالسلطة لاكثر من عقدين و اخيرا تجاوزهم للعقد الخامس او السادس من العمر الا ان فهمهم السياسي في مستوى عضو اتحاد مدرسة ثانوية – فهم مازالوا يفكرون و يتصرفون بعقلية طلاب المرحلة الثانوية.اما زعماء الاحزاب الطائفية رغم سماحة خطابهم السياسي فهم في حاجة للتخلص من العقلية الاقطاعية . و الامر الجوهري هنا ان القيادة لن تستطيع صنع الشعوب لكن الشعب الواعي هو وحده الذي يصنع القيادات لذا فان استنارة المجتمع اولى من وجود قائد مفكر. لكن يبقى الامل معقودا على القوى اليبرالية. رغم انني لا انتمي اليهم الا ان اطروحات شباب الحزب الليبرالي السوداني تلامس اشواق الناس للمستقبل)). إنتهى الإقتباس.
(3) في العهدين العسكريين الشموليين- مايو و الانقاذ أصبح الوطن و المواطن مجرد ممتلكات للحاكم. يسلب و ينهب كيفما يشاء ، يقتل و يسحل و يسجن و يعذب من يشاء . الحاكم الانقلابي و اعوانه نصبوا انفسهم وكلاء للرحمن في أرض السودان ؛ يوجدون مبرراً دينياً لكل عمل شنيع يقومون به. لديهم خياطين مهرة في تفصيل القوانين و أحكام الذكر المبين على مقاييس الحاكمين . ما كانوا يكترثون بالناس و لا بمطالبهم أو أشواقهم .
(4) رغم تلاشي نبوءتهم الكاذبة عن الاحتفاظ بالحكم الي حين تسليمه الي نبي الله عيسى (عليه السلام ) ؛ إلا أنهم و إلي وقت قريب كانوا يتوهمون بالعودة اليه في اي ساعة يشاؤون و ذلك إستنادا الي أجسامهم الأمنية الكرتونية و التي لم تصمد أمام سيول الغضب الشعبي. و لم يفقدوا الأمل إلا بعدما تيقنوا ان السلطة اصبحت بيد الشارع ، لا بيد مجلس السيادة أو الوزراء ؛ فآثروا الكهوف و المخابئ أو الهروب عبر دول الجوار .
من الجميل ان نشهد اليوم الذي نراهن فيه على وعي المجتمع و ليس على عبقرية الحاكم ، ليصبح الشعب هو الحاكم بأمره و الحامي لثورته !!