جهاز المغتربين.. إعادة تسويق الوهم القديم
(كلام عابر)
شاهدت تسجيلا للقاء الذي أجرته جمعية الصحفيين السودانيين في العاصمة السعودية الرياض في 11 يوليو 2020 مع السيد مكين حامد تيراب الأمين العام الجديد لجهاز المغتربين وذلك عبر تقنية زوم. رغم حسن الاختيار للمنصب إلا ان عددا كبيرا من المغتربين،وأنا واحد منهم، كانوا وما زالوا يتمنون ان تطيح الثورة بهذا الجهاز وأن تحول مقراته لمقار علاجية أو تعليمية وأن تسرح جيوش الطفيليين المتبطلين العاملين فيه وتوزع الصالح منهم على مرافق حكومية اخرى قد تكون بحاجة لخدماتهم، لكن قدر الله وما شاء الله فعل وجاء السيد مكين أمينا عاما جديدا إيذانا بكتابة عمر جديد،نتمنى ألا يطول، لهذا الجهاز العاطل.
على مدار السنين ظللنا نكتب،وظل غيرنا يكتب،عن جهاز المغتربين نمني النفس بتصفيته.لا بأس من التكرار هنا للمرة التي نتمنى أن تكون الأخيرة بإذن الله. تأسس الجهاز في سنوات السبعين من القرن الميلادي الماضي وكان النميري يرمي لاتخاذه آلة إضافية للسيطرة الأمنية على المغتربين من جهة ومن جهة أخرى العمل على فرض وجباية أكبر قدر ممكن من الأتاوات والجبايات على المغتربين وربط سدادها الإلزامي بكافة معاملات المغترب من تجديد جواز واستخراج تأشيرة الخروج وغير ذلك،وكان تحصيل هذه الإتاوات يتم عبر كثير من التعسف الذي يبلغ سوء الأدب أحيانا من قبل الموظفين الذين يتعاملون مع المغترب سواء كانوا في السفارات أو جهاز المغتربين أو المرافق الحكومية الأخرى. فوق ذلك كان المغترب مجبرا على دفع ما أسموه بالزكاة وهي أتاوة خارج كل الضوابط والأحكام الشرعية. حشف وسوء كيل أو سخرة وخم تراب أو ميتة وخراب ديار، سمه ما شئت. من أجل أن المغترب معاملاته،وعلى وجه الخصوص الحصول على تاشيرة الخروج أو تجديد جواز السفر، كان يضطر للتعامل مع شبكات الوسطاء المنتشرة في الشوارع وفي داخل المكاتب الحكومية داخل وخارج دولة السودان. هي ممارسات بغيضة يغض عنها الطرف حينا وينكر وجودها حينا آخر.
لنعد مرة أخرى للقاء جمعية الصحفيين السودان في الرياض بالسيد أمين عام جهاز المغتربين. عدد سيادته إنجازاته في الفترة القصيرة التي أمضاها في منصبه فاستهلها بإنجاز إلغاء تأشيرة الخروج وهو فعلا إنجاز طيب استعاد حقا أساسيا للمواطن السوداني سلب منه منذ سنة 1966 لكن إلغاء تأشيرة الخروج جاء ضمن قوانين جديدة ألغت القوانين المقيدة للحريات ومن بينها تأشيرة الخروج، فضلا عن أن إلغاء تأشيرة الخروج والقوانين الأخرى المقيدة للحريات يسري على كل أهل السودان، وبالتالي فمن الصعب أن نعزي الفضل في إلغاء تأشيرة الخروج لأمين جهاز المغتربين مشتركا أو منفردا، فهو إنجاز من إنجازات الثورة. من انجازات الأمين العام أيضا هيكلة الجهاز والتخلص من العمالة الفائضة العاطلة وهو أمر طيب لكن يظل الإنجاز الأكبر المنتظر هو التخلص من جهاز المغتربين بأكمله(وكل حي يروح لحاله).
أمّن اللقاء على مطالب تعديل قوانين الجهاز ليحصل على الصلاحيات اللازمة التي تمكنه من أداء واجباته وتحقيق أهدافه، وكما تطرق لعالجة مشاكل تعليم أبناء المغتربين ومعاملتهم في القبول في الجامعات وفي سداد رسومها مثل سائر أبناء السودان، وإلغاء الضرائب والزكاة المفروضة على المغتربين. إلى ذلك، كشف الأمين العام للجهاز عن خطط لتنفيذ ثلاث مدن سكنية للمغتربين في الخرطوم متكاملة الخدمات ومن بين هذه الخدمات المراكز التجارية والمدارس بقيمة 100 مليون دولار والتي سيتم تشييدها في الأراضي التي استردتها لجنة إزالة التمكين.ثم يتواصل تسويق الوهم باقتراح العمل على تعيين ممثلين لجهاز المغتربين في السفارات السودانية في البلدان ذات الكثافة العددية للمغتربين متجاوزا الحلم القديم بتعيين ملحقين عماليين في تلك السفارات ليكونوا بذلك أول ملحقين من نوعهم في كل سفارات الدنيا. تستحضرني في هذا المقام أحلام مستثمر عربي معروف بتحويل غابة الخرطوم لمجمعات سكنية وترحيل معرض الخرطوم لسوبا أو الباقير والاستفادة من موقعه في إقامة عمارات سكنية وإنشاء مزارع ضخمة في طيب الذكر مشروع سندس وتشييد فلل سكنية فاخرة في سنار وتشييد أبراج تتجاوز أدوار الواحد منها الثلاثين دورا في موقع فندق قصر الصداقة في الخرطوم بحري، وإلى آخر هذه الأوهام التي انتهت بتبديد أموال ذلك المستثمر وانتهت به هو نفسه ملاحقا في بلاده من المودعين المطالبين باسترداد رؤوس أموالهم.
السيد الأمين العام يعيد تسويق نفس الوهم القديم في صورة جديدة تستلهم روح الثورة وحالة التفاؤل والترقب التي تسكن النفوس ويهيأ له أن ما لم ينجزه الجهاز العاطل على مدى أكثر من أربعين سنة سيتمكن هو من انجازه في مقبل أيامه. لا شك أن الرجل الذي كان مغتربا في الرياض قد حمله لمنصبه رصيد وفير من القدرات الشخصية والاستقامة والسيرة العطرة، رغم أني لم أتشرف بمعرفته معرفة شخصية. الإنجاز العظيم الذي سيحسب له هو العمل على تصفية جهاز المغتربين بالتعاون مع السلطات المختصة، وترك المغتربين وشأنهم للتعامل مع الأجهزة الحكومية بلا وسيط أثبت أنه كان عبئا عليهم في جميع الأوقات، ويمكن للمغتربين معالجة أمورهم لدى الجهات الحكومية بأنفسهم شأنهم في ذلك شأن أي مواطن سوداني،أو في حالة تعذر ذلك تتم المعالجة بواسطة كياناتهم وتجمعاتهم المهنية والجهوية المنتخبة عوضا عن جهاز المغتربين أو أي وسيط آخر، وليكن وجود السلطة الحكومية في حياة المغترب، علاوة على السفارات، ليكن وجودا إيجابيا ممثلا في ملحقيات عمالية في نفس السفارات مثلما هو متبع في كثير من البلدان المصدرة للعمالة، ويكون من بين مهام هذه الملحقيات العمل على إزالة التمييز السلبي ضد المغترب، وكل ذلك لا يتطلب وجود جهاز مخصص للمغتربين. كل هذا لا يمنع من الاستفادة من قدرات ومؤهلات السيد مكين حامد تيراب في موقع آخر سيكون السيد مكين إضافة كبيرة له إن شاء الله.
(عبدالله علقم)
abdullahi.algam@gmail.com