تمر هذه الأيام ذكرى مقتل جون قرنق في حادث طائرة غامض في اواخر شهر يوليو عام 2005، يُشار لقرنق بكونه وحدوي، هذا على الرغم من أنه ظل يغذي ماكينة الانفصال ولسنين طوال بوقود التهميش؛ ومعها أحاديث المواطنة من الدرجة الثانية؛ والتفرقة الدينية؛ وأحاديث الاسلمة والتعريب القسري وما إلى ذلك من مواضيع خلافية؛ منذ انضمامه للحركة عام 1983م وإلى حين انخراطه في مفاوضات السلام، وبما انك لن تجني من الشوك العنب؛ فقد أدى هذا لإقدام الجنوبيين وقد شحنوا بهذه الأفكار؛ سواء من قرنق أو من غيره؛ للتصويت على الانفصال بنسبة 99%.
ذكر قرنق في خطابه ارسله للصادق المهدي في 31/1/2000م بعضاً من هذه الأفكار، ولم يكتف بالأسلمة والتعريب وحسب، بل عرج على موضوع قديم وأضافه لقائمته وهو موضوع الرق مطالباً بدفع تعويضات، ومن ضمن ما قاله ناعياً اطروحات الصادق(1): (إن ريادة الأفكار الجديدة وصف يصعب تماماً أن نطلقه على الرجل والحزب الذي ظلت دعوته الأساسية هي فرض الأسلمة والتعريب على جنوب السودان، وفي هذا الخصوص، دعني أذكّرك بالمحاضرة التي ألقيتها في الخليج منذ فترة ليست بعيدة، والتي ذكرت فيها، وبلا حياء، وفي العلن، عن ضرورة تعريب وأسلمة جنوب السودان، وقد تكررت هذه الأفكار في بحثك المعنون «مستقبل الإسلام والعروبة في السودان). واستطرد قرنق كاتباً: (أثناء مداولات المؤتمر الإفريقي الجامع، الذي عُقد بكمبالا عام1994م، قدم عدد من الأفارقة الذين يعيشون في أمريكا اقتراحاً بمطالبة تجار الرقيق الغربيين بتقديم تعويضات عن عملهم ذاك. وقد دار حوار مثمر ورفيع حول هذا الأمر، لكن في النهاية أُجيز الاقتراح الذي يطلب من أبناء تجار الرقيق تقديم هذه التعويضات. وفي حالة السودان، قدم الاستاذ محمد إبراهيم نقد كتابه الموثق عن الرق في السودان في فترة المهدية.. ولن يكون مفاجئاً أن يتقدم بعض أبناء الجنوب بطلب تعويضات من عائلة المهدي عن تجارة الرق التي تمت في عهدهم.. وربما يجب التذكير بأن بعضاً من ثورة آل المهدي الحالية كان عائدها من تجارة الرق، ويمكن توثيق ذلك من كتاب الاستاذ نقد. إننا نتوقع منك اعتذاراً وتكفيراً عن هذا الأمر في إطار أي مصالحة وطنية حقيقية). انتهي الاقتباس. بالطبع لا يمكن تحميل قرنق المسؤولية كاملة لوحده عن كافة الأحداث فقد كان هناك (قرنقات) آخرون امثاله شماليون، وكانوا يتحركون في الاتجاه المعاكس وقد فشلوا في ادراك اهمية التنوع واحترام تعدد الثقافات؛ واعتقدوا أن بإمكانهم نسخ صورة واحدة لكل مواطني السودان وتذويبهم فيها دينياً ولغوياً وثقافياً. ولا يعني هذا ان اطروحات قرنق لها ما يبررها، فالصدام أتى حين لم تحترم بعض نخب الأغلبية رأي الأقلية، وبالمقابل حين لم تحترم بعض نخب الأقلية رأي الأغلبية. ورأت هذه النخب جميعها أن العنف هو خير وسيلة لفرض الاحترام؛ وانتزاع ما ترى أنه حق مسلوب. وقرنق لم يكن استثناءً فهو مثلهم لم يتورع عن استخدام العنف لتحقيق مآربه. فقد كان رجلاً باطشاً، لا يتردد لحظة في قتل رفاقه من قادة الجيش الشعبي لتحرير السودان إن تحولوا من خانة الرفاق لخانة الخصوم، ولا يتوانى عن اعتقالهم وتعذيبهم متى ما بدرت منهم بوادر تمرد أو انشقاق؛ أو اشتم منهم رائحة عصيان أو تكتل ضده. وللتغطية على هذا الجانب المظلم كان لابد من الترويج لقرنق باعتباره بطلاً اسطورياً يدافع عن حقوق الضعفاء من أهل الهامش، ضد ما اعتبروه مركز قوي مُستغِل؛ ينوء بكلكل على هامش ضعيف مُستَغل. مع أن واقع الحال يقول إن السودان كله هامش، إذا استثنينا عاصمته والتي هي الأخرى تَعِجُّ بالمهمشين، فإنسان الشرق يعاني من العطش في بورتسودان وغيرها مثلما يعاني منه إنسان كردفان، والمدارس تنهار على رؤوس طلابها في الشمال كما تنهار في الغرب. ولدغات العقارب تقتل الناس في بلاد الرباطاب مثلما تقتل عضات الثعابين في تلودي، وبالتالي فان عباءة التهميش الممزقة ليست مفصلة على مقاس بعض الناس دون الآخرين. قرنق نفسه وهو من المروجين لنظرية الهامش والمركز، وقدم نفسه باعتباره من الثائرين على المركز والمناصرين للهامش، كان أول الضاربين عرض الحائط بهذه النظرية في تعامله مع مكونات جيشه، فقد جعل من الدينكا مركزاً وغيرهم من القبائل هامشاً؛ كالشلك والنوير وبقية القبائل الصغيرة، وكان هذا من اسباب نشوء اضطرابات وانشقاقات في حركته عدة مرات، ومن اسباب نشوب الحرب الأهلية في دولة جنوب السودان فيما بعد مع أسباب أخرى. أما أكثر من تعرض للتهميش في حركته فقد كان أبناء النوبة الذين ساندوه فاستغلهم في الاعمال الصعبة كنقل الذخائر والمؤن وسط الأحراش؛ وغيرها من أعمال سخرة مرهقة، وقيامه بوضعهم في الخطوط الأمامية التي يقع عليها عبء تلقى ضربات الطرف الآخر الأولى. وقد اشرف عبد العزيز الحلو على نقل سلاح الحركة الشعبية في بواكير سنواتها سيراً بالأقدام من أثيوبيا إلى جبال النوبة بواسطة أبناء النوبة؛ الذين مات العديدون منهم لأن عملية النقل استغرقت ستة أشهر كاملة. ويورد د. تيسير محي الدين في مقال له عن أحد قيادات النوبة وهو يوسف كوة مكي صوراً عن هذه الافعال(2): (يوسف كوة أثناء القتال والحرب لم يكن يخالف الجنوبيين في رأي ولم يكن يحب أن ينتقده أو يخالفه ضباطه من هم تحت إمرته ودونه في الرتبة وخاصة ضباط النوبة، ولم يكن يتحكم في شأن القوات النوبية وزمام أمرها وتنقلاتها وعملها بصورة كبيرة؛ وبل كان الجنوبيون يستخدمون أبناء النوبة في المعارك الضارية والحاسمة والصعبة؛ والذين يُعرف عنهم قدراتهم القتالية العالية وثباتهم وصبرهم؛ وكانت معظم معارك الجنوب يخوضها أبناء النوبة وخاصة المقاتلين المميزين منهم وباستغلال كبير من قيادة الحركة الجنوبية). ويقول تيسير: (وحيث يقال أن يوسف كوة هو السبب في مصرع واغتيال عوض الكريم كوكو ومعه بعض الضباط من أبناء النوبة حينما أرسلهم للجنوب، واتهمهم بالتآمر عليه ولقوا حتفهم هناك؛ وذلك عقب قيامهم بالاحتجاج إليه بشأن ظلم قيادة الحركة الشعبية لأبناء النوبة وطالبوه بضرورة اتخاذ موقف وإزالة الظلم الواقع عليهم). رفض قرنق في دفاعه عن سجله في موضوع حقوق الإنسان تقارير منظمات حقوق الانسان الدولية؛ وآثر الاعتماد على تقارير المنظمات الطوعية، فقد ذكر قرنق في الخطاب نفسه الموجه للصادق المهدي المشار اليه: (ان الحركة الشعبية/ الجيش الشعبي لتحرير السودان، كما تعلم، ليست حكومة ملزمة بالمواثيق والاتفاقيات الدولية المعروفة، إنها حركة تحرير تخوض حرباً من أجل قضية عادلة، لكنها، رغم هذا، تلتزم بقوانين الحرب الدولية المعروفة، وبالتعامل الحسن مع المدنيين الأبرياء، وأسرى الحرب.. وسجلّنا في هذا المجال كتاب مفتوح للجميع، خاصة أولئك الذين يعملون في محيطنا. فهناك أكثر من «40» منظمة طوعية تعمل في المناطق المحررة، وهؤلاء هم أقدر الناس على الحكم على سجلنا في مجال حقوق الإنسان، وليس أولئك الذين يقررون من أماكن قصية في العالم. لقد بنيت اتهاماتك على أقاويل، وتقارير صحفية، وتقارير لمنظمات حقوق الإنسان الدولية، معظمها مبني على الأقاويل، وتعتمد على مصادر ثانوية مشكوك فيها). انتهى الاقتباس. ولم يتورع قرنق عن تجنيد الأطفال في مخالفة واضحة للمواثيق الدولية، وفي حوار اجرته جريدة الوسط بتاريخ 14/12/1997م مع يوسف كوة وجهت له هذه الأسئلة (3): - الحركة الشعبية لتحرير السودان متهمة بتجنيد الاطفال الجنوبيين وعسكرتهم، فما هو ردك، مع العلم بأنك كنت مدرساً في السابق؟ – هذا الموضوع حساس جداً، لأنني لا انكره ولا اعترف به، فنحن في حالة حرب وقد اغلقت المدارس ابوابها وأمامنا آلاف الاطفال، فرأت الحركة ان تذهب بهم الى معسكرات آمنة عند الحدود السودانية – الاثيوبية لمواصلة تعليمهم. لكنهم يرفضون الدراسة ويفضلون المشاركة في القتال لأن معظمهم تجند في الحركة حسب رغبته، وقد جاءني طفل من جبال النوبة من منطقة لقاوة وجدته مجنداً مع القوات فأخرجته من الصفوف وأسكنته معي في منزلي وأرسلته للدراسة في اثيوبيا، لكنه هرب ليلتحق مرة اخرى بالحركة الشعبية. - لكنني رأيت صوراً لأطفال يحملون صناديق الذخيرة فوق رؤوسهم ويسيرون مع قوات الحركة؟ – لا استبعد ذلك. كانت هذه اجابات يوسف كوة مكي، وفيها اعتراف بهذه المخالفات. منهج قرنق السياسي كان منهجاً براغماتياً، لا يستند على مبادئ معينة ولا على قواعد فكرية ثابتة تكون منطلقاً لبناء رؤية شاملة تقدم الحلول المتكاملة لمشاكل السودان. فقد كانت البندقية الآتية من تمرد الكتيبة 105 هي المرجعية الأولى والأخيرة، ولتلافي هذا النقص لجأ لاحقاً لتقديم ما يسميه (السودان الجديد)؛ وقدم طرحه هذا باعتباره المنقذ من الضلال لأهل السودان كافة ونجمهم الذي به يهتدون. والفكرة مبنية على اساس ان السودان كان مستعمراً بواسطة الإنجليز؛ فلما خرجوا منه جاء مستعمرون جدد هم الشماليون وحلوا محلهم. ويقدم موقع الحركة الشعبية على الفيس بوك بتاريخ 12/8/2019 تفسيراته للموضوع حيث يذكر (4): (ماذا فعل المستعمر الجديد؟ عمل على بناء دولة مركزية أحادية الشكل، تعمل من اجل دولة سودانية عربية اسلامية، دون مراعاه لحقوق الاخر المختلف ثقافيا، وشرعت في مشروع اعادة انتاج هذا الاخر المختلف عن طريق الاسلمة والتعريب وانتهاج شرعية العنف للبقاء واستخدمت كل ادوات السلطة من (مدارس- اجهزه اعلامية - اجهزه امنية ) لتحقيق هذا المشروع . علية رأت الحركة الشعبية لتحرير السودان ،بما أن الاستقلال لم يتم بعد، بل اعاد انتاج المستعمر في ثوبا جديد، فعلى الحركة أن تكون حركة تحررية ضد هذا الاستعمار الاسلاموعروبي .. عبر مشروعا سياسيا متكامل يسعى لإعادة بناء الدولة السودانية ،يسمى مشروع السودان الجديد). هذا الطرح من جانب الحركة يخلط بين مفهوم وجود الشماليين في شمال السودان ووجودهم في جنوب السودان، وشمال السودان لا تعني الشمال الجغرافي فقط بل تعني الشمال والشرق والغرب. فاذا قبلنا بفكرة ان وجودهم في جنوب السودان هو استعمار جديد، فكيف سنفسر وجود هؤلاء الشماليين في شمال السودان وهو موطنهم وننظر له كاستعمار جديد يتطلب وجود حركة شعبية لتخلصهم منه؟ ولكن خلافاً لذلك يرى أتيم سايمون مبيور (5) (إن أطروحة "السودان الجديد" التي قدمها الدكتور جون قرنق دي مبيور، انبنت على قراءة سياسية عميقة للأزمة السياسية السودانية وناقشت غياب المشروع الوطني السوداني الذي يؤسس لبناء دولة ديمقراطية علمانية موحدة، وحدة طوعية حقيقية بين شتي مكونات القُطر السوداني دونما تهميش أو اقصاء تنموي أو سياسي أو ثقافي . وحسب رأي اتيم: (فقد مثل مشروع قرنق السياسي قفزةً كبيرةً في تحليل مُعطيات الواقع السوداني وتعقيداته، خاصة وإنه أعاد النقاش حول العديد من تابوهات السياسة السودانية كمشكل الهوِّية وسؤال الدين والدولة، بجانب مُعادلة نظام الحكم في الدولة السودانية من خلال المطالبة بضرورة التركيز علي (كيف يحكم السودان؟)، بدلا عن السؤال القديم المتجدد (من يحكم السودان؟( لكن والرأي لأتيم: (أن مشروع قرنق السياسي لم يتجاوز مرحلة طرح الملامح العامة للخروج من المـأزق السياسي، إذ لم يتعمق في تفكيك ما قدمه من فرضيات، وذلك ببساطة لأن جُهده كان موزعاً ما بين بناء جبهة المقاومة العسكرية عبر الجيش الشعبي لتحرير السودان الذي باعتباره الأداة الأنجع للإبقاء على الحركة السياسية قيد الحياة . ويستطرد أتيم: (من أكبر المُعضلات التي واجهت مشروع السودان الجديد منذ بدايته كان الصراع الذي نجم جراء طرحه، مع غُلاة القوميين الجنوبيين، الذين وقفوا رغم أنهم كانوا قادة سياسيين، ضد أهداف الحركة الشعبية، خاصة القائلة بوحدة السودان، كما أن غالبية الجنود الذين انضموا للجيش الشعبي كان هدفهم الأساسي هو الحصول على السلاح والتدرُب في المعسكرات التي أسسها (قرنق) داخل الأراضي الأثيوبية ومن ثم العودة لطرد العرب السودانيين وتكوين دولة مستقلة في الجنوب). انتهى الاقتباس. ذكرنا أن قرنق كان براغماتياً عملياً وسنري أن هذه البراغماتية العملية في التفكير جعلت منه رجلاً تكتيكياً يلبس لكل حالة لبوسها؛ ويتعامل مع الوقائع بأسلوب المدى القصير أكثر من كونه استراتيجياً يتطلع للمدى الطويل، وبما أن الأمور في نهاية المطاف تقاس بنتائجها، فقد كانت نتائج تنظيره مخيبة للآمال، فقد فقدت فكرة السودان الجديد أهم ركائزها وهي وجود سودان موحد، كما صار الجنوب المنفصل نهباً للحرب والمجاعة. وسنلقي هاهنا نظرة على أهم المحطات التي رافقت مسيرة قرنق: 1- البداية الرسمية للحركة الشعبية لتحرير السودان كانت في 16/5/1983م، فقد تم تكليف الرائد كاربينو كوانين بالتوجه نحو الشمال في مايو 1983، في إطار تنقلات روتينية للقوات المسلحة لكنه قام بعصيان الأوامر ولاذ بالغابات وبرفقته الكتيبة 105، ولحقت به الكتائب 106 و107 و104، ثم العقيد جون قرنق الذي كان يقضي إجازته السنوية في مسقط رأسه في مدينة بور الصغيرة. فاندلعت حرب استمرت حتى عام 2005 اكلت الاخضر واليابس حرب قتل خلالها أكثر من مليوني شخص إضافة إلى تشريد الملايين. 2- بعد حوالي عام من التحاق قرنق بحركة التمرد قامت انتفاضة عام 1985 وجاءت بسوار الذهب رئيساً مؤقتاً للسودان، وأول ما قامت به هذه الحكومة الانتقالية هي مد يدها مصافحة لقرنق، وقدمت له باقات الورد عربون محبة، لكنه رفض هذه اليد الممدودة ورمى بوردها وازاهيرها في التراب، ووصف حكومة سوار الذهب بأنها مايو (2). وكان في ظنه أن العساكر سيتشبثون بالسلطة وهي قراءة سيئة للأحداث؛ فقد خيب سوار الذهب توقعات قرنق وقام بتسليم السلطة للمدنيين حسب الموعد المحدد ولم يتأخر ولو يوماً واحداً؛ وسقطت مقولة مايو (2) وكانت أول اختبار لقراءات قرنق الفطيرة، وفي خلال هذه السنة من عمر حكومة سوار الذهب استمرت المعارك ومات الكثير من الجنود من الطرفين. وضع خطاً تحت الطرفين. 3- جاءت حكومة ديمقراطية منتخبة في عام 1986، هي حكومة الصادق المهدي واستمرت حوالي ثلاث سنوات ونصف السنة، وابدت الحكومة رغبتها الجادة في التفاوض معه، ولكن قرنق رفض لقاء الصادق المهدي بصفته رئيساً للوزراء وقبل بمفاوضته كرئيس لحزب الأمة، واستمرت المعارك واستمر الموت يحصد ارواح الفريقين، وقرنق يتقدم ويحتل المدن ووصلت قواته إلى مدينة الناصر، أي أنه انتهى من أمر الجنوب وتحول الآن للشمال. 3- في خطوة تكتيكية كانت لها عواقب خطيرة على السودان ككل كما سنوضح، استغل قرنق التنافس الحزبي بين الحزبين الكبيرين حزب والأمة والحزب الاتحادي الديمقراطي، فتخطى اتفاق كوكادام الذي عقده مع عدة أحزاب اكبرها حزب الامة، وكان هذا الاتفاق لا يلبي طموحاته بالصورة التي يتمناها، وقام بعقد الاتفاق المسمى باتفاق الميرغني- قرنق، قاصداً منه إحراج حكومة الصادق المهدي، وكان في حساباته أن تأتي الانتخابات القادمة بأغلبية معقولة لحزب الميرغني تجعل الحزب مشاركاً في الحكم من مركز قوة، ويكون بهذا الاتفاق قد ضمن لنفسه ادخال خمسين الفاً من جيشه ضمن الجيش الحكومي، وكان هذا واحداً من أهم شروط الاتفاقية، ويجعله يتمتع بمركز قوة لا يستهان به داخل الجيش، وبنفوذ قد لا يتوفر لقائد الجيش نفسه، ليس داخل الجيش وحسب؛ بل على المجرى العام للحياة السودانية ككل؛ بحيث لا يستطيع خباز في أحدى القرى أن يعجن رغيفاً واحداً ويدخله الفرن دون أذنه. 4 - كانت هذه قراءة أخرى فطيرة من جانب قرنق للواقع السوداني تضاف لقراءاته الخاطئة السابقة، فقد اسكرته انتصارات قواته وتقدمها نحو الشمال وتساقط القرى والمدن في يديه، وأعمته النشوة عن التنبؤ بالحراك السياسي والاجتماعي الذي يمور تحت القش الطافي على سطح مياه السياسة السودانية، ففشل بصفته مفكراً ومنظراً في أن يرى تحت الرماد وميض نار، واخفق في تقييم حجم القوى الأخرى المناوئة، وأسقط من حساباته قدرتها على الفعل والتنظيم، لذا كان اتفاق الميرغني قرنق بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، فقد استشعرت تلك القوى هذا الخطر المحدق ورفعت هذه الاتفاقية حالة اليقظة لبعض التنظيمات اليمينية المناوئة لليسار دوماً؛ وعلى رأسها الجبهة القومية الاسلامية وحلفائها؛ وحثتهم على التسريع بانقلابهم لقطع الطريق امام هذه الاتفاق، ودخل السودان بهذا الانقلاب مرحلة أخرى طويلة من مراحل الصراع، واستمرت الحرب واستفحل القتل بين الطرفين. ويتحسر قرنق على ضياع هذه الفرصة ولكنه لا يعترف بأخطاء قراءته بل يلقي باللوم على الصادق المهدي، يقول قرنق في الخطاب نفسه للصادق المهدي: (في عام 1986م، التقينا في كوكادام، في إثيوبيا، وكان حزبكم من أوائل الأحزاب التي وقعت على إعلان كوكادام الصادر عن الاجتماع، لكن سرعان ما تنصلتم من ذلك عندما أصبحت رئيساً للوزراء. وبعد عامين، وقعنا اتفاقاً مع الميرغني «مبادرة السلام السودانية بين الحزب الاتحادي الديمقراطي والحركة الشعبية عام1988م». وبرغم التأييد الشعبي الهائل للاتفاقية، كما عبر عن ذلك الاستقبال الكبير للميرغني في مطار الخرطوم بعد عودته من أديس أبابا، فإن أجهزة الإعلام الحكومية التي تقع تحت سيطرتكم، لم تجد في ذلك حدثاً يستحق التغطية؛ وقد وفرت المناورات البارعة لحكومتكم في تعويق الاتفاقية الوقت للجبهة الإسلامية للتحضير لانقلابها؛ وفي الحقيقة فإن ضم الجبهة لحكومتكم، وخطواتكم البطيئة نحو السلام، أعطى الجبهة الفرصة والوسيلة المناسبة لتنفيذ مخططها تحت الحصانة الكاملة). 5- خسر قرنق في معارك صيف العبور وما تلاها من معارك معظم مكاسبه العسكرية التي حققها طوال السنوات السابقة، وفي عام 2002 دخلت قوات الجيش والدفاع الشعبي مدينة توريت معقل قرنق الأخير؛ وفي هذه المعارك مات الآلاف من الطرفين. وازاء هذه الخسائر الجسيمة لم يبق امام قرنق من طريق سوى التفاوض بجدية عله يحقق بالتفاوض ما عجز عن تحقيقه بالقوة، فكانت الجولات الأخيرة للمفاوضات في نيفاشا على اشلاء القتلى ودماء الجرحى. 6- ظلت الحركة الشعبية كما يقول النور حمد (6) (تتحدث بشكل ثابت عن اقتلاع النظام السوداني من جذوره. كانت تتحدث ولوقت قريب عن "غزو الخرطوم)، ولكن بعد توقيع اتفاقية السلام دخل قرنق الخرطوم في عام 2005 ليس غازياً ولا فاتحاً على ظهر دبابة كما كان يحلم؛ وإنما راكباً ضمن ركاب طائرة مدنية، اقلته من رمبيك ومعه كبار قادته، قدمت لهم فيها المضيفات الوجبات الساخنة وأكواب القهوة. كان من الممكن الوصول لهذه النتيجة منذ عام 1985 حين مد سوار الدهب يده له مصافحاً؛ هذا لو كان قرنق يملك فكراً استراتيجياً وقراءة جيدة لمكونات الوطن السوداني؛ ورؤية ثاقبة لإرثه الثقافي والتنوع الذي يذخر به؛ وحجم الخصوم وقوتهم؛ وما كان الأمر ليستغرق منه حوالي عشرين عاماً من استعراض العضلات ليقرر فيها ان التفاوض ممكن، ولكان وفر على الوطن ملايين الأرواح التي ازهقت؛ والثروات التي صرفت، ولتجنب الوطن عبث الايدي الخارجية. اعترف قرنق بان تحقيق السلام في السودان كان ممكناً منذ العام 1986، لكنه لم يعترف باي مسؤولية تجاه ذلك فقد اورد في الخطاب نفسه الموجه للصادق المهدي والذي سبقت الإشارة إليه: (لقد كان من الممكن أن ينعم السودان بالسلام منذ عام 1986م لولا مراوغتك في تطبيق إعلان كوكادام في عام 1986م، ثم اتفاقية السلام السودانية في عام 1988م، دع عنك حوار الساعات التسع الذي دار بيننا في عام 1986م). 7 - تَقَلَب قرنق البراغماتي بين اليسار واليمين؛ فقد بدأ ماركسياً احمر، وكان صديقه الصدوق وحليفه الموثوق هو منغستو هايلي مريام رئيس اثيوبيا؛ وكانت اثيوبيا وقتها ماركسية حتى النخاع، ويرى النور حمد أنه (حين بدأ الزعيم الراحل جون قرنق حركته، كان في بادئ أمره محسوبا على المعسكر الشيوعي)، وكانت إثيوبيا والتي يحكمها وقتها الشيوعي منقستو هايلي ماريام هي الدولة الحليفة للحركة وفيها نشأت، وفيها كبرت وكان معسكر (بلفام) هو أول معسكرات الحركة الرئيسية، وقد وقفت الكتلة الغربية، بسبب ذلك، موقفا سلبياً متشككاً من قرنق وحركته، ويواصل النور: (ومع مرور الزمن ومع تغيرات المسرح السياسي في منطقة القرن الإفريقي، ومع تغير لغة الخطاب داخل الحركة نفسها بدأ الغرب يتحول في اتجاه تفهم حركة قرنق ومن ثم الضلوع في تقديم الدعم لها. فالحركة لم تولد ناضجة سياسيا، تمام النضج، يوم ولدت). سقطت حكومته منقستو ورأى قرنق صديقه وقد غدا منتوف الريش هاربا؛ فتحول قرنق وبسرعة بفضل روحه البراغماتية العملية ليصبح يمينياً، ولم يرق الدمع حزناً على اللبن المسكوب في اثيوبيا، بل قام من فوره بوضع كتاب رأس المال ومعه مؤلفه ماركس على الرف، ثم تناول من الرف كتاباً آخر هو الإنجيل ونفض عنه الغبار وأخذ يقلب صفحاته؛ مطلقاً لسانه بآياته يرتلها في خشوع؛ مصطحباً في ترتيله عيون فاضت عبراتها فجادت بدمع غزير يحسده عليه المتصوفة. انصت الغرب والمنظمات الكنسية لتلك التلاوة العطرة التي يلهج بها لسان هذا الفتى القادم من غابة الأبنوس؛ فنال دعم البارونة البريطانية كوكس؛ وثقة مادلين اولبرايت وزيرة الخارجية الأمريكية وقتها، واصبح يجد المساندة الكاملة من الدول الغربية واجهزة اعلامها واستخباراتها؛ مسوقاً نفسه كشخص يقف ضد المد الإسلامي في افريقيا، وان الحرب في الجنوب هي حرب بين المسيحيين والمسلمين، وساعده في ذلك اعلام الجبهة القومية الاسلامية والذي كان يستنفر الشباب ويقوم بتعبئتهم تحت راية الجهاد. وفي ظل ظرف كهذا لم يجد الغربيون بداً من التسامح مع قميصه الأحمر السابق؛ واعتبروا عودته لحظيرتهم إنما هي عودة الأبن الضال. ونجح بمهارة في غسله وتبييض لونه ثم قدمه من جديد فأصبح لقرنق قميص عثمان من صنعه؛ وقد فصّلَهُ حسب هواه؛ يلوح به كلما ادلهم خطب أو الجأته الظروف القاهرة لطلب الغوث والمعونة. 8- في سبيل رفد فكرة السودان الجديد بأسس تاريخية ادعى قرنق ان هناك علاقة تربط بين شعب الجنوب وبين مملكة كوش في الشمال المذكورة في الانجيل، واخذ يقدم هذا الفهم للدوائر الغربية ليكتسب صفة تاريخية انجيلية تخدم قضيته كمسيحي تائب قفز من مركب ماركس الغارقة بعد ان هداه الله، ولا أحد ينكر أن التاريخ السوداني مِلْكٌ لكل السودانيين في أي بقعة كانت في هذه البلاد دون لصق الجهوية به، ولكن قرنق وجدها فرصة سانحة للتركيز على هذه النقطة والخروج منها بمغنم يضعه في خانة من اشار الانجيل لأجداده، مع أن الرجل يدعي العلمانية. لقد ورد اسم كوش في الكتاب المقدس عشرات المرات ومن ذلك: وَاسْمُ النَّهْرِ الثَّانِي جِيحُونُ، وَهُوَ الْمُحِيطُ بِجَمِيعِ أَرْضِ كُوشٍ (سفر التكوين) وَبَنُو حَامٍ: كُوشُ وَمِصْرَايِمُ وَفُوطُ وَكَنْعَانُ (سفر التكوين) بل أن سيدنا موسى تزوج حسب الكتاب المقدس امرأة كوشية، فقد ورد في سفر العدد (21: 1): (و تكلمت مريم وهرون على موسى بسبب المرأة الكوشية التي اتخذها لأنه كان قد اتخذ امرأة كوشية(. لم تنتهي القصة عند حد الكسب السياسي، فقد آمن الجنوبيون بما قاله قرنق لدرجة أن ابياتاً من نشيدهم القومي الجديد بعد الانفصال احتوت على هذا المفهوم، وبعد الانتقادات التي وجهت للفكرة؛ وانقطاع رابطة الدولة الواحدة التي تضم الشمال والجنوب معاً؛ وتباعد الشقة بينهم وبين كوش، اضطروا لتعديل ذلك. يقول النشيد في صياغته الأولى (7): يا إلهنا.. نحمدك ونجلك ونثني عليك لنعمائك على كوش أرض المحاربين العظماء ومهد الحضارة الإنسانية يا كوش انهضي وبثّي شعاعك وبريقك وارفعي علمك مع النجم الهادي وانشدي اناشيد الحرية بسرور. اعتقد قرنق ان كل ما يلمع هو ذهب بالضرورة، لكن سنكتشف أنه قد خُدع في هذه المسألة، فاسم (كوش) من الناحية التوراتية الانجيلية ليس فيه ما يغري، فهو كما يفسره مفسرو الإنجيل يعني (ظلمة الجهالة)، ويبدو أن ملوك كوش الأقوياء كانوا أعداء دائمين لليهود، فحرص اليهود على عدم ذكرهم بخير أبداً في كتبهم بل حرصوا على التغني فقط بانتصارات اليهود على هؤلاء الكوشيين، فقد ذكر الكتاب المقدس خبر المعركة التي هزم فيها آسا اليهودي القائد زارح الكوشي حيث جاء في الإصحاح الرابع عشر من سفر أخبار الملوك الثاني في هذا الشأن ما نصه: )فخرج إليهم زارح الكوشي بجيش ألف ألف وبمركبات ثلاثمائة وأتى إلى مريشة. وخرج آسا للقائه واصطفوا للقتال في واد صفاتة عند مريشة. ودعا آسا الرب إلهه وقال أيها الرب ليس فرقاً عندك أن تساعد الكثيرين ومن ليس لهم قوة. فساعدنا أيها الرب إلهنا لأننا عليك اتكلنا وباسمك قدمنا على هذا الجيش. أيها الرب أنت إلهنا. لا يقو عليك إنسان. فضرب الرب الكوشيين أمام آسا وأمام يهوذا فهرب الكوشيون. وطردهم آسا والشعب الذي معه إلى جرار وسقط من الكوشيين حتى لم يكن لهم حي لأنهم انكسروا أمام الرب وأمام جيشه.( لكن قرنق وقد قطع شوطاً بعيداً في نشر هذه الافكار التي تفتقر لأي سند تاريخي، فقد تعامل مع مزاعمه وكأنها حقائق، وسيطرت (كوش) على تفكيره فقرر اطلاق اسمها على احدى مدن الجنوب، ففي خطابه للصادق المهدي الذي اشرنا اليه من قبل، ذيل الخطاب بالعبارات التالية: جون قرنق دي مابيور 31 يناير2000م ياي - كوش الجديدة، السودان. 9 - كان قرنق يأتي متأخراً دائماً، مع ان المفترض ان اصحاب الفكر هم أهل المبادرات، فبذرة الحركة الشعبية والجيش الشعبي زرعها كاربينو كوانين وليس قرنق، كما أن التفاوض مع الخرطوم وتوقيع اتفاقيات سلام سبقه إليه رياك مشار من قبيلة النوير، والذي كان في مجموعة منشقة على قرنق سميت مجموعة الناصر، وقد وقعوا اتفاقية الخرطوم للسلام مع الحكومة المركزية عام 1997م.
10- لم يتمكن قرنق بصفته الفكرية من تربية جيل من التلاميذ ينهضون بما قدمه من فكر (هذا إذا افترضنا أنه قدم شيئاً على الإطلاق)، فسرعان ما دبت الخلافات بين رفاقه وانتهت الأمور بينهم إلى حرب طاحنة، فقد فشل قرنق في القضاء على القبلية ولم يُخَرِّج تلاميذ زاهدين في المال العام، ولم يخلف منظومة فكرية تقوم بتنزيل افكاره أياً كان شكلها إلى أرض الواقع، بل خلف وراءه مقاتلين اعتادوا سماع دوى الرصاص وسقوط القذائف. وبعد ان تخلص مقاتلوه من العدو الرئيس وهو الشمال وجهوا بنادقهم لصدور بعضهم البعض ليستمعوا للأنغام التي ألفوا سماعها. في الختام ذهب قرنق، وهو شخص توفرت له امكانات كثيرة ليكون قائداً مُلهِماً ويضع نفسه في مصاف القادة الأفارقة العظام مثل نكروما وكينياتا ومانديلا، فقد توفر له تعليم مدني رفيع واحتكاك مباشر بالحضارة الغربية، وخبرة عسكرية واسعة، وسند شعبي في الشمال والجنوب واعتراف دولي كبير، رغم ذلك كله فقد اصابه داء النخبة السودانية؛ وهو انعدام الاستراتيجية بعيدة المدى التي يبلورها المفكر او زعيم الحزب ويعمل على ضوئها لتحقيق اهداف تصب في مصلحة الوطن لا مصلحته الشخصية، فضاعت بوصلته في دهاليز المناورات والمؤامرات السياسية والتعامل بردود الأفعال. وانتهت حياته نتيجة لمؤامرة كان من الأحرى به وقد عرف دروب العمليات السرية واساليب عمل المخابرات ان يتجنبها، وأن يكون أكثر حصافة وذكاءً في التنبؤ بمسارات دربه؛ وان تكون قراءته للأصدقاء وللأعداء اكثر جودة مما كانت، فالسياسة لا وجود فيها لأصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون وانما مصالح دائمة، فلم يدرك حينها ان قد داس على اطراف البعض، فدفع حياته ثمناً لقراءة خاطئة ضمن سلسلة طويلة من قراءات خاطئة كانت نتائجها كارثية. ذهب قرنق وطبعت حركته صورته على ورقة من اوراق العملة، وانفصل الجنوب وانتهت مع الانفصال فكرة المستعمرين الشماليين الجدد، وبقيت المهمة الاصعب التي لم يقدم قرنق أي مبادرات لحلها سوى القبضة الحديدية وهي العلاقات القبلية بين الجنوبيين، وهذا يقودنا للسؤال الذي طرحه أتيم سايمون مبيور: ( هل لايزال المشروع السياسي الذي طرحه قائد الحركة وزعيمها قابلًا للحياةِ في دولة ما بعد جون قرنق ؟). نقول: قد يكون هذا ممكناً إن تمكن الجنوبيون من تقديم إجابة على الاسئلة نفسها التي كانوا يطرحونها على قادة الشمال، وهي في الحالة الجنوبية: (كيف تحكم دولة جنوب السودان؟)، بدلا عن السؤال (من يحكم دولة جنوب السودان؟(.
المراجع: 1- جون قرنق: (خطاب موجه من جون قرنق للصادق المهدي) بتاريخ 31/1/2000م. 2- تيسير محي الدين عثمان: ( يوسف كوة.. الأخطاء ومآل القضية النوبية)، مقال بموقع سودانايل بتاريخ 20/05/2012 3- كمال حامد: (حوار مع يوسف كوة مكي). جريدة الوسط بتاريخ 14/12/1997م 4- موقع الحركة الشعبية على الفيس بوك بتاريخ 12/8/2019 5- أتيم سايمون مبيور: (جون قرنق ...مشروع سياسي لا يزال في طور التشكل) راديو تمازج 24/05/2019. 6- النور حمد: (جون قرنق يسجل اسمه في سفر الخلود). سودانيز اونلاين مكتبة جون قرنق، 8/6/2005 7- مبارك مجذوب الشريف: (النشيد القومي لدولة الجنوب والبحث عن هوية مفقودة) سودانيز اونلاين 14/10/2013.