من الأدب الساخر…. جراب النقد الدولي ومقابر حمد النيل
ذهبت جميع محاولاتي لتقليل الفجوة بين منصرفاتي ودخلى أدراج الرياح، لم تنفع خطط ترشيد المنصرفات؛ ولا محاولاتي الحثيثة لإيجاد مصادر دخل أخرى في تحسين الأوضاع المتأزمة يوماً بعد يوم، قررت التعايش مع هذا الواقع على أن يكون هدفي الرئيس هو محاصرة العجز ضمن حدوده الحالية، لكن هذه الخطة منيت بفشل تام، فقد أخذ العجز يتمدد ويتوسع دون أي رادع، وعندما قمت بعملية حسابية لأرى إلى أين تتجه الأمور؛ وجدت أن العجز المالي سيصل حداً مفزعاً ينبيء بانهيار شامل، لذا قررت الإتصال بجراب النقد الدولي مستغيثاً بهم باحثاً لديهم عما يعيد الطمأنينة إلى نفسي.
وجدت إستغاثتي صدى طيباً لدى إدارة الجراب فقرروا بكل الأريحية وبكل الكرم المشهود لهم به إرسال فريق لدراسة الحالة، واعتبروها حالة نموذجية لمواطن من مواطني العالم الثالث ( بعد الالف) يستحق منهم تقديم العون والمساعدة.
عند وصول الفريق خطرت بذهني فكرة رائعة حزمت أمري على تنفيذها مستعيناً بالله، لقد قررت عدم إطلاعهم على أي معلومات قبل الدخول معهم في اتفاق باعتباري سأكون موضوع الدراسة، وبهذه الطريقة ربما أتمكن من استخراج بعض الدولارات من خزائن الجراب.
وافقوا على طلبي دون أدنى تردد، وتمت صياغة اتفاقية استئجار امنحهم من خلالها حق إستغلال فجوة العجز المالي ليجروا ما شاءوا عليها من دراسات. لكن ولدهشتي طلبوا منى زيادة حجم العجز!!
سألت رئيس الفريق وقد ارتفع حاجباي لأعلى قليلاً:
- طلبكم هذا غير مفهوم كيف تطلبون مني زيادة العجز وأنا لم اتصل بكم الا لتقليل حجمه؟
قال الرجل بلهجة ودودة وهو يربت على كتفي وقد تربعت إبتسامة غامضة على شفتيه:
- تذكر أننا نقوم بدراسة، العجز بحجمه الحالي يعتبرصغيراً وحتى يتمكن من إستيعاب عناصر الدراسة المتشعبة التي ستقوم بها فرق متخصصة لابد من زيادته، لذا سنرتب لك قرضاً من الجراب لزيادة الدين وقد يصل مبلغ القرض إلى ما يعادل دخلك الإجمالي لمدة اربعين سنة وربما أكثر.
كدت أن ابكى من الفرح، أخيراً فُرجت وأخيرا ساغادر عالم المفلسين إلى غير رجعة، أخرج الرجل مستندات كثيرة طلب منى أن أوقع عليها فوقعت عليها فوراً، كانت شروط إستئجار الفجوة تقول أنه لا يحق لي ردم الفجوة أو تقليصها بأى وسيلة كانت، إذ لا يحق لي العمل في التجارة مطلقاً ولو كانت هذه التجارة هي بيع المساويك أمام الجوامع، كما لابد من إخطار إدارة الجراب بأى شئ أستلمه؛ ولو كان هذا الشئ هدية من أحد الحجاج في شكل طاقية أو سبحة، أو قارورة عطر من فتاة تنظر إلىَّ باعتباري أمل المستقبل.
سألت الرئيس بعد إنتهاء مراسم التوقيع والتصفيق وتبادل المستندات والتقاط الصور التذكارية وتبادل القفشات مع الصحفيين:
- متى سأستلم مبلغ القرض؟
قال:
- تستلم ماذا؟
- القرض !
أجاب وهو ينفث سحابة دخانية أمام وجهي من (البايب) المستقر على ركن فمه وقد أخذت تلك الابتسامة الودودة تتراقص متبخرة في الهواء مع الدخان:
- لن تستلم دولاراً واحداً، هل نسيت ان عجزك المالي بعد توقيع العقد يجب ألا ينقص، ماذا سندرس إذن يا فتى؟
نطق جملة يا فتى هذه بصورة خيل إلي أنه يقول يا غبي، ثم اضاف مشمئزاً:
- دائما ما نجد أنفسنا وجهاً لوجه أمام طبع مواطني العالم الثالث الشين، يستعجلون النتائج وينسون بسرعة الإتفاقيات التى يوقعون عليها قبل أن يجف حبرها، لقد ورد في العقد أيها السيد المبجل أن أى مبلغ يأتيك من أى جهة يعتبر ضاراً باغراض الدراسة والبحث، كما ورد فيه أن أى مخالفة لذلك ستواجه بالعقوبات المنصوص عليها في العقد، وهي وضعك تحت تصرف إدارة الجراب، هذا عدا عن العقوبة المالية ذات الفائدة المركبة التى لا يستطيع الكمبيوتر إحتسابها إلا بعد أن يتصبب عرقاً، وهناك عقوبات أخرى في انتظارك، أليس هذا ما أتفقنا عليه؟ هل لديك أى إحتجاج او إستفسارات في هذا الشأن ؟
- كلا، لا شئ من هذا القبيل، ولكن يا سيدي الرئيس اليس من المبكر جداً الحديث عن عقوبات؟
- تجاربنا يا محترم تقول أن خير طريقة للتعامل معكم هي منطق العقوبات، وبما أنكم مصابون بآفة النسيان لذا لا بد من تذكيركم بها باستمرار.
قلت لنفسي طالما أنني ساقبض مبلغ استئجار الفجوة بالدولار فلن أكثر من الاحتجاجات والإستفسارات، وليذهب مبلغ القرض في ستين الف داهية وليكتبوا ما شاءوا من شروط، ولكن رغماً عن ذلك فقد دفعنى حب الإستطلاع إلى التساؤل:
- سيادة الرئيس: أين ستذهب إذن أموال هذا القرض الذي وقعت عليه قبل لحظات؟
قال بتأفف:
- جزء من مبلغ القرض سيخصص لمقابلة نفقات شركة متخصصة في صيانة الفجوات والعجز المالي، وجزء آخر سيغطى منصرفات شركة التأمين الدولية التى ستقوم بالتأمين على العجز، وما تبقى سيخصص لمراقبة العجز بواسطة القمر الصناعي (جراب سات).
عندما وجد الرئيس ان تعابير وجهي اكتست بالاحباط قال:
- سيقوم الجراب من جانبه بمنحك شهادة حسن سير وسلوك.
ساد بيننا صمت قطعه بقوله:
- للحصول على هذه الشهادة أذكرك بانك الآن هدف دراستنا، وأذكرك بأهمية ما تدلى به من معلومات، كل شئ فيك سيكون موضعاً للفحص والتقصي، وهذا انطلاقاً من مبدأ أن وجودك ككائن بشري هو في حد ذاته ما يقود لجملة من التساؤلات المشروعة.
اردف قائلاً:
- إستفساراتنا لن تترك بوصة مربعة فيك دون الوقوف عندها وفحصها، لنأخذ لقمتك كمثال، يجب علينا أن نعرف هل هي صغيرة أم متوسطة أم (اكس لارج) و إجابتك لا تعتبر كافية لنا فلا بد من قياس حجم اللقمة على الطبيعة وسنقتادك إلى أي مطعم شعبي لا وجود فيه للشوكة والملعقة، والوجبة ستكون على حسابك. ساذيع لك سراً، اللقمة الصغيرة تعطي صاحبها امتياز المواطن المفضل عند جدولة الديون.
نظر الى بتفحص ثم سألني:
- ما هي هذه اللفافة الضخمة التى على رأسك؟
- هذه عمامة.
- لماذا تتراكم هكذا..كم طولها؟
- ما بين أربعة إلى خمسة أمتار.
قفز الرجل من مقعده وعلامات الجزع والإنزعاج تبدو على وجهه وصاح:
- أربعة أمتار وخمسة أمتار، ألا يكفي نصف متر؟
هممت أن أقول له أن عمامة كمال ترباس لا يقل طولها عن سبعة أمتار، وأن السيد ترباس ليس وحده في الساحة فهناك آخرون مثله، ولكني خشيت أن يصاب الرجل بجلطة في الدماغ فلزمت الصمت.
إلتفت الرجل إلى زميله بعد أن صفق بيديه عدة مرات متعجباً، قال:
- هذا واحد من أسباب تخلف هؤلاء القوم، فاذا إفترضنا أن ثلث سكان هذه البلاد يضعون عمائم على رؤوسهم وبإفتراض صرف عمامة واحدة فقط لكل مواطن منهم فهذا معناه أنهم سيحتاجون إلى حوالي خمسين الف كيلو متر طولي من القماش لتغطية هذه الرؤوس، أي أكثر من محيط الارض!
وجه حديثه نحوي وعلامات الإحباط تبدو عليه ثم قال:
- هل تعلم يا هذا كم شجرة قطن تم إستهلاكها لإنتاج هذه العمامة؟ هل تدرى أن العدد قد يصل إلى مئات؟ واحسب بعد ذلك تكاليف الزراعة والحصاد و التصنيع والشحن منكم ثم إليكم، هذه تكاليف باهظة جداً..لنفترض أنها من خيوط صناعية من مشتقات البترول، كم برميلاً يا ترى من النفط أستهلك لانتاجها؟ هل تعتقد أن رؤوسكم الفارغة تستحق كل هذا التعب والمجهود؟
قلت مدافعا وانا أحس بشئ من الزهو:
- رأسي كما تري ميدان إلتقاء لصناعة العالم المتقدم بنفط وزراعة العالم الثالث، هذه ميزة فريدة لا تتمتع بها الكثير من الرؤوس في هذا العالم.
هز رأسه متشككاً، ثم أخرج مغلفا تناول منه حبة لتخفيض إرتفاع ضغط الدم متفادياً النظر الى عمامتي؛ وفي يقينه أن منظرها سيبطل مفعول الحبة.
بدأ المشروع وقاموا باخضاعي لسياسة تقشف صارمة نقص وزني بسببها إلى النصف، حيث منعت من تناول أكثر من وجبة واحدة في اليوم والليلة، وتم فرض حظر على ركوبي المواصلات العامة، كما تم تقطيع العمامة التى رفعت ضغط الدم لدى رئيس الفريق إلى ثلاثة أجزاء. لم أعترض علي إي اجراء، فطالما أن النهاية السعيدة ستكون دولارات فلا بد إذن من ركوب الصعب.
وهكذا جاء ذلك اليوم الذي اتنظرته طويلاً، فقد وصلني بالبريد شيك بالدفعة الاولى من مبلغ إستئجار الفجوة، وما هي إلا لحظات حتى طرت به إلى البنك مسابقاً الريح وكل شيء في الشارع اراه اخضر اللون بخضرة الدولار المحببة للنفس.
كانت الصدمة كبيرة حين أخبرني موظف البنك أن شيكي ممنوع من الصرف وأنه نكرة بين الشيكات، ولا محل له من الإعراب، فكان أن توجهت غاضباً لفريق الجراب مستفسراً.
قال الرئيس مزمجراً:
- محاولتك لصرف الشيك مخالفة صريحة لشروط الإتفاق، ألم نتفق وبعقد مكتوب أن العجز يجب أن يظل كما هو؟ ألا تدري أن مبلغ الشيك يعتبر دخلاً إضافياً يساهم في ردم الفجوة وهذا أمر غير مسموح به؟ ألم أقل أنكم لا تقيمون وزناً لأي إتفاقيات وتتمتعون بذاكرة خربة؟
- لكن هذا الشيك جاء منكم!
- نحن لا ننكر ذلك، إذ علينا حسب الشروط أن نقوم بإرساله، وعليك حسب الشروط ايضاً ألا تصرفه. ما الصعوبة في ذلك، هل هذا الأمر يحتاج لفهامة؟
- وماذا أفعل به؟
- هذه ليست مشكلتنا، فاذا أردت أن تبله وتشرب ماء حبره فهذا شأنك، وأنت أردت أن تعلقه على الجدار للذكرى والتاريخ فهذا راجع لك..
- هذا ظلم.
- نحن لا نظلم احداً والموضوع عقود واتفاقيات، وعليك أن تضع في ذهنك أننا سنتمسك ببند العقوبات الجزائية بسبب محاولتك صرف الشيك وردم الفجوة، وسنطالبك بدفع الغرامة المالية ذات الفائدة مكعبة التركيب.
- مكعبة او مربعة.. من اين أدفع اساساً؟
- هذا ليس شأننا، يجب أن يكون واضحاً لديك أن عدم الدفع يعتبر في عرفنا عمل من أعمال الارهاب الدولي لا يمر دون عقاب.. لأننا لو تركنا للناس الحبل على الغارب للتهرب من التزاماتهم المالية تجاه المجتمع الدولي فهذا يعنى تذبذب أسعار العملات؛ وانهيار الاسهم والبورصات؛ ولن نسمح لمثل هذا بالحدوث، جهلكم بالقوانين الاقتصادية العالمية لن يكون مهرباً آمنا لكم.
قلت بإصرار:
- لن أدفع.
قال رئيس الفريق :
- في هذه الحالة سيتم تصنيفك كإرهابي، وستكون بالتالي مسئولا عن أي سكتة قلبية تصيب مواطنا من مواطني العالم الحر عند سماعه بإنهيار أسعار البورصة، ولو حدث وكانت أعداد الضحايا كبيرة فلن نتردد في توجيه تهمة الإبادة الجماعية لك. عليك ان تتذكر أن دية المواطن الواحد من مواطني العالم الحر كانت عشرة ملايين دولار في قضية لوكربي، وهذه الدية كانت باسعار القرن الماضي، والأسعار الآن ارتفعت.
أصابني هلع حقيقي عندما أدركت خطورة هذه التهديدات ووجدت انه من الأفضل التراجع عن العناد وتقديم شئ من التنازلات. سألتهم :
- الا يوجد حل آخر ؟
- الحل الآخر أن تضع نفسك وحسب العقد رهن إدارة الجراب بصورة فورية.
- هذا حل سهل.
- كلا يا عزيزى، ليس كما تتصور.. سأشرح لك ذلك وعليك أن تفتح أذنيك جيداً.
استرخى الرجل على كرسيه وقال بتمهل:
- نحن نعتقد أنكم يا مواطنى العالم الثالث تعانون من الترف.
قلت مندهشاً:
- الترف؟ أى ترف تتحدث عنه والقطط والكلاب عندكم تتمتع برفاهية لا مجال لنا لرؤيتها ولو في الأحلام؟
- الترف المقصود هو أنه يوجد لديكم فائض انتاج لا تحتاجونه ولكننا بحاجة إليه.
- فائض إنتاج؟ مثل ماذا؟
- على سبيل المثال نحن نعتقد أن من فوائض الإنتاج لديكم وجود عينين، ووجود كليتين، وقس على ذلك الساقين والرئتين، والكبد، والطحال، وبما أنكم مجتمعات غير منتجة ونائمة طول الوقت، نعتقد يقينا أن كل مواطن منكم تكفيه عين واحدة وكلية واحدة وساق واحدة ورئة واحدة ونصف كبد وربع طحال والأفضل أن تكونوا بلا اسنان.
كاد أن يغمى على وأنا استمع إلى ما يقوله رئيس الفريق ومع ذلك تمالكت نفسي وحاولت التظاهر بعدم الإكنراث، سألته:
- إذا أخذتم كل ذلك فلماذا لا تأخذون إذن الجمجمة معها؟
قال وقد اكتسى وجهه بابتسامة صفراء ويده مشغولة بحشو البايب بالتبغ:
- ومن هو هذا المغفل الذي يضيع وقته في قطف كتلة من العظام خاوية من اى شئ؟ جماجمكم هذه لا فائدة من الإبقاء عليها سوى أنها قد تخدم كشماعة على شكل رأس تضعون عليها الأشياء التى نصنعها لكم مثل العمامة، أو تعلق عليها نساؤكم الثوب أو العباية، ومن فوائدها الأخرى أنها قد تساهم في خلق وظائف للحلاقين ومحلات الكوافير!
خرج صوتي مبحوحا وقد بدأت أحس بخطورة الموقف، قلت:
- معنى هذا انكم ستقومون ببيعي وأنا حي مقابل إتفاقية لم أستلم منها سنتاً وقرض لم أستلم منه بنساً ؟
أجاب وهو يقوم يوضع مستنداته في الحقيبة:
- ليس بالضبط، هذا تفاؤل من جانبك ليس له ما يبرره، نحن نعتقد أن بيعك بكامل هيئتك فيه إهدار للموارد، حيث أن سعرك بحساب الجملة لن يزيد عن سعر خروف من الخرفان الأسترالية، ومن الافضل لنا من ناحية اقتصادية تفكيكك إلى قطع.
قلت محتجاً:
- خروف وقطع ؟ هذه إهانة…
أرخي نظارته ثم صوب نحوي نظرة صارمة من فوق العدسات، وقال:
- إهانة؟ هل تعلم أن هذا الخروف الذي تفتري عليه دون وجه حق يتفوق عليك وعلى أمثالك بوجود مزايا إضافية لديه لا توجد لديكم ؟
سألته وأنا اضغط على أسناني من الغضب:
- يتفوق علي في ماذا؟؟
- الخروف يا محترم عدا اللحم لديه صوف وجلد وأظلاف وقرون، وهي أشياء لا جدال في فوائدها وأنتم بكل أسف خلو منها، لاصوف لديكم ولا أظلاف ولا قرون وحتى جلودكم لاطائل من ورائها.
غاظني هذا القول للغاية فسألته:
- جلودنا لاطائل من ورائها؟ هل تريد مثلا أن ترى ممثلة من ممثلات هوليوود وهي تحمل حقيبة يد مصنوعة من جلد أحد مواطنينا ؟ هل تريد أن ترى خصر هذه الممثلة وقد أحتضنه حزام من جلد تم سلخه من جسم مواطن أشوس هزبر يتمتع بالجنسية السودانية؟
قال متهكماً ونظرة خبيثة تطل من عينيه:
- أهنيئك على هذا الطموح والتفكير في ان تكون حزاماً يلتف حول خصر ممثلة هوليودية، هذا شرف فاتكم بكل أسف الحصول عليه وأنتم أحياء ولكننا على أى حال لا نريد أن يفوتكم وانتم أموات. مع العلم أن جلودكم بوضعها الحالي أيها السودانيون غير مجدية إقتصادياً، فهي مليئة بالشقوق وتختزن خلاياها كميات هائلة من الغبار، وقام البعوض بحفر ملايين من الثقوب فيها، ولا تنفع حتى لصنع (طبلة) أو (رق) لفرقة فنان شعبي. نرجو منكم مستقبلاً مزيداً من الاهتمام بهذه الناحية الجلدية حتى تكونوا مؤهلين للتفكير في خصور ممثلات هوليود.
أصبت باحباط كبير وهبوط في المعنويات عند سماع هذه الأخبار لكنى معنوياتي إرتفعت من جديد عندما أعاد الرجل إشعال البايب وقام بمد أرجله على المائدة وقال:
- لا تخف يا عزيزي وتصاب بمركب نقص وتعتقد أنك رخيص لهذه الدرجة.
كما أخبرتك سابقا، لقد أفاد خبراؤنا وأشارت دراسات الجدوى لدينا أن سعرك يا صديقي سيزيد كثيراً عند بيعك باسعار (التقطيع)، وليس بسعر القطيع، وهذا هو الميدان الوحيد الذي تستطيع أن تبز فيه كافة خراف العالم ومواشيه و عليك اغتنام هذه الفرصة الذهبية.
نفث موظف الجراب المزيد من الدخان في سماء الغرفة ثم منح وجهي كمية لا بأس بها منه وقال:
- أخبرنا الآن ماذا تريد أن تكون أيها الرجل؟ إرهابي مطارد بعينين وكليتين وساقين وكبد كامل؟ أم مواطن محترم من مواطنى الاسرة الدولية بعين واحدة وكلية واحدة وساق واحدة ونصف كبد وطقم أسنان، ومؤهل لكي يكون جلده بعد موته مرافقاً لإحدى الممثلات الفاتنات في شكل محفظة يد أو حزام؟
أكمل الرجل وضع اوراقه وقام بقفل حقيبته منتظرا منى الإجابة وقد إختفى شكله بالكامل من ناظري وراء سحب الدخان… لم أجعله ينتظر طويلاً… لقد إخترت يا سادتي أن أغتنم الفرصة الذهبية وأن أكون مواطناً محترما من مواطني الاسرة الدولية، يذهب الفائض من أعضائه لمن يحتاجها من مواطني العالم الحر، وأن اضع جميع المزايا التي أتفوق بها على الخراف والتيوس وكافة أنواع المواشي في خدمة الأمن والسلم الدوليين، وأن يكون بند مرطبات الجلد والمراهم (واللوشنات) من اهم البنود في ميزانيتي المتهالكة، عسى أن يكون جلدي مؤهلاً للظهور مستقبلاً في فيلم هوليوودي على شكل (جاكت) أو حزام.
من يدرى فربما صادفني الحظ فاصبحت ربطة عنق جلدية تتدلي لتغطي نحر ممثلة شقراء جميلة، يحركني النسيم ويلعب بي يميناً ويساراً ويسكرني عطر هذه الممثلة الفواح، ما اجمل ان تكون رجلك وقد اصبحت من نصيب بلاد الانجلوساكسون يتزحلق بها أحدهم على الجليد، ويدك في بلاد الغال وعليها وشم لتنين ينفث لهباً من فمه وقد امسكت مضرباً لكرة التنس، وعينك يرى بها احد افراد القبائل الجرمانية وقد وضع عليها نظارة شمسية في احد المصايف، وكليتك تتعامل بكفاءة مع نبيذ بلاد الاغريق المعتق، ونصف كبدك يعمل بحزم في بحر البلطيق مشتتاً شمل الدهون، واسنانك يتناول بها احد اليانكي وجبة هامبورجر، هذا هو المستقبل المشرق الواعد والذي لا جدال قي كونه أفضل بكثير من مقابر أحمد شرفي أو مقابر حمد النيل.
nakhla@hotmail.com