لجان المقاومة وصراع المتناقضات
لعبت لجان المقاومة دور محوريا في عملية خروج الجماهير أثناء ثورة ديسمبر، و استطاعت أن تشارك بفاعلية في تعبئة الجماهير و صمودها أمام آليات النظام العسكرية، هذا الصمود السلمي في وجه آليات القمع هو الذي أدى إلي تراخى قبضة النظام و تصدع قوائمه، و خلق رآيا عاما عالميا مؤيدا للثورة، الأمر الذي كبل النظام و أظهر بوادر سقوطه، و ظلت لجان المقاومة تخرج المسيرات لكي تؤكد علي أن جذوة الثورة باقية مستعرة في الشارع، و ظل الكل يحرص علي دعمها باعتبارها تمثل الترياق الحي للثورة للتصدي لكل من يحاول أن يحرف الثورة عن مسارها، و حاولت العديد من الأحزاب أن تخترق لجان المقاومة و فشلت، و أيضا حاول البعض أن يملكها شعاراته بهدف كسبها إلي جانبه و أيضا فشل. الأمر الذي جعل بعض المسيرات تفشل لأنها أتخذت اللونية الحزبية، و أخيرا كانت محاولت المجلس المركزي الذي يريدها أن تكون جزء من القسمة الضيزى التي يريدها للمجلس التشريعي و خرجت من الاجتماع تطالب بأغلبية مقاعد المجلس التشريعي لأنها هي التي صنعت الثورة، و الأن يقدم لها 31 مقعدا بينما قحت أخذت 165 مقعدا، و قحت بعد خروج الحزب الشيوعي و تجميد حزب الأمة هي عبارة عن مجموعة من الأحزاب التي ليس لها أي قاعدة اجتماعية و هناك أحزاب عضويتها لا تتعدى أصابع اليد، و البعض تم تكوينه أثناء الثورة لكي توقع علي إعلان الحرية و التغيير، لكي تحصل علي غنائم ما بعد الثورة، و هي الأن تسعى أن تتحصل علي نصيبها.
أن الصراع الدائر في الساحة السياسية الأن هو صراع متوقع، هل كانت القوى السياسية تعتقد أن الثورة تخلصت من عوامل الصراع السياسي؟ ألا تعلم أن الصراع السياسي تفرضه المصالح المتضاربة في المجتمع، و كل مرحلة سوف تشهد تغيرا في الخطاب السياسي و الآليات المستخدمة في الصراع، و لكن تظل المصالح هي تفرض شروط اللعبة السياسية، و التي تصعد و تخفت درجة الصراع الاجتماعي الذي يدور علي مؤسسات الدولة. فالقوى التي تعتقد أنها تمثل الثورة هي نفسها تكتنفها عوامل متناقضة في الرغبات و تمرير الأجندة الحزبية. كما أن الصراع بين المدنيين و العسكر أيضا يعبر عن مصالح متناقضة و متباينة. و جاء اتفاق جوبا لكي تشتد عملية الاستقطاب الحادة وفقا لمصالح كل فريق. أتفاق جوبا أدى إلي التوافق بين الجبهة الثورية و العسكر في سلطة الفترة الانتقالية لكي يجعل العقل العسكري كله في جانب، و هو عقل " البندقية" لا يختزن في الذاكرة إلا العنف. و هنا تقف لجان المقاومة في حالة حيرة...! سبب الحيرة إنها مشدودة لساحة صراع يجب أن تقف مع جانب دون الآخر، الأمر الذي يفرضه منطق تكوينها أن تحافظ على شعارات الثورة " حرية – سلام – عدالة" و هو شعار الذي تم مفارقته بسبب صراع المصالح. تريد لجان المقاومة أن تكون قوى مستقلة و لكن لن يستمر ذلك كثيرا لتداخل و تضارب المصالح، لا سيما أن لجان المقاومة لا تستطيع أن تمارس العمل السياسي دون آلياته و قوانينه لذلك ستواجه هي نفسها إشكاليات في المستقبل.
في ظل هذا الصراع العبثي الذي تتحكم فيها الرغائبية و استمراره، حيث يحاول كل جانب أن يكسب علي حساب الغير. أن لجان المقاومة لن تستطيع أن تحافظ علي حياديتها و تمسكها بشعارات الثورة، إذا لم تستطيع أن تؤسس الجسم السياسي الذي تستطيع من خلاله التعبير عن مشروعها السياسي، أو أن تدخل كأفراد ناشطين داخل الأحزاب السياسية و تستطيع أن تحدث فيها تغييرات جوهرية لمصلحة الوطن و الديمقراطية، و لكن كلجان مقاومة مهمتها أن تخرج مسيرات كقوى رادعة، لا تستطيع من خلالها أن تفرض مشروعها علي الأرض، فالمؤسسة السياسية هي جواز المرور الذي يجعلها تستمر في فاعليتها السياسية من جانب، و تستطيع من جانب أخر أن يكون لها مناوراتها و تكتيكاتها لتحقيق مشروعها السياسي. فالتحالفات القائمة الآن في الساحة السياسية، و التي سوف تغيب و تظهر بسبب تصاعد الأحداث هي تحالفات كل يحاول أن يفرض تصوراته علي الآخرين، و هذا الفعل لا يمكن أن يحدث في مجتمع عوامل التغيير فيه أكبر من عوامل الثبات و الاستقرار الاجتماعي و السياسي. فالشروط الموضوعية جلوس الجميع للحوار، أي التعجيل بالمؤتمر الدستوري الذي تطرح فيه كل الأجندة المختلف عليها، للوصول لدستور دائم يلتزم به الجميع، و تصبح الدولة مهيأ لعملية البناء و التعمير و جذب الاستثمارات
كانت المسيرات تنجح بالأمس لآن الصراع كان محصورا في دائرة " المدنيين – العسكر" و كانت بعض القوى في مقاعد المتفرجين، الآن أصبح الخلاف داخل ساحة المدنيين المنقسمين علي نفسهم، و أيضا بين بعض المدنيين و لجان المقاومة، و بين مجموعة كل هؤلاء و العسكريين، و العسكر يمثلوا مجموعتين العسكر في سلطة الفترة الانتقالية و الجبهة الثورية. و هناك أيضا المجموعات التي شاركت في الثورة و لكنها لم توقع علي اعلان الحرية و التغيير، و تسعى قحت أن تستولى علي مقاعدهم في المجلس التشريعي، إلي جانب قوى سياسية أخرى كانت مشاركة في النظام السابق. نجد أن دائرة الصراع و الانقسامات قد توسعت بشكل يعتقد البعض أنه يصعب عملية الحل للأزمة السياسية، فالأزمة لابد أن تصل إلي منتهاها لكي يقتنع الكل أن المطروح في الساحة ليس مقنع للجميع، و لابد من تقديم رؤى جديدة تستطيع أن تفتح منافذ متعددة للحوار بين كل الكتل السياسية، أو التحالفات المختلفة. و إذا كان هناك حزب أو تحالف يعتقد؛ يجب أن تطبق رؤيته كاملة، أمامه طريقان إما الدعوة لانتخابات و الفوز فيها باغلبية، أو أن يقوم بانقلاب عسكري يفرض رؤيته بقوة السلاح. لكن في ظل هذه الانقسامات في المجتمع و تعدد التحالفات يصبح الوصول لتوافق وطني مسألة مهمة جدا و ضرورة تفرضها شروط الواقع المأزووم، و التوافق يتطلب التنازل من الجميع للوصول لاتفاق، لكي تحصل عملية التحول الديمقراطي و السلام و الاستقرار الاجتماعي، الأمر الذي لا يكلف لجان المقاومة تضحيات أكثر و لا الخروج المتعدد بهدف التذكير أين ميزان القوة. نسأل الله حسن البصيرة.
zainsalih@hotmail.com