بِدعة كيزانية إسمُها حصيلة الصادر

 


 

 

الثورات لا تتفجر لكي يسير الناس على مدارج ذات الطريق القديم، حتى الثورة المزعومة المرتدية لرداء الانقلاب الدموي التي تولى كبرها البائدون، قد غيّرت أوجه الحياتين العامة والخاصة في السودان، فما بالك بثورة شعبية عارمة مهر دربها الشباب بدمهم الغالي؟، ولكي نقول شكراً فلان وعفواً فلتكان لابد لنا أن نرى ادبيات العهد البائد وقد ازيحت من واجهة المنصات الاعلامية الحكومية، ولا يعقل أن تهب عاصفة هائجة ومائجة مثل عاصفة ديسمبر ثم تعقبها سنتان ونحن ما نزال نشاهد نفس الصور ونرى ذات الناس، ونلقي ببصرنا على الأشكال والألوان التي اعتدنا مشاهدتها إبّان فترة الطاغوت، الثورة تعني التغيير الجذري في كل شيء وبدون شعور بالرحمة ينتابنا تجاه المتخازلين الداعين للتصالح مع الذئاب، فموضوع الاصلاح الاقتصادي الذي بذل فيه رئيس الوزراء جهداً مقدراً وملموساً بفك القيود والعراقيل الدولية التي وضعها الارهابيون اصدقاء اسامة بن لادن حول عنقنا، لا يكتمل الا بتفكيك جوهري يطال الادبيات والمصطلحات الاقتصادية التي خلّفها المهووسون، فمثلما فعلوا برسالة الاعلام السوداني وحرفوا مسارها نحو تحقيق غايات ميتافيزيقية خاصة بهم ولا علاقة لها بأرض الواقع، كذلك يجب أن تفعل حكومة الثوار المنتقلة.
بحكم تجربتنا في مجال التجارة الخارجية نما الى علمنا شيئاً واحداً، هو أن شركات القطاع الخاص الناشطة اقتصادياً داخل الدولة لا يُعهد إليها بتوريد المستحق عليها من الرسوم والعوائد الحكومية، ولا تمنح كامل الحق والحرية معاً في رفد او عدم رفد الخزينة المركزية بما يليها من التزامات مالية، ولكي يتم حسم هذا الجدل لابد من اخراج شركات القطاع الخاص كلياً من ممارسة الأنشطة التجارية في السلع الاستراتيجية – الذهب والبترول والصمغ العربي والثروة الحيوانية – خاصةً في الحالة السودانية الآنية بعد سنوات طويلة من سطوة الانظمة الفاشلة، وأن تؤسس شركات وطنية حكومية يعمل بها ويشرف عليها كل لون الطيف الاجتماعي والسياسي السوداني، فليس من الحرص على الأمن القومي في شيء أن تتنازل الحكومة الثورية عن واجبها في صون عزة وكرامة الاقتصاد الوطني، بترك الباب مفتوحاً لنفس رأسمال البائدين لأن يستمر في تولي زمام الأمور في قيادة دفة تجارة الذهب والبترول والصمغ العربي والثروة الحيوانية، وبكل بساطة على وزراء التجارة والصناعة والاقتصاد والمال، الذين دلفوا الى مكاتبهم بعد التشكيل الوزاري الأخير، أن يخرجوا من جلباب الدويلة البائدة.
المواطن المسكين مشغول بتعقيدات المصطلحات البيروقراطية عبر الحقب والأزمنة، ولن تجد مسؤولاً حكومياً واحداً يتبرع بالشرح والتحليل و(التبسيط) لهذا المصطلح الغامض المتداول والمُستغَل من قبل الجشعين، لقد ذهب وفات زمان الاستغفال والاستهبال السياسي والاقتصادي، وعلى الوزراء المختصين ان يقدموا رؤاهم بكل ثقة نفس للمواطن في تبسيط تعريفهم المفهوم والمبلوع لمصطلح (حصيلة الصادر)، وتوضيح مبررات وجود مثل هذه الممارسة، تماماً مثلما فضح وزير المالية بدعة ما سُمي بالدولار الجمركي، وبعدها سيقف معهم هذا الرجل المهمش معرفياً (المواطن) وقفة رجل شجاع، ويقود معهم سفينة الانتقال والديمومة لبر الأمان، ولن ينجح أي مشروع حكومي لو لم يتم اشراك الراعي والمزارع والصانع والكادح والمُعَدِّن الحافر لاعماق باطن الارض، في الخطط والبرامج الحكومية بكل شفافية ووضوح وصدق وبدون رتوش، وليعلم الشعب السوداني وحكومته أن النهضة الاقتصادية لا تقوم على التجهيل والخم والتزييف والاستغفال، وأن الصحوة والانتعاشة التجارية تعتمد على ترسيخ الثقة بين المنتج والمُصَدِّر (التاجر)، وإن لم يحدث هذا فلا يعشمن أحدٌ في انتعاش مالي يجمع بين مكونات الدورة الايجابية للعملية الاقتصادية، وإن اردت أن تعي هذا الاسلوب الاستهبالي قم باستبيان وسط تجار الماشية في سوق المويلح غربي ام درمان واسألهم عن ماهيّة (حصائل الصادر).
الموضوع باختصار يبدأ بالمسجل التجاري الذي لا يجب عليه تقييد اسم شركة دون التأكد من استكمال اجراءات التسجيل، من مقدرة مالية ووجود قانوني فعلي وفحص أمني للقائمين على الشركة والشركاء، وأن تضبط وزارة المالية العمليات المالية الخاصة بالاستيراد والتصدير، وتتأكد من أن هذه العمليات قد تمت عبر تحويلات بنكية معلومة ومعروفة - الاعتمادات البنكية - وأن تضمن خصم الرسوم الحكومية من ضرائب ورسوم وجمارك، من هنا يمكن للمنظومة الحاكمة أن تخرج نفسها من حرج اللوم والوصم بعدم الشفافية، لأن موضوع المال العام هو المؤشر الحقيقي لامكانية العبور من عدمه، واذا لم يستطع الحاكمون من أن يحسموا جدلية هذه الغلوطية سوف يجرفهم تيار الموج التسونامي الكاسح الماسح كما جرف الذين من قبلهم، لا شيء يقصم ظهر الحكومات غير البعد عن الشفافية المالية، بالأمس القريب حسم الرئيس التونسي فيس السعيد مثل هذه (الدغمسة المالية)، فحل حكومة الحرامية وجمّد برلمان الانتهازيين وعيّن رئيساً للحكومة جديد أدّى القسم امامه بكل أدب واحترام، ومنذ يوم الأمس رسمت تونس الخضراء طريقاً جديداً لنفسها يخرجها من ورطة أكلة المال العام.

اسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
30 يوليو 2021

 

آراء