المكون العسكري .. ماذا يريد ؟!

 


 

د. عمر القراي
20 September, 2021

 

omergarrai@gmail.com
(وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ ۖ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ ۗ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ۗ يُخْفُونَ فِي أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبْدُونَ لَكَ) صدق الله العظيم

في أزمة الشرق الراهنة، تفاقم الوضع، فقد كان محمد الأمين ترك رئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا، قد قام من قبل عدة مرات بقفل طريق الشرق، بحجة أن الحكومة لم تحل مشاكل الاقليم الشرقي، وانشغلت عنه بالاقاليم الأخرى، مما زاد من التهميش الذي يعاني منه الاقليم. على أن عملية الإغلاق التي تمت يوم الجمعة الماضي، كانت الأكبر والأوسع انتشاراً . ولقد وضع ترك شروطاً لحل الأزمة الحالية تشمل : إقالة الحكومة الإنتقالية، وإلغاء اتفاق مسار الشرق في اتفاق سلام جوبا، وحل لجنة إزالة التمكين. ولقد تحركت مجموعات من البطانة وغيرها، تدعي أنها تمثل شمال السودان، تقدم العون لترك وجماعته، وتحاول مساعدته ليستمر في قفل الطريق بين الشرق وعموم السودان.
أول ما تجدر الإشارة إليه هو أن ما يقوم به ترك وجماعته، ليس احتجاجاً مقبولاً في نظام ديمقراطي، لأنه ليس مظاهرة، ولا وقفة، ولا تقديم مذكرة، ولا رفع شكوى للقضاء. وإنما هو عمل إجرامي، لأنه يريد أن يقطع واردات وصادرات البلد عن الميناء، فيزيد من تجويع المواطنين، ومعاناتهم. وهو إعتداء على سيادة الدولة على أرضها، واستهتار بحكومة جاءت بها ثورة شعبية، ولم تأت بانقلاب مثل حكومة النظام البائد. ثم إن المواطن محمد أحمد محمد الأمين ترك من قيادات النظام المباد، وقد كان مرشح ولاية كسلا عن حزب المؤتمر الوطني المحلول لسنة 2015م شمال الدلتا الدائرة رقم (15). وهو بهذه الصفة ليس له مكان في عهد الثورة التي اطاحت بحزبه الحاكم. وذلك لأنه يمثل حكومة الإخوان المسلمين المبادة ولا يمثل أهل الشرق الشرفاء. ولو أن أهلنا في الشرق لديهم مطالب، فإن أول ما يطلب منهم هو إبعاد ممثل الفلول هذا، عن رئاسة مجلسهم، واختيار أحد أبناء البجا الشرفاء ليقدم مطالبهم. فلو كان في ترك خير للشرق لفعله من خلال حزبه في الثلاثين عام الماضية. ولأن ترك لا يمثل الشرق، لم يقتصر على مطالب أهل الشرق، بل زاد عليها اقالة الحكومة الانتقالية التي اتت بها الثورة، وحل لجنة التفكيك. وهما مطلبان معروفان لفلول النظام المباد، حتى يعودوا مرة أخرى للسلطة، ومعهم أموالهم المنهوبة من الشعب.
والذين يتحركون الآن من مناطق أخرى يجلبون المواشي لترك وجماعته أيضاً لا يمثلون الثوار في تلك المناطق. وإنما هي محاولة أخرى فاشلة للفلول لإسقاط الحكومة الانتقالية، وما يشترى فيها من مواشي، تدفعه الحركة الإسلامية من الأموال التي لم تطالها مصادرة لجنة التفكيك. وهم الآن يستعجلون القضاء على لجنة التفكيك، قبل أن تصادر على أموالهم التي سرقوها من هذا الشعب الصابر. ورغم احترامنا لمجالس البجا، وتعاطفنا مع أقليم الشرق، وما لحق به من تهميش، وضرورة اصلاح وضعه، وعلمنا بأن أهلنا في الشرق قد شاركوا في الثورة إلا أن مجالس البجا ومواطنو شرق السودان لم يحدثوا الثورة ضد النظام البائد وحدهم، حتى يقرروا وحدهم ذهاب حكومتها، بمعزل عن الشباب الذين بذلوا ارواحهم، وأهرقوا دماءهم، مهراً لقيام الثورة وزوال إخوان ترك عن الحكم.
أما المكون العسكري في الحكومة فإن أمره أمر عجب !! فهو لم يسهم بالقيام بواجبه في التصدي الى التفلتات الأمنية، سوى أن كانت تفلتات ما اسماه الشعب "تسعة طويلة" ، الذي تقوم به جماعات النقرز في الأحياء والشوارع، أو تفلتات جماعة ترك. أما عذره الذي هو أقبح من الذنب فقد جاء عنه ( رهن المكون العسكري بالحكومة الانتقالية حسم التفلتات الأمنية التي تشهدها البلاد بمنح القوات النظامية تفويضاً من أجل حماية منسوبيها من الملاحقات الأمنية. ورفض المكون المدني في الحكومة الانتقالية طلب المكون العسكري الذي تقدم به خلال اجتماع المجلس الأعلى للسلام حيث شدد ممثلو المكون المدني على ضرورة عدم المساس بحق المواطنين في التظاهر السلمي وأكدوا بأن القوانين تكفل للأجهزة الأمنية الصلاحيات في آداء واجبها في حسم التفلتات الأمنية والمخاطر التي تتعرض لها البلاد)(الديمقراطي 19 سبتمبر 2021م).
فالمكون العسكري يريد أن ينتهز التفلتات، ليلوي يد الحكومة المدنية، لتوافق على إلغاء القوانين التي حدت من سلطات جهاز الأمن في الاعتقال التعسفي، وحدت من مواجهة المواطنين المحتجين سلمياً بالضرب بالعصي والغاز المسيل للدموع، وألغت قانون النظام العام الذي يعطي شرطة النظام العام الحق في ضرب النساء في الشوارع بسبب إتهامهن بالزي الفاضح. ثم هو يريد ارجاع الحصانة لجهاز الأمن، ليعود كما كان جهاز البشير وصلاح قوش، الذي يعتقل ويعذب وينهب ويصادر ولديه حصانة من أي مساءلة قانونية!!
المكون العسكري باختصار يقايض الحكومة، بأن تطلق يده كما كانت في العهد البائد أو يرفض التدخل لحسم التفلتات الأمنية، ويسكت عن احتلال مجموعة لأراضي الوطن، وقفل شوارعها بغرض تجويع الشعب واسقاط حكومته التي اتت بها الثورة.
إن ما يجري الآن هو مؤامرة ضد الشعب. يوجهها فلول النظام البائد، ويستغل فيها أهلنا البسطاء في الشرق. وتجد هذه المؤامرة القذرة الدعم من المكون العسكري بحجج لا تجوز على طفل من هذا الشعب. ومما يدل على ذلك أن ترك رفض الجلوس مع اللجنة التي كونتها الحكومة للتفاوض معه، فقد جاء ( إلا أن زعيم الحراك القبلي ترك رفض الجلوس مطلقاً مع الحكومة المدنية فيما أكد قبولهم بالجلوس مع المكون العسكري برئاسة رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان. وقال ترك خلال مخاطبته أمس السبت حشداً جماهيرياً بمدينة سواكن إنهم يراهنون على البرهان لاتخاذ اجراءات عاجلة منها إعلان حالة الطوارئ في البلاد وحل الحكومة المدنية وتشكيل حكومة جديدة)( المصدر السابق).
فالزعيم ترك يعرف أنه لا يملك القوة لقفل الطرق، واسقاط الحكومة. ولكنه يعول على الرئيس البرهان ليقوم له بالانقلاب، ثم يسلم السلطة لحزب ترك مرة أخرى. فالمؤامرة لا تخفى على أحد، ولا أظنها تخفى على الحكومة المدنية. فهي محاولة من الاخوان المسلمين الذين لم يقتنعوا أنهم فقدوا السلطة، للعودة عن طريق تفلتات أمنية تسوق إلى إعلان حالة طوارئ، واقالة الحكومة واعادتهم مرة أخرى.
ولكن الفريق البرهان رئيس مجلس السيادة، يعلم أن الشباب الذين خرجوا في ثلاثين يونيو، ومنعوه مما كان يردد مباشرة بعد فض الاعتصام، من ايقاف أي تفاوض مع المكون المدني، وحل الحكومة، واجراء انتخابات مبكرة، سيخرجون له من جديد ويترسون العاصمة ويقفلون شوارعها كلها، وليس شارع بورتسودان فقط . كما أن البرهان يعلم بالتجربة أن في الجيش السوداني ضباط وجنود شرفاء لو أمرهم بضرب الشباب الثائر لن يطيعوا أمره. وأن الشعب الذي لم يخاف الاخوان المسلمين وفي يدهم السلطة المطلقة ، ومعهم كل السلاح، لن يخاف مكون عسكري في حكومة بها مكون مدني معترف به دولياً.
هذا هو الوقت الحاسم، الذي يجب أن يخرج فيه السيد رئيس الوزراء للشعب، وينحاز له، ويطلب تفويضه، وتفويض الشرفاء من أبناء القوات النظامية، في كافة اقسامها، لحسم التفلت الأمني في العاصمة، وفي الشرق. بغض النظر عن موافقة المكون العسكري. فإذا وافقوا فيتم حسم التفلت وإذا رفض القادة سيعزلهم الشعب وتعزلهم القوات النظامية نفسها. كما لابد من اطلاع المجتمع الدولي، ومنظمة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، والدول الداعمة للتحول المدني الديمقراطي، على ما يتهدد الحكم المدني والتحول الديمقراطي من مؤامرة فلول النظام البائد، وتآمر بعض القادة في المكون العسكري معهم، بدلاً من حسمهم كما نصت مواثيق الثورة.
19 سبتمبر 2021م د. عمر القراي

 

آراء