تعقيب على معتصم الأقرع: هذه الحرب.. جريمة الاخوان المسلمين !! (2-2)

 


 

د. عمر القراي
14 December, 2023

 

(وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)
صدق الله العظيم

نظام الخصخصة، خطة اقتصادية معروفة، يوصي بها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي عادة، يتم بها تحويل المؤسسات العامة في الدولة، التي ترهلت، وزاد موظفوها عن طاقتها، وضعف انتاجها وانتاجيتها، الى القطاع الخاص، في صورة شركات. وهذه الشركات، يفترض أن تكون تكون، أكثر ضبطاً، وتتخلص من فائض العمالة، وتزيد من رأس المال، حتى تنهض بالمؤسسة. ثم هي، في نفس الوقت، تشكل منافسة قوية، وتحدي للمؤسسات، التي لا زالت تمثل القطاع العام، لترفع من كفاءتها، حتى لا تطالها الخصخصة. ولكن الخصخصة، التي قامت بها حكومة الاخوان المسلمين في السودان، خصخصة عجيبة، شملت حتى مؤسسات القطاع العام الناجحة، ولم تحولها الى قطاع خاص، وانما حولتها الى جيوبهم الخاصة، بعد أن تركت مؤسسات القطاع العام خرق بالية !! فبعد أن كانت الخطوط الجوية السودانية، من أميز مؤسسات الطيرات في افريقيا، أصبحت تملك طيارة واحدة، معطلة. وقامت بدلاً عنها، شركات النقل الجوي، التي يمتكلها الاخوان المسلمون في صور شراكات. ونهبت كل المعدات، ومراكز الصيانة، لصالح هذه الشركات الشيطانية. وتم ذلك للخطوط البحرية السودانية، حتى بيعت كل سفنها، مخازنها.. ثم مشروع الجزيرة، والسكة حديد، والتقل النهري، ودمر مأمون حميدة المستشفيات العامة، وبنى مستشفياته الخاصة، ودمر جامعة الخرطوم، وبنى جامعته، التي لا يزال يشغلها في ظروف الحرب، من خارج السودان!! وكان كل هذا من ضمن سياسة (التمكين)، التي تسلط بها الاخوان المسلمون، على موارد هذا الشعب الطيب.
وما حدث لهذه المؤسسات، بسبب نهب الموارد والتمكين، حدث بصورة أفظع للجيش. فكما شرد الآلاف من المدنيين، باسم الصالح العام، ومنحت الوظائف العليا لكوادرهم، حتى لو لم تكن مؤهلة، فالولاء مقدم على التأهيل، كما ذكر علي عثمان محمد طه. أحيل عدد كبير ممن لم يكن معهم، من كبار الضباط، الى المعاش. وأوقف قبول غير الاخوان المسلمين للكلية الحربية. وتحولت عقيدة الجيش، من الدفاع عن الوطن، للولاء للحركة الإسلامية، واطلقت فيه اللحى، وحولت للجيش معظم موارد الدولة، ولكنها وقعت لقمة سائغة في يد زعماء الاخوان المسلمين، ولم يجد منها الجندي البسيط ولا ثمن حذاء!!
يقول الأستاذ معتصم الأقرع ( لذا يا قحت اذا كنت تريدين السلام حقاً فتفاوضي مع عدوك الذي يسيطر على الجيش المقاتل وكفي عن هذا الهراء السخيف بتكرار ان مشاركة اخوان المؤتمر الوطني في أي عملية سياسية عبارة عن مكافأة لا يستحقونها من يريد السلام يتفاوض مع عدوه خاصة اذا كان هذا العدو يسيطر على الجيش) لقد أوضحنا خطل الرأي، في دعوة قوى الحرية والتغيير للتفاوض مع الجيش، في الجزء الأول من المقال، مما يغني عن التكرار. ولكننا هنا نود أن نتساءل هل الاخوان المسلمون يسيطرون على الجيش أم لا ؟ بل السؤال الأدق هل هنالك جيش سوداني، أم أن الاخوان المسلمين قد حولوه الى مؤسسة بالية، ضعيفة، وفاشلة، وتابعة لهم، بل تستمع الى توجيهات الايفاع المهووسين منهم، حين يطالبونها بضرب المواطنين، والكباري بالطيران!! سيطرة الاخوان المسلمين على الجيش حقيقة. ولكنها لا تدل على قوتهم، ولا تعطيهم وزناً، بقدرما تدل على ضعف الجيش، للحد الذي جعلهم في الحرب الدائرة، يضطرون الى الكشف عن كتائب الظل، ويدخلونها في المعارك، الى جانب ما تبقى من حطام الجيش، الذي لا يملك غير الطيران، الذي يضرب به المواطنين الأبرياء.
يقول الأقرع (دعنا الآن لنفترض أن اخوان المؤتمر الوطني قوة صغيرة منهكة ومهزومة بعد انتصار ثورة الشباب في 2019م وفي هذه الحالة سيكون من الممكن استبعادهم من العملية السياسية ومعاقبتهم والمضي قدماً دون دفع ثمن باهظ في شكل حرب ضروس. ولكن اذا كان الامر كذلك واذا كان اخوان المؤتمر الوطني مجموعة ضعيفة يمكننا استبعادها دون تكلفة من حيث الدمار ودماء ومعاش الاخرين بينما نحن نرفل في العواصم الامنة "كما هو حالي" فلماذا تستمر قحت في الادعاء بان هذه المجموعة تسيطر على الجيش وتمتلك القوة والوسائل اللازمة لضمان استمرار الحرب؟) لماذا يجنح الأقرع الى الافتراضات، حول حقائق ماثلة للعيان؟ ألم تنتصر ثورة الشباب على اخوان المؤتمر الوطني، وتنهي حكمهم؟ ألم تبدا في محاكمتهم، بعد أن اعتقلت حكومتهم، وبدأت عن طريق لجنة تفكيك النظام، تصادر الأموال التي نهبوها من الشعب؟ ألم يفشلوا في استعادة ذلك الحكم، وإيقاف عجلة التحول الديمقراطي، حتى استعانوا بكوادرهم في الجيش، فقاموا لهم بالانقلاب ؟! إن تسبب الاخوان المسلمين في الحرب والدمار، لا ينفي عنهم أنهم جماعة قليلة، ومهزومة، وهم لا يملكون القوة كأخوان مسلمين لضمان استمرار الحرب، ولهذا ابتدعوا بدعة الاستنفار، وجوهرها هو الاستعانة بالمواطنين البسطاء، الذين ظلوا ينهبونهم، ويعذبونهم، لثلاثين عاماً، ليحاربوا معهم الدعم السريع، الذي صنعوه بأيديهم، ليخضع لهم نفس هؤلاء المواطنين البسطاء !!
ختم الأستاذ معتصم مقاله بقوله ( لاحظ إن هذا المنشور لا يجيب على سؤال ما اذا كان الاخوان يسيطرون على الجيش بنعم أم لا. وهو لا يجيب على سؤال ما اذا كانت المفاوضات هي افضل مسار بنعم أم لا. يقول هذا المنشور فقط ان من يدعون ان الاخوان يسيطرون على الجيش واستمرارية الحرب عليهم ان يتفاوضوا معهم اذا كانوا يسعون حقاً الى السلام).
لماذا لا يجيب الأستاذ الأقرع، على الأسئلة التي طرحها، بنعم أو لا ؟ لأنه لو أجاب، لتورط فيما لا يريد الإفصاح عنه. فلو قال في الإجابة على السؤال الأول، نعم إن الاخوان يسيطرون على الجيش، وضح أن الحرب اذاً بين الاخوان والدعم السريع، وهي حرب لا مصلحة للمواطن السوداني فيها، لأن كلا المتحاربين صاحب تاريخ أسود، في الاضرار بهذا الشعب. أما لو كانت اجابته بلا إن الاخوان المسلمين لا يسيطرون على الجيش، وإنما هذا جيش السودان الوطني، يقاتل المتمردين الذين لا علاقة لهم بالجيش، فسيكون مردداً لشعارات (البلابسة)، ومتبني لخطهم المغالط للحقائق.
وعن سؤال المفاوضات، لو قال نعم إن المفاوضات هي المسار الأفضل، لاصطف مع دعاة السلام، والمطالبين بوقف الحرب، بما فيهم قوى الحرية التغيير!! وتعين عليه أن يدين الاخوان، وقيادات الجيش التي تتهرب من مفاوضات جدة، والتي انكرت اتفاق الايقاد، بعد أن وافقت عليه على رؤوس الاشهاد. أما لو أجاب بلا إن المفاوضات ليست المسار الأفضل، فمعنى ذلك أن المسار الأفضل هو الحرب!! وسيكون بهذا القول مع (البلابسة)، وبقية الاخوان المسلمين الرافضين للمفاوضات، والذين يحشدون للحرب. وفي هذه الحالة، فإن الأمانة تقتضي أن يخرج من العواصم الآمنة، ويحضر للسودان، ويدخل مع المستنفرين، ويقاتل مع الكتائب الاخوانية!!
إن هذا المقال لم يكتب دفاعاً عن قوى الحرية والتغيير. وهي كما قال الأستاذ الاقرع لديها الإعلاميين، الذين يمكنهم الدفاع عنها. كما أن قوى الحرية والتغيير، لم تعد وحدها المحرك للعمل الوطني، الشعبي، لاستعادة المسار الديمقراطي. لأنها مجموعة داخل التجمع الكبير، تحالف القوى الديمقراطية المدنية (تقدم)، وهو تجمع أخطأ الحزب الشيوعي السوداني، حين أبعد نفسه عنه.
13 ديسمبر 2023م

 

آراء