من الذي ينتظر (الفتات )

 


 

 

كانت حقبة البشير تمثل العهد الذهبي لرجال الدين وكتاب الصحف ، فكان النظام كريماً معهم ويغدق عليهم بالأموال ، وذلك يبدا من دفع فاتورة العلاج ومروراً بالتكفل بمصاريف العمرة والحج ونهاية بدفع أقساط السيارات وإصطحابهم في الرحلات الخارجية ، وحتى قبل أن يسقط البشير تمكن عبد الحي يوسف من نهب خمسة ملايين دولار من أموال المساعدات حتى يؤسس لمعاشه الإختياري في تركيا.
ولذلك كانت هذه الفئة من الناس حانقة على الثورة التي قطعت عليها الطريق وحجبت عنها الأموال والمنافع ، وعندما تخرج الجموع في الشوارع يهرع رجل الدين الفاسد إلى منبر صلاة الجمعة ويحرّم الخروج على الحاكم المسلم ، بينما يهرع نظيره الصحفي إلى الفضائيات بعد أن يرتدي أحسن ثيابه ويبدأ في (تبعيض ) العدد ويشهد على قوة النظام وقدرته على إحتواء التظاهرات ثم يضرب بأمثلة في بورما والصين ويستشهد بتجربة دول تمكنت من قمع الشارع.
بين هذا وذاك يجعلهم الشارع السوداني منقسمين بين اليأس والأمل ، ولكن تلك المحطة التي ينتظرون الوصول إليها قد تجاوزها القطار ، فالثورة هي كيان متجدد مثل متحورات الكورونا ، فكل الوصفات القديمة أثبتت فشلها ولم يتوفر حتى الآن علاج ناجع لإستئصال الثورة السودانية من جذورها ..
في إنقلاب 25 إكتوبر إعتقل الفريق برهان كل المتحدثين الإعلاميين والوزراء وقادة الأحزاب ووضعهم في السجن ، وفي حساباته الخاصة أنه كان يعتقد أن الثورة السودانية مرتبطة بالاشخاص والرموز ، وراهن على نجاح الحل الأمني ، لكن الجموع حاصرته من حيث لا يعلم وأرتد عن التصحيح الذي روّج له ، أنها ثورة مبنية على الوعي وشجرة عرقها تجاوز المواعين السياسية والرموز ليصل عميقاً ليمتص ماء الحرية والإنعتاق ، أنها ثورة تقود نفسها ولا تملّ من الإستمرار مهما بلغت قيمة التضحيات ،

 

آراء