حميد .. “ما حضن سيدابو خيرو”
البدوي يوسف
22 March, 2022
22 March, 2022
ولو أني حبيت الخلد فردا
لما أحببت بالخلد انفرادا
فلا هطلت علي ولا بأرضي
سحائب ليس تنتظم البلادا
ظلت أبيات أبو العلاء المعري - التي حفظناها في المرحلة المتوسطة - عندي أبلغ ما قيل عن خلق الإيثار ونكران الذات وحب الخير لكل الناس ، وبقيت حاضرة للاستدلال بها متى ما كان المقام مقام حديث عن هذه القيم السامية التي لا تصدر إلا عن نفوس سخية مجبولة على العطاء ، إلى أن أستوقفني في "الفيس بوك" مقطع شعر للراحل محمد الحسن سالم "حميد" :
أصلي مما قمت بزرع
ما حضن سيدابي خيري
ياما كم بيرا حفرتو
ما حصل قت يوم دا بيري
مقطع يتجلى فيه الإيثار في أبهى صوره .. ينثر الشاعر بذوره فتشتعل الأرض قمحا .. يحصد فتفيض ثمار حقله لتغمر كل محتاج .. يحفر أكثر من بئر لسقيا العطاشى ، دون من ولا أذى ، ودون أن تحدثه نفسه بأن يحدث الناس بملكيته لهذه الآبار .. فسماحة طبعه وسمو أخلاقه يمنعانه من أن يجاهر بذلك شأنه شأن الفارس عمارة ود أبو سن ال "إن أداك وكتر ما بقول أديت " أو ذلك الشاعر العربي القديم الذي "لا يحبس المال إلا ريث يتلفه" .
•••••
تستعين ب "قوقل " بحثا عن بقية لكلمات حميد التي استوقفتك .. تغوص أعمق في بحر عطائه الزاخر ففي أحشائه يكمن الدر ، وفي البال درته " نورا " التي يتغنى بها فنان الطنبور محمد جبارة .. نعم نورا "حلابة اللبيني للصغيرين والضيوف " التي تتحول في لهيب شمس الصيف الحارقة إلى نسمة تطوف على المحرومين :
تدي للجيعان لقيمة
تدي للعطشان جغيمة
تكسي للماشين عرايا
وفوقها ينقطع هديمه
تأسرك إنسانية نورا ويدها الممدودة للفقراء ونصرتها للضعفاء ، توثرهم على نفسها الكبيرة وهي الأحوج للنصرة ممن تحنو عليهم وتختصهم بعطفها وتغمرهم بكرمها .. قبل أن ترجع إنسانيتها الغامرة إلى نشأتها في أرض النخيل ، وتفتح عينيها على كرم "عمتها" النخلة الذي وثقه حميد :
ما ليها غير تطرح تمور
يملأ الشواويل والقفاف
ينتم زين .. ينحل دين
يطلق ضهر زولا بسيط
واقف على حد الكفاف
تشيخ النخلة بعد عمر حافل بالعطاء ، فتأبى إلا أن تترك لنورا درسا جديدا في التفاني في خدمة الإنسانية جمعاء ، وتواصل العطاء حتى بعد الفناء ، متأسية بالشمعة التي تحترق لتضيء للآخرين الطريق ..
والنخلة ترباية العباد
بجلالها تنحول رماد
ورمادها ينحول سماد
وسمادها يدخل كم بلاد
وديانها تخضر و البطاح
•••••
تواصل البحث ، فلا يخيب حميد ظنك في شاعريته وكرمه ، فاذا أنت أمام أغنية تحمل اسم "الخدير الشال وبدع " يصدح بها عدد من فناني الطنبور - محمد النصري ، عادل عثمان الطيب ، عبد القيوم الشريف - وفيها من معاني الإيثار ونكران الذات ما لم يسبقه إليه أحد ، ولن يتأتى إلا ل" تربال " في سخاء حميد ، تعلم منذ نعومة أظافره من الأرض الطيبة و السماء الرحيمة كيف يتمنى الخير للجميع :
زيي زي غيم بي مطرتو
ما فرز ضل من هجيري
طين جروفي المني روّح
شالو هدام الدميري
ما بكاهو قليبي نوّح
ماهو يوم بطلع جزيري
كل زول من حقو يحلم
حلمي يا راحة ضميري
تبقى هذي الدنيا أرحم
وخيره زي الغيمة ميري
•••••
تقارن بين أبيات شاعر معرة النعمان وقصيدة حميد .. فتجد أن الثاني بز الأول في الإيثار ، فالشاعر العباسي يتمنى لو يشاركه كل الناس نعيم الجنة وخير الأمطار ، في حين أن شاعرنا لم يجزع لفقدان طين جروفه في (نوري) وذهابه شمالا مع التيار ما دام سيتحول إلى جزيرة خصبة تنبت بالزرع وتفيض ثمارها وسنابلها على المحتاجين ، بلا من ولا أذى ، وبسماحة تشبه سماحة ذلك المزارع في تلك الديار الذي كتب عنه عبقري الرواية العربية الطيب صالح : "ﻛﺎﻥ ﻟﻤﻦ ﻳﺸﻮﻑ ﻧﺎﺱ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻠﺔ ﺑﺴﺮﻗﻮ ﻣﻦ ﺣﻮﺍﺷﺘﻪ ﺑﺒﺮﻙ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺍﻃﺔ ﻳﺘﻀﺎﺭﻯ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﻘﻨﺎﺩﻳﻞ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﻋﺸﺎﻥ ﻣﺎ ﻳﺸﻮﻓﻮه ، ﻋﺸﺎﻥ ﻋﻴﻨﻪ ﻣﺎ ﺗﻼﻗﻲ ﻋﻴﻮﻧﻬﻢ ﻭﻳﺘﺤﺮﺟﻮﺍ ﻣﻨﻮ".. أو المزارع الآخر الذي " ﻛﺎﻥ ﺑﺮﻛﺐ ﺣﻤﺎﺭﺗﻪ ﻭﻳﺨﺖ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﻣﺨﻼﻳﺘﻴﻦ ﻣﻘﺪﻭﺩﺍﺕ .. ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻤﺸﻲ ﺣﺒﺔ ﻳﻘﻊ ﻗﻨﺪﻭﻝ ﻋﻴﺶ ، ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻣﺒﺎﺭﻧﻮ ﻳﻠﻘﻄﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻨﺎﺩﻳﻞ ﻭﻫﻢ ﺑﻀﺤﻜﻮﺍ ﻋﻠﻰ " ﺯﻭﻝ ﺍﻟﻠﻪ " ﺍﻟﻤﺎ ﺑﻌﺮﻑ ﻋﻴﺸﻪ ﻭﻗﻊ ﻭﻻ ﻣﺎ ﻭﻗﻊ ﺩﺍ ، و…ﻛﺎﻥ ﻗﺼﺪه ﻳﺪﻳﻬﻢ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻣﺎ ﻳﺤﺴﺴﻬﻢ ﺍﻧﻮ ﺍﺗﺼﺪﻕ ﻋﻠﻴﻬﻢ".
•••••
تقرأ قصيدة حميد مع تلك الحكاية التي تروى عنه ..كيف أنه أهدى " موبايله بشريحته " إحدى الصغيرات رجته في إحدى زياراته للبلد أن يأتيها في زيارته القادمة بهاتف مثل هاتفه .
يأبى حميد - والعهدة على الراوي - أن تكون الفرحة بالتقسيط ، فيهدي "عشوشة" في الحال الموبايل والشريحة .. يتبع القول بالعمل والشعر بالفعل إن صح التعبير ..
تعيد قراءة حكايته مع "عشوشة" وإهدائها موبايله عن طيب خاطر ، مع صورة له متداولة في الوسائط الإعلامية ، يبدو فيها بسيطا في ملبسه ومظهره ، فتلمح فيه سمت "الفقير / الغني " المجبول على العطاء والإيثار ، وترى فيه واحدا من الساعين لقضاء حوائج الناس واسعادهم حتى وإن كانت كلفة ذلك التنازل عن كل ما يملك .. تتمعن في مطلع قصيدته " طيبة " .. فتجده بين الناس .. يقضي سحابة نهاره بين أهله وأحبابه يلتقيهم "في كل حتة " ذلك أن " كل بيوت الفقراء بيوته ".. يعيش حياته واحدا منهم لا يتغير ولا يبدل ملامح صوته .. يغني لهم بصوته الذي ألفوه ..
للأطفال الناشفة ضلوعها
ونازفة بغنى
أطمن روعها
وأهدي دموعها
ببسمة بكرة الماها تمنى
ولا مصنوعة
•••••
تخلص إلى أن حنو حميد على الضعفاء هو بعض مما جعل كل من غرف من بحر شعر ه ، وإن لم يأكل من طرف "تقاته " ويشرب من ماء بئره الزلال ، يبكيه بالدمع الهتون ويناديه بكلمات صديقه الشاعر الفحل محمد طه القدال ( قال إنه يسميه "Home Made " لأنه منتوج سوداني خالص ) الذي رحل هو الآخر مبكيا على شاعريته وفراسته :
يا حمّيد أقيف
شوف الخلوق محنانة
كفكف دمعتك
العبرة فوت خنقانها
عسلك سال بحر
فوقو النحل ونّانة
لا يكتمل الحديث عن محنة "الخلوق" بفقدها لحميد ، ما لم ترد الإشارة إلى مرثية صديقه الآخر الشاعر أزهري محمد علي " صابرة " ، التي يرثى فيها لحال الوطن الذي ما ضاق - في نظره - بقدر ما "كبرت الزنزانة" .. يأسى لرحيل حميد .. ينوه في خاتمتها بشاعريته الفذة ويعتبره "غرة" في المجالس و " شيبة" في رأس القصائد .. قبل أن يتساءل :
ﻭﻳﻦ ﺳﺮ ﺍﻟﺸِﻌﺮ ﺧﺘّﻴﺘﻮ
ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺠﺔ ﺍﻟﻮﺭﺍ ﺍﻟﻘﻮﺳﻴﺒﺎ ؟
ﻭﻟّﺎ ﺣﻘﺒﺘﻮ ﻭ اتوكلت ؟
شان ﺫﺍﺗﻬﺎ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻧﺴﻴﺒﻬﺎ
abahmed2001@hotmail.com
////////////////////////////
لما أحببت بالخلد انفرادا
فلا هطلت علي ولا بأرضي
سحائب ليس تنتظم البلادا
ظلت أبيات أبو العلاء المعري - التي حفظناها في المرحلة المتوسطة - عندي أبلغ ما قيل عن خلق الإيثار ونكران الذات وحب الخير لكل الناس ، وبقيت حاضرة للاستدلال بها متى ما كان المقام مقام حديث عن هذه القيم السامية التي لا تصدر إلا عن نفوس سخية مجبولة على العطاء ، إلى أن أستوقفني في "الفيس بوك" مقطع شعر للراحل محمد الحسن سالم "حميد" :
أصلي مما قمت بزرع
ما حضن سيدابي خيري
ياما كم بيرا حفرتو
ما حصل قت يوم دا بيري
مقطع يتجلى فيه الإيثار في أبهى صوره .. ينثر الشاعر بذوره فتشتعل الأرض قمحا .. يحصد فتفيض ثمار حقله لتغمر كل محتاج .. يحفر أكثر من بئر لسقيا العطاشى ، دون من ولا أذى ، ودون أن تحدثه نفسه بأن يحدث الناس بملكيته لهذه الآبار .. فسماحة طبعه وسمو أخلاقه يمنعانه من أن يجاهر بذلك شأنه شأن الفارس عمارة ود أبو سن ال "إن أداك وكتر ما بقول أديت " أو ذلك الشاعر العربي القديم الذي "لا يحبس المال إلا ريث يتلفه" .
•••••
تستعين ب "قوقل " بحثا عن بقية لكلمات حميد التي استوقفتك .. تغوص أعمق في بحر عطائه الزاخر ففي أحشائه يكمن الدر ، وفي البال درته " نورا " التي يتغنى بها فنان الطنبور محمد جبارة .. نعم نورا "حلابة اللبيني للصغيرين والضيوف " التي تتحول في لهيب شمس الصيف الحارقة إلى نسمة تطوف على المحرومين :
تدي للجيعان لقيمة
تدي للعطشان جغيمة
تكسي للماشين عرايا
وفوقها ينقطع هديمه
تأسرك إنسانية نورا ويدها الممدودة للفقراء ونصرتها للضعفاء ، توثرهم على نفسها الكبيرة وهي الأحوج للنصرة ممن تحنو عليهم وتختصهم بعطفها وتغمرهم بكرمها .. قبل أن ترجع إنسانيتها الغامرة إلى نشأتها في أرض النخيل ، وتفتح عينيها على كرم "عمتها" النخلة الذي وثقه حميد :
ما ليها غير تطرح تمور
يملأ الشواويل والقفاف
ينتم زين .. ينحل دين
يطلق ضهر زولا بسيط
واقف على حد الكفاف
تشيخ النخلة بعد عمر حافل بالعطاء ، فتأبى إلا أن تترك لنورا درسا جديدا في التفاني في خدمة الإنسانية جمعاء ، وتواصل العطاء حتى بعد الفناء ، متأسية بالشمعة التي تحترق لتضيء للآخرين الطريق ..
والنخلة ترباية العباد
بجلالها تنحول رماد
ورمادها ينحول سماد
وسمادها يدخل كم بلاد
وديانها تخضر و البطاح
•••••
تواصل البحث ، فلا يخيب حميد ظنك في شاعريته وكرمه ، فاذا أنت أمام أغنية تحمل اسم "الخدير الشال وبدع " يصدح بها عدد من فناني الطنبور - محمد النصري ، عادل عثمان الطيب ، عبد القيوم الشريف - وفيها من معاني الإيثار ونكران الذات ما لم يسبقه إليه أحد ، ولن يتأتى إلا ل" تربال " في سخاء حميد ، تعلم منذ نعومة أظافره من الأرض الطيبة و السماء الرحيمة كيف يتمنى الخير للجميع :
زيي زي غيم بي مطرتو
ما فرز ضل من هجيري
طين جروفي المني روّح
شالو هدام الدميري
ما بكاهو قليبي نوّح
ماهو يوم بطلع جزيري
كل زول من حقو يحلم
حلمي يا راحة ضميري
تبقى هذي الدنيا أرحم
وخيره زي الغيمة ميري
•••••
تقارن بين أبيات شاعر معرة النعمان وقصيدة حميد .. فتجد أن الثاني بز الأول في الإيثار ، فالشاعر العباسي يتمنى لو يشاركه كل الناس نعيم الجنة وخير الأمطار ، في حين أن شاعرنا لم يجزع لفقدان طين جروفه في (نوري) وذهابه شمالا مع التيار ما دام سيتحول إلى جزيرة خصبة تنبت بالزرع وتفيض ثمارها وسنابلها على المحتاجين ، بلا من ولا أذى ، وبسماحة تشبه سماحة ذلك المزارع في تلك الديار الذي كتب عنه عبقري الرواية العربية الطيب صالح : "ﻛﺎﻥ ﻟﻤﻦ ﻳﺸﻮﻑ ﻧﺎﺱ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻠﺔ ﺑﺴﺮﻗﻮ ﻣﻦ ﺣﻮﺍﺷﺘﻪ ﺑﺒﺮﻙ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺍﻃﺔ ﻳﺘﻀﺎﺭﻯ ﻣﻨﻬﻢ ﺑﻘﻨﺎﺩﻳﻞ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﻋﺸﺎﻥ ﻣﺎ ﻳﺸﻮﻓﻮه ، ﻋﺸﺎﻥ ﻋﻴﻨﻪ ﻣﺎ ﺗﻼﻗﻲ ﻋﻴﻮﻧﻬﻢ ﻭﻳﺘﺤﺮﺟﻮﺍ ﻣﻨﻮ".. أو المزارع الآخر الذي " ﻛﺎﻥ ﺑﺮﻛﺐ ﺣﻤﺎﺭﺗﻪ ﻭﻳﺨﺖ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﻣﺨﻼﻳﺘﻴﻦ ﻣﻘﺪﻭﺩﺍﺕ .. ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻤﺸﻲ ﺣﺒﺔ ﻳﻘﻊ ﻗﻨﺪﻭﻝ ﻋﻴﺶ ، ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻋﺔ ﻣﺒﺎﺭﻧﻮ ﻳﻠﻘﻄﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻨﺎﺩﻳﻞ ﻭﻫﻢ ﺑﻀﺤﻜﻮﺍ ﻋﻠﻰ " ﺯﻭﻝ ﺍﻟﻠﻪ " ﺍﻟﻤﺎ ﺑﻌﺮﻑ ﻋﻴﺸﻪ ﻭﻗﻊ ﻭﻻ ﻣﺎ ﻭﻗﻊ ﺩﺍ ، و…ﻛﺎﻥ ﻗﺼﺪه ﻳﺪﻳﻬﻢ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻣﺎ ﻳﺤﺴﺴﻬﻢ ﺍﻧﻮ ﺍﺗﺼﺪﻕ ﻋﻠﻴﻬﻢ".
•••••
تقرأ قصيدة حميد مع تلك الحكاية التي تروى عنه ..كيف أنه أهدى " موبايله بشريحته " إحدى الصغيرات رجته في إحدى زياراته للبلد أن يأتيها في زيارته القادمة بهاتف مثل هاتفه .
يأبى حميد - والعهدة على الراوي - أن تكون الفرحة بالتقسيط ، فيهدي "عشوشة" في الحال الموبايل والشريحة .. يتبع القول بالعمل والشعر بالفعل إن صح التعبير ..
تعيد قراءة حكايته مع "عشوشة" وإهدائها موبايله عن طيب خاطر ، مع صورة له متداولة في الوسائط الإعلامية ، يبدو فيها بسيطا في ملبسه ومظهره ، فتلمح فيه سمت "الفقير / الغني " المجبول على العطاء والإيثار ، وترى فيه واحدا من الساعين لقضاء حوائج الناس واسعادهم حتى وإن كانت كلفة ذلك التنازل عن كل ما يملك .. تتمعن في مطلع قصيدته " طيبة " .. فتجده بين الناس .. يقضي سحابة نهاره بين أهله وأحبابه يلتقيهم "في كل حتة " ذلك أن " كل بيوت الفقراء بيوته ".. يعيش حياته واحدا منهم لا يتغير ولا يبدل ملامح صوته .. يغني لهم بصوته الذي ألفوه ..
للأطفال الناشفة ضلوعها
ونازفة بغنى
أطمن روعها
وأهدي دموعها
ببسمة بكرة الماها تمنى
ولا مصنوعة
•••••
تخلص إلى أن حنو حميد على الضعفاء هو بعض مما جعل كل من غرف من بحر شعر ه ، وإن لم يأكل من طرف "تقاته " ويشرب من ماء بئره الزلال ، يبكيه بالدمع الهتون ويناديه بكلمات صديقه الشاعر الفحل محمد طه القدال ( قال إنه يسميه "Home Made " لأنه منتوج سوداني خالص ) الذي رحل هو الآخر مبكيا على شاعريته وفراسته :
يا حمّيد أقيف
شوف الخلوق محنانة
كفكف دمعتك
العبرة فوت خنقانها
عسلك سال بحر
فوقو النحل ونّانة
لا يكتمل الحديث عن محنة "الخلوق" بفقدها لحميد ، ما لم ترد الإشارة إلى مرثية صديقه الآخر الشاعر أزهري محمد علي " صابرة " ، التي يرثى فيها لحال الوطن الذي ما ضاق - في نظره - بقدر ما "كبرت الزنزانة" .. يأسى لرحيل حميد .. ينوه في خاتمتها بشاعريته الفذة ويعتبره "غرة" في المجالس و " شيبة" في رأس القصائد .. قبل أن يتساءل :
ﻭﻳﻦ ﺳﺮ ﺍﻟﺸِﻌﺮ ﺧﺘّﻴﺘﻮ
ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺠﺔ ﺍﻟﻮﺭﺍ ﺍﻟﻘﻮﺳﻴﺒﺎ ؟
ﻭﻟّﺎ ﺣﻘﺒﺘﻮ ﻭ اتوكلت ؟
شان ﺫﺍﺗﻬﺎ ﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﻧﺴﻴﺒﻬﺎ
abahmed2001@hotmail.com
////////////////////////////