الحرب الروسية الاوكرانية…الدروس المستفادة !!

 


 

 

الدرس الأول المستفاد من ارتدادات الحرب الروسية الاوكرانية هو أن الانظمة السياسية التي تجعل من اراضيها منطلقاً لتنفيذ اجندات امبريالية عابرة للقارات، ستدفع ثمناً باهظاً يصعب تعويضه، فالدمار الذي لحق بالبنية التحتية للدولة الاوكرانية جراء القصف المدفعي والجوي الروسي، حوّل العاصمة كييف والمدن الكبرى الى بيوت للاشباح، فلو قدر لهذه الحرب اللعينة أن تضع اوزارها يصبح من العسير اعادة الاعمار وبناء ما اصبح اكوام من الركام، فبين ليلة وضحاها صار هذا البلد الزراعي والصناعي الكبير رمزاً وانموذجاً للخراب، وهكذا تكون عاقبة البلدان الواقعة بين فكي غول الجشع العالمي إن لم تحظى بقيادة رشيدة وحكيمة توازن بين المصلحة الوطنية في الداخل، وبين الدور العالمي والاقليمي الذي يجب أن تلعبه خارجياً، فحينما يتماهى حكماء الدولة مع تيارات الصراع الكوني حول الموارد دون رويّة، يصبح شعب هذه الدولة رهين للمساومات والمزايدات الكبرى التي تقودها القوى العظمى المحركة لعصب الحياة السياسية والاقتصادية للكوكب الاخضر العامر بالماء والحياة.
الدرس الثاني يكمن في حتمية الخزلان من التحالفات العسكرية والسياسية الاقيلمية والدولية، تجاه البلدان التي تتقبل حكوماتها بأن تكون مصدات للرياح ومنطلق لخدمة ممسكات رفاهية شعوب وحكومات اخرى، حلف النيتو لم يكن بحجم الورطة التي ورّط اوكرانيا فيها، فهذه المانيا وصويحباتها ترفض فرض عقوبات اقتصادية على روسيا لما لها من مصالح استراتيجية مع موسكو مرتبطة برفاه الشعب الالماني المستدام، إن أوّل من يسعى لمد اليد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين هي دول الغرب الاوروبي الممثلة للعمود الفقري لحلف شمال الاطلسي، فالغرب لا يجامل حينما يتعلق الأمر بالطاقة لأن حياة شعوبه مرتبطة بهذه الطاقة سواء كانت غاز او بترول، وقريباً سيرى العالم انعقاد الهدنة الممهدة لوضع حد للحرب ومن ثم تتجسد معاني المقولة الشائعة: في النهاية ستتوقف الحرب ويتصافح القادة من الجانبين وتبقى تلك الأم التي فقدت ولدها والارملة المكلومة في المعيل والمعين والشابة الحسناء المصدومة لعدم عودة فارس الاحلام، وبطلها المغوار منتصراً ظافراً من ميدان المعركة وساحات الوغى، فالخزلان الذي تلقّاه لينسكي الرئيس الاوكراني من الحلف الاطلسي سيكون السبب الرئيسي لنجاح أي مفاوضات تسعى لوقف الحرب.
الدرس الثالث والأهم هو حتمية عودة سباق التسلح النووي للواجهة وثبات وجهة النظر المصممة على ضرورة امتلاك المفاعلات النووية، فبلد صغير مثل جمهورية ايران الاسلامية قد اثبت للبلدان الصغيرة الأخرى أن مشروعه النووي ليس بدعاً ولا دعامة من دعامات الارهاب كما روّج الغرب، بل امتلاكه لذلك المشروع مثله مثل الفارس الممتشق للحسام والمتوشح بالصارم الفتّاك، في مقابل فارس آخر يتباهى بقيم الرجولة والانسانية والشهامة وكرم الضيافة دون أن يحمل السيف البتّار، الذي يحمي بحده حدود الحمى ويوقف اطماع الاعداء المعتدين، سوف تشهد حقبة ما بعد الحرب الروسية الاوكرانية مارثوناً جديداً وتنافساً محموماً حول تصنيع الصواريخ الحاملة للرؤوس النووية العابرة للقارات، وتصبح النظرة الرومانسية والطوباوية لعالم خالٍ من السلاح مجرد احلام رجل يقظ لم تغمض عيناه، فقد زالت هيبة المؤسسات الدولية المختصة في شؤون السلم والأمن الدوليين إن كانت لها هيبة من الأساس، وبهت لون المنظمات غير الحكومية الناشطة في مجالات وقف الحروب ودعم المدنيين المتضررين جراء عواقب هذه الحروب.
الشاهد في هذا الطرح أن وضعنا في جمهورية السودان غير الديمقراطية، لا يختلف كثيراً عن وضعية جمهورية اوكرانيا، لقد ظل القادة الحاكمون في بلادنا يرتكبون ذات الخطأ الكبير الفادح منذ حكومة الرئيس المخلوع عمر حسن احمد البشير، الا وهو رهن البلاد ومقدراتها للاجندة الاقليمية والدولية وخروج القرار السيادي من ايدي الحاكمين ووقوعه بيد انظمة الحكم الجارة القريبة والصديقة البعيدة، فان لم يتعظ ساستنا وحكامنا بمآلات الحرب ومخلفاتها التي كست ارض اوكرانيا بالدماء والرماد وسماءها بالنواح والبكاء والعويل والحزن المقيم، لن يكون حالنا بأفضل من حال الشعب الاوكراني بأي حال من الأحوال اذا استمر الوضع كما هو عليه، وهو حال من جعل ابواب منزله مشرعة لدخول معاقري الخمر واصحاب الازلام والانصاب والميسر والقمار ليعيسوا فيه الفساد وانتهاك الحرمات.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com

 

آراء