في حكاياتنا مايو (1): يوم قال نميري: (انتا قايلني انا بشوف !)

 


 

 

لم اكن يوما من الحلقة السلطوية الضيقة المحيطة بالرئيس الاسبق جعفر نميري ، ولا جزء من العناصر القيادية التنفيذية العليا في نظام مايو. ولكني كنت موظفا من موظفي الخدمة العامة في درجة وسيطة من هيكلها الاداري الذي ينتهي بك الي رئيسك المباشر. ولم يكن من الممكن – بحكم قانون الخدمة العامة – ان تتخطي رئيسك المباشر الي من هو اعلي منه الا في حالات التظلم او الاستئناف .
غير ان هناك مواقف ومصادفات خارج نطاق القواعد والنظم الحكومية التي اشرت اليها اعلاه ، تاتي عفوا ومن غير تدبير منك مثل ان تلتقي وزيرا في مناسبة اجتماعية او يتم تكليفك بإعداد وشرح عمل – من اختصاصك - لمن هو اعلي منك درجة مديرا او وكيلا او وزيرا او رئيسا للدولة ! وهذا ماحدث لي بالفعل عام١٩٨٣ حين كلفتني الجهة التي كنت اعمل بها ان اقوم باعداد معرض تعريفي لأهداف وآفاق تلك الجهة في حفل تدشين عملها الذي سيحضره الرئيسي نميري.
بعد ان قص نميري الشريط التقليدي ، دخل علي المعرض مباشرة وفي معيته رهط من الوزراء والمتنفذين ، فشرعت اشرح له مكونات المعرض من الصور والبيانات والوثائق النادرة. وفجاة توقف عند لوحة مكتوبة بحروف عربية مقروءة وسالني :دا عربي؟ ..فتريثت ثوان لتحضير اجابة تخرجني واياه من الحرج ،لكنه عاجلني بما يشبه الضربة القاضية قايلا: (سكتا مالك ؟انتا قايلني انا بشوف).هنا انقذ الموقف وزير رياسة الجمهورية د. بهاء الدين محمد ادريس حين مد للرئيس – في سرعة البرق - نظارة قراءة فتناولها واخذ يقرا حروف اللوحة التي تاكد من انها بلسان عربي مبين.لكني توقفت عند مدلول تلك العبارة لاحقا وتساءلت في نفسي هل كان لها معني رمزي يشير الي ان صاحب السلطان يري الكثير الكثير ولكنه قطعا لايري كل شيء؟

اردت ان اسجل هذا الموقف من حكايات مايولاشير الي عفوية هذا الرجل – احيانا - وتبسطه مع الناس حين لاتعكر مزاجه دواعي السلطة ومناخاتها الوخيمة من صراعات وخصومات ودماء.
تري هل كان المتنبي محقا في وصف مازق السلطة واحوالها حين قال:
ووضع الندي في موضع السيف بالعلي
مضر كوضع السيف في موضع الندي

aha1975@live.com

 

آراء