صفعة صفاء … فجّرت البكاء !!

 


 

 

من ظن أن واقع صحافتنا اليوم هو ذلك الواقع الصحي المعافى، وأن العمل الصحفي ينشط تحت ظروف طقس طبيعية تجد فيها المفردة المكتوبة والكلمة الملفوظة القبول والوصول الآمن لمكتب المسؤول، يكون هذا الظان صاحب النيّة الحسنة قد ضل طريق الرشاد، لأن واقع الكتابة الصحفية اليوم محفوف بمخاطر تضييق الانقلابيين، ففي مثل هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها بلادنا الحبيبة لا توجد وسيلة أخرى اكثر بلاغة وامضى سلاحاً من مواجهة الانقلابيين إلّا القذف بالبيض الفاسد والحذاء المهتريء، وهي وسائل احتجاجية تم استخدامها في كثير من المناسبات المشابهة، خاصة في وجوه رموز الدكتاتوريات وزعماء المليشيات والعصابات المافيوية، الذين يسطون على سلطة الشعب ظلماً وعدواناً، لقد الهمت الاستاذة صفاء الفحل جيش من الاقلام الراصدة والمتابعة والتي من بينها هذا القلم، وهي بذلك تكون قد قذفت حجراً كبيراً في عمق البركة الآسنة للمقالات المكررة والمملة، فحرّكت هذا الركود الآسن وسنّت رؤوس الاقلام، فانطلق الكتاب والصحفيون نحو تدبيج الصحف اليومية بالموضوعات الثائرة والمقالات الحيوية الزاخرة جراء هذه الصعقة الكهربائية ذات الفوليتة العالية.
إنّ ردة الفعل الرومانسية التي جاءت من بعض الحالمين بعالم تكسوه الروح الطيبة والنوايا الحسنة، لا يتناسب مع سوء طوية المتآمرين على سلطة الشعب، ولا يجب أن تقابل استفزازاتهم المتكررة على الدوام بسلوك الحمل الوديع، فهي رسالة وجيهة موجهة للجميع - ثوريين وصحفيين وسياسيين ومهنيين وناشطين، إذ أنه ما تزال بلادنا مختطفة من قبل عدد قليل من العسكريين، بتواطؤ واضح ممن تم رمي الحذاء في وجوههم في حادثة المنصة التي نحن بصددها، فلم نصل بعد لمرحلة التداول السلمي للسلطة الذي لا يحتاج فيها الصحفي لأن يستخدم مركوبه بديلاً للقلم، فالتصريحات العرجاء والخطرفات الرعناء التي ظل يهرف بها ذلك الرجل الانقلابي الداعم للدكتاتورية الجديدة والمستهدف بتلك (الجزمة) الطائرة، لا يمكن لجمها بالكلمات المنمقة ولا بالعبارات المنتقاة من قاموس الصحافة والاعلام، فما تلقاه هذا الانقلابي من صاروخ ارض جو منطلق من تحت الاقدام، هو مردود من جنس نفس البضاعة التي ظل يروّجها ويسوّقها ويبيعها للناس، فهاهي بضاعته ردت اليه وعليه تقبلها بصدر رحب ومعه رفاق درب الانقلاب الناحر لحكومة الانتقال.
منصة السلطة سيطر عليها امراء الحرب وزعماء المليشيات وجنرالات النظام (البائد)، واصبح السلاح هو الظاهرة الأكثر شيوعاً في الاحياء وداخل دهاليز مكاتب المؤسسات الحكومية، ومع هذا الوضع الغريب والشائه لا يمكن أن يمارس الصحفيون مهنتهم، ولذلك يجب أن لا يستغرب الناقدون لثورة الحذاء لو اطل عليهم صحفي ممتشقاً للكلاشنكوف وهو يتحسس خطاه سعياً للوصول الى المنبر لكي يدلي برأيه، فهذا الوضع الاستثنائي الذي تتلبد سماءه وراء سحب دخان الذخائر وخلف اغبرة المؤن المتفجرة، لا يمكن أن ينتج صحافة وديعة ومسالمة تخاطب الذئب الانقلابي بالمفردات المهنية المتواءمة والمنسجمة، فالوحش الكاسر ذو الأنياب المتقطرة دماً لا يمكن معه اتباع تلك القاعدة الطيبة للسيد المسيح، الداعية للتسامح الافلاطوني المستحيل وغير الممكن الذي لن تجد له مثيل بين وحوش الانقلاب، فالرومانسيون الداعون للتعاطي مع موجهات صاحبة الجلالة وتطبيق معاييرها على ارض واقع مكتظ باسفاف الانقلابيين، لن يجدوا تلك السانحة المنطقية التي تتيح لهم ذلك.
العنف لا يولد سوى العنف، عندما تقذف بكلمات الاستفزاز على وجوه مستقبليك ربما يمتنع غالبهم عن الرد عليك بالمثل، ولكن من المؤكد أنك سوف تتلقى صفعات وركلات من آخرين غاضبين ليسوا من قبيلة الكاظمين الغيظ، وحينها فقط سوف تعلم تمام العلم أن حديثك المطلق على عواهنه يجب أن يغربل و(يفلتر)، لقد تعرض اكبر رمز من موز المؤتمر الوطني (المحلول) عندما كان مساعداً للرئيس المخلوع، لضربة على الرأس سالت على إثرها الدماء بعاصمة اكبر البلاد رعاية للديمقراطية – لندن، لم يكن مساعد الدكتاتور حينها يتخيل وجود من يجرؤ على الوقوف أمامه ناهيك عن مثول من يقوم بفج رأسه باعقاب كرسي قديم امام ناظريه.
رسالة الحذاء عبارة عن عبوة ناسفة لغرور الشخصيات الكرتونية التي اعتلت منصة السلطة على حين انتهازية غافلة، وهذه الرسالة المباغتة حتماً سوف تتبعها رسائل أخرى دافعها الغبن وقلة الحيلة والهوان، ولا يستطيع أن يتنبأ بحجم خطرها احد لما لذاكرة الشعوب من مخزون كبير من التجارب الانسانية القادرة على رد الصاع صاعين.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
10 ابريل 2022
////////////////////////

 

آراء