قرية الشبارقة خططت على بغداد القديمة … وأول قرية تحارب الامية
د. خالد البلولة
20 April, 2022
20 April, 2022
الطريق الى قرية الشبارقة -التى تقع فى ولاية الجزيرة وتبعد عن مدينة ود مدني حوالي ثلاثون كيلو متراً على طريق مدني القضارف ، وتبعد عن نهر النيل الأزرق حوالي ثلاث كيلومترات - محاط بالخضرة والسماحة والكرم الفياض، الكل يرفع يديه.. «مرحباً بكم.. تفضلوا!! حبابكم عشرة...!!
دخلناها والشمس أطلت برأسها تعلن مولد يوم جديد وسكانها في غدوهم ورواحهم، يبتغون الرزق الحلال، بين تلك المروج والبراري الخضراء.. والسماء ملبدة بالغيوم ترسل إشاراتها مبشرة بالخير العميم...!!
ينحدر سكان الشبارقة من قبيلة القواسمة وهم فرع من قبيلة رفاعة الكبرى، دخلوا السودان مع الهجرات العربية عن طريق مصر واستقروا في منطقة (أبو حمد) وكلمة الشبارقة جاءت من مفردة شبرق، وهو نوع من الشجر الشوكي القوي، وكُنى بهذا الاسم لقوته وصلابته...!
أول مدرسة بالقرية:
ذاع صيت الشبارقة بالتعليم وعرفت طريقه في العام 1906م حيث تأسست أول مدرسة أولية على يد الناظر جميل وتعد الشبارقة من القرى التى تحصنت ضد الامية منذ يناير 1975م. حيث لا يوجد أميا واحدا من ذاك التاريخ.
يروي عثمان يوسف جميل أن والده أول من درس بالمدرسة ومعه فضل عبد القادر والد معتصم فضل المخرج الإذاعي المعروف ورئيس قطاع الإذاعة السودانية وفضل محمد علي.. وقال: رفض الإنجليز التصديق بالمدرسة ولكن تحت إلحاح الناظر جميل.. تمت المصادقة عليها.. فكان يحتاج لناس يقرأون ويكتبون
رائد حركة التغيير المجتمعى :
يعد الناظر يوسف جميل هو رائد التغيير والنهضة الاجتماعية في قرية الشبارقة ، واستفاد من دراسته في كلية غردون وتخرجه في مدرسة الإدارة سنة 1924م، وعمل إدارياً في دارفور لمدة «7» سنوات منذ العام 1926م وتخلى عن عمله (الإدارة) بطلب من والده ليتولى أمر النظارة في سنة 1934م..!!
لم يكن يوسف جميل ناظراً اعتيادياً إنما كان ثاقب الفكر بعيد النظر، واسع العلاقات كانت تربطه علاقات وطيدة مع كبار السياسيين ورجالات التعليم والإدارة.
يحكي ابنه عثمان يوسف جميل ان اللواء محمد نجيب كان يراسله من مصر بعد استلامه رئاسة الجمهورية ودعاه دعوة شخصية لحضور العيد الأول لثورة يوليو 1952م.. وكان زميلاً له في المدرسة الأميرية المتوسطة بودمدني.
رائد تعليم البنات بالقرية :
شجع الناظر يوسف جميل تعليم البنات بدعم سخي وتحفيز من الرائد بابكر بدري وقام ببناء أول مدرسة لتعليم البنات سنة 1934م، وتعتبر عائشة علي وخير منو المهدي والتاية عبدالوهاب وفاطمة علي من رائدات تعليم البنات بالقرية.
وتحكى (فاطمة جميل) إن معلمات الشبارقة عملن في كل أنحاء السودان، وطافت الاستاذة خير منو المهدي عدد من انحاء السودان حيث عملت معلمة بمدارس الكرمك وبورتسودان والقضارف وكسلا وتخرجت مع زميلاتها، كأول دفعة من القرية تدرس بكلية المعلمات بأمدرمان سنة1940م وافتتحت مدرسة الشبارقة الأولية للبنات بحفل ساهر أحياه فنان الحقيبة الشهير الفاضل أحمد بحكم صداقته مع يوسف جميل.
شيدت على بغداد القديمة:
يلحظ الزائر لقرية الشبارقة أن قلب القرية ربط بأربعة شوارع وسيعة تقود الى ساحة المسجد والسوق ويروي عثمان يوسف جميل أن والده اطلع على بعض الخرط الخاصة بالمدن العربية التي كانت بحوزة الإنجليز يومذاك ونالت إعجابه خريطة لمدينة بغداد القديمة ،واختارها ونفذها في الشبارقة رغم معارضة المواطنين لذلك ونجح في إقناعهم بهدفه وأصبحت القرية مضرباً للمثل في التخطيط...!
نادى الأمهات:
اهتم يوسف جميل بتنمية مجتمعه بتطوير التعليم بكل أشكاله، وتعد الشبارقة أول قرية تمحو الأمية الأبجدية تماماً وسط مواطنيها في يناير1975م بجهد الناظر جميل وتكاتف المواطنين. ويضيف عثمان جميل: ان أول كلية لتنمية المجتمع بدأت في الشبارقة تحت مسمى «نادي الأمهات» استهدف به النساء اللائي فاتهن قطار التعليم بنفس المناهج وطرق التدريس التي تُتبع الآن. واهتمت الشبارقة بالنظافة العامة وإصحاح البيئة منذ العام 1940م، ويضيف قائلا: وجدت شهادة بمكتب عميد بخت الرضا تقول: إنها القرية النموذجية في السودان منذ عهد طويل.
ويعد أول مركز شرطة أسس في منطقة الشبارقة سنة 1934م تستفيد منه الشبارقة والقرى التي تتبع لها إدارياً وأنشأه يوسف جميل بحكم تجربته الشرطية في كلية غردون والهدف منه محاربة الهمبتة يومذاك.!
صاحب فكرة زواج الجماعي:
يعد أول من سن الزواج الجماعي في السودان في منتصف العشرينيات ويحكى عثمان جميل أن المأمور يوسف جميل في فترة عمله بدارفور جاء ماراً بقرية وجد عدداً من النساء يتجمعن حول البئر يردن الماء ولحظ أن عدد الفتيات حاسرات الرأس كبيراً والمقنعات قلة، فسأل: عن سبب الفتيات الكبار حاسرات الراس فقيل له «إن المقنعات متزوجات» فوجه بضرورة ان تزوج الفتيات في أسرع زمن وقد حدث.ويُلقب يوسف جميل في دارفور بـ«مُقنع الكاشفات» وسُميت فاكهة اليوسفي في دارفور بـ«يوسف أفندي» لوجاهته ونظافته، وله شارع هناك يُسمى شارع يوسف جميل
*** صحفى واستاذ جامعى
khalidoof2010@yahoo.com
////////////////////////////
دخلناها والشمس أطلت برأسها تعلن مولد يوم جديد وسكانها في غدوهم ورواحهم، يبتغون الرزق الحلال، بين تلك المروج والبراري الخضراء.. والسماء ملبدة بالغيوم ترسل إشاراتها مبشرة بالخير العميم...!!
ينحدر سكان الشبارقة من قبيلة القواسمة وهم فرع من قبيلة رفاعة الكبرى، دخلوا السودان مع الهجرات العربية عن طريق مصر واستقروا في منطقة (أبو حمد) وكلمة الشبارقة جاءت من مفردة شبرق، وهو نوع من الشجر الشوكي القوي، وكُنى بهذا الاسم لقوته وصلابته...!
أول مدرسة بالقرية:
ذاع صيت الشبارقة بالتعليم وعرفت طريقه في العام 1906م حيث تأسست أول مدرسة أولية على يد الناظر جميل وتعد الشبارقة من القرى التى تحصنت ضد الامية منذ يناير 1975م. حيث لا يوجد أميا واحدا من ذاك التاريخ.
يروي عثمان يوسف جميل أن والده أول من درس بالمدرسة ومعه فضل عبد القادر والد معتصم فضل المخرج الإذاعي المعروف ورئيس قطاع الإذاعة السودانية وفضل محمد علي.. وقال: رفض الإنجليز التصديق بالمدرسة ولكن تحت إلحاح الناظر جميل.. تمت المصادقة عليها.. فكان يحتاج لناس يقرأون ويكتبون
رائد حركة التغيير المجتمعى :
يعد الناظر يوسف جميل هو رائد التغيير والنهضة الاجتماعية في قرية الشبارقة ، واستفاد من دراسته في كلية غردون وتخرجه في مدرسة الإدارة سنة 1924م، وعمل إدارياً في دارفور لمدة «7» سنوات منذ العام 1926م وتخلى عن عمله (الإدارة) بطلب من والده ليتولى أمر النظارة في سنة 1934م..!!
لم يكن يوسف جميل ناظراً اعتيادياً إنما كان ثاقب الفكر بعيد النظر، واسع العلاقات كانت تربطه علاقات وطيدة مع كبار السياسيين ورجالات التعليم والإدارة.
يحكي ابنه عثمان يوسف جميل ان اللواء محمد نجيب كان يراسله من مصر بعد استلامه رئاسة الجمهورية ودعاه دعوة شخصية لحضور العيد الأول لثورة يوليو 1952م.. وكان زميلاً له في المدرسة الأميرية المتوسطة بودمدني.
رائد تعليم البنات بالقرية :
شجع الناظر يوسف جميل تعليم البنات بدعم سخي وتحفيز من الرائد بابكر بدري وقام ببناء أول مدرسة لتعليم البنات سنة 1934م، وتعتبر عائشة علي وخير منو المهدي والتاية عبدالوهاب وفاطمة علي من رائدات تعليم البنات بالقرية.
وتحكى (فاطمة جميل) إن معلمات الشبارقة عملن في كل أنحاء السودان، وطافت الاستاذة خير منو المهدي عدد من انحاء السودان حيث عملت معلمة بمدارس الكرمك وبورتسودان والقضارف وكسلا وتخرجت مع زميلاتها، كأول دفعة من القرية تدرس بكلية المعلمات بأمدرمان سنة1940م وافتتحت مدرسة الشبارقة الأولية للبنات بحفل ساهر أحياه فنان الحقيبة الشهير الفاضل أحمد بحكم صداقته مع يوسف جميل.
شيدت على بغداد القديمة:
يلحظ الزائر لقرية الشبارقة أن قلب القرية ربط بأربعة شوارع وسيعة تقود الى ساحة المسجد والسوق ويروي عثمان يوسف جميل أن والده اطلع على بعض الخرط الخاصة بالمدن العربية التي كانت بحوزة الإنجليز يومذاك ونالت إعجابه خريطة لمدينة بغداد القديمة ،واختارها ونفذها في الشبارقة رغم معارضة المواطنين لذلك ونجح في إقناعهم بهدفه وأصبحت القرية مضرباً للمثل في التخطيط...!
نادى الأمهات:
اهتم يوسف جميل بتنمية مجتمعه بتطوير التعليم بكل أشكاله، وتعد الشبارقة أول قرية تمحو الأمية الأبجدية تماماً وسط مواطنيها في يناير1975م بجهد الناظر جميل وتكاتف المواطنين. ويضيف عثمان جميل: ان أول كلية لتنمية المجتمع بدأت في الشبارقة تحت مسمى «نادي الأمهات» استهدف به النساء اللائي فاتهن قطار التعليم بنفس المناهج وطرق التدريس التي تُتبع الآن. واهتمت الشبارقة بالنظافة العامة وإصحاح البيئة منذ العام 1940م، ويضيف قائلا: وجدت شهادة بمكتب عميد بخت الرضا تقول: إنها القرية النموذجية في السودان منذ عهد طويل.
ويعد أول مركز شرطة أسس في منطقة الشبارقة سنة 1934م تستفيد منه الشبارقة والقرى التي تتبع لها إدارياً وأنشأه يوسف جميل بحكم تجربته الشرطية في كلية غردون والهدف منه محاربة الهمبتة يومذاك.!
صاحب فكرة زواج الجماعي:
يعد أول من سن الزواج الجماعي في السودان في منتصف العشرينيات ويحكى عثمان جميل أن المأمور يوسف جميل في فترة عمله بدارفور جاء ماراً بقرية وجد عدداً من النساء يتجمعن حول البئر يردن الماء ولحظ أن عدد الفتيات حاسرات الرأس كبيراً والمقنعات قلة، فسأل: عن سبب الفتيات الكبار حاسرات الراس فقيل له «إن المقنعات متزوجات» فوجه بضرورة ان تزوج الفتيات في أسرع زمن وقد حدث.ويُلقب يوسف جميل في دارفور بـ«مُقنع الكاشفات» وسُميت فاكهة اليوسفي في دارفور بـ«يوسف أفندي» لوجاهته ونظافته، وله شارع هناك يُسمى شارع يوسف جميل
*** صحفى واستاذ جامعى
khalidoof2010@yahoo.com
////////////////////////////