الصاوي .. مقدم ناجح على طريقته

 


 

 

بين مادح وقادح، تباين تقييم من يتابعون تجربة الأستاذ مصعب الصاوي في تقديم برنامج "أغاني وأغاني" على فضائية (النيل الأزرق)، في موسمه الثامن عشر، خلفاً للراحل السر، قدور بحضوره الطاغي وخبرته المعتقة، ومعرفته الواسعة بساحات الغناء، شاعراً وملحناً ومادحاً ومسرحياً وصديقاً لأهل الفن، ومعايشاً لميلاد كثير من الأغاني الخالدة، وعارفاً بمناسبات نظمها وخلفياتها الخافية على العامة.
في مقابل مواهب قدور المتعددة، يتكئ الصاوي على تأهيل أكاديمي (كلية الموسيقى والدراما)، وتسنده خبرة مقدرة في الإذاعة السودانية، وتجربة مشهودة في تقديم برنامج "أغنيات من البرامج" بالفضائية ذاتها، ومعرفة عميقة بتاريخ الفن والأدب الشعبي، وقبل ذلك انحداره من ذات البيئة التي جاء منها قدور ، إذ قدما من الدامر حاضرة ولاية نهر النيل، التي عرفت منذ زمن بعيد بأنها منارة ومركز إشعاع ثقافي ومعرفي ينهل الطلاب من ينابيع علومها، على ضوء نار خلاويها التي أوقدها الحاج عيسى ود قنديل، والسودان في ملك العنج النصارى من أهليه، على قول سليل الأسرة الشاعر الفذ محمد المهدي المجذوب في مقدمة ديوانه الأشهر "نار المجاذيب".. يضاف إلى ذلك أن الدامر غير بعيدة من كبوشية التي تعتبر مهد أغنية الحقيبة، بجانب انفتاحها على البطانة التي ترقد على كنوز من الأدب الشعبي .
•••
تنتظر البرنامج بشغف… تتساءل كيف فات على الصاوي، والقائمين على أمر القناة تخصيص الحلقة الأولى لرحيل قدور .. لا تقتنع بما كتب على شريط توضيحي بأن الحلقات سجلت قبل وفاته، فالفقيد توفي قبل يومين من بداية بث البرنامج المسجل، وهي مدة كافية في حسابات أهل الإعلام لإعداد حلقة على الأقل تبث في اليوم الأول، تنقل المشاهد إلى صيوان العزاء ويستضاف فيها أعرف الناس بالراحل، على سبيل المثال شقيقه المبدع الآخر الدكتور عمر أحمد قدور، ووزير الإعلام الأسبق، الأستاذ فيصل محمد صالح، الذي ربطته بالراحل معرفة وثيقة، بجانب أحد قيادات حزب الأمة الذي انتمى له الفقيد، إضافة إلى عاصم البنا، وجمال فرفور اللذين يبدوان من خلال مسيرة البرنامج ومشاغبات الراحل معهما أنهما الأقرب إليه، وبالتالي الأقدر على الحديث عنه .. وإن تعذرت استضافتهم يفي بالغرض نقل مشاهد من "صيوان" العزاء واستنطاق العارفين بالراحل من بين المعزين..
صحيح أن البرنامج استضاف الفنان كمال ترباس أكثر من غنى للراحل (١١ أغنية على حد قوله)، وقد أوفاه بعض حقه، لكن الأصح أن الحديث عن الراحلين يختلف عن الأحياء الذين يرزقون .
تبدو لك صورة الصاوي بعيدة في الحلقة الأولى، بُعد هلال غرة شهر رمضان، ويأتيك صوته خفيضاً لا تكاد تتبين كلماته.. في حين يظل قدور طوال الحلقة الغائب/ الحاضر .. تملأ صورته الشاشة .. تتسلل إلى أذنيك ضحكته العالية ولازمته الشهيرة "مرحباً بكم في شاطئ النيل الأزرق السعيد ٠٠ وهذا اللقاء الفني الجديد".. تكاد تستل قلمك وتكتب مؤيداً الأحكام العاجلة الصادرة بنهاية اليوم الأول والقائلة بأن الصاوي دون قامة قدور الفارعة.. تتمنى لو أنه اعتذر عن التقديم حتى لا تنمحي الصورة الزاهية التي رسمتها له منذ أن شاهدته يوماً في برنامج "نسائم الليل" لمقدمه الراحل الفريق إبراهيم أحمد عبدالكريم ، ومنذ أن سمعته في برنامج إذاعي، وهو يسلط الضوء على أغنية "حتى الطيف رحل خلاني" بصوت محمد وردي، قبل أن تتعرف عليه خلال لقاءات عابرة في الصحف فتزداد تقديراً لمواهبه بعد أن تلمس تهذيبه العالي .
•••
يرتفع صوته قليلاً في الحلقة الثانية ، تقترب صورته على استحياء أو هكذا يبدو لك .. تكبر مع توالي الحلقات حتى تغطي كامل الشاشة ليكتمل بدراً في منتصف الشهر الفضيل، محاطاً بنجوم البرنامج الذين أكسبهم وجود الكروان عاطف السماني هذا الموسم المزيد من البريق ..
ينداح في تسليط الأضواء على الأغاني التي ينتقيها بعناية، والتعريف الواسع بشعرائها وأول من تغنى بها ، حتى تكاد تراه أحياناً في صورة "الحوار الغلب شيخو" .. متسلحاً بالعمق واللباقة في مقابل بساطة وتلقائية قدور، وبالقرب والتناغم مع نجوم البرنامج مقابل معايشة ومعاصرة قدور لمبدعي ذلك الزمان .. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الراحل ظل يقيم بالقاهرة منذ بداية سبعينيات القرن الماضي .
يمنح البرنامج بعداً قومياً، بحضور الشرق في شخص الفنان الشاب محمد درير، والغرب من خلال (صيامكو عافية - بلدكو ليكو)، وأقصى الشمال عبر تحية الفنانة هادية طلسم لأهلها النوبيين بلسانهم .. ويبقى الأمل في أن تتسع مقاعد البرنامج في المواسم القادمة لوجوه جديدة من أركان البلاد الأربعة حتى تسمع جميع الأقاليم صوتها، وترى صورتها في شاشة النيل الأزرق .
•••
لا يقدح ولا يقلل من نجاح الصاوي تكراره لبعض الكلمات مثل كلمة "برنجي" في تقييمه لنجوم البرنامج بعد كل أغنية، ذلك أن الكلمة التركية الأصل وإن كانت معروفة لأهل الكيف، إلا أن معناها (الأول / الأفضل) يغيب عن الكثيرين، وقد تتحول من إشادة مستحقة إلى إشارة سالبة قد يفهم منها أن "التدخين غير ضار بالصحة ".
لا يروقك إكثاره من عبارة "عشرة على عشرة"، ذلك أن المشاهد الواعي لا يستوعب منح مقلد الدرجة الكاملة وإن أجاد، كما أن ذلك الكرم فتح الباب للمجاملة فأصبحت العلامة الكاملة مضمونة لكل مؤدٍّ وإن رسب في نظر المشاهد الذي يمتلك من الأدوات ما يعينه على التقييم، وإن كان في عداد المتفرجين .
لا ترى داعياً لإشارته بأصبعه "أنت كده" دليل إعجابه بالأداء، فهي وإن قبلت من الشباب وممن تمرس على استخدامها من الكبار، فإنها لا تقبل ممن في رصانة ورزانة الصاوي.. وبالتالي لا يحتاج لمجاراة الشباب - كما يفعل بعض خاطفي ثورتهم - وخطب ودهم بغير طريقته التي عرف بها ..
الرحمة والمغفرة للراحل قدور والتوفيق والسداد للصاوي.

abahmed2001@hotmail.com
/////////////////////////////

 

آراء