(الشحاد) صار له موبايل يطلب حسنة منك (بقوة عين) ويعتقد جازماً أنه وريثك الشرعي!!

 


 

 

كانت تقف عند الباب تقرعه بعنف في وقت الظهيرة والشمس في كبد السماء ترسل سياطا من لهب جعلت الكثيرين يلوذون ببيوتهم يحتمون بالتبريد وهم في نهار رمضان يتمتعون بلحظات من السكينة مع نوم هاديء يعبر بهم الي آذان المغيب ومن ثم الافطار والماء الذي تبتل به العروق والطعام الشهي والصلاة والدردشة مع الأسرة والصحاب !!..
قمت منثاقلا الي الباب ومازالت بقايا نعاس تكحل عيني وظننت أن الطارق المتلهف وفي هذا الظرف الرمضاني بنهار تعدت درجة الحرارة فيه الاربعين ربما يكون حاملاً لاخبار عاجلة مثل ما نري في الفضائيات وقلت بعد أن فتحت الباب :
( نعم ، اي خدمة ) ؟!
كانت امامي شابة صغيرة تبدو من اول وهلة كخريجة جامعية أو معلمة روضة أو ربما تكون متحصلة لرسوم النفايات ، المهم انها كانت تبدو أنيقة في عباءتها السودان وغطاء رأس احمر اللون تم لفه بعناية .
في يدها اليمني موبايل وباليسري حقيبة يد ولكن عندما نطقت كانت لهجتها تميل الي احدي دول الجوار وبدت تحدث أصواتا اقرب للفرنسية منها للعربية !!
( ست البيت في ) ؟!
( نائمة ) !
قلتها بعجلة ظاهرة وتضجر صريح .
( ممكن تعودي بعدين لاني ماتعودت إيقاظ شخص نائم إلا في حالات الطوارئ القصوى ، وهاكي المئة جنيه هذه وفوتي علينا بعد ساعتين وهممت باغلاق الباب لإنهاء المحادثة .
( انا ماشحادة وست البيت هي العاوزاني ) !!..
وعبثا حاولت أن أفهم منها ست البيت عاوزاها لشنو لكنها استعصمت ورفضت الإدلاء بأي معلومات وتمسكت برأيها في أن ست البيت تريدها أن تحضر إليها وقد جاءت مرتين وطرقت الباب ولكن لم يستجاب لها وهذه المرة أصرت علي المقابلة لأنها تسكن غرب الحارات وان المواصلات صارت لاتطاق وان زوجها صار دخله بسيطا بسبب الظروف الخانقة التي تعصف بالجميع وان لها أطفالا صغاراً زغب الحواصل لا ماء ولا شجر !!..
هنا بالضبط بعد أن سمعت منها هذا السرد التاريخي الرائع والذي تعودنا عليه من أصحاب التسول الحديث الذين يأتون في زي انيق وكلام منمق أدركت أنها قابلت ست البيت ربما في المخبز أو عند بائع الخضر وتكون قد وعدتها بالعون والمساعدة ووصفت لها البيت !!..
( حسنا ، تمهلي شوية ، سأواصل الإرسال ) !!..
دخلت البيت وحكيت لست البيت كل ما جري بالخارج ووصفت لها الشابة الواقفة عند الباب تطلب الاذن بالدخول !!..
ست البيت تذكرت الظروف والملابسات التي أعطت بموجبها الشابة ( س . ع ) لتحضر إليها لمساعدتها ولكن تاثرت بعض الشيء لأن من ضمن الاشياء التي وعدتها بها لم تكن متوفرة في ذاك الوقت وعلي عجل وضعت اشياء في لفافة مع مبلغ من المال علي وعد أن تعود لاحقا لتجد كل طلباتها علي التربيزة !!..
تناولت الاشياء وطلبت مني أن أبلغ ست البيت شكرها علي هذا المعروف ، وفي هذا الاثناء رن هاتفها المحمول وانخرطت في محادثة طويلة مثل رجال الأعمال وسيدات الصوالين وكبار الدستوريين وعندما فرغت أملت علي رقم موبايلها !!..
وقالت لي في ثقة تحسد عليها :
( انا ساكنة بعيد والمواصلات نار في نار والمرة الجاية قبل مساعدتكم الرجاء إخطاري بالمواعيد عندما تكونوا جاهزين لاني غير مستعدة أن أضيع وقتي علي مافيش خاصة وانا أسكن غرب الحارات ) !!..
غادرت المكان وكأنها فرغت لتوها من مقابلة تلفزيونية وتركتني أهمهم واخاطب نفسي في ذهول :
( دا كلو من شركات الاتصال جعلت الموبايل متاحا ليخدم التسول علي أبدع مايكون ) !!.
أغلقت الباب ودخلت الي حيث الكندشة لاواصل نومي الذي قطعته علي شابة متسولة اتت من دول الجوار لتعكر صفونا وتقلق منامنا ولسان حالها يقول لامثالي السذج البسطاء :
( حسنة وانا سيدك ) !!..
نهاركم سعيد مع انقطاع الكهرباء والموية !!..

حمد النيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي .
معلم مخضرم .

ghamedalneil@gmail.com
///////////////////////

 

آراء