حمدوك وحاضنته من الرجال البلهاء.. طاهر عمر
حمدوك وحاضنته من الرجال البلهاء.. طاهر عمر
20 May, 2022
20 May, 2022
يحكى أن عشرة رجال بلهاء نزلوا ليستحموا في النهر و عندما خرجوا أرادوا التأكد من أنهم ما زالوا عشرة و لم يغرق من ضمنهم أحد و صاروا يقفون في صف و أحدهم يعدهم دون أن يشمل نفسه من ضمن العدد و أستمروا في البكاء و العويل هذه القصة من كتاب المطالعة القديم تحاكيها قصة حاضنة حمدوك التي فشلت في أن تعبر بحكومة الفترة الانتقالية و قد استحقوا بأن يوصفوا بالرجال البلهاء.
سوف أحاول أن أكتب ما يدل على أنهم حقا كانوا رجال بلهاء أولا تركوا الكيزان في مفاصل الدولة و قد نجحوا في تعطيل مسيرة ثورة ديسمبر بما تركوا الكيزان بجهاز قضائي فاسد صدّق الرجال البلهاء بأنه سلطة قضائية مستقلة و نسوا بأن الثورات الكبرى كثورة ديسمبر تلحقها تشريعات لا تعرف الرحمة في تعاملها مع قبح الكيزان و تدميرهم لملامح الدولة لأنهم أصلا لا يؤمنون بفكرة الدولة كمفهوم حديث.
تهاون الرجال البلهاء حاضنة حمدوك فيما يتعلق بأن يؤول المال العام الى وزارة المالية و قد تركوا الجيش يسيطر شركات تمثل دولة داخل دولة. تركوا الكيزان في وزارة المالية و البنك المركزي بنك البنوك لكي يعطلوا كل السياسات المالية و السياسات النقدية و أكبر علامات أنهم حقا رجال بلهاء يتجسد في إعتقادهم بأن ما تركته الانقاذ من ركام يمثل دولة و ما كان عليهم إلا تهافتهم على المحاصصة و التهافت على الوظائف بشكل مقرف و يدل على جهلهم بمفهوم الدولة كمفهوم حديث و مفهوم السلطة.
ترك الرجال البلهاء ملف المفاوضات مع الحركات المسلحة للجيش و قد سيطر عليه المجرم المرتزق حميدتي و قد جاء بالطامة الكبرى المتمثلة في سلام جوبا و قد جاء بمالك عقار و مناوي و جبريل و أردول و غيرهم من العاطلين من أي موهبة غير أنهم أتخذوا من قلة الشغلة شغلهم الشاغل كيف لا يتفق أمثال مناوي و جبريل و طاهر حجر و عقار مع إنقلاب البرهان الفاشل و هم لا يفكرون أبدا في مسألة التحول الديمقراطي و لا يخطر ببالهم أنهم سيغادرون بعد انتهاء الفترة الانتقالية.
فهم يظنون بأنهم خليفة الكيزان و يجب ان يظلوا في الحكم الى ما لا نهاية كما فعلها سلف كير في الجنوب فهو يظن بأن الحركة الشعبية حاربت و انتصرت و يجب أن تحكم الى ما لا نهاية و النتيجة ها هو الجنوب معطل لا تنمية و لا ملامح دولة بالمعنى الحديث بل حالة إجتماع لم يصل بعد لمفهوم المجتمع و يريد شلة سلام جوبا نقل تجربة سلفا كير الى السودان مع مساعدة البرهان و حميدتي الذي صنعته الحركة الاسلامية السودانية مع البرهان أضف الى ذلك خوف كل من حميدتي و البرهان من الملاحقات بسبب جرائمهم و على رأس القائمة جريمة فض الإعتصام.
حصل كل ذلك بسبب الرجال البلها الذين قد كانوا حاضنة لحمدوك تركوا ملف السلام للعسكر ليحاور العاطلين أمثال مالك عقار و ياسر عرمان و أردول و مناوي و جبريل و فات على الرجال البلهاء بأن عقار و جبريل و مناوي و أردول و عرمان و معهم الصادق المهدي أيام معارضتهم للانقاذ لم يستطيعوا إقناع أحرار العالم بشئ و كانت كل الدول الأوروبية التي قد أعجبت بثورة ديسمبر و أبطالها من الشباب تقول لعرمان و عقار و جبريل و مناوي و أردول أذهبوا و فاوضوا الانقاذ لأنهم لم يروا فيهم عبقرية من يقوم بالتغيير بل كل أحرار العالم قد قالوا لهم أذهبوا و فاوضوا الانقاذ لأنهم بلا ملامح القادة الأذكياء الذين يستطيعون فعل تغيير كما فعل مانديلا مثلا و قد رأينا كيف قد ساندوه في تفاوضه مع البيض في إنهاء الفصل العنصري في جنوب أفريقيا و لكن شن جاب مانديلا لموقعي طامة سلام جوبا و قد جاء بقادة بلا ملامح و لا يبدوا على فكرهم تحول ديمقراطي.
تذكرون كيف كانت حيرتهم و قد رتّب لهم الصادق المهدي فكرة الهبوط الناعم و كان قد قرر عودته للسودان و قد أرسل مناوي و جبريل الى إحياء اتفاقية الدوحة المعدلة و عرمان و عقار الى أديس و منها الى جوبا لمفاوضة الانقاذ و و قد فاجأهم الشعب بثورته التي قد خلعت الصادق المهدي و قد وصفها بأنها بوخة مرقة تذكرون ذلك و على ملامحه وجه مخلوع؟
للأسف قد فات على الرجال البلهاء بأن أتباع إتفاق جوبا ليس له علاقة بروح ثورة ديسمبر التي قد جبّت ما قبلها من أفكار النخب السودانية الفاشلة بما فيها أتباع حركات دارفور و لكن الرجال البلهاء حاضنة حمدوك لم يستوعبوا الدرس أي بأن ثورة ديسمبر هي إعلان لموت عالم قديم بأفكاره بما فيها حركات دارفور الميلحة و ميلاد سودان جديد تقوده ثورة خفية يقود شعب شعارها حرية سلام و عدالة و قد أعلن تضامنه مع ضحايا الحروب في دارفور و جبال النوبة و النيل الأزرق بشعار عطبرة العبقري كل البلد دارفور و قد أضاعوا الرجال البلهاء فرصة بتهافتهم على المحاصصة.
مشكلة حمدوك بدلا من أن يأخذ من الرجال البلهاء البوصلة فاذا به يتركها في يدهم و يسير خلفهم يوم إرتضى أن يكونوا حاضنته و كان يجهل بأنهم خاليي الوفاض من أي فكر يؤدي الى فكرة التحول الإجتماعي و التحول الديمقراطي و بدلا من يطرح فكره إنتظر لمدة زادت على ثلاثة شهور برامجمهم التي كانت مركز دائرتها التهافت على المحاصصة تركها لصديق يوسف صاحب فكرة ان يتولى الجيش لملف الداخلية و وزارة الدفاع كما ذكر خالد سلك في ممحكاته مع الشيوعيين التي لا تذكرنا إلا بلعب العيال.
بالمناسبة حمدوك خيّب ظن الناس فيه بأن يكون شخصية تاريخية و هيهات لأنه كان سيختلف عن الصادق المهدي الآتي من بيت طائفي و لا يمكن أن ننتظر من امثاله أي الصادق المهدي نقلة للمجتمع باتجاه دولة حديثة أما حمدوك كان سوف يكون شخصية تاريخية حقيقية إلا أنه كان مهزوز الشخصية ضعيف تصور يقود حكومة مهلهلة ضاعت عن أفقه فكرة الدولة نفسها و إذا بحكومة بلا دليل و لا برامج واضحة و قد قلنا له في مقالات كثيرة بأن ملامح الدولة لم تظهر بعد في عهده رغم مرور أكثر من سنتين و كان يظن بأنه سوف يعبر برجاله البلهاء و أضاف إليهم طامة سلام جوبا.
ما نريد أن أقوله في هذا المقال بأن الثورة السودانية العظيمة تحتاج لشخصية تاريخية مثل مانديلا قد نقل جنوب أفريقيا من حقبة الى حقبة جديدة دون أن يحتاج أن يستمر في الحكم كما يتوهم سلفاكير و لا كما يتوهم أتباع حركات دارفور و هم يتفقون مع البرهان في انقلابه الفاشل. نحتاج لشخصية تاريخية قادرة على إقناع كافة السودانيين بأن مسألة التحول الاجتماعي و بالتالي التحول الديمقراطي تحتاج لتغيير طريقة تفكير النخب الفاشلة و خاصة أتباع الحركات في دارفور عليهم أن لا يعتقدون بأنهم يجب أن يكونوا على مسرح السياسة الى ما لا نهاية و أنهم بديلا جديد لنظام شمولي كيزاني أحتاج الشعب السوداني لثلاثة عقود لكي يزيحه من المشهد عليهم بأن يؤمنوا بأن الديمقراطية تتطلب تغيير مستمر للأفكار و الوجوه و إلا سيكون نموذج سلفاكير ينتظر تجربة الشعب السوداني.
الشعب السوداني هو مصدر السلطة و هو صاحب التغيير الذي فشل أن يأتي به اتباع حركات دارفور فعليهم تغيير طريقة تفكيرهم بأن إتفاق السلام معهم لا يعني أن يكونوا بديلا شموليا لنظام الكيزان و أن يساعدوا في مسألة التحول الديمقراطي بتغيير مفهومهم التقليدي عن السلطة التي لا تعني غير التسلط و هذا يحتاج لمساعدتهم لتجاوز فكرهم القديم بفكر جديد يقوم على تفكيك البنى الثقافية التي لا تفتح إلا على نظم حكم شمولية و خاصة بأن تجربة قادة دارفور قد أثبت أن أغلبيتهم تسيطر على أفقهم ثقافة بنى الأسرة الجذعية التي لا تساعد على إنتاج ثقافة تساعد على نجاح الديمقراطية و قد رأينا كيف كان تآمرهم اي جبريل و مناوي و حميدتي في إنجاح إنقلاب البرهان الفاشل.
أما نخب الشمال أي المناطق التي لم تكن من ضحايا حروب الانقاذ في دارفور و جبال النوبة و النيل الأزرق فعليهم الارتفاع بفكرهم الى مستوى يرتقي الى تقدم الشعب السوداني و هو متقدم عليهم بفراسخ و دليلنا على ذلك قد رأينا كيف ما زال أتباع الحزب الشيوعي السوداني لا يؤمنون بفكرة الدولة من الأساس و قد تآمروا على إسقاط حكومة الفترة الانتقالية و هذا قد وضعهم على مستوى واحد مع الكيزان و الفلول فيما يتعلق بقيام إنقلاب البرهان الفاشل و نذكرهم بأنه ذات يوم قد قال المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي بأن مسؤولية قيام سودان موحد و متقدم و متحضر تقع على عاتقهم و لكن بشرط أن يفهموا مسألة الشرط الانساني و هيهات.
و لكنهم كالعادة قد خيّبوا ظن أرنولد توينبي و قد قال هذا القول 1947 و ما زالت نخب الشمال تدمن الفشل و تتعاطى الكسل الذهني كما رأينا تركهم لملف السلام للعسكر و قد جاءوا بطامة سلام جوبا و إنقلاب البرهان الفاشل و ما زالوا دون مستوى إفراز شخصية تاريخية توحد قوى المعارضة في مواجهة أفشل إنقلاب و هو إنقلاب البرهان الفاشل بل ما زالوا يقدمون الأقزام و قد رأينا تبرير خالد سلك في لهفته للعودة للمحادثة مع العسكر بنفس مستوى فكره القديم و أمثال خالد سلك لا يختلف عن مناوي و جبريل و عرمان و عقار بأنهم فاشلون و لكنهم لا يريدون مغادرة المشهد لأنهم يعتقدون و هم خاطئون بانهم قادة لا يسير السودان بغير فكرهم و هيهات.
بالمناسبة أقرب شخص كان ينبغي أن يكون شخصية تاريخية كان حمدوك مقارنة بأمثال خالد سلك و صديق يوسف صنم الحزب الشيوعي الذي ورطنا في أن يترك ملف الداخلية و الدفاع للعسكر و لكن حمدوك و رغم صواب قراره بمسألة الاقتصاد و إعادة السودان لحضن المجتمع الدولي كان لا يختلف عن مثقفي السودان و خاصة المصريين على لعب دور فيما يتعلق بالسياسة و لا نرى لهم قامات ساسة مرموقيين و قد تركت الساحة لأمثال خالد سلك الذي كان مؤيد لانتخابات 2020 و ابراهيم الشيخ بلا أفق فكري و عمر الدقير الذي يهتم بخلق العبارة دون أن تكون له ريادة الفكرة و سيظل السودان و الشعب السوداني في انتظار شخصية تاريخية تقود السودان في سبيل اللحاق بمواكب الانسانية التي قد سارت في طريق الانسانية التاريخية و الانسان التاريخي.
taheromer86@yahoo.com