جيرزلدا .. اقلعت وهبطت برضا وطمأنينة

 


 

 

قبل عدة سنوات و انا استقل طائرة في رحلة ستمتد الي اربعة ساعات جلست بمحازاتي علي الصف الآخر سيدة انجليزية الملامح و لكنها تحمل في يدها جوازاً سودانياً دبلوماسياً و قد كساها الشيب و تغضن جلدها بصورة تنبئ عن طول السنوات التي عاشتها ، و لم يكن صعباً علي بعد ان استدعيت ملامحها من ذاكرتي المتعبة و ربطت بينها و بين سمتها الانجليزي و جوازها السوداني و احتفاء طاقم الطائرة بها أن أتأكد ان السيدة لم تكن الا جرزلدا الطيب !

لن انسي ما نسيت تعابير الرضا و الراحة علي وجهها ، هذه الراحة لا يمكن أن يحظي بها الا من عاش حياته كما اراد و لم يؤرق ايامه الأخيرة فيها الندم علي شئ فعله أو الحسرة علي الاحجام عن فعل ما يريده.

عند الاقلاع ، اخرجت من حقيبتها مسبحة و دحرجت حباتها بين اصابعها بطمأنينة الي ان استقرت الطائرة في الجو ثم اخرجت من حقيبتها لوح شوكولاتة و انهمكت في متابعة فيلم رومانسي اسود أبيض كلاسيكي و علي وجهها ابتسامة هادئة و نظرة حالمة و كأن الفيلم قد ارسلها الي ذكرياتها البعيدة و هي تتعرف علي عبد الله الطيب في منتصف الخمسينات.

عند اعلان الهبوط ، اغلقت الشاشة و اخرجت مسبحتها مرة اخري و استمرّت في التسبيح الي أن استقرت عجلات الطائرة علي الارض التي بذلت سنواتها كلها في محبتها الي أن هبطت عليها للمرة الأخيرة بكل رضا و طمأنينة ..!

رحم الله السيدة جريزلدا الطيب برحمته الواسعة فقد آمنت بما أحبت ، ثم عملت بما آمنت به ، ثم اخلصت لعملها الي آخر لحظة في حياتها.

mohfaragalla@yahoo.com
///////////////////////////////////

 

آراء