(جـريزلــدا) أجمل عقل وأنبل إمرأة،عندما تحب بلاداً وتعشق عقلها!.

 


 

 

في وقت كانت السماء فيه صافية ، وخط هيثرو مازال يفتح أبواب لندن لمثقفي الاستواء ، والخرطوم تنضح بخيراتها لتتوج التاج البريطاني بسنابل و لوز القطن ، ولبخ غردون التذكارية يحاول أن يقفز ليراقب الضفة الشمالية على غسق الشمس التي تبدو ذهبية الملامح كعين الفهد ، خرج من معجمها الخالي من حرف الراء (عبد الله الطيب)، ليدشن بهذا الظهور ميلاد أجمل عقل ، يمكن أن نطلقه على رجل في المعارف والعلوم السودانية ، ففي بهو التاريخ الذي يخرج من مكتبة المين ، وحتى كلية الآداب ، في قبة الذكريات يجلس عباقرة المعارف ، كطين الجزر المنسية ، يوشحهم النيل بنياشين الخُلد ، وبكل تأكيد يكون عبد الله الطيب كما المُشترَى واضحا ينظر إليه في أعوام الجدب هذه ، عازفاً لمقولات الضاد بلا ملل فوق أرفف اللغة.
كما حفظت هي عبدالله ، فساعدته منذ رسالة الدكتوراة التي تنازل عن وظيفته في غردون كولدج لصالحها ، لمتن دموع جريز وهي بود نوباوي حيث وجدت (عبدالله ) يرتدي الجلباب و يصلي ، بينما يدخل الناس ويخرجون من غرفتها ، و عندما دخلت الحمام وجدته ممتليء (بالكراتين ) كما تصفه ، الا أنها منحتنا رغم هذه الفواصل الشاسعة أنبل عقولنا.
في فندق البحر الأحمر (Red Sea Hotel) حيث نقلتها الباخرة من ليفربول مرورا ببورسعيد ومن ثم بورتسودان ، لامست بشرتها النحاسية رياح برؤوت ، وفي توجسها الانجليزي الناعم حينها ، كان منظر بيوت الخشب ، بعد مائدة الغدا ء في ديم سواكن وبمنزل واحد من أصدقاء البروفسيور ذو البدلة ثلاثية القطع ، قُدمت لها هدايا من بينها غوائش الفضة ، حفظتها جريز كتمائم لمتنحها السودان.
لم يكن عبدالله يرغب في أن يعيش أي حياة أخرى ، لقد كان سودانيته تسيطر عليه ، وكان السودان هو مصدر قوته ، هكذا عبرت (جريز) عن إرتباط البروفيسور ، لقد كان شهاباً لا أظن أنه سينطفيء قريبا طالما أن الفُلك التي صنعها ما زالت تبحر في أنهار المعرفة السودانية.
بالرغم من نبأ الفاجعة ، الا أنني احسست بلطف يغمرني وانا أرى صور الراحلة (جريز) تفيض من حسابات عديدة من شخصيات و مؤسسات سودانية رفيعة، هذا الشعور و الإحساس نابع من مدى صدقنا كمجتمع مع من يكنون لنا الوفاء و المحبة ، إن هذه الروح نابعة منها ، بقدر ما اوفت واخلصت لزوجها البروفيسور عبد الله الطيب ، وهذا نموذج نفخر به ، ويثبت إن الغرباء ليسوا هم ممن مختلفين عنا في الجنسية أو الدم ، وانما بالأفعال . بكل تأكيد اعلم إن للخوارزميات دور في اظهار الحدث ولكن مقياسي كان صفحات معينة و شخصيات محددة بعينها لثقتي فيهم و في انتماءهم ، بالإضافة إلى النعي الرسمي الذي صدر من مجلس السيادة . ولو كان الأمر بيدي لأطلقت اسم مكتبة أو قاعة ، او أقمت لها جائزة بحثية باسمها تصدر من مؤسسة أكاديمية بصورة سنوية ، عرفانا لهذا الإرث الخالد ، و جعله وسماً في فضاءات المعرفة ، فمحبتنا لعبد الله الطيب لا تقل عن محبتنا للراحلة ، فمن تحمل هذه البلاد أولى بالحكايات العظيمة و الملحميات الخالدة.
رحم الله جريزلدا ، على عطاءها و منحها لنا أنبل القصص و سردية وطنية تجسدت في البروفيسور عبدالله الطيب ، وكما قدمت لنا مخطوطاتها عن الأزياء الشعبية ، وألهمنا وألهم اسرتها الصبر و السلوان.
أخــر الهدوووء:-
- الحركة الإسلامية لن تعود مرة أخرى كما كانت قبل انقلاب ٨٩ .. فالملاحظ حاليا تشتت ماتبقى من قيادتها بين التحالفات التي تقوم بين الفينة والأخرى ولن يستيطعوا خلق كيان واحد بقيادة واحدة مرة أخرى .. خلال الثلاتون عاما الماضية معظم الشباب الفاعل في المجمتع لم ينضم إلى الحركة الإسلامية لأن الشباب بطبيعته يبحث عن النقاء والثورة ضد الظلم، لذا نجدهم إما أنهم انضموا إلى أحزاب أخرى أو فضلوا الاستقلالية بأنفسهم .. إذا عدنا لما قبل انقلاب الإنقاذ عام ٨٩ نجد أن الجبهة الإسلامية كان تضم قطاع كبير من الشباب الفاعل في شتى المجالات. لذلك الإسلاميين في حاجة ماسة لـ(جرد حساب) إن كانوا يريدون صلاحا للبلاد والحزب.
- إحدى أوجه إشكاليات الممارسة السياسية في البلاد وهي مشكلة المؤسسية تتجلى في تجربة مبارك اردول، المشكلة اردول بعد أن فقد موقعه في الحركة الشعبية شمال بالاستقالة أو الاقالة (وبعد أن تم تعيينه في الشركة السودانية للموارد المعدنية نائبا ثم رئيسا ) ، أصبح يتملكه إحساس أنه كشخص وكفرد يمثل وزن سياسي كبير ربما يوازي أو يفوق وزن حزب المؤتمر السوداني كمؤسسة حزبية اقتربت من إكمال الأربعين عاما تعمل في سوح الجامعات وعضوية في مختلف ولايات البلاد وفي المهجر. وكذلك التجمع الاتحادي كمؤسسة حزبية تطور للتاريخ الطويل للوطني الاتحادي والاتحادي الديمقراطي.
لذلك دائما في لقاءاته يعبر عن غضبه من دعوته المتأخرة لمؤتمر توسيع المجلس المركزي في قاعة الصداقة بانضمام حزب الأمة والجبهة الثورية .. وحينها تمت دعوته بصورة شخصية فهو لم يكن يمثل حينها اي حزب موجود في الحرية والتغيير ولم يكن قد تشكل حزبه الحالي مع عسكوري، الدولة لا يمكن أن تستقر مالم يتم اعتماد المؤسسات وليس الأشخاص والأفراد .. فالاشخاص والافراد لاقيمة لهم وإنما هم يعبرون عن المؤسسات التي ينتمون إليها سواء كانت أحزاب سياسية أو مؤسسات دولة عسكرية أو مدنية.
- كثير من الناشطين والسياسيين أصبح يتوجس من مجرد ذكر اسمه في المشاورات الجارية بواسطة الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي والايقاد.. واعتقد ان السبب في ذلك يعود لحملة التخوين الكبيرة التي سادت في وسائل التواصل الاجتماعي تجاه كل الوجوه السياسية التي لمع نجمها مع ثورة ديسمبر .. لذلك أصبح الكل حريص على المحافظة على صورته النضالية والثورية، لكن إذا أصبح الكل كذلك فمن سيتصدي لحلحلة أزمات البلاد .. الزخم الثوري مهما طال امده سيخبو في حال تشكل نظام سياسي جديد قوي ومتماسك .. وسيعود حجم المهتمين بالسياسة إلى ذلك الحجم القديم في سوح النشاط السياسي في الجامعات.. والازقة الصغيرة الضيقة في وسائل التواصل الاجتماعي وحينها لن يستفيد الوطن من الطهرانية والمثالية والصورة النضالية الزاهية التي يجتهد بعض السياسيين والناشطين لرسمها لأنفسهم.
- كتلة شباب الثورة كتلة تتطلع إلى إصلاح الدولة و يدفعهم إلى ذلك حال البلاد المتردي .. وضعف سلطة الأمر الواقع التي لاتناسب احلام هؤلاء الشباب المتطلعين لدولة تلائم العصر الحالي .. ولا تلائم التضحيات الكبيرة التي قدموها .. فهم لم يقدمو التضحيات من أجل أن يعود مرة أخرى قتل المتظاهرين وضربهم وقمعهم والاعتقال لمجرد ابداء الرأي .. إصلاح الدولة يهم هذه الفئة لأنها تتطلع للمستقبل لهم وللاجيال القادمة .. مستقبل تخلق الدولة فيها فرص عمل ووظائف وحياة كريمة. هنالك كتل أخرى مثل مجموعة البجا في الشرق لهم قضايا تتعلق بمظالم تاريخية ومشاكل في التنمية ومستويات الحكم وعلاقة الأقاليم بالمركز، لكن تداخل فيها السياسي بالتطلعات الشخصية وباستغلال العواطف القبلية. وأخيرا نجد كتل كبيرة صامتة واخرى حائرة وبعضها لايدرك أهمية إصلاح الدولة ومردودها على حياة الأفراد.
- إن كان البعض يرى أن (رجال أغاني البنات) ظاهرة تمثل سقطة فنية فإننا نعتقد أنها قبل أن تكون كذلك فهي بمثابة (عورة مجتمعية)!!
لنردد خلف المرهف قاسم ابوزيد:
(يا قهوتا … ويا شهقة النفس المزاج
يا قعدتا .. ويا سرحتي
شفت العيون عبر السياج
يا ضحكتا .. ويامتعتي
تبدو الأنامل هي الزجاج .. يا البن تحرق وتنحرق
لو كنت منجض مرتين .. انا يومي بتنجض نجاض)
mido34067@gmail.com
///////////////////////

 

آراء