من الذي قتل الحَجَّاز أندوكاي؟

 


 

 

الحَجَّاز : إسم يُطلق على المرء الذي يتوسط بين متنازعَين أو أكثر، بغية إطفاء لهيب الخصمين، وصولاً إلى فض النزاع بطرق سلمية.
وبالرغم من الأخطار التي تحدق بمن يلعب دور الحجّاز؛ إلا أن ضميره الحي لا يهدأ إلا بعد هدوء الأحوال وعودة الخصمين إلى ما قبل لحظة الخصام... فيكون هو بذلك عرضة للضرب والركل والصفع وحتى الطعن بسكين أحدهما أو كلاهما، فيهوى قتيلاً يتفرق دمه بين الخصمين!
وعادة ما يكون الإنسان الأكثر نزاهة وحرصاً على استقرار الأوطان هم الأكثر عرضة للغدر والاستهداف الأحمق من قبل أعداء الاستقرار والنجاح.
وهو ما ينطبق نصّاً على النجم المسرحي السوداني محمد أحمد يوسف " حمادة أندوكاي"، ذلك الشاب الذي كان يتدفق تسامحاً و حبوراً و حُبّاً للسلام والخير للغير... لم يعرف الغلُّ والكراهيةُ إلى قلبه سبيلاً، مثلما لم يعرف اليأسُ والخوف إليه مسلكاً، فكان ثمن ذلك أن شق خنجرُ الغدر طريقه إليه، ليرحل عنا في صبيحة يوم الثلاثاء السابع عشر من مايو الجاري، بطعناتٍ غادرة على يد قاتلٍ، قيل أنه لصٌ، وقيل عنه غير ذلك، لكن المتفق عليه هو أن القاتل كان يترصده منذ وقت، وهو ما يوحي بأنه لم يكن مجرد لص فلوس أو هواتف!
* عُرف عن الراحل طرحه الواضح والجريء لقضايا الحرب والسلام ومحاربة العنصرية والجهل والعادات الضارة، من خلال قيادته لفرقة "نجوم دارفور"، كما أن جلّ أعماله الدرامية تظهر بأنه لا يتوانى في مواجهة الجميع بقلب الشجعان حينما يتعلق الأمر بسلامة واستقرارالبلاد، منادياً بضرورة جلب السلام الحقيقي الذي لا غش فيه ولا تدليس.. سلام يعيد النازحين إلى قراهم، ويقطع أيادي القتلة والمجرمين إلى الأبد.
يقول الراحل أندوكاي في إحدى إطلالاته عن مدينة الجنينة التي عادة ما يستخدم إسمها كناية عن الوطن الكبير (السودان) بلهجة دارفورية رقيقة: "جنينه، الله يحفظاه..و الله يجيبي فوقو سلام يا رب.. سلام يعُم جنينه دي.. عشان بلد دي، بقدرتو وناسو الطيبين دي، والفنانين والمثقفين دي، يبدعو ويرسمو الجنينة لكل السودان ان شاء الله !".
وفي آخر إطلالة مسرحية له بمباني رئاسة شرطة ولاية غرب دارفور، أثناء زيارة حاكم إقليم دارفور السيد مني مناوي في أبريل /نسيان الماضي، انتهز الأستاذ الراحلُ أندوكاي الفرصة ليقوم بإرسال رسائل واضحة لكلٍ من ضباط الشرطة وحاكم الإقليم في قوالب مسرحية ذكية قائلاً:
" أنت حاكم لكل دارفور... ندوروك تقعد لينا هنا في دارفور... خرطوم دي خليه غادي.. لأنو نحنا هنا كن ما اتفقنا واتحدنا شغل كي ما بمشي....و جبونغا اتفاق....عشان كدا انحنا دايرين نقول ليك انت جابوك لدارفوك... دارفور سمح.. وصلبك اربطيه"
وختم عرضه بأغنية الموسيقار عمر إحساس "دارفور بلدنا راجيانا نعمل.. وسلام يعم ديارنا.
* المُتأمل لتلك الرسائل المسرحية الهادفة ، وذلك الظهور الجريئ لأندوكاي أمام المعنيين بحفظ سلامة مواطن ولاية غرب دارفور والإقليم، يدرك أن أجل الرجل قريب!
إذ اعتبر البعضُ رسائلَه خروجاً عن المألوف المعروف بتنكيس الرؤوس (تعبُّداً لا تأدباً) أمام كل من يعتلي كتفيه معادنُ لامعة، أو يحيط بظهره أفرادٌ مدججون بالرشاشات، حين تجرأ على الجهر بالمسكوت عنه أمام لجنة أمن الولاية وشرطتها وحاكم إقليمها المنوط بهم أمر حماية إنسان الولاية وسلامته... بينما ذهب البعضُ إلى رأي أقرب إلى التخوين واصفين الرجل بأنه قد أفرط في تكسير الثلوج أمام من يجب أن لا يضع الشرفاءُ أياديهم على أياديهم..
لكن كان للمبدع أندوكاي رأيٌ آخر.. وهو، ما المانع من أن يجتمع الجميع ويتّحِدون لتحدِّي الصعاب التي تحول بينهم والسلام والإستقرار..؟ كان حجّازاً، على مسافة واحدة من الجميع، ساعياً بكل صدق نحو تحقيق حلمه الكبير(السلام)...فمات قتيلا بخنجر أحد الخصمين اللذين سيعُضّان أصابعَ الندمِ على رحيله ولو بعد حين.
أخيراً يبقى السؤال الملحاح، من وراء ذلك اللص الذي قتل أندوكاي؟
و كم من أندوكاي ينتظرون دورهم على قائمة القتلة وأعداء التسامح والحقيقة والسلام؟
الرحمة والمغفرة للراحل أندوكاي، والخزي والهزيمة لكل قاتل جبار.

23 مايو2022

صحيفة أقلام
amom1834@gmail.com
/////////////////////

 

آراء