مجزرة القيادة العامة في سياق تاريخي (1/2)
عبدالله مكاوي
30 May, 2022
30 May, 2022
بسم الله الرحمن الرحيم
abdullahaliabdullah1424@gmail.com
ستظل مجزرة القيادة العامة جرح ينزف في مسيرة الدولة وضمير الانسانية وذكريات الاهل، طالما لم تجد المعالجة العادلة، بانصاف الضحايا ومعاقبة الجناة، واخذ العظة والاعتبار، عبر وضع الاحتياطات لعدم تكرارها.
ورغم فظاعة هذه الجريمة واهوالها، إلا انها ليست فريدة من نوعها في حياة الشعوب وسعيها للتحرر والانعتاق من ربقة الاستبداد وذل الاستعباد. ومن التجارب المشابهة في عصرنا الحديث، مجزرة ساحة تيانانمن في الصين ورابعة العدوية في مصر. وهذه الاخيرة ذات ارتباط خاص بمجزرة القيادة العامة، من خلال الصلة الوثيقة (علاقة التبعية) بين السيسي واستخباراته والبرهان ومجلسه العسكري.
واكبر تشابه بين مجزرة القيادة ومجزرة تيانانمن، هي المنطلقات والتطلعات والفئات المشاركة في الاعتصام، فغالبيتها من الشباب الراغب في التغيير، بعد انفتاحه علي تجارب شعوب اخري، نجحت في اقامة دول عصرية علي اسس الديُمقراطية وكفالة حقوق الانسان، وذلك رغم ان الفارق الزمني بينها ثلاثة عقود (3/4 يونيو 1989 و3 يونيو 2019 م). ولكن ايضا هنالك فوارق بين المجزرتين، فمن ناحية، مجزرة تيانانمن اختلف القادة حول التعامل مع الاعتصام، وحسم لصالح قمع المعتصمين. اما اعتصام القيادة فكان هنالك اجماع علي فضه من قبل جنرالات المجلس العسكري، وسبق ذلك مجموعة من الاستفزازات والمماطلة في تسليم السلطة. والسبب في الاصرار علي القمع الوحشي للاعتصام، اعتباره حجر عثرة امام طموح الجنرالات في السيطرة علي السلطة كحق من حقوقهم بعد ازاحتهم البشير. وهنا ايضا نلمح نقطة اشتراك بين مجزرة القيادة ومجزرة رابعة.
وهنالك عامل آخر خلق نوع من الاجماع علي ارتكاب المجزرة، وهو متعلق برغبة الثوار واصرارهم علي احداث تغيير حقيقي، لا يمر إلا عبر ضرب المصالح التي يتحلق حولها الجنرالات، وليس هنالك من وسيلة للمحافظة عليها إلا بالتخلص من الثوار واجهاض الثورة. خصوصا ان اي هامش للمس بهذه المنظومة المصلحية (كارتل طفيلي ما بين رجال الاعمال والجنرالات) للسلطة الانقاذية، يهد المعبد علي الجميع. وبالطبع عند التقاء المخاوف من فقدان الامتيازات والحصانات والتستر علي الجرائم، مع نوازع اجرامية متاصلة في الجنرالات والكيزان، مع كره غريزي للثورة والثوار (مدنية/مدنيين). قادَ ذلك لارتكاب مجزرة القيادة العامة، التي تعدت فض الاعتصام الي الانتقام والتشفي بطريقة همجية مقززة، تنشر الهلع والفظائع، لقطع الطريق علي مجرد التفكير في الثورة من جديد.
اما الفارق الآخر، بين مجزرة القيادة من ناحية ومجزرة تيانانمن ورابعة من ناحية، هو ان الحزب الشيوعي الصيني المسيطر علي الدولة (غض النظر عن الاختلاف او الاتفاق معه) يحتكم علي برنامج ودولة ومنظومة عمل وكوادر مؤهلة في كل المؤسسات. وكذلك ولو بفارق كبير يحتكم السيسي علي جهاز دولة بمؤسسات عريقة، عكس منظومة الكيزان التي خربت الدولة وافرغت المؤسسات من محتواها. بمعني، هنالك منظومة وانضباط انعكس علي طريقة فض الاعتصام في كل من ساحة تيانانمن ورابعة العدوية، وهو ما جعل طابع الجريمة نفسه يتخذ المؤسسية. اي قامت بفض الاعتصامات قوة منظمة، ارسلت تحذيرات وفتحت مسارات للخروج الآمن، ولم تتخذ طابع الغدر والمباغتة والعشوائية والوحشية والاذلال كما حدث في مجزرة القيادة العامة. والحال ان هذه الوحشية والعشوائية كانت ممارسة طبيعية لجماعة اسلاموية استولت علي السلطة من غير مسوغ او استعداد او تاهيل! والاسوأ من ذلك افتقادها للانضباط المؤسسي والوعي بوظيفة الدولة واهميتها! اي الاسلاموية في حقيقتها ليس سعي لاستعادة الدين، وانما البيئة البدوية التي نزل بها الدين واصطبغت بعض شرائعه بطابعها! اي استدعاء الوضعية البدوية بقداسة دينية، حتي تمكنهم من الاستيلاء علي السلطة غلبةً، والتعامل معها من غير ضوابط او انضباط. وللتمويه علي ذلك تم اختراع المشروع الحضاري وخرافة الدولة الدينية، وتاليا استخدام جهاز الدولة وتوظيفه لصالح الاسلامويين للاستمتاع بمتع الحياة من غير منغصات. والحال كذلك، نحن حيال بنية مشوهة، تضم خليط من الدجل والاجرام والتكلف، اي حالة بدائية همجية مغلفة بسمة عصرية. وطالما هذه بنية النظام، فالمؤكد انه ينتج مؤسسات وافراد واسلوب عمل علي ذات الطراز.
لكل ذلك، مجزرة القيادة العامة، ما هي إلا تعبير عن حقيقة (طبيعة وتركيبة) المجلس العسكري، ومنظومة عمل الدولة (المرحلة) التي يتحكمون فيها. وعليه، نحن حيال مجرمون محترفون يحتكمون علي منظومة اجرامية (اجهزة امنية ومؤسسات اقتصادية) تسمي مؤسسات الدولة. واهمية هذه الخلفية، انها توضح طبيعة التحديات، ومن ثمَّ اختيار اسلوب العمل وطريقة التعامل، للعبور الي المطلوبات الاستراتيجية الممثلة في دولة مدنية وحكم ديمقراطي. وبناء علي اعلاه، ردة الفعل او طريقة التصرف حيال اولئك المجرمين وما يحوزنه من مصادر للقوة، هي ما يمثل معضلة الثورة او العقبة الكؤود امام مشروع التغيير.
abdullahaliabdullah1424@gmail.com
ستظل مجزرة القيادة العامة جرح ينزف في مسيرة الدولة وضمير الانسانية وذكريات الاهل، طالما لم تجد المعالجة العادلة، بانصاف الضحايا ومعاقبة الجناة، واخذ العظة والاعتبار، عبر وضع الاحتياطات لعدم تكرارها.
ورغم فظاعة هذه الجريمة واهوالها، إلا انها ليست فريدة من نوعها في حياة الشعوب وسعيها للتحرر والانعتاق من ربقة الاستبداد وذل الاستعباد. ومن التجارب المشابهة في عصرنا الحديث، مجزرة ساحة تيانانمن في الصين ورابعة العدوية في مصر. وهذه الاخيرة ذات ارتباط خاص بمجزرة القيادة العامة، من خلال الصلة الوثيقة (علاقة التبعية) بين السيسي واستخباراته والبرهان ومجلسه العسكري.
واكبر تشابه بين مجزرة القيادة ومجزرة تيانانمن، هي المنطلقات والتطلعات والفئات المشاركة في الاعتصام، فغالبيتها من الشباب الراغب في التغيير، بعد انفتاحه علي تجارب شعوب اخري، نجحت في اقامة دول عصرية علي اسس الديُمقراطية وكفالة حقوق الانسان، وذلك رغم ان الفارق الزمني بينها ثلاثة عقود (3/4 يونيو 1989 و3 يونيو 2019 م). ولكن ايضا هنالك فوارق بين المجزرتين، فمن ناحية، مجزرة تيانانمن اختلف القادة حول التعامل مع الاعتصام، وحسم لصالح قمع المعتصمين. اما اعتصام القيادة فكان هنالك اجماع علي فضه من قبل جنرالات المجلس العسكري، وسبق ذلك مجموعة من الاستفزازات والمماطلة في تسليم السلطة. والسبب في الاصرار علي القمع الوحشي للاعتصام، اعتباره حجر عثرة امام طموح الجنرالات في السيطرة علي السلطة كحق من حقوقهم بعد ازاحتهم البشير. وهنا ايضا نلمح نقطة اشتراك بين مجزرة القيادة ومجزرة رابعة.
وهنالك عامل آخر خلق نوع من الاجماع علي ارتكاب المجزرة، وهو متعلق برغبة الثوار واصرارهم علي احداث تغيير حقيقي، لا يمر إلا عبر ضرب المصالح التي يتحلق حولها الجنرالات، وليس هنالك من وسيلة للمحافظة عليها إلا بالتخلص من الثوار واجهاض الثورة. خصوصا ان اي هامش للمس بهذه المنظومة المصلحية (كارتل طفيلي ما بين رجال الاعمال والجنرالات) للسلطة الانقاذية، يهد المعبد علي الجميع. وبالطبع عند التقاء المخاوف من فقدان الامتيازات والحصانات والتستر علي الجرائم، مع نوازع اجرامية متاصلة في الجنرالات والكيزان، مع كره غريزي للثورة والثوار (مدنية/مدنيين). قادَ ذلك لارتكاب مجزرة القيادة العامة، التي تعدت فض الاعتصام الي الانتقام والتشفي بطريقة همجية مقززة، تنشر الهلع والفظائع، لقطع الطريق علي مجرد التفكير في الثورة من جديد.
اما الفارق الآخر، بين مجزرة القيادة من ناحية ومجزرة تيانانمن ورابعة من ناحية، هو ان الحزب الشيوعي الصيني المسيطر علي الدولة (غض النظر عن الاختلاف او الاتفاق معه) يحتكم علي برنامج ودولة ومنظومة عمل وكوادر مؤهلة في كل المؤسسات. وكذلك ولو بفارق كبير يحتكم السيسي علي جهاز دولة بمؤسسات عريقة، عكس منظومة الكيزان التي خربت الدولة وافرغت المؤسسات من محتواها. بمعني، هنالك منظومة وانضباط انعكس علي طريقة فض الاعتصام في كل من ساحة تيانانمن ورابعة العدوية، وهو ما جعل طابع الجريمة نفسه يتخذ المؤسسية. اي قامت بفض الاعتصامات قوة منظمة، ارسلت تحذيرات وفتحت مسارات للخروج الآمن، ولم تتخذ طابع الغدر والمباغتة والعشوائية والوحشية والاذلال كما حدث في مجزرة القيادة العامة. والحال ان هذه الوحشية والعشوائية كانت ممارسة طبيعية لجماعة اسلاموية استولت علي السلطة من غير مسوغ او استعداد او تاهيل! والاسوأ من ذلك افتقادها للانضباط المؤسسي والوعي بوظيفة الدولة واهميتها! اي الاسلاموية في حقيقتها ليس سعي لاستعادة الدين، وانما البيئة البدوية التي نزل بها الدين واصطبغت بعض شرائعه بطابعها! اي استدعاء الوضعية البدوية بقداسة دينية، حتي تمكنهم من الاستيلاء علي السلطة غلبةً، والتعامل معها من غير ضوابط او انضباط. وللتمويه علي ذلك تم اختراع المشروع الحضاري وخرافة الدولة الدينية، وتاليا استخدام جهاز الدولة وتوظيفه لصالح الاسلامويين للاستمتاع بمتع الحياة من غير منغصات. والحال كذلك، نحن حيال بنية مشوهة، تضم خليط من الدجل والاجرام والتكلف، اي حالة بدائية همجية مغلفة بسمة عصرية. وطالما هذه بنية النظام، فالمؤكد انه ينتج مؤسسات وافراد واسلوب عمل علي ذات الطراز.
لكل ذلك، مجزرة القيادة العامة، ما هي إلا تعبير عن حقيقة (طبيعة وتركيبة) المجلس العسكري، ومنظومة عمل الدولة (المرحلة) التي يتحكمون فيها. وعليه، نحن حيال مجرمون محترفون يحتكمون علي منظومة اجرامية (اجهزة امنية ومؤسسات اقتصادية) تسمي مؤسسات الدولة. واهمية هذه الخلفية، انها توضح طبيعة التحديات، ومن ثمَّ اختيار اسلوب العمل وطريقة التعامل، للعبور الي المطلوبات الاستراتيجية الممثلة في دولة مدنية وحكم ديمقراطي. وبناء علي اعلاه، ردة الفعل او طريقة التصرف حيال اولئك المجرمين وما يحوزنه من مصادر للقوة، هي ما يمثل معضلة الثورة او العقبة الكؤود امام مشروع التغيير.