ضرورة تنفيذ مخرجات المؤتمر
جوزيف قبريال
31 May, 2022
31 May, 2022
يأتي إنعقاد المؤتمر العام الخامس، لحكام الولايات ورؤساء الإداريات في ظل أوضاع بالغ الصعوبة في جنوب السودان في جميع المناحي، سياسية، إقتصادية، إجتماعية...الخ.
رغم دخول إتفاقية السلام المُنشطة حيز التنفيذ، منذ عام ونصف، بحيث لا يزال الإتفاقية لم تراوح مكانها، ولم تُنفذ بنودها الرئيسية التي تعتبر، اللبنة الأساسية والقدح المعلي في الإتفاقية، وبدونها فمن الصعوبة بمكان وصول الإتفاقية إلى نهايتها المنطقية، في قيام إنتخابات حرة ونزيهة يختار فيها شعب جنوب السودان من يحكمه.
فتلك البنود المهمة هي بند الترتيبات الأمنية، والإصلاحات الإقتصادية التي أشارت إليها، إتفاقية السلام المُنشطة بوضوح لا لبس فيه، إضافة إلى مواقيت التنفيذ والمصفوفات التي، أعيدت فيها التفاوض في بعض الملفات في الإتفاقية المُنشطة، ومع ذلك يظل عدم وجود إرادة سياسية بين الأطراف المكونة للحكومة، هو كعب أخيل الذي بات يؤرق المضاجع. ففي الوقت الذي صادف إنعقاد المؤتمر الذي إنطلقت فعالياتها في الحادي والعشرون وحتي السابع والعشرون من شهر نوفمبر العام الماضي، فكان ما تبقي من عمر الفترة الإنتقالية بضع أشهر، ومن المتوقع أيضاً كان إستقرار الأوضاع الأمنية في ربوع البلاد وشهدت الإقتصاد معدلات نمو متوسطة إن لم يكن مرتفعة، ورتق النسيج الإجتماعي كما أشارت إليها بنودها الخاصة بتكوين المفوضية الوطنية التي تعني بهذه الشؤون وغيرها من الشؤون ذات الصلة، علاوة على إجراء التعداد السكاني وكل ما يعين لإجراء إنتخابات حرة ونزيهة يختار فيه شعب جنوب السودان من يحكمه وهو ما لم يحدث حتي الأن.
ففي بند الترتيبات الأمنية وعدم تخريج القوات بحجج غير منطقية، تؤكد غياب روح الشراكة بين شركاء الحكم، وقد شهدنا جدل عقيم، بين المسؤولين في هذا الصدد خلال فترة إنعقاد المؤتمر المشار إليه، فالإتفاقية أنشأت ما أسماها بلجنة ما قبل الفترة الإنتقالية مدتها ستة أشهر، تبحث في كيفية تنفيذ بند الترتيبات الأمنية، التي شُكلت من جميع الأطراف، وأهمها تجميع القوات في أماكن سيطرة الحكومة والمعارضة، والتمهيد لجمع هذه القوات مع بعضها وتدريبها، بحيث تصبح نواة لجيش قومي مهني بعيداً عن التحزب في المستقبل. من ناحية أخري هناك آلية مشتركة بين أطراف إتفاقية السلام المُنشطة تبحث في الأمر، خاصة وان ما يعيق تقدم تنفيذ بند الترتيبات الأمنية، في إعتباري جميع شركاء الحكم يتحملون نتائج عدم تنفيذ هذا البند كما أوضحتها الإتفاقية ولو بنسب متفاوتة، فبدلاً من رمي اللوم وتبادل الإتهامات كان من المهم جداً من الأطراف نقاش الأمر بصورة جدية، في اللجان المُتخصصة لذلك الأمر وليس في الهواء الطلق، بغرض الكسب السياسي أو التملص وعدم تحملهم لمسؤولياتهم التي تحتم عليهم مجابهة الأمر وإيجاد حلول لها. ومهما يكن من أمر من هو على الصواب أو الخطأ. المهم رؤية الأمور وفق منظار كلي وفي سلم الأولويات تحقيق أدني وفاق من أجل مصالح بلادنا العليا.
ثالث الأثافي، هو فيما يتعلق بإصلاح المؤسسات الاقتصادية في جنوب السودان، وهي مثابة منطقية لاي دولة تريد أن تحقق الإزدهار والتنمية الاقتصادية، وفي دولة كجنوب السودان الذي يذخر باطنها بموارد غنية عن التعريف ولكن عدم استغلالها بصورة أمثل، يجعل الألم والحسرة كبيرين على مستقبل كبيرين على مستقبل البلاد والعباد. للأسف الشديد فمن خلال متابعتي للمؤتمر لم يكن لوزراء المالية في الولايات والإداريات الثلاثة، تصور واضح أو دراسة كاملة عن السائدة وما يواجههم من تحديات حقيقية ماثلة، وإنما انحصر جل موضوعاتهم وشكاويهم في البند الاولى للموازنة العامة (مرتبات علاوات)، إضافة إلى عدم معرفتهم ببعض أوجه الصرف الخاصة بالوزارات الأخري التي تدعمها المنظمات الدولية والإنسانية ( وزارة الصحة، التعليم العام). وبإختصار شديد عدم ولاية وزارة المالية في الولايات والإداريات الثلاثة على العام، في الوقت الذي كان يُرجي منهم تقديم بيانات وإحصائيات دقيقة عن الإيرادات والتكاليف، مع اتفاقنا معهم في بعض اطروحاتهم من حجج منطقية، تتعلق مجملها في أن قوات دفاع شعب جنوب السودان والقوات النظامية الأخري، تعتمد اعتماداً كبيراً في أداء وظيفتها على ميزانية الولايات والإداريات الثلاثة، مما يؤثر سلباً على أداء الحكومات في الولايات. فمنذ إندلاع حرب ١٥ ديسمبر عام ٢٠١٣م وما تلاها من حروب. كانت ميزانية الدولة للسبع الأعوام اللاحقة عبارة عن ميزانية حرب، بمعني آخر ٧٥٪ من إجمالي الميزانية كانت تُنفق في الحرب، مع الوضع فى الحسبان أن السنوات المذكورة إنخفضت فيها عائد النفط بصورة زادت من الركود الاقتصادي في جنوب السودان، وتعتمد الحكومة على النفط بنسبة ٩٠٪، إضافة إلى سيطرة قوات المعارضة على مناطق إنتاج النفط في ولاية الوحدة بنسبة ٤٠٪، وتسبب ذلك في إجلاء الشركات متعددة الجنسيات العاملة في المجال موظفيها وعمالها عندما اشتدت اوار الحرب، وتبقي حقول عدار وفلوج في الخدمة بسبب إحكام سيطرة الحكومة عليها.
فلو ابنى وزراء المالية أثناء جلسات المؤتمر آراؤهم وفق أرقام وإحصائيات اقتصادية واضحة، فلساعدت في معرفة في معرفة الرقم الحقيقي للناتج الإجمالي القومي، ومن ثم يمكن الإعتداد بها لتصبح إطاراً يساعد السلطتين المالية والنقدية في جنوب السودان، إلى جانب معرفة دور المؤسسات المالية الدولية والإقليمية والأمم المتحدة بمختلف وكالاتها المتخصصة، وما يحتاجها البلد من معونات ودعومات تساعدها في الوقوف على أرجلها، بعد سنوات من علل وأمراض اصابتها واقعدتها منذ ولادتها قبل عشر سنوات. عدم إلمام بعض وزارة المالية في الولايات والإداريات الثلاثة بالجوانب المذكورة في متن المقال ساهم بصورة كبيرة أيضاً لعدم تحقيق المبتغي من المؤتمر. لم يدقق أطراف الإتفاقية في مؤهلات الأشخاص المرشحين لشغل المناصب الدستورية وإلى أي مدي لهم إلمام ودراية كافية بمناصبهم.
الأمر الجيد والأهم في مؤتمر الحكام الخامس، هو الإفادة الضافية التي قدمها محافظ البنك المركزي السابق ديير تونق نقور، فالرجل اثبت علو كعبه وقدم جميع المواضيع المتعلقة بالسياسة النقدية والوضع الاقتصادي العام في البلاد، لا سيما النجاحات التي حققها البنك المركزي خلال الفترات الماضية، والتحديات واجهتها مؤشرات الاقتصاد القومي.
josephgabriel067@gmail.com