يوميات الاحتلال (32): مرة أخري .. ماذا تعلمنا ؟؟

 


 

 

.. إستكمالا للمقال السابق، سوف نواصل في شرح النقاط التي طرحت أسئلة ملحة في طياته و نحاول أن نجد الاجوبة الضرورية لها في ماذا تعلمنا من دروس مستفادة من ثورة استمرت لأربع سنوات و تخللها إنقلاب فاشل بكل المقاييس و لماذا فشل و سيسقط ؟؟ .
.. ذكرنا ان ديكتاتورية الكيزان استمرت لثلاث عقود ليس لمقدرتها الذاتية في الإستمرار و لكن الذي زاد في عمرها كان هو وضع المعارضة السودانية، و التي استمرت لعقود تنشيء في التحالفات الغير منطقية و تعج بالتناقضات في داخلها، و تمضي دوما الي نتيجة حتمية هي التشظي و التفكك من بعد الخذلان و الفشل، و ذلك لأن التكتيكات المتبعة كانت لا تقرأ الواقع السوداني و تخلقاته قراءة سليمة ، فكيف لقوي سياسية تدعو للديمقراطية و الدولة المدنية و فصل الدين عن السلطة السياسية ان تتحالف دوما مع نقيضها الطائفي و الذي يحمل نقيضها من شعارات الدين العاطفية و التي تتخذ من الدعوة للشريعة مطية لكرسي السلطة و الدستور الإسلامي الكذوب عدة شغل لطالما كسبت بها الجولات ؟ ، و كيف لك أن تتوقع نتائج مختلفة في إتجاه الإستنارة و التحول الديمقراطي و انت تمد عدوك بكل أدوات البقاء و الاستمرارية ؟! ، الطائفية و الإسلام السياسي اذا جردتهم _بوعي _ من ادواتهم في استمالة العواطف الدينية الساذجة فلن يتبقي لهم شيء، و لذلك عندما كتبنا سلسلة(نحو لاهوت إسلامي سوداني ) مبكرا _ رجاء مراجعتها في مظانها _ كنا نقصد التفكير في هذه المواضيع و اعطائها الإهتمام المستحق و لكننا علي الدوام نضل فقه الأولويات ، علي كل حال ، ايضا من القضايا الجوهرية التي لم تجد حظها من المراجعة هي الفشل في خلق تيار ديمقراطي سوداني عريض ، من قبل القوي السياسية المنادية بالتحول الديمقراطي ، و ما كان هذا الفشل ان يكون الا لثلاثة اسباب رئيسية و هي ، اولا : العجلة في المكاسب السياسية و استنكاف الطريق المضني/ الفعال في الاستنارة و الوعي ، و ثانيا : إتخاذ اليمين الطائفي و الاسلاموي حليف رغم التناقض الكبير في تحالف مثل هذا و المبرر هو الميكانيكية العددية المخدوعة التي يملكها حلف الطائفية و الاسلامويين ، و ثالثا : عدم الإيمان العميق بالشارع السوداني و ذلك لعدم معرفته المعرفة الضرورية التي من شأنها تحليله التحليل السليم و العمل معه في صبر و تفاني لنقله من مراحل الوعي القبلي/الطائفي ، الي مراحل الوعي الديمقراطي و فضح القوي السياسية و الإجتماعية التي تستميل عاطفته بالدين _رغم خطابها الذي لا يمت الي جوهر الدين بصلة _ و إشاعة التفكير الحر، الذي من شأنه أن يجعل العقل السوداني الجمعي عقل ناقد و فاحص و قادر علي استخلاص النتائج المنطقية و العقلية بدلا من التسليم الفج لكل من استخدم الدين كأدوات لتبعية العقل و استمرارا في الحفاظ علي امتيازاته التاريخية التي اكتسبها بالفذلكة و الخداع و أحكام العاب الحواه .
.. قوانا الديمقراطية لم يكن لديها النفس الطويل و الصبر الذي من شأنه ان يبني ذلك التيار الديمقراطي العريض طوبة طوبة ، لذلك لجأت للطريق الاسهل و هو التحالف مع نقيضها ظنا منها انهم سيكونون اشطر من الحواه و البهلوانات ! .
.. بفضل الله و تراكم الوعي، الآن الشارع السوداني الثوري، استطاع استيلاد هذا التيار العريض بلا منه و لا فضل و إنما بثورته الفتية التي قدمت صورا من النضالات و البسالات و الصمامة و راكمت وعيها الذاتي حتي أنها هزمت قوي الإحتلال الخارجية و وكلاءها في الداخل و ما كان يطوف في خيال الإحتلاليون صمود الثورة السودانية الي هذا الحد ، و لهم الحق، فلا هم يعرفون السودانيين، و لا ثقافتهم و لا تاريخهم و جيناتهم التي تحكي عن فواصل من تحطيم الغزاة علي مر التاريخ، و لا وكلاءهم ايضا يعرفون شعبهم .. الوكلاء الذين اتوا الي السلطة في حين غفلة من التاريخ و ظنوا ظنونا كثيرة هزمها هذا الواقع الذي ما زال يهب الدروس و العبر .
.. سيسقط الإنقلابيون و حلفهم الخؤون، فهل استوعبت القوي السياسية هذه الدروس و العبر؟ ام سوف يأتون الملعب بذات البؤس القديم؟ .
.. الآن أمامكم طريق أوحد ، يمثله، تيار الثورة المتقدة، و هذا الطريق يملك من الوضوح ما لم يحدث من قبل، و هو الرغبة الأكيدة في التحول الديمقراطي و النهوض بالدولة السودانية عبر إصلاح مؤسساتها ، بدءا من اجهزتها الأمنية التي تحولت الي أوكار عصابات، و إصلاح طريقة الإدارة في كل القطاعات، الخدمية و الإنتاجية و الصحية و التعليمية و ...الخ، مما يعني أن السودانيين الآن اجتمعوا علي رغبة حقيقية في النهوض ببلدهم و لن يتراجعوا عن هذه الرغبة حتي لو فنوا عن آخرهم ، لذلك يجب مراجعة هذه الدروس بحنكة و التواضع مع النتائج المنطقية الموصلة لها، و العمل بها فورا و إلا هنالك من سوف يتجاوزهم التاريخ الي الأبد في الواقع السوداني .
.. الثورة وعي و بناء فعل مستمر .

jebeerb@yahoo.com

 

آراء