في الذكرى العاشرة لرحيل القائد النقابي المناضل كمرات (1) .. اجمل الذكريات فى سيرة عبداللطيف كمرات
أمير شاهين
6 June, 2022
6 June, 2022
" اول مرة ارى والدى كمرات يبكى بهذه الطريقة عندما علم بان صديق عمره محمد ابراهيم نقد قد وصل الى لندن من السودان مريضا ولم يتمكن من زيارته لانه هو ايضا كان مريضا ولا يقوى على الحراك وشاءت ارادة الله ان يتوفى نقد فى مارس 2012 وتوفى بعده والى فقط بعد 6 شهور فى يونيو من نفس العام "
"د . هالة كمرات "
تمر علينا هذه الايام الذكرى العاشرة لرحيل الاستاذ المناضل عبداللطيف كمرات: احد القادة التاريخيين لنقابات عمال السودان ومن مؤسسيها وأول ممثل لاتحاد نقابات عمال السودان في اتحاد نقابات العمال العالمي . ومن مؤسسى الحزب الشيوعى السودانى مع رفيقه وصديقه محمد ابراهيم نقد
فى صباح الجمعة 8 يونيو2012م كنت على غير المعتاد اشعر بالضيق وعدم الراحة و ربما كان للجو القائظ الشديد الحرارة فى شهر يونيو وما ادراك ما شهر يونيو فى السودان حيث تبلغ درجات الحرارة فى السودان ذروتها و يخيل اليك ان الشمس قد هبطت من عليائها وصارت تسير مع الناس فى الشوارع و الطرقات ترسل شواظا من النيران على كل المخلوقات , ولكن حدسى كان ينبئنى بان هنالك امرا سيئا ما سوف يحدث وكنت اردد فى نفسى " اللهم اجعله خير" ولم يطل ذلك الاحساس فقد رن هاتفى وكانت المكالمة من بريطانيا حيث جاءنى صوت اختى وبنت خالتى الدكتورة هالة كمرات مخنوقا باكيا حيث اختلطت الكلمات بالدموع وهى تخبرنى بان والدها عبداللطيف كمرات قد توفى الان فى المستشفى , وقد حرصت هالة على اخبارى بالامر قبل كل الاخرين لعلمها بمتانة العلاقة والحب والتقدير المتبادل بيننا فقد كان المرحوم كمرات ابى الروحى و استاذى فى مدرسة الحياة . ولحظتها ران صمت عميق وطارت تبخرت كل الكلمات ولم ادرى ماذا اقول ! واخيرا وبعد برهة من الزمن خرجت منى من حيث لا اعلم كلمات " لاحول ولاقوة الا بالله" وانهيت المكالمة سريعا وقلت فى نفسى هل من المعقول ان يتوقف ذلك القلب الكبير الذى كان يفيض حبا و تقديرا لكل الناس عن الخفقان ؟ وهل يمكن لتلك الروح الشفيفة الوثابة ان تغدارنا هكذا ببساطة ؟ وسرح بى الخيال وعادت بى الى صفحات ناصعة فى تاريخ بطولات السودانيين فى مقارعة الانظمة العسكرية الاستبدادية الديكتاتورية , ففى مدينة بورتسودان وفى اوائل الستينيات من القرن الماضى , زار الفريق ابراهيم عبود رئيس جمهورية السودان ورئيس الوزراء السوداني للفترة (1958-1964م) والذى تسلم السلطة بعد تنفيذه لانقلاب عسكرى على النظام الديمقراطى البرلمانى وقتها والذى يشار اليه بالديمقراطية الاولى ,وكان عبود يرفقة وفد يضم اعضاء حكومته بهدف حشد التاييد و المساندة لنظامه وشرح الاسباب التى دعتهم الى الاستيلاء على السلطة . وفى اثناء القاء الفريق عبود لخطبته سمعوا هدير هتافات عالية من مظاهرة مناوئة و معارضة للحكم العسكرى كانت فى طريقها الى مكان اللقاء وكان يقود تلك المظاهرة الشاب عبداللطيف كمرات الممتلئ حماس واقدام متحديا اياها وهى فى اوج قوتها و بطشها وجبروتها, وهنا نقتبس حديث الاستاذ شوقى بدرى عن هذه الحادثة فيقول " ان عبد اللطيف كمرات الذي أتي محمولا علي الأعناق يقود تظاهرة في بورتسودان. فتوقف الفريق إبراهيم عبود عن الكلام ، عنكا راى المظاهرة فتوقف عن القاء الخطبة حتى يفسح المجال للمظاهرة والتى اعتقد انها جاءت مؤيدة لهم فقال فقال له الفريقء أحمد عبد الوهاب الذى كان يشغل نائب الرئيس عبود قال له : استمر يا إبراهيم(عبود) فقال الفريق عبود لحدي ما المظاهرة تاخد مكانها
فقال اللواء أحمد عبد الوهاب : دي مظاهرة معارضة. وليست مؤيدة !! ولم يصدق عبود أن هناك من يجرؤ علي مواجهة العسكر بتلك الطريقة . وبعدها تم اعتقال كمرات و ايداعه السجن وبعد ان قضي عقوبة السجن طلب اللواء أحمد عبد الوهاب من قريبه الطيار الحربي سعيد كسباوي أن يقابل المناضل عبد اللطيف كمرات في محطة السكة حديد لأنه ضيفه ، وعند استغراب كسباوي قال اللواء : ده راجل شيوعي وشجاع والواحد يجبر أنه يحترمه." وبعده ظل كمرات وفيا طول حياته لمبادئه والطريق الذى اختاره للمضى فيه رغم وعورته و قساوته ,وقد كان المرحوم كمرات فى قائمة الشرف لاول لجنة تنفيذية لاتحاد العمال السودانى ضمت الى جانبه رفاقه الشفيع أحمد الشيخ، محمد السيد سلام ، و فضل عبد الوهاب ” والد الشهيد دكتور علي فضل” ، وحمزة الجاك
الحديث عن الاستاذ كمرات ليس بالانر اليسير فانت لا تعرف من اين تبدا الحديث واية جوانب فى حياته تريد ان تعطيها حقها بدون نقصان او تقصير !! هل نتحدث اولا عن كمرات المناضل الصلب او الانسان النزيه والعفيف اليد واللسان او المفكر الحكيم الذى فهم الحياة اكثر من غيره ؟ فقد كان للرجل ارث كبير نعتقد انه من حق الاجيال القادمة معرفته واخذ العظات والعبر والدروس , فالتاريخ كما يقول هنرى كيسنجر السياسى الامريكى المخضرم واشهر من تولى وزارة الخارجية الامريكية فى العصر الحديث : " التاريخ منجم زاخر بالحكمة التي قد تجد فيها المفاتيح الذهبية لمشاكل حاضرنا."
ولكنى سوف ابدأ بامانة الرجل ونزاهته فلم تمتد يده ابدا الى الحرام او اخذ شئ لا يخصه بالرغم من انه عمل فى كثير من الموقع التى كان بمكن ان يغتنى و يملا جيوبه منها بالرغم من حوجته للمال وقد صدق فيه قول شاعر الشعب محجوب شريف : ماك الوليد العاق..... لا خنت لا سراق . ففى اولى ايام ثورة مايو التى كانت متاثرة فى بداياتها بالتجربة الناصرية المصرية ومن ضمنها سياسات التاميم و هو ان تقوم الحكومة بمصادرة و استيلاء جميع الانشطة التجارية للقطاع الخاص سوء ان كان وطنيا ام اجنبيا ! وتحيل ادارتها إلى ملكية الدولة أي تحويله إلى القطاع العام وفى ظل هذا التوجه الذى كما سبق وان اشرنا بانه كان موضة المد الثورى الاشتراكى حينها ليس فى السودان فحسب بل فى العديد من البلاد العربية ( مصر وليبيا والعراق و سوريا ) تمت مصادرة شركة انتاج الملح (الملاحة ) فى بورتسودان من اصحابها ال البربرى وتم تعيين الاستاذ عبداللطيف كمرات كمديرا عاما ومشرفا عاما له حق التصرف فى اصولها , وبخلاف عمليات التاميم التى جرت فى قطاعات و انشطة اخرىو تسببت فى تعطل الانتاج ودمار شامل لتلك الشركات و المنظمات فقد ادار كمرات الملاحة كما لو كانت ملكه الخاص فحافظ على كل الممتلكات والمعدات ووسائل الانتاج ومنع منعا باتا التصرف فيها ولهذا فقد شهدت الملاحة فى عهده ازدهار كمل لو كان اصحابها لازالوا يديرونها ! وبعد انتهاء هوجة التاميم وادرك نميرى خطاه الكبير فى التاميم فقرر التراجع عن التاميم وكثيرا ما كان نميرى يفعل ذلك " الثورة تراجع ولا تتراجع " كما كان يقول فقرر اعادة كل الشركات و المنظمات المؤممة الى اصحابها ! وكانت المفاجاة هى ان البربرى قد اصابه الذهول فقد ازدهرت الملاحة تحت ادارة عبداللطيف كمرات ولم يصبها الدار و التدهور الذى حدث لكل الشركات المؤممة وعندها قام بتحية كمرات وعرض عليه الاستمرار فى ادارتها و بمرتب و مخصصات يسيل لها اللعاب (اضعاف اضعاف ما كان يتلقاه من الحكومة ) ولكن كمرات اعتذر عن قبول المنصب و اعتبر انه قد قام بواجبه الذى تم تكليفه به وان قبوله العرض الذى تقدم به البربرى قد يندرج تحت مسمى استغلال النفوذ والانتهازية التى لايقبلها لنفسه وعاد الى الخرطوم وهو لا يملك سوى القليل جدا من المال الذى اشترى به قطعة ارض فى الدروشاب بالخرطوم بحرى والتى بنى فيها منزله الحالى حيث كانت اسعار الارض فى تلك المنطقة وذلك الزمان فى متناول يد الكادحين و البسطاء وكعادته فى خدمة الناس وحل مشاكلهم والانفعال بهمومهم فقد اصبح كمرات بين ليلة وضحاها العمدة الشعبى للدروشاب يقصده اصحاب الحاجات وكل من لديه مشكلة يريد حلها او خدمة يحتاج اليها واصبح بيته المتواضع قبلة ومزارا لاهل الدروشاب ومعلما بارزا من معامها
كانت تربطنى علاقة خاصة جدا بالاستاذ كمرات فالى جانب العلاقة الاسرية فقد كان الاستاذ عمى وزوج خالتى الحبيبة الاستاذة المناضلة وداد عطية والتى يطلق عليها المرأة الحديدية لقوتها وصلابتها و مقارعتها بدون خوف اووجل لنظام الكيزان وهى بالمناسبة اول امراة سودانية يتم اعتقالها فى عهد الكيزان وسجنها فى سجن امدرمان للنساء وتم تشريدها من العمل و التضييق عليها حتى اضطرت لمغادرة السودان الوطن الذى كانت ولا زالت تهيم به حبا سعيا وراء لقمة العيش فى بلاد اخرى فالوطن فى ظل حكم الكيزان لم يعد هو الوطن, وحتى فى محيط الاسرة فقد ربطت بينى و الاستاذ كمرات صداقة ومحبة وود فمن دون جميع افراد العائلة فقد خصانى الاستاذ برعايته و اغدق على محبته و شملنى برعايته و الطريف فى الامر انه كان صديق والدى الباشمهندس المرحوم احمد على شاهين اولا وبعد وفاة والدى امتدت الصداقة الى وكما قال الاستاذ ضاحكا " الصداقة ايضا من الممكن ان تورث" فقد كان الاستاذ مرحا ساخرا صاحب نكات وطرائف لا يمل الناس من الجلوس معه والاستمتاع بصحبته و اعتقد بان هذا الجانب يعتبر من اهم ماكان يميز شخصية الاستاذ الفذة المميزة !. اول ما يلفت النظر فى شخصية كمرات هو انه عاش بسيطا نزيها محبا للاخرين وخصوصا لهؤلاء البسطاء الكادحين الذين لا يملكون فى هذه الدنيا سوى كرامتهم و اعتزازهم بانفسهم وصدق فيه قول الفيتورى :
" دنيا لا يملكها من يملكها , أغنى أهليها سادتها الفقراء
الخاسر من لم يأخذ منها , ما تعطيه على استيحاء
والغافل من ظنّ الأشياء هي الأشياء! "
واذا جهز لنا ان نسمح لانفسنا بوصف الاستاذ الراحل بعدة كلمات قاننا نقول بكل امانة انه كان " انسان سودانى اصيل ( دنقلاوى اصلى كما كان يقول ) يتمتع بصفات واخلاقيات الفارس ابن البلد الاصيل اخو البنات ومقنع الكاشقات وصدق فيه قول الشاعرة امكلثوم الباراوية " فوق بيتو بسند الجوع ياقشاش الدموع " عاش شفيفا شريفا ومات نزيها و نظيفا وعندا غادرنا ولم يترك ورائه لا عقارات ولا قصور ولا حسابات بالعملات الصعبة فى البنوك العالمية لم بترك سوى بيت متواضع بالكاد تميزه عن بيوت الاخرين و ذرية طيبة وسيرة عطرة ستظل نبراسا ومنارا للاجيال القادمة
ونواصل
amirrshahin@gmail.com
//////////////////////////
"د . هالة كمرات "
تمر علينا هذه الايام الذكرى العاشرة لرحيل الاستاذ المناضل عبداللطيف كمرات: احد القادة التاريخيين لنقابات عمال السودان ومن مؤسسيها وأول ممثل لاتحاد نقابات عمال السودان في اتحاد نقابات العمال العالمي . ومن مؤسسى الحزب الشيوعى السودانى مع رفيقه وصديقه محمد ابراهيم نقد
فى صباح الجمعة 8 يونيو2012م كنت على غير المعتاد اشعر بالضيق وعدم الراحة و ربما كان للجو القائظ الشديد الحرارة فى شهر يونيو وما ادراك ما شهر يونيو فى السودان حيث تبلغ درجات الحرارة فى السودان ذروتها و يخيل اليك ان الشمس قد هبطت من عليائها وصارت تسير مع الناس فى الشوارع و الطرقات ترسل شواظا من النيران على كل المخلوقات , ولكن حدسى كان ينبئنى بان هنالك امرا سيئا ما سوف يحدث وكنت اردد فى نفسى " اللهم اجعله خير" ولم يطل ذلك الاحساس فقد رن هاتفى وكانت المكالمة من بريطانيا حيث جاءنى صوت اختى وبنت خالتى الدكتورة هالة كمرات مخنوقا باكيا حيث اختلطت الكلمات بالدموع وهى تخبرنى بان والدها عبداللطيف كمرات قد توفى الان فى المستشفى , وقد حرصت هالة على اخبارى بالامر قبل كل الاخرين لعلمها بمتانة العلاقة والحب والتقدير المتبادل بيننا فقد كان المرحوم كمرات ابى الروحى و استاذى فى مدرسة الحياة . ولحظتها ران صمت عميق وطارت تبخرت كل الكلمات ولم ادرى ماذا اقول ! واخيرا وبعد برهة من الزمن خرجت منى من حيث لا اعلم كلمات " لاحول ولاقوة الا بالله" وانهيت المكالمة سريعا وقلت فى نفسى هل من المعقول ان يتوقف ذلك القلب الكبير الذى كان يفيض حبا و تقديرا لكل الناس عن الخفقان ؟ وهل يمكن لتلك الروح الشفيفة الوثابة ان تغدارنا هكذا ببساطة ؟ وسرح بى الخيال وعادت بى الى صفحات ناصعة فى تاريخ بطولات السودانيين فى مقارعة الانظمة العسكرية الاستبدادية الديكتاتورية , ففى مدينة بورتسودان وفى اوائل الستينيات من القرن الماضى , زار الفريق ابراهيم عبود رئيس جمهورية السودان ورئيس الوزراء السوداني للفترة (1958-1964م) والذى تسلم السلطة بعد تنفيذه لانقلاب عسكرى على النظام الديمقراطى البرلمانى وقتها والذى يشار اليه بالديمقراطية الاولى ,وكان عبود يرفقة وفد يضم اعضاء حكومته بهدف حشد التاييد و المساندة لنظامه وشرح الاسباب التى دعتهم الى الاستيلاء على السلطة . وفى اثناء القاء الفريق عبود لخطبته سمعوا هدير هتافات عالية من مظاهرة مناوئة و معارضة للحكم العسكرى كانت فى طريقها الى مكان اللقاء وكان يقود تلك المظاهرة الشاب عبداللطيف كمرات الممتلئ حماس واقدام متحديا اياها وهى فى اوج قوتها و بطشها وجبروتها, وهنا نقتبس حديث الاستاذ شوقى بدرى عن هذه الحادثة فيقول " ان عبد اللطيف كمرات الذي أتي محمولا علي الأعناق يقود تظاهرة في بورتسودان. فتوقف الفريق إبراهيم عبود عن الكلام ، عنكا راى المظاهرة فتوقف عن القاء الخطبة حتى يفسح المجال للمظاهرة والتى اعتقد انها جاءت مؤيدة لهم فقال فقال له الفريقء أحمد عبد الوهاب الذى كان يشغل نائب الرئيس عبود قال له : استمر يا إبراهيم(عبود) فقال الفريق عبود لحدي ما المظاهرة تاخد مكانها
فقال اللواء أحمد عبد الوهاب : دي مظاهرة معارضة. وليست مؤيدة !! ولم يصدق عبود أن هناك من يجرؤ علي مواجهة العسكر بتلك الطريقة . وبعدها تم اعتقال كمرات و ايداعه السجن وبعد ان قضي عقوبة السجن طلب اللواء أحمد عبد الوهاب من قريبه الطيار الحربي سعيد كسباوي أن يقابل المناضل عبد اللطيف كمرات في محطة السكة حديد لأنه ضيفه ، وعند استغراب كسباوي قال اللواء : ده راجل شيوعي وشجاع والواحد يجبر أنه يحترمه." وبعده ظل كمرات وفيا طول حياته لمبادئه والطريق الذى اختاره للمضى فيه رغم وعورته و قساوته ,وقد كان المرحوم كمرات فى قائمة الشرف لاول لجنة تنفيذية لاتحاد العمال السودانى ضمت الى جانبه رفاقه الشفيع أحمد الشيخ، محمد السيد سلام ، و فضل عبد الوهاب ” والد الشهيد دكتور علي فضل” ، وحمزة الجاك
الحديث عن الاستاذ كمرات ليس بالانر اليسير فانت لا تعرف من اين تبدا الحديث واية جوانب فى حياته تريد ان تعطيها حقها بدون نقصان او تقصير !! هل نتحدث اولا عن كمرات المناضل الصلب او الانسان النزيه والعفيف اليد واللسان او المفكر الحكيم الذى فهم الحياة اكثر من غيره ؟ فقد كان للرجل ارث كبير نعتقد انه من حق الاجيال القادمة معرفته واخذ العظات والعبر والدروس , فالتاريخ كما يقول هنرى كيسنجر السياسى الامريكى المخضرم واشهر من تولى وزارة الخارجية الامريكية فى العصر الحديث : " التاريخ منجم زاخر بالحكمة التي قد تجد فيها المفاتيح الذهبية لمشاكل حاضرنا."
ولكنى سوف ابدأ بامانة الرجل ونزاهته فلم تمتد يده ابدا الى الحرام او اخذ شئ لا يخصه بالرغم من انه عمل فى كثير من الموقع التى كان بمكن ان يغتنى و يملا جيوبه منها بالرغم من حوجته للمال وقد صدق فيه قول شاعر الشعب محجوب شريف : ماك الوليد العاق..... لا خنت لا سراق . ففى اولى ايام ثورة مايو التى كانت متاثرة فى بداياتها بالتجربة الناصرية المصرية ومن ضمنها سياسات التاميم و هو ان تقوم الحكومة بمصادرة و استيلاء جميع الانشطة التجارية للقطاع الخاص سوء ان كان وطنيا ام اجنبيا ! وتحيل ادارتها إلى ملكية الدولة أي تحويله إلى القطاع العام وفى ظل هذا التوجه الذى كما سبق وان اشرنا بانه كان موضة المد الثورى الاشتراكى حينها ليس فى السودان فحسب بل فى العديد من البلاد العربية ( مصر وليبيا والعراق و سوريا ) تمت مصادرة شركة انتاج الملح (الملاحة ) فى بورتسودان من اصحابها ال البربرى وتم تعيين الاستاذ عبداللطيف كمرات كمديرا عاما ومشرفا عاما له حق التصرف فى اصولها , وبخلاف عمليات التاميم التى جرت فى قطاعات و انشطة اخرىو تسببت فى تعطل الانتاج ودمار شامل لتلك الشركات و المنظمات فقد ادار كمرات الملاحة كما لو كانت ملكه الخاص فحافظ على كل الممتلكات والمعدات ووسائل الانتاج ومنع منعا باتا التصرف فيها ولهذا فقد شهدت الملاحة فى عهده ازدهار كمل لو كان اصحابها لازالوا يديرونها ! وبعد انتهاء هوجة التاميم وادرك نميرى خطاه الكبير فى التاميم فقرر التراجع عن التاميم وكثيرا ما كان نميرى يفعل ذلك " الثورة تراجع ولا تتراجع " كما كان يقول فقرر اعادة كل الشركات و المنظمات المؤممة الى اصحابها ! وكانت المفاجاة هى ان البربرى قد اصابه الذهول فقد ازدهرت الملاحة تحت ادارة عبداللطيف كمرات ولم يصبها الدار و التدهور الذى حدث لكل الشركات المؤممة وعندها قام بتحية كمرات وعرض عليه الاستمرار فى ادارتها و بمرتب و مخصصات يسيل لها اللعاب (اضعاف اضعاف ما كان يتلقاه من الحكومة ) ولكن كمرات اعتذر عن قبول المنصب و اعتبر انه قد قام بواجبه الذى تم تكليفه به وان قبوله العرض الذى تقدم به البربرى قد يندرج تحت مسمى استغلال النفوذ والانتهازية التى لايقبلها لنفسه وعاد الى الخرطوم وهو لا يملك سوى القليل جدا من المال الذى اشترى به قطعة ارض فى الدروشاب بالخرطوم بحرى والتى بنى فيها منزله الحالى حيث كانت اسعار الارض فى تلك المنطقة وذلك الزمان فى متناول يد الكادحين و البسطاء وكعادته فى خدمة الناس وحل مشاكلهم والانفعال بهمومهم فقد اصبح كمرات بين ليلة وضحاها العمدة الشعبى للدروشاب يقصده اصحاب الحاجات وكل من لديه مشكلة يريد حلها او خدمة يحتاج اليها واصبح بيته المتواضع قبلة ومزارا لاهل الدروشاب ومعلما بارزا من معامها
كانت تربطنى علاقة خاصة جدا بالاستاذ كمرات فالى جانب العلاقة الاسرية فقد كان الاستاذ عمى وزوج خالتى الحبيبة الاستاذة المناضلة وداد عطية والتى يطلق عليها المرأة الحديدية لقوتها وصلابتها و مقارعتها بدون خوف اووجل لنظام الكيزان وهى بالمناسبة اول امراة سودانية يتم اعتقالها فى عهد الكيزان وسجنها فى سجن امدرمان للنساء وتم تشريدها من العمل و التضييق عليها حتى اضطرت لمغادرة السودان الوطن الذى كانت ولا زالت تهيم به حبا سعيا وراء لقمة العيش فى بلاد اخرى فالوطن فى ظل حكم الكيزان لم يعد هو الوطن, وحتى فى محيط الاسرة فقد ربطت بينى و الاستاذ كمرات صداقة ومحبة وود فمن دون جميع افراد العائلة فقد خصانى الاستاذ برعايته و اغدق على محبته و شملنى برعايته و الطريف فى الامر انه كان صديق والدى الباشمهندس المرحوم احمد على شاهين اولا وبعد وفاة والدى امتدت الصداقة الى وكما قال الاستاذ ضاحكا " الصداقة ايضا من الممكن ان تورث" فقد كان الاستاذ مرحا ساخرا صاحب نكات وطرائف لا يمل الناس من الجلوس معه والاستمتاع بصحبته و اعتقد بان هذا الجانب يعتبر من اهم ماكان يميز شخصية الاستاذ الفذة المميزة !. اول ما يلفت النظر فى شخصية كمرات هو انه عاش بسيطا نزيها محبا للاخرين وخصوصا لهؤلاء البسطاء الكادحين الذين لا يملكون فى هذه الدنيا سوى كرامتهم و اعتزازهم بانفسهم وصدق فيه قول الفيتورى :
" دنيا لا يملكها من يملكها , أغنى أهليها سادتها الفقراء
الخاسر من لم يأخذ منها , ما تعطيه على استيحاء
والغافل من ظنّ الأشياء هي الأشياء! "
واذا جهز لنا ان نسمح لانفسنا بوصف الاستاذ الراحل بعدة كلمات قاننا نقول بكل امانة انه كان " انسان سودانى اصيل ( دنقلاوى اصلى كما كان يقول ) يتمتع بصفات واخلاقيات الفارس ابن البلد الاصيل اخو البنات ومقنع الكاشقات وصدق فيه قول الشاعرة امكلثوم الباراوية " فوق بيتو بسند الجوع ياقشاش الدموع " عاش شفيفا شريفا ومات نزيها و نظيفا وعندا غادرنا ولم يترك ورائه لا عقارات ولا قصور ولا حسابات بالعملات الصعبة فى البنوك العالمية لم بترك سوى بيت متواضع بالكاد تميزه عن بيوت الاخرين و ذرية طيبة وسيرة عطرة ستظل نبراسا ومنارا للاجيال القادمة
ونواصل
amirrshahin@gmail.com
//////////////////////////