اجتماع بيت السفير … هل يُعيد الحرية والتغيير؟

 


 

 

حالة إنسداد الأفق السياسي جراء مقاطعة مركزية الحرية والتغيير لحوار المبعوث الأممي، دعت الوسطاء وأهل (الجودية) بمقر إقامة السفير السعودي، إلى التدخل العاجل والسريع لتليين جانب الطرف الممانع - الحرية والتغيير - وإقناعه بضرورة الانخراط في الحوار الذي بدأ فاشلاً منذ الوهلة الأولى، هذه الظروف التشاكسية التي تشهدها الساحة اليوم مع بروز مشروع الحوار الذي يقوده المبعوث الأممي، تذكرنا بتلك اللحظات التي صاحبت السباقات التفاوضية بين تحالف الحرية والتغيير والمجلس العسكري، عقب المجزرة البشعة الواخزة للضمير الانساني التي ارتكبها العسكريون، بفضهم للاعتصام الذي أقامه ثوار ديسمبر بالميدان الكائن أمام بوابة القيادة العامة للجيش، إرهاصات اليوم تعيد للذاكرة مآلات خواتيم تلك السباقات المحمومة التي أفضت إلى إصدار الوثيقة الدستورية المعطوبة، والتي بدورها شرعنت للشراكة السلطوية الدموية بين المكوّن العسكري وتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، وافرزت حكومة هجين برأسين – مدني يمثله رئيس الحكومة التنفيذية وعسكري بزته مرصعة بالصقور والنجوم يجلس على رأس هرم الجهاز السيادي، فهل يا ترى ينتصر رموز الحرية والتغيير هذه المرة؟، وهل يكفّرون عن سيئاتهم ويسترون عوراتهم بإرسال العسكر للثكنات؟، وهل يفككون الدعم السريع؟، أم أن الحكاية وماينطوي حولها ما هي إلا صرخات مخاض لولادة شراكة خاسئة أخرى مضخّمة لأجهزة الدولة المترهلة أصلاً؟.
تحالف الحرية والتغيير دائماً يستمرأ استعجال النتائج، ويلبي الدعوات الداعية لرتق الفتق بينه وبين العسكر، وهذا يدل على انعدام الحصافة وسوء التقدير، إذ أن الاستجابة للاجتماع بالعسكريين الذين باعوه بثمن بخس واستبدلوه بثلة قليلة من الانتهازيين الحاملين للسلاح، بهذه السرعة وبعد أقل من أربعة وعشرين ساعة من انعقاد حوار المبعوث الأممي، يدل دلالة قاطعة على أن هذا التحالف فقد البوصلة وما عاد يحظى بوجود كبير يهديه إلى اتباع أبجديات لعبة البولتيكا، هذه الاستجابة السريعة والهرولة الفضيحة لمصافحة ذات اليد الغادرة، تنم عن وهن وضعف وهشاشة مقيمة بالهيكل التنظيمي لهذا التحالف، فلو أن تحالف الأضداد هذا صبر قليلاً وتمنع كثيراً لنال الكثير، لكن أن يعلن مقاطعة الحوار صباحاً ويهرول للوفاء بموعد لقاء غريمه الغادر ليلاً، لهو حال شبيه بسلوك المُطلّقة النادمة على فراق بعلها العنيف والحريصة على العودة للارتماء على فراشه رغم فداحة النزيف، ولو أن هذا التحالف أجّل المثول أمام مجلس الوسطاء ليومين لأتم إجراءات إفشال الحوار الكذوب، ولو يعلم رموز هذا التحالف المهين أنهم بفعلتهم هذه ينفخون أوكسيجين الحياة في خياشيم جثة الحوار الميتة، لجلس كل فرد منهم في بيته حتى يشيع الإنقلابيون وحلفاؤهم إلى مثواهم الأخير، لكن قل لي كيف لمن أدمن النعومة في الهبوط والسهولة في الانبطاح أن ينسى ما اعتاد عليه؟.
خلاصة الموضوع تكمن في حقيقة أن هنالك بون شاسع بين مواقف الثوار الصامدين والصابرين المقدمين للمهج والأرواح، وبين إنتهازية البيروقراطيين المتسيدين للمشهد السياسي من جميع الأطراف – حركات مسلحة موقعة على وثيقة سلام مزعوم وعسكر يدينون بالولاء المطلق للنظام (البائد) وإنتهازيون يطرقون أبواب السفارات للعودة مجدداً لشراكة الدم، وكما دعونا الثوار والشباب التلقائيين مراراً وتكراراً أن اقيموا مشروعكم المتكامل بعيداً عن شركاء النظام (البائد) المذكورين آنفاً، ندعو ونذكر مرة أخرى بأنه لن يفي لدماء الشهداء من خدم ولو للحظة واحدة تحت إمرة أمير من أمراء (المشروع الحضاري)، ولن يفك أزرار قميصه ويعري صدره ليستقبل رصاص العسكر في الميادين العامة رجلٌ ظل يأكل طوال الثلاثين عاماً الماضية من فتات موائد حزب المؤتمر الوطني (المحلول)، ويطول الزمان أو يقصر سيعيد حوار المبعوث الأممي كل نطيحة ومتردية ومأكولة سبع مرة أخرى لحضن الأشرار الممتشقين للسلاح، فلا تغتر بالنبرات الصوتية العالية والصاخبة المتخذة من دم الشهيد هتافاً أرزقياً للوصول لبهرج القصور، هذه الأصوات مجرد قرابين وعطايا وأقمشة ماسحة للبلاط السلطاني، تدلك وتعبد الطريق لتحقيق الوصولية والإنتهازية المتلونة بلون الثورة، في نسختها المعدّلة والتي ترعاها وتقودها دبلوماسية المحاور الإقليمية. وأخيراً، لابد من فك الارتباط بين الحاملين لأكفانهم في وضح ظهيرة النهار وبين المتسللين لواذا يطرقون أبواب مقرّات البعثات الدبلوماسية ليلاً.

ismeel1@hotmail.com
10 يونيو 2022

 

آراء