هوكس (Hoax) عودة المسيح عيسى عليه السلام!

 


 

 

في البداية نُأمّن على أمر مهم: وهو أنَّ الاعتقاد، أو عدمه، في عودة المسيح، أو رجوعه، ليس مما يُضير المؤمن في إيمانه بشيء: يمكن أن يعتقد شخص أن المسيح سيظهر، وأن يقول آخر بأنه لن يظهر. فهذا الخلاف، أو الاختلاف، ليس من جوهر الدين، ولا يمس العقيدة، و لا ما يجب أن نؤمن به لكي يكون إيماننا صحيحا: الإيمان بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر والإيمان بالقدر، أو إسلامنا صحيحاً: شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت.
لكن، في المقابل، هناك أمور مهمة جداً لا بد أن نشير إليها وهي أن الاعتقاد في عودة/رجوع المسيح عليه السلام في آخر الزمان تترتب عنه مسائل - نسميها مترتّبات - غاية في الفداحة، ومكلفة، ليس أقلها أن مجرد اعتقادنا بأن سيدنا عيسى سيظهر مرة أخرى من شأنه أن يؤثر تأثيراً مخلاً على ركن من أركان الايمان هو الإيمان باليوم الآخر. ذلك لأن عودة المسيح، أو رجوعه، تجعل قيام الساعة، الذي تضافرت الآيات القرآنية على وصفه بأنه يأتي بغتة، تجعله أمراً له وقته المعلوم لكل الناس وله دلائله، وبالتالي يصبح حدثاً غير مباغت، بعكس ما جاء في القرآن. يعني ذلك أنه طالما أن المسيح لم يظهر بعد، فإذن نحن، الآن، متأكدون من أن الساعة لن تقوم الآن، ولا غداً، ولا بعد سنة، ولا حتى بعد سبع سنوات. تقول الروايات، "المضروبة" طبعاً، إن المسيح سيظهر ويمكث سبعاً. هذا خلل كبير جداً في الإيمان باليوم الآخر. وهنا يظهر لنا السبب في الإشاعة، أو الخدعة، بل الخديعة أو المكيدة أو الأحبولة، أو الاحتيال، أو "الهوكس " (hoax)، المتمثل في زعم ظهور المسيح قبل قيام الساعة: ذلكم السبب هو نفي فُجاءة الساعة، ومباغتتها للناس، وبالتالي مناقضة كلام الله عز وجلّ. وبيان ذلك أن الله سبحانه وتعالى يقول لنا لن تأتي الساعة إلا بغتة، أي فجأة، وبدون مقدمات، أو توقعات، أو إرهاصات، وبلا علامات، وأن هناك أيات لا حصر لها تشير إشارة واضحة إلى أن الساعة تأتي بغتةً، ولا تأتي إلا بغتة، ولكننا جعلنا لها مقدمات وعلامات كبرى وصغرى، وهناك رجال سيخرجون، ومسوخ من بشر (يأجوج ومأجوج) ستخرج، وحيوانات (الدابة) لا بد أن تظهر قبل الساعة. يعني ببساطة، الساعة لن تأتي بغتة، وهذا مناقض لما أخبر به الله تعالى.
فإن كنا ننتظر الساعة ونحن نعرف أن من المفروض أن يأتينا المسيح، والمسيخ، والمهدي، والدابة، ويأجوج ومأجوج، وهؤلاء جميعاً لم يأتوا بعد في اعتقاد الناس، فإنّ معنى ذلك أننا في أمان من الساعة، وأن الساعة لن تقوم، ويمكنك أن تقسم وأنت مطمئن أن الساعة لن تقوم لا اليوم ولا غداً ولا بعده. بيد أن الإيمان الحقيقي باليوم الآخر يقضي بأن تكون متأكدا ومتيقناً من أنّ الساعة يمكن أن تقوم في أي وقت - بعد ثانية واحدة. أجل، يجب على المؤمن أن يعتقد، يقيناً، أن الساعة يمكن أن تقوم الآن، بغتةً، فيرى الناس سُكارى وما هم بسُكارى، وتضع كل ذات حمل حملها.
ومن ضرورات الإيمان باليوم الآخر وضرورات قيام الساعة الإقرار بأن لا أحد عنده علمها غير الله، ولا حتى الرسل ولا الملائكة. فالرسول صلى الله عليه وسلم لا علم له بوقتها "يسألونك عن الساعة أيان مرساها، فيم أنت من ذكراها، الى ربك منتهاها"/ "يسألونك كأنك حفي عنها". ‏
أشراط الساعة:
لا علاقة بين أشراط الساعة وما يُزعم من علاماتها.
ويعتقد بعض الناس جهلاً أن أشراط الساعة هي علاماتها، المزعومة طبعاً.
ألا إن أشراط الساعة هي شروطها الموضوعية، وشروطها الموضوعية هي الإنذار بها، من إرسال الرسل وإنزال الكتب السماوية. وكفى بتلك شروطاً وعلامات لمن أراد أن يعتبر: "‏فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ‏". ولا يستقيم عقلاً ومنطقاً أن تكون أشراط الساعة المقصودة هي المسيح والمسيخ ويأجوج ومأجوج والدابة...الخ.
إذن فإن الاعتقاد في عودة المسيح تنطوي عليه مترتبات فادحة، أهمها:
1/ مناقضة كلام الله ونفي فجاءة الساعة ومباغتتها؛
2/ الانغماس في جدل علامات الساعة؛
3/ الركون إلى أنه ما يزال في الوقت بقية؛
4/ مناقضة أخلاق الدين بالحديث عن "المسيخ" و"الأعور"، وكأن العور عيب، في تناقض رهيب مع القرآن والسنة (كيف لهم أن يقولوا إن الله قد وصف المسيخ بالعور، والقرآن الكريم ينفي الحرج عن الأعمى والأعرج والمريض، ويعلمنا الرسول الكريم إن الله لا ينظر إلى الوجوه وإنما إلى القلوب؟)؛
5/ تعطيل العمل على الإصلاح بانتظار المسيح، أو المهدي المنتظر. وفي هذا الصدد ينبغي أن يكون معلوماً أن مجرد الانتظار هو إلهاء شيطاني يتناقض مع هدي الدين في ضرورة العمل، الآن، فوراً، على الإصلاح والهداية، بدون انتظار مسيح أو مهدي؛ ويتناقض مع إخلاق الدين في إحياء الحسب والنسب، والقول إن المهدي يجب أن يكون من أهل بيت النبي، وإزكاء للشعوبية والعنصرية، بالحديث عن شكل الوجه والأنف. هل تخيّلتم درجة غبائنا ونحن نتفرس في أنوف الرجال، في البيت الحرام، لكي نتعرف على المهدي المنتظر من أنفه - فهو يقال إنه أقنى الأنف - لكي نبايعه! أكاد أسمع قهقهة الشيطان علينا!
6/ التوافق مع أهل الكتاب، وتصديق ترهاتهم، وخلق فتنة لهم: نبي المسيحية هو الذي سيظهر في آخر الزمان، وليس نبي الإسلام، وكفى بتلك فتنةً!
النفي القاطع للعودة/الرجوع
يجب أن يكون واضحاً أنه لا يكتمل لنا إيمان إن لم نؤمن بأن هذه الدنيا كلها يمكن أن تصل إلى نقطة النهاية في أي لحظة. الذين بثوا خديعة عودة/رجوع المسيح لديهم أغراض متعددة ومتشعبة ليس أقلها أن يجعلوا الناس يركنون للدنيا ويفكرون في أن الحياة يمكن تستمر، وأن الساعة هذه قد قربت لكن لا يزال في الوقت بقية، فهي لن تأتِ غداً، ولا بعده، ولا بعد بعده، ولا حتى بعد سبع سنوات كما قلنا.
لا يوجد في القرآن لغوياً ما يشير الى أن السيد المسيح سيرجع، أو سيعود.
بل القرآن واضح في أن المسيح قد توفاه الله. وهنا نجد بعض التفسيرات الأوكروباتية، والتلاعبات اللغوية، التي تريد أن تجعل للوفاة معنى آخر:
"إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك"
والآية الأخرى لا تدع للمتمحّلين سبيلاً:
"وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ"
القرآن يقول لنا إن المسيح قد مات، ويقول الذين يريدون أن يرجعوه أو يعيدوه بالقوة، إنه لم يمت. والموت شرف لكل حي، لأنه سنة الله في خلقه "كل نفس ذائقة الموت". فهل يستنكف المسيح أن يموت كما مات أولو العزم من الرسل (وكل الرسل أولو عزم)؟ أوليس المرء روحاً أقرب منه إلى الله جسداً؟ فلماذا ننفي الموت عن المسيح وكأن الموت عيب في حقه؟!
ولا توجد آية في القرآن تدل بأي قدر من الدلالة، قليل أو كثير، على أن المسيح سيرجع أو سيعود. فالآية التي في الزخرف (وإنه لعلم للساعة)، تنسب علم الساعة إلى ضمير الغائب، ولا شيء يجعل ذلك الضمير يعود بالضرورة إلى المسيح، بل هو يعود إلى القرآن الذي يدعونا إلى الاستعداد للساعة، ويخبرنا بأنها تأتينا بغتة.
آية يستندون إليها وهي تنسف حجتهم نسفاً
استناداً إلى هذه الآية (وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته )، قالوا إن عودة المسيح تجعل أهل الكتاب يؤمنون جميعاً.
وهذا فهم خطأ. الآية تتحدث عن أهل الكتاب جميعاً، وليس فقط الذين يكونون حاضرين لحظة عودة المسيح المزعومة. تعني الآية الكريمة أن كل فرد من أهل الكتاب، بلا استثناء، سيرى قبل أن يموت، الحق ويعرفه عندما يُكشف غطاؤه ويغدو بصره حديداً. إنها دعوة لأهل الكتاب لأن يتدبروا الأمر حتى لا يفاجأوا بالحقيقة المرة يوم موتهم. ودلالة الآية واضحة في الإشارة إنما إلى أهل الكتاب جميعاً، في كل زمان ومكان، وليس فقط عند ظهور المسيح المزعوم. وحتى لو افترضنا أن المسيح ظهر وآمن به كل أهل الكتاب فإن ذلك لا يحقق معنى الآية، لأن معناها غير مرتبط بزمن الظهور المزعوم، بل هي تشير إلى أهل الكتاب، فرداً فرداً، من لدن سيدنا محمد، صلى الله عليه وسلم، إلى قيام الساعة.
هذا، ونلاحظ أن أهل الكتاب لم يخاطبوا بأن تأتيهم الساعة بغتة، بل خوفوا بالعذاب، والسبب في ذلك هو أنه كان ما يزال بينهم وبين الساعة بعثة نبي يأتي من بعد المسيح هو محمد، صلى الله عليه وسلم. أما المسلمون، فقد خوِّفوا بالساعة لأنه لم يعد بينهم وبينها نبي.
وهكذا رأينا أنه ما من آية تدل أدنى دلالة صحيحة إلى عودة المسيح، أما ما يقولون إنه أحاديث عن علامات الساعة (وأنا منذ الآن لن أسميها أحاديث، حتى لا يختلط الحق بالباطل، فهي مكذوبات ومُكِّذبات، أي مختلقات، مكذوبة على الرسول صلى الله عليه وسلم ومكذِّبة لما جاء في القرآن الكريم) فهناك حمل بعير من هذه المكذوبات-المكذبات، ولكننا لا نقيم وزناً إلا للأحاديث الشريفة بعد آيات الذكر الحكيم.
المأزق الحرج
ثم نأتي الآن إلى مأزق عويص.
بعد أن جاء المسيح برسالته العظيمة، قبل أكثر من ألفي عام، لماذا يا ترى يأتي مرة أخرى؟ ماذا سوف يفعل؟ ما هو ذلك الهدف الجلل الذي يبرر هذا الحدث الخارق؟
لماذا يعود وقد جاء بعده النبي الخاتم، صلى الله عليهما وسلم؟
لماذا يأتي والقرآن الكريم موجود، وسنة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم موجودة؟
ألم يكمل الله لنا ديننا وقد رضي لنا الإسلام ديناً؟
هل لكي يجيء إلينا بالسلام والعدل والرخاء؟
هل المسيح هو من بيده السلام والعدل والرخاء؟ كلا، فكل ذلك بيد الله، إذن فلمَ هذا المجئ المُرْبِك؟
يقولون إنه يجئ ليقتل الخنزير!
نقول لهم: لقد تمخض الجبل فولد فأراً!
ألم نقل إنها "هوكس"؟
لا شك أن قتل الخنزيز سوف يدخلنا في حيص بيص عظيم!
أهذا شرع جديد؟ في شرعنا لا يُقتل الخنزير، بل يحرم أكل لحمه وكفى.
نحن ممنوعون من أكل لحم الخنزير، ولكن ليس لنا عداوة معه تجعلنا نقتله.
ثم يقولون: يجي ليكسر الصليب.
ونقول ليس في شرعنا تكسير الصلبان، بل على العكس: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صلوات وبيع ومساجد".
وهكذا نرى أن ما ينسف زعم عودة/رجوع المسيح، هو عدم وجود المبرر المنطقي، وانتفاء الحاجة إلى وجوده raison d´etre.
الفرق بين العودة والرجوع
لغوياً لا يمكن أن يرجع المسيح، لأن الرجوع، بمعناه اللغوي، يُحتم أن يرجع المسيح إلى مكانه: قومه بني إسرائيل، لا أن يرجع إلى قوم آخرين، من أتباع نبي آخر؛
ولغوياً لا يمكن أن يعود المسيح، لأن العودة، بمعناها اللغوي، تحتم أن يعود المسيح نبياً رسولا، يبرئ الأكمه والأبرص، ويحي الموتي، ويفتي بما في شريعة الأنجيل؛.
الرجوع يعني الرجوع إلى قومه، والعودة تعني العودة إلى حاله.

سيناريوهات قيام الساعة بغتة من الكتاب والسنة
نجد في القرآن الكريم"رب المشرق ورب المغرب".
والمشرق معروف وكذلك المغرب.
ونجد "رب المشارق ورب المغارب"، وهي كذلك معروفة، إذ لكل بلد، أي منطقة جغرافية، مشرقه ومغربه.
ولكن حين نجد "رب المشرقين ورب المغربين"، نجد أنّ ما تفضّل به السادة المفسرون لا يفي بحقيقة المراد.
والتفسير الذي نطمئن إليه هو التالي: المشرقان هما المشرق الحالي، الذي تشرق منه الشمس، والمشرق الآخر هو حين تشرق الشمس من مغربها؛ وكذلك المغربان، هما مغرب الشمس الحالي، ومغربها القادم حين تغرب من المشرق.
وهذا هو المراد ببعد المشرقين في قوله تعالى " قال ياليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين". يقول المفسرون الأفاضل إن المراد بالمشرقين هنا هو ما بين المشرق والمغرب، وأنه استُعمل هاهنا تغليبا، كما يقال القمران، والعمران، والأبوان. وهو قول ثمة وجهين لرده: أولاً لأن البعد بين مشرق الشمس ومغربها غير محدد، ويمكن أن يكون قريباً جدا في نظر أهل قرية، مثلاً، لأن الشمس تشرق من تحت التل القريب وتغيب وراء الغابة القريبة أيضاً نسبياً. لكن الوقت من بدء شروق الشمس من مشرقها الحالي، عند بدء الخليقة، ثم شروقها من مغربها، عند قيام الساعة، هو البعد الحقيقي الذي يعبر بحق عن "يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين" ، لا سيما أننا نرى المغزى في هذا التشبيه: ليتك لم تكن معي في الدنيا، وليتيني لم ألتقِ بك أبداً حتى أراك هنا يوم القيامة، فأكون نجوت من إضلالك لي.
إذن سيأتي يومٌ ينتظر الناس فيه أن تشرق الشمس، كعادتها التي لم تتركها يوما، من المشرق، ولكنهم سيصابون بهلع عظيم حين يرونها تطلع من ورائهم. وحينئذٍ "لا ينفع نفسٌ إيمانها لم تكن آمنتْ من قبلُ أو كسبت في إيمانها خيرا"، لأنه، حيئذٍ، تكون قد جاءت "بعض آيات ربك"، وحينذٍ ترى الناس سكارى وما هم بسكارى، وحيئنذ تضع كل ذات حمل حملها. اللهم قِنا شر ذلك اليوم!
الخلاصة
عودة المسيح أو رجوعه ما هو إلا خديعة ومكيدة من عمل الشيطان وعمل الدجال.
ذلك الدجال الذي قالوا إنه سيظهر لنا في آخر الزمان!
دجال ويأتي في آخر الزمان؟! يا له من دجال شفوق بنا لا يأتي إلا في الزمن الضائع!
دجال ويأتي في آخر الزمان؟! يا له من دجال لا يعلم من الدجل شيئاً!
الدجال الحقيقي، الذي يمثل أكبر فتنة للبشر، يجب ألا يضيع كل هذا الوقت، بل يجب أن يأتي في الوقت المناسب، الوقت المؤاتي، أي في أبكر وقت ممكن: حين توضع الأحاديث المزيفة، وتكتب السير الملفقة، ويصنع الفقه المفخّخ، وتفبرك فيه الخزعبلات، وتوضع سيناريوهات الدجال المزيف، ويحدد له المكياج المناسب: أعور، عينه طافية، لا جحراء ولا ناتئة، بل هي كالعنبة الطافئة!
نعم، الدجال الحقيقي سيأتي في أبكر وقت ممكن، ليصنع "هوكس" الدجال المزيف، الأعور، الذي سوف ينتظره الناس طويلاً ولن يأتي، والذي سيصرف أنظار الناس عن الدجال الحقيقي، الخفي.
نعم، الدجال الحقيقي هو الذي يظل موجوداً طوال الوقت يعمل في الظل، من وراء الكواليس، وليس ذلك المغفل الذي يأتي بعين طافئة وكل من رآه عرفه.
نعم، الدجال الحقيقي هو الذي حين تراه لا تعرف أبداً أنه الدجالّ.
يا له من دجال بائس، مثير للشفقة، ذلك الذي يأتينا بعينه الطافية فيعرفه حتى الغافلون من أمثالنا! ألا يستطيع أن يسافر إلى البرازيل، أو تركيا، ليجري عملية تجميل وتركيب عين لامعة براقة؟
الدجال الحقيقي هو الذي يجعلنا نعتقد أن يأجوج ومأجوج ليسوا هم المفسدون في الأرض من بني جنسنا، ومن بني وطننا، ومن بني ديننا، الذين يعيثون في الأرض سفكاً للدماء وإهداراً للموارد، وتجويعاً وتقتيلا، وتفريقاً وتشيتا؛
الدجال الحقيقي هو الذي يضحك علينا ويجعلنا نؤمن بأن ليأجوج ومأجوج أشكالا غير أشكالنا، وبلداناً غير بلداناً، ولغة غير لغاتنا، وأن الواحد منهم يفترش إحدى أذنيه ويتغطى الأخرى!
الدجال الحقيقي هو الذي يجعلنا ننتظر القرون تلو القرون لكي يأتينا المسيح أو المهدي المنتظر ليصلح لنا ديننا ودنيانا وبلداننا، وكأنما إصلاح ديننا ودنيانا وبلداننا ليس بأيدينا، وليس بإيماننا وعملنا ودعائنا!
الدجال الحقيقي هو الذي يجعل حالنا مع القرآن كحال الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها:
يقول لنا القرآن إن الساعة تأتي بغتة، ثم نسأل ونتجادل عن علاماتها!
ويقول لنا إن علمها عند الله وحده، وإن الرسول، صلى الله عليه وسلم، ليس له علم بها، ولكننا نصر أن ننسب إلى الرسول الكريم، صلى الله عليه وسلم، أحاديث مكذوبة تتحدث عن علاماتها، كبرى وصغرى!
الدجال الحقيقي هو الذي جعلنا نتقاعس، جيلاً وراء جيل، في انتظار المسيح والمهدي والمنتظر، بدل أن نعمل، فورا، لنملأ الأرض عدلاً وسلاماً وقمحاً!
إنَّ الدجال الحقيقي هو الذي بثّ دجله بيننا منذ قديم الزمان، وجعلنا نتجادل بشأنه إلى آخر الزمان!

alrayyah@hotmail.com
/////////////////////

 

 

آراء