آخر تكتيكات قوى الهبوط الناعم
البروفيسور محمد جلال هاشم
14 June, 2022
14 June, 2022
الخرطوم - 13 يونيو 2022م
الكثير من دعاة الهبوط الناعم يتحججون بمثل المقولات التالية:
"الفرق بين ثورتي أكتوبر 1964م وأبريل 1985م والوضع الآن أننا لم نعد نملك جيشا ينحاز لخيار الشعب. ولذلك أصبح استلام السلطة بدون تفاوض مستحيلاً" (هذا الرأي وصلني بالفعل من بعضهم وبنفس الصياغة إياها).
حسنا! في الحقيقة هذا أغرب رأي يمكن للثوري الحقيقي أن يسمعه! لكن علينا أن نماشيهم!
ناس الهبوط الناعم هؤلاء عليهم أن يجيبوا بكل شفافية وبكل شجاعة على الأسئلة التالية:
أولا، كيف يمكن للتفاوض مع العسكر أن يُنهي حالة الانقلاب؟ عملياً كيف؟ وعليهم أن يتذكروا ما قاله حميدتي "تسنّوا في سكينكم .. إلخ".
ثانيا، هذا التفاوض مع العسكر يعني عمليا أحد خيارين (إن لم يكن الخياران مجتمعين معا): الأول هو اتخاذ العسكر كشركاء؛ والثاني هو إعطاء ضمانات للعسكر بعدم المحاسبة على جرائمهم.
على الذين يؤيدون هذا النوع من التفاوض أن يكونوا شجعانا وأن يتصفوا بالحد الأدنى من الشفافية ويقولوا لنا أي الخيارين سوف يتبعون؟ وهل هناك قوة سياسية الآن في الساحة في مقدورها أن تتخذ قرارا نافذا بأيٍّ من الخيارين؟
ثم، ثالثا، ماذا هم فاعلون لمليشيا الجنجويد ولجرائمها المستمرة؟
في رأينا أن قيادات قحت تعلم تماما الإجابات عن هذه الأسئلة. ليس هذا فحسب، بل كل من في رأسه ذرة من عقل يعلم أن الإجابات على هذه الأسئلة ليست من بنات أفكار قحت (المُقحطة)، بل هي من تدبير قوى خارجية، لا تخضع لها قحت فحسب، بل قحت رهنُ إشارتها بالضبط كالميّت في يد غاسله. هم يعلمون تماما تفصيل الصفقة، لكنهم يناورون بالضبط كما كانوا يناورون في ميدان الاعتصام عندما عقدوا صفقتهم الشراكية مع العسكر والجنجويد، ثم عجزوا عن أن يعلنوها لجماهير الثوار. وهكذا حدثت حالة انسداد الطريق ما بين صفقة الشراكة مع العسكر في مواجهة هتاف الجماهير "مدنيااااااااااو"! وهتاف " تسقط تاني وتالت ورابع"! وهنا تبلورت المبررات العملية لجريمة فض الاعتصامات وبعلم قيادات الهبوط الناعم داخل قحت.
واليوم، ها نحن أولاء نعيش نفس حالة انسداد الطريق ما بين صفقة الشراكة والحصانة التي أبرمتها قحت، وبين الموقف الثوري المعلن ممثلا في اللاءات الثلاث. وهذا ما قد يؤدي إلى تبلور مبررات عملية جديدة لكسر شوكة الثورة والثوار عبر جرائم مخططة قد تبدو جرائم فض الاعتصام إزاءها مجرد لعب أطفال. فما هي القوى المرشحة لارتكاب هذه الجرائم التي سوف تحصل على ضوء أخضر غير رسمي من قوى الإمبريالية العالمية عبر ذراعها المتمثل في الأمم المتحدة؟ إنها بالطبع مليشيات المؤتمر الوطني العائدة بكل "قوة عين" وبكل غباء (طبعا)! ما تفعله قحت الآن هو بذل كل ما في وسعها لشق الشارع ما بين مؤيد للاءات الثلاث وما بين رافض لها يتظاهر بحرصه على الثورة والثوار. بمجرد أن تبلغ حالة انسداد الطريق ذروتها، سوف تتدخل مليشيات الكيزان لارتكاب جريمتها بمباركة الجميع (دوليا وإقليميا وانقلابيا وقحتيا). بعدها سوف تقوم قيامة العالم والمجتمع الدولي ليصبوا جام غضبهم على الكيزان وعلى مليشياتهم، فيحملونهم مسئولية ارتكاب هذه الجرائم، وهنا لن يجدوا لهم بواكي. بعد ذلك (بافتراض أن شوكة الثورة والثوار قد انكسرت)، سوف تواصل قحت والانقلابيون في تنفيذ الصفقة المُتَوَصَّل إليها من قبل القوى الخارجية التي تسيطر على قحت وعلى الانقلابيين بعسكرهم وجنجويدهم وحركاتهم "المَصلّحة". هذا يكشف شيئا خطيرا، ألا وهو أنهم جميعا متفقون، أللهم إلا بخلاف "ديك العدة" (كيزان المؤتمر الوطني) الذين أثبتوا أنهم أكثر غباءً من ملوك البوربون (إذ لم يتعلموا شيئا، كما لم ينسوا شيئا)، كون أن هذه الثورة العظيمة، وغير المسبوقة في تاريخ البشرية، قد اجتاحتهم كريحٍ صرصرٍ، فأزالت دولتهم، بينما هم ينظرون إليها بوصفها مجرد حركة شغب يقوم بها صعاليكٌ أيفاع.
ولكن التحدي الحقيقي هو هل فعلا في مقدور قحت والانقلابيين، وكل القوى الإمبريالية التي تقف خلف قحت وخلف الانقلابيين، أن يكسروا شوكة هذه الثورة؟ هذا هو المستحيل بجسمه وظله! نعم، سوف ينكّلون بالثوار وبكل القوى التي تقف مع الثوار في خندق واحد، لكن هذا لن يَفِتَّ في عَضُد الثورة والثوار! كيف هذا يا تُرى ولماذا؟ أولا، وببساطة لأن حوالي 80٪ من هؤلاء الشباب دون الخامسة والعشرين! ما يعني أن من يحاربهم إنما يحارب المستقبل. ثانيا، لأن قناة هذه الثورة وهؤلاء الثوار الشباب قد تم اختبارُها من قبل، فما انكسرت، بل زادها ذلك قوةً فوق قوتها الأصلية. ففي جرائم فض الاعتصامات تم استخدام كل أنواع آلة العنف المملوكة للدولة والمملوكة للمليشيات بجنجويدها وبمليشيات الكيزان، فما أجدى ذلك فتيلا. فلو كان في الإمكان كسر شوكة هذه الثورة وهؤلاء الثوار، لكان هذا الانكسار قد تحقق قبل 3 أعوام، ولكن القتل والتنكيل لم يزد الثورةَ والثوار إلا قوةً فوق قوتهم، وعزيمةً فوق عزيمتهم. ثالثا، لا تزال في جُعبة الثورة والثوار الكثير الكثير من التكتيكات التي لم تستخدم بعد في سياق نضالهم السلمي هذا. والأيامُ المقبلات حبلى بما لم تلده سابقاتُها!
أخيرا وليس آخرا، هذه الثورة تعبر، من بين عدة أشياء مجيدة، عن إردة الشعب السوداني، وهي إرادة تمثل، ضمن ما تمثله، أشواق شعوب الدولة الوطنية في دولة ما بعد الاستعمار؛ تعبّر عن أشواقها في الانعتاق والتحرر من التبعية والتخلف، ثم الانطلاق نحو التفكيك التام لجميع منظومات الإمبريالية العالمية، أكانت غربية (أمريكا وأوروبا)، أم كانت شرقية (روسيا والصين). وعليه، هناك مرحلة وعي ثوري قادم لم يتم تدشينه بعد، ألا وهو تحالف وتضامن جميع الشعوب التي تعاني من الاستعمار المُحدث وإمبريالية عصر العولمة، وتحلم بالاستقلالية والرفاهية، والعدالة، ثم بالسلام، وطنيا وإقليميا وعالميا.
MJH
الخرطوم - 13 يونيو 2022م
الكثير من دعاة الهبوط الناعم يتحججون بمثل المقولات التالية:
"الفرق بين ثورتي أكتوبر 1964م وأبريل 1985م والوضع الآن أننا لم نعد نملك جيشا ينحاز لخيار الشعب. ولذلك أصبح استلام السلطة بدون تفاوض مستحيلاً" (هذا الرأي وصلني بالفعل من بعضهم وبنفس الصياغة إياها).
حسنا! في الحقيقة هذا أغرب رأي يمكن للثوري الحقيقي أن يسمعه! لكن علينا أن نماشيهم!
ناس الهبوط الناعم هؤلاء عليهم أن يجيبوا بكل شفافية وبكل شجاعة على الأسئلة التالية:
أولا، كيف يمكن للتفاوض مع العسكر أن يُنهي حالة الانقلاب؟ عملياً كيف؟ وعليهم أن يتذكروا ما قاله حميدتي "تسنّوا في سكينكم .. إلخ".
ثانيا، هذا التفاوض مع العسكر يعني عمليا أحد خيارين (إن لم يكن الخياران مجتمعين معا): الأول هو اتخاذ العسكر كشركاء؛ والثاني هو إعطاء ضمانات للعسكر بعدم المحاسبة على جرائمهم.
على الذين يؤيدون هذا النوع من التفاوض أن يكونوا شجعانا وأن يتصفوا بالحد الأدنى من الشفافية ويقولوا لنا أي الخيارين سوف يتبعون؟ وهل هناك قوة سياسية الآن في الساحة في مقدورها أن تتخذ قرارا نافذا بأيٍّ من الخيارين؟
ثم، ثالثا، ماذا هم فاعلون لمليشيا الجنجويد ولجرائمها المستمرة؟
في رأينا أن قيادات قحت تعلم تماما الإجابات عن هذه الأسئلة. ليس هذا فحسب، بل كل من في رأسه ذرة من عقل يعلم أن الإجابات على هذه الأسئلة ليست من بنات أفكار قحت (المُقحطة)، بل هي من تدبير قوى خارجية، لا تخضع لها قحت فحسب، بل قحت رهنُ إشارتها بالضبط كالميّت في يد غاسله. هم يعلمون تماما تفصيل الصفقة، لكنهم يناورون بالضبط كما كانوا يناورون في ميدان الاعتصام عندما عقدوا صفقتهم الشراكية مع العسكر والجنجويد، ثم عجزوا عن أن يعلنوها لجماهير الثوار. وهكذا حدثت حالة انسداد الطريق ما بين صفقة الشراكة مع العسكر في مواجهة هتاف الجماهير "مدنيااااااااااو"! وهتاف " تسقط تاني وتالت ورابع"! وهنا تبلورت المبررات العملية لجريمة فض الاعتصامات وبعلم قيادات الهبوط الناعم داخل قحت.
واليوم، ها نحن أولاء نعيش نفس حالة انسداد الطريق ما بين صفقة الشراكة والحصانة التي أبرمتها قحت، وبين الموقف الثوري المعلن ممثلا في اللاءات الثلاث. وهذا ما قد يؤدي إلى تبلور مبررات عملية جديدة لكسر شوكة الثورة والثوار عبر جرائم مخططة قد تبدو جرائم فض الاعتصام إزاءها مجرد لعب أطفال. فما هي القوى المرشحة لارتكاب هذه الجرائم التي سوف تحصل على ضوء أخضر غير رسمي من قوى الإمبريالية العالمية عبر ذراعها المتمثل في الأمم المتحدة؟ إنها بالطبع مليشيات المؤتمر الوطني العائدة بكل "قوة عين" وبكل غباء (طبعا)! ما تفعله قحت الآن هو بذل كل ما في وسعها لشق الشارع ما بين مؤيد للاءات الثلاث وما بين رافض لها يتظاهر بحرصه على الثورة والثوار. بمجرد أن تبلغ حالة انسداد الطريق ذروتها، سوف تتدخل مليشيات الكيزان لارتكاب جريمتها بمباركة الجميع (دوليا وإقليميا وانقلابيا وقحتيا). بعدها سوف تقوم قيامة العالم والمجتمع الدولي ليصبوا جام غضبهم على الكيزان وعلى مليشياتهم، فيحملونهم مسئولية ارتكاب هذه الجرائم، وهنا لن يجدوا لهم بواكي. بعد ذلك (بافتراض أن شوكة الثورة والثوار قد انكسرت)، سوف تواصل قحت والانقلابيون في تنفيذ الصفقة المُتَوَصَّل إليها من قبل القوى الخارجية التي تسيطر على قحت وعلى الانقلابيين بعسكرهم وجنجويدهم وحركاتهم "المَصلّحة". هذا يكشف شيئا خطيرا، ألا وهو أنهم جميعا متفقون، أللهم إلا بخلاف "ديك العدة" (كيزان المؤتمر الوطني) الذين أثبتوا أنهم أكثر غباءً من ملوك البوربون (إذ لم يتعلموا شيئا، كما لم ينسوا شيئا)، كون أن هذه الثورة العظيمة، وغير المسبوقة في تاريخ البشرية، قد اجتاحتهم كريحٍ صرصرٍ، فأزالت دولتهم، بينما هم ينظرون إليها بوصفها مجرد حركة شغب يقوم بها صعاليكٌ أيفاع.
ولكن التحدي الحقيقي هو هل فعلا في مقدور قحت والانقلابيين، وكل القوى الإمبريالية التي تقف خلف قحت وخلف الانقلابيين، أن يكسروا شوكة هذه الثورة؟ هذا هو المستحيل بجسمه وظله! نعم، سوف ينكّلون بالثوار وبكل القوى التي تقف مع الثوار في خندق واحد، لكن هذا لن يَفِتَّ في عَضُد الثورة والثوار! كيف هذا يا تُرى ولماذا؟ أولا، وببساطة لأن حوالي 80٪ من هؤلاء الشباب دون الخامسة والعشرين! ما يعني أن من يحاربهم إنما يحارب المستقبل. ثانيا، لأن قناة هذه الثورة وهؤلاء الثوار الشباب قد تم اختبارُها من قبل، فما انكسرت، بل زادها ذلك قوةً فوق قوتها الأصلية. ففي جرائم فض الاعتصامات تم استخدام كل أنواع آلة العنف المملوكة للدولة والمملوكة للمليشيات بجنجويدها وبمليشيات الكيزان، فما أجدى ذلك فتيلا. فلو كان في الإمكان كسر شوكة هذه الثورة وهؤلاء الثوار، لكان هذا الانكسار قد تحقق قبل 3 أعوام، ولكن القتل والتنكيل لم يزد الثورةَ والثوار إلا قوةً فوق قوتهم، وعزيمةً فوق عزيمتهم. ثالثا، لا تزال في جُعبة الثورة والثوار الكثير الكثير من التكتيكات التي لم تستخدم بعد في سياق نضالهم السلمي هذا. والأيامُ المقبلات حبلى بما لم تلده سابقاتُها!
أخيرا وليس آخرا، هذه الثورة تعبر، من بين عدة أشياء مجيدة، عن إردة الشعب السوداني، وهي إرادة تمثل، ضمن ما تمثله، أشواق شعوب الدولة الوطنية في دولة ما بعد الاستعمار؛ تعبّر عن أشواقها في الانعتاق والتحرر من التبعية والتخلف، ثم الانطلاق نحو التفكيك التام لجميع منظومات الإمبريالية العالمية، أكانت غربية (أمريكا وأوروبا)، أم كانت شرقية (روسيا والصين). وعليه، هناك مرحلة وعي ثوري قادم لم يتم تدشينه بعد، ألا وهو تحالف وتضامن جميع الشعوب التي تعاني من الاستعمار المُحدث وإمبريالية عصر العولمة، وتحلم بالاستقلالية والرفاهية، والعدالة، ثم بالسلام، وطنيا وإقليميا وعالميا.
MJH
الخرطوم - 13 يونيو 2022م