المصالحة التاريخية بين الديني والسياسي 

 


 

 

بهدوووء_

هذا الصراع يجعلنا نطرح تساؤلا مفاده لماذا لم يتوحد الشأن السياسي مع الشأن الديني إلا في ظروف مضطربة أو بالأحرى مشتعلة ؟ هذا بفضل ثمة اختلافات بين الشأنين منها الموضوع والوظيفة واختلاف المنطلقات والنتائج وهي أوجه الاختلافات التي أشار إليها المفكر رضوان السيد في مجمل حديثه عن الدين والدولة في الإسلام المعاصر في كتابه " أزمنة التغيير "، وأضاف أن الصراع الديني السياسي لم يكن مقتصرا على أهل الإسلام، بل شهد العالم أيضا صراعا أكثر شراسة وضراوة بين الكنيسة والسلطة السياسية في الغرب حينما اعتبرت الكنيسة نفسها المرجعية الرئيسة في سائر شئون الحياة لكنها اصطدمت بالهيمنة السياسية للسلطة ؛ مما دفع الكنيسة إلى تراجعها صوب قواعدها الدينية البحتة، وفي الولايات المتحدة الأمريكية تحديدا في سنة۹ ۱۹٧ جرت بعض التعديلات الدستورية التي منعت تدخل الكنائس في الشأن السياسي، وفي المقابل منعت التعديلات ذاتها تدخل الكونجرس في الشأن الديني.

وليس بغريب أن نرى تحول أهل السنة منذ فتنة خلق القرآن من جماعة دينية محضة إلى جماعة سياسية لمواجهة المعتزلة والشيعة على السواء، ففي العصر الحديث وجدنا حسن البنا على وعي بضرورة تسمية تنظيمه بالجماعة، وهومصطلح يبدو قديما يعني الإجماع أي وجود سلطة دينية وسياسية معا وهو الأمر الذي أدى إلى صدامه بالسلطة السياسية القائمة حينما أعلن في رسائله أن الإسلام دين ودنيا ومصحف وسيف،  ومشكلة جماعته أنه بدأ بالتنظيم قبل العقيدة ـ على حد توصيف رضوان السيد ـ مما أشار بداهة إلى فكرة السقوط المتوقع والمرتقب لجماعته أو تنظيمه الذي بدا صارما صعب الولوج في إحداثياته بفعل سياسات السمع والطاعة الذي اعتبرته الجماعة شرطا للانضمام لها.

ولاشك أن الصراع السياسي والديني في أزمنة التاريخ السالفة تحديدا منذ تحول الخلافة الإسلامية الراشدة إلى ملك عضوض بدءا من اقتناص معاوية بن أبي سفيان سلطة العرب وتقويض ما عرف بالخلافة إلى تأسيس مملكة سياسية مرورا بتكوين الخلافة العباسية ذات الأركان السياسية التي اعتمدت على عناصر شتى لتوطيد الحكم المطلق منها الدين ورجال الفقه واستجلاب العناصر الأجنبية والموالي حتى وصل بنا الأمر إلى الخلافة العثمانية التي أبيدت تاريخيا والتي لجأت أيضا إلى فكرة استلاب العقول واقتناصها دينيا نفس الشأن الذي يمارسه اليوم الرئيس التركي أردوغان وهو فكرة إعادة خلافة سلطوية بائدة تحت مظلة شعارات دينية قد لا يفطن كنهها البسطاء والعوام في الشرق الأوسط.

هذا الصراع التاريخي بين الديني والسياسي ـ هو ما دفع الكثير والكثير من التيارات والفرق الدينية المذهبية إلى تحويل قبلتها الفكرية من تنظيم ديني إلى تنظيم سياسي طامح في السلطة وإقامة دولة بشروط خاصة، ولسنا بصدد إرهاق العقل بذكريات تاريخية عن بدايات الدولة الفاطمية التي بزغ نجمها وفق دلالات دينية مستغلة إرهاصات تاريخية لتعزيز سلطتها السياسية، كذلك الأمر في بدايات الدولة العثمانية التي عرفت بالخلافة وهي تستغل الدين لتحقيق كل المكاسب السياسية المطلقة دون قيود، لكن الأمر يتعلق بعصرنا الحديث حينما ظهرت الدعوات والتنظيمات السياسية غير المعلنة تحت ستار ديني بدءا من تنظيم جماعة حسن البنا، وحركة الشبيبة الإسلامية في عشرينيات القرن الماضي وصولا إلى التنظيمات السياسية المعلنة مثل جبهة النصرة والتكفير والهجرة في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين وأنصار بيت المقدس انتهاء بتنظيم الدولة (داعش)فكل هذه التنظيمات المعروفة وغيرها مما جهل علينا حتى وقتنا الراهن هي تنظيمات متناحرة على السلطة لا نصرة الدين أو إعلان الشأن الإسلامي)، (وبالطبع لن ننسى تنظيم الجبهة الإسلامية في السودان).


وكل محاولاتهم المستمرة في إدخال الدين شئون الحياة المجتمعية هو من سبيل الوصول إلى السلطة من باب سهل التواصل من خلاله مع الناس، والتاريخ المعاصر يؤكد أن أيسر وأسهر طريق لإخضاع الناس والسيطرة على أذهانهم ومداركهم الوجدانية هو الدين في صورته الظاهرية فحسب دون الاكتراث بالجوهر الذي يدعو إلى التسامح وقبول الآخر واحترام التنوع والاختلاف، وهو الدافع لدى تلك التيارات والفرق والطوائف إلى استخدام الدين ونصوص السلف في التنافس السياسي.

وهذه الجماعات التي توغلت في الشأن المجتمعي العربي عن طريق الدعوة والاهتمام بالتربية والمناداة بإصلاح الضمائر والنفوس، وجدت أن طرائقها لم تعد كفيلة بتحقيق ما طمحت إليها منذ النشأة فكان من الضروري لها تسييس أفكارها إما عن طريق تكوين وتدشين أحزاب سياسية بصورة مباشرة، أو بممارسة العنف والإرهاب بشكل تدريجي متقطع لأنها تفتقر إلى رؤية أو بوصلة عقلانية تربط وتسيج زمامها الاستشرافي.

وربما التجربة الوحيدة الناجحة التي استقر أمرها لعقود طويلة في تطور العلاقة بين استخدام الدين والولع بالتدين الظاهري والطموح نحو السلطة السياسية هي التجربة الإيرانية، تلك التجربة التي يشير إليها النخبة التنويرية العربية بأنها قامت على أفكار جماعة الإخوان المصرية من حيث قاعدة السمع والطاعة والتنظيم الحديدي الصارم والاكتفاء بالتخطيط السري، إلا أنها أضافت البعد الشيعي الجعفري لخصوصية تمتعت بها تلك التجربة . وما لبثت هذه التجربة أن تنجح حتى تحولت إلى جهاد داخلي نحو المخالف لها.

 ولعل هذا النجاح هو ما أثار تعجب (جماعة الإخوان بمصر وتنظيم الجبهة الإسلامية بالسودان)أصحاب الفكرة الأولى في استغلال الدين للوصول إلى السلطة لاسيما وأنها ـ جماعة الإخوان ـ هي التي صدرت للتجربة الإيرانية مفاهيم السمع والطاعة وولاية الفقيه وحكم المرشد والحاكمية وحتمية الحل الإسلامي، ورغم ذلك فشلت التجربة الإخوانية في مصر وكافة البلدان العربية . ويمكننا تأويل حالات الفشل المزمنة لهذه الجماعة إلى ثمة أسباب ؛ منها التعجل والسرعة في الوصول إلى الحكم السياسي، ومنها فقر الاستيعاب المعرفي للتركيب الاجتماعي للمجتمعات العربية، وأيضا عدم الاعتراف بأن هناك حلولا سياسية وليس حلا واحدا مما دفع الجماعة إلى حالات التصادم مع الأنظمة السياسية الحاكمة تارة، ومع الشعوب العربية تارة أخرى، ومؤخرا التصادم والتناحر بين أفرادها داخل التنظيم نفسه.

لكن المثير للدهشة أن تيارات الإسلام السياسي التي رأت في التجربة الإيرانية وقت ثورتها الدينية نموذجا مثاليا يجب الاقتداء به لم تعي أن تجربة إيران كانت صراعا مع الهوية بخلاف المجتمعات العربية الإسلامية ذات الهوية الإسلامية الواضحة والتي تحكمها مؤسسات دينية رسمية صريحة مثل الأزهر الشريف أو وزارات الأوقاف والشئون الإسلامية ببعض الدول الأخرى، وتبدو المشكلة لدى هذه الفرق ذات الطابع الديني السياسي أنها لم تقف بعد على حقيقة رسوخ الهوية الإسلامية بين أفراد المجتمعات العربية من ناحية، ومن ناحية أخرى أنها في غفلة عن الشهود الديني الرسمي المتمثل في المؤسسات الدينية ودور الإفتاء ووزارات الأوقاف والشئون الإسلامية.


أخر الهدوووء:-

قالت السيدة مني عبد الله الفكي، مديرة دار المايقوما لرعاية الأطفال فاقدي السند، إن الدار تستقبل، يوميا، بين ثلاثة الي ستة من الأطفال حديثي الولادةوعليه فإن ذلك يعني : تسعون طفلا شهريا، وما يقارب الالف ومئة طفل، سنوياً، إذا ما أخذنا الرقم الأدني، دون الدخول في المتوسط،وهو ما يعني أكثر من ألف فتاة، وشاب، لم تسعفهم حظوظهم لتلافي حدوث الحمل.

لكن خبرا منسوبا إلي مديرة منظمة تعمل في ذات المجال، قال أن العدد هو سبعة آلاف بين العالمين ٢٠١١ و٢٠٢٢م،وهو رقم غير دقيق استنادا إلي تقديرات مديرة الدار، التي أشارت إلي أن هناك كثيرا من الأطفال لا يصلون إلي الدار، إما لأنهم خنقوا، وتم التخلص منهم، أو سبقت الكلاب الضالة والقطط الآدميين إليهم، وثمة حالات تحتفظ الأسر بالأطفال، ثم تقوم بمعالجات للاوضاع. هذه الإحصاءات المخيفة داخل ولاية الخرطوم، فقط،وإستنادا  إلي إفادات سابقة لمحمد محي الدين الجميعابي، مدير منظمة انا السودان التي تولت الإشراف علي الدار، لفترة زمنية طويلة، فإن النطاق الجغرافي الذي يتم التقاط هؤلاء الأطفال منه، لا يتعدي الحدود المعروفة للعاصمة القومية المعروفة قديماً،أي أن  الإمتدادات خارج الحسبة تماماً. إلى أين نحن نسير؟!.



mido34067@gmail.com

 

آراء