التنازل عن اللاءات الثلاث خيانة للثورة..!! بقلم: اسماعيل عبدالله

 


 

 

مهما تجمّلت مركزية الحرية والتغيير بالكذب والتضليل واللف والدوران، إلا أن التنازل عن اللاءات الثلاث يعطي معنى واحد لا ثاني ولا ثالث له، وهو الإعتراف بالإنقلاب العسكري القالب للطاولة في وجوه الهابطين ناعماً، الذين اعتادوا على اتباع المواقف الرمادية منذ أن كانوا يغازلون الدكتاتور عبر ما سمي بنداء السودان، فاللاءات الثلاث تستهدف الإسقاط الكامل للإنقلاب، والتنازل عن اللاءات الثلاث والقبول بالجلوس مع العسكر، يعني التنازل عن مجمل مشروع الثورة الهادف إلى إسقاط طاقم اللجنة الأمنية الموالية للنظام البائد، بعسكرها وكتائب ظلها ودعمها السريع والبائدين الخارجين لتوهم من السجون، لا توجد محطة وسطى بين الجنة والنار، فإمّا الوقوف مع صف الثورة والثوار، وإما الخوض مع الرماديين الساعين للشراكة المرتكزة على أرضية مدفونة تحتها جماجم الشهداء، لقد بدا لهؤلاء المستيئسين من قبل صعوبة واستحالة مجرد السماع والإنصات لصوت الثوار وهم يهتفون (تسقط بس)، ومن هؤلاء المستيئسين من وصف الثورة الديسمبرية المجيدة بأوصاف مكنونها إيحاءات جنسية لا تليق بوقار الشيوخ، لكن في الآخر انتصرت الثورة وانخرطت قيادات نفس الخط المهادن في سباق الاستوزار الانتقالي بلا حياء ولا خجل، وها قد جاء موسم الهجرة إلى المساومات والمفاوضات والتنازلات، برزت من جديد ذات الوجوه المتنازلة والهابطة ناعماً لتبرر للثوار القابضين على جمر القضية أن يقبلوا بالاستسلام للدكتاتورية الرابعة.
القضية الوطنية، إن لم يبت في حلها داخل البيت السوداني تصبح مطيّة لكل صاحب غرض إقليمي، ولكل داعم أجندة دولية، وعندما انعقدت جلسات الصلح بين العسكر ومركزية الحرية والتغيير بصالون أنيس حجّار، كان الأمر عادياً وطبيعياً، على الرغم من المآخذ الصادرة من بعض الراصدين للحراك الثوري حينذاك، ورأيهم القائل بعدم الزج بالقضايا الوطنية في أتون المجاملات الإجتماعية، لكن، إذا عقدنا المقارنة بين لقاء بيت أنيس وإجتماع مقر السفير السعودي الذي جمع رموز مركزية الحرية والتغيير بالإنقلابيين، لوجدنا أن الإجتماع الأول كان أكثر وطنيةً من الثاني باعتبار عنصري الزمان والمكان، حيث أن المكان سودانياً والزمان زمان علو صوت هتاف (حرية سلام وعدالة والثورة خيار الشعب)، فالمصالح الأمريكية في السودان يحددها السودانيون فيما بينهم دون الحاجة إلى وسيط، وخطورة هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الدولة السودانية تكمن في الإستسلام التام والهبوط الكامل للفاعلين السياسيين المعارضين (المدنيين) والحاكمين (الإنقلابيين وحلفاءهم) على مدرج مطار المصالح الدولية والإقليمية، وما عقّد المشهد وزاد من إوار اشتعال ناره هم المراهقون السياسيون الذين قذفت بهم هبّة ديسمبر التي ارسلت الدكتاتور لسجن كوبر، هؤلاء يمثلون حجر عثرة أمام تحقيق طموح الثائرين الصادقين التلقائيين عزيزي النفس، الذين يقدمون الشهيد تلو الشهيد دون خوف ولا وجل مؤمنين بقضية وطنهم الجريح.
الحقيقة التي يجب أن لا تتهرب منها مركزية الحرية والتغيير هي أن مصافحة العسكر، والجلوس ثم التفاوض معهم، لن يفضي إلّا إلى نتيجة واحدة، هي شراكة دموية أخرى سوف تكون أضعف من شراكة الدم الأولى، ومكمن ضعفها هو إضفاء المزيد من الشرعية للبزّة العسكرية الإنقلابية وشرعنة وجود المتحالفين معها، وعلى رموز مركزية الحرية والتغيير أن يعلموا بأن البون سيزداد اتساعاً بينهم وبين الشارع الذي لن يرضى بأقل من (الإسقاط الكامل) وليس مجرّد (الإنهاء)، وحينها لن يفرّق الثوار بينها وبين تحالف الموز الإنقلابي، والتماهي مع الوعود الأمريكية لن يورد الحالمين به غير موارد النهايات المحزنة، ولن يتعدى الدور الذي سوف تقوم به الدوائر الأمريكية والأممية بإرسال الرسائل التحذيرية والتطمينية، ولن يتجاوز تصريحات الشجب والإدانة، لذلك من الأوفق لرموز مركزية الحرية والتغيير أن لا يهرولوا نحو كرسي السلطة الإنتقالية المؤقتة في ظل تسيّد العسكرتاريا للمشهد، وفي ظل الظروف الدولية المعقدة التي تشي بالكثير من الإرهاصات والمقدمات الدالة على حدوث التحولات الكبرى، ففي ماراثون الفعل السياسي السوداني المتسم بالعشوائية وانعدام المؤسسية، لن يفوز بالضحكة الأخيرة إلّا صاحب النفس الطويل الصبور المصابر والصابر على أذى المستعجلين، فالاستمرار في مضاجعة العسكر محصلته النهائية دائماً وأبداً كارثية تؤدي لاحتراق المركب والغرق المحقق والأكيد، ومن لم يكن متيقناً من أيلولة هذا المآل فلينظر لحقبتي النميري والبشير.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
15 يونيو 2022

 

آراء