اللايفانجية والنشطاء القبليون…بارود الكراهية والدمار الأكيد!
أحمد محمود كانِم
20 June, 2022
20 June, 2022
لستُ هنا بصدد إعداد تقرير يحوي قوائم وأرقام مفصلة عن إيجابيات وسلبيات السوشيال ميديا، لكن يكفينا تناول أكثر الجوانب ملامسة لواقعنا على الصعيد السوداني والبلدان المحيطة، والتي تتمثل في ظاهرة التعاطي السلبي مع هذه الوسائل التي فرضت وجودها على الجميع.
إن وسائل التواصل الاجتماعي كغيرها من المحدثات التكنولوجية، لها أهميتها وأدوارها الإيجابية الكبيرة التي يصعب حصرها، أبرزها تسهيل سرعة الحصول على المعلومة والخبر، سهولة التواصل بأدنى التكاليف، احتواءها على منصات مجانية للتوعية والتثقيف والاستقطاب، منابر حرة لطرح ومناقشة القضايا السياسية والدينية والاقتصادية والاجتماعيّة، بجانب نشر الإبداعات والمواهب التي لم تجد طريقها فيما مضى للخروج عبر بوابات الوسائط الإعلامية التقليدية -راديو، تلفزيون، صحف، مجلات- التي غالباً ما تكون تحت رحمة مقص الرقيب الذي لا يتوانى في قص كل ما لم يتوافق مع هوى السلطان.
إلا أن الجوانب المظلمة لوسائل التواصل الاجتماعي أيضاً لا تقل جحماً عن الإيجابيات.
باتت وسائل التواصل الاجتماعي جزءاً من متطلبات الحياة اليومية، شأنها شأن الماء والغذاء والكهرباء، لكن وكما أن سوء استخدام الماء يكون نتيجته الموت عطشاً أو غرقاً أو تلوثاً، وسوء استخدام الكهرباء معروفة العواقب؛ فإن سوء استخدام السوشيال ميديا يأتي بنتائج كارثية لا يتخيلها عقل، سيما وأنك بضغطة واحدة على زر الإرسال، بإمكانك إشعال الدنيا كلها إذا كانت تلك الضغطة تحمل مادة مثيرة... وما أكثر المُثيرات اليوم!
* تختلف سلبيات التعاطي مع تلك الوسائل بحسب إختلاف وعي الشعوب، ففي الدول الأكثر تطوراً يعتبرها الهكر واللصوص الإلكترونية أسهل الطرق للسطو على أملاك الغير، سواءً كان ذلك عن طريق اختراق حساب الضحية ومن ثم التسرب عبره إلى حساباته البنكية؛ أو عن طريق جمع معلوماته من صور وغيرها ومن ثم يتم ابتزازه عبرها للحصول على ما يريدون... إذ أن المال هو الهدف الرئيسي لهؤلاء اللصوص.
لكن إذا ما ألقينا نظرة خاطفة على الدول الأقل تقدماً، وخصوصاً تلك الدول التي لا تزال القبلية فيها تلعب دوراً محورياً، وتحديداً السودان الذي يستطيع فيه ناظرُ قبيلة أو شيخُ عشيرة صغيرة إرغام الدولة على تنفيذ انقلاب حكومة ما، أو حلها حسبما تشتيهيه القبيلة؛ نجد أن جميع القبائل والأفخاذ وخشوم بيوتاتها قد شدت رحالها لتنصب خيامها على رمال صحراء السوشيال ميديا التي لا تعرف الخصوصية في كثير من جوانبها.
ليس سيئاً أن تُحال المجالسُ القبلية إلى فضاء السوشيال ميديا الواسعة المفتوحة حيث يكثر رواد النقد و الجرح والتعديل والوعي الحر ، لكن أخطر ما في الأمر، هو ظهور نشطاء قبليين كل همّهم وهِمّتهم هو إعلاء شأن القبيلة عن طريق التقليل من شأن المكونات و القبائل الأخرى سبّاً واستحقاراً، ليأتي الرد الفوري من قبل نشطاء مماثلين ينتمون لقبائل وجدت نفسها مضطرة لمجاراة غيرها في السب والشتم والاستخفاف...
وهنا يجدر القول بأن ما تفعله الكلمة، يعجز عن فعله أعتى الصواريخ عابرات القارات.
* برزت مؤخراً أسماء لنشطاء و(لايفانجية) سودانيين ينتمون لقبائل بعينها، و_بعقول خاوية_ يحاولون جاهدين بث سموم الكراهية والتعصب الأعمى في عقول متابعيهم، فأسهموا بشكل لم يسبق له مثيل في إشعال جذوة النزاعات القبلية المسلحة التي لطالما أقعدت تقدم البلاد لعقود.
وهنا تكمن خطورة المواد المبثوثة على عقلية المواطن البسيط الذي يعزف عن القراءة والمواد المكتوبة، فيكتفي بدلاً عنها بمشاهدة مقاطع الفيديو او حضور لايف لأحد أؤلئك النشطاء، لأكثر من ساعة،(كلها عنصرية و سب وشتم وتحريض للكراهية)،فيصدق المشاهدُ جلَّ تلك الترهات، ومن ثم يقوم هو بدوره بمحاولة تطبيقها على الأرض، بممارسة الوهم الاستعلائي ضد القبائل المحيطة... فيحدث العراك والنزاع المسلح، ليتطور إلى ثأرات ونزوح ودمار، يصبح ضحاياه عشرات الآلاف من الأبرياء... في ظل تقاعس وتواطئ السلطات الحكومية مع تلك الاحداث، بل وتحريك ملشياتها للمشاركة فيها بغية القضاء على بعض المكونات الإثنية أو تهجيرها من أراضيها لأغراض متعددة، فتجد الحربُ والدمارُ الأبوابَ والنوافذ مشرعة أمامها بفعل النشطاء القبليين الذين باتوا آليات فعالة لإشعال الحروب والنزاعات واستمرارها إلى ما لا نهاية.
إن استمرارية نشاط اللايفنجية القبليين بهذه الرسائل السلبية، ستهدد _بلا شك_ الاستقرار والنسيج الاجتماعي السوداني المهتري أصلا.
لذلك، أعتقد أنه بإمكان النشطاء القبليين إعادة النظر حول أنشطتها الهدامة، ولعب أدوار إيجابية، بذات الوسائل وذات اللايفات، من خلال بث رسائل تحث أهاليهم على المحبة والإخاء وثقافة السلام ونبذ العنصرية واحترام الغير..
ختاماً: بقي أن أذكر بأن بلادنا ما عادت تستحمل أكثر مما حدث، سيما بعد الفشل المريع الذي ظل حليفاً لجميع الحكومات المتعاقبة على حكم البلاد.. بسبب عدم تفهمها لتعقيدات التنوع القبلي واستيعابها في قالب يجد الجميع فيه نفسه بلا إقصاء أو تمييز.
لذلك أناشد النشطاء اللايفنجية القبليين وغيرهم بتوظيف ذات الأدوات في رتق النسيج الاجتماعي وتطوير عقول أهلكم، بدلاً عن هدمهم و إشعال نيران التقتيل فيهم.
وإلا فستظلون باروداً فتاكاً لإشعال نيران الكراهية والدمار الأكيد.
20يونيو 2022
صحيفة أقلام متحدة
العدد 52
amom1834@gmail.com
/////////////////////
إن وسائل التواصل الاجتماعي كغيرها من المحدثات التكنولوجية، لها أهميتها وأدوارها الإيجابية الكبيرة التي يصعب حصرها، أبرزها تسهيل سرعة الحصول على المعلومة والخبر، سهولة التواصل بأدنى التكاليف، احتواءها على منصات مجانية للتوعية والتثقيف والاستقطاب، منابر حرة لطرح ومناقشة القضايا السياسية والدينية والاقتصادية والاجتماعيّة، بجانب نشر الإبداعات والمواهب التي لم تجد طريقها فيما مضى للخروج عبر بوابات الوسائط الإعلامية التقليدية -راديو، تلفزيون، صحف، مجلات- التي غالباً ما تكون تحت رحمة مقص الرقيب الذي لا يتوانى في قص كل ما لم يتوافق مع هوى السلطان.
إلا أن الجوانب المظلمة لوسائل التواصل الاجتماعي أيضاً لا تقل جحماً عن الإيجابيات.
باتت وسائل التواصل الاجتماعي جزءاً من متطلبات الحياة اليومية، شأنها شأن الماء والغذاء والكهرباء، لكن وكما أن سوء استخدام الماء يكون نتيجته الموت عطشاً أو غرقاً أو تلوثاً، وسوء استخدام الكهرباء معروفة العواقب؛ فإن سوء استخدام السوشيال ميديا يأتي بنتائج كارثية لا يتخيلها عقل، سيما وأنك بضغطة واحدة على زر الإرسال، بإمكانك إشعال الدنيا كلها إذا كانت تلك الضغطة تحمل مادة مثيرة... وما أكثر المُثيرات اليوم!
* تختلف سلبيات التعاطي مع تلك الوسائل بحسب إختلاف وعي الشعوب، ففي الدول الأكثر تطوراً يعتبرها الهكر واللصوص الإلكترونية أسهل الطرق للسطو على أملاك الغير، سواءً كان ذلك عن طريق اختراق حساب الضحية ومن ثم التسرب عبره إلى حساباته البنكية؛ أو عن طريق جمع معلوماته من صور وغيرها ومن ثم يتم ابتزازه عبرها للحصول على ما يريدون... إذ أن المال هو الهدف الرئيسي لهؤلاء اللصوص.
لكن إذا ما ألقينا نظرة خاطفة على الدول الأقل تقدماً، وخصوصاً تلك الدول التي لا تزال القبلية فيها تلعب دوراً محورياً، وتحديداً السودان الذي يستطيع فيه ناظرُ قبيلة أو شيخُ عشيرة صغيرة إرغام الدولة على تنفيذ انقلاب حكومة ما، أو حلها حسبما تشتيهيه القبيلة؛ نجد أن جميع القبائل والأفخاذ وخشوم بيوتاتها قد شدت رحالها لتنصب خيامها على رمال صحراء السوشيال ميديا التي لا تعرف الخصوصية في كثير من جوانبها.
ليس سيئاً أن تُحال المجالسُ القبلية إلى فضاء السوشيال ميديا الواسعة المفتوحة حيث يكثر رواد النقد و الجرح والتعديل والوعي الحر ، لكن أخطر ما في الأمر، هو ظهور نشطاء قبليين كل همّهم وهِمّتهم هو إعلاء شأن القبيلة عن طريق التقليل من شأن المكونات و القبائل الأخرى سبّاً واستحقاراً، ليأتي الرد الفوري من قبل نشطاء مماثلين ينتمون لقبائل وجدت نفسها مضطرة لمجاراة غيرها في السب والشتم والاستخفاف...
وهنا يجدر القول بأن ما تفعله الكلمة، يعجز عن فعله أعتى الصواريخ عابرات القارات.
* برزت مؤخراً أسماء لنشطاء و(لايفانجية) سودانيين ينتمون لقبائل بعينها، و_بعقول خاوية_ يحاولون جاهدين بث سموم الكراهية والتعصب الأعمى في عقول متابعيهم، فأسهموا بشكل لم يسبق له مثيل في إشعال جذوة النزاعات القبلية المسلحة التي لطالما أقعدت تقدم البلاد لعقود.
وهنا تكمن خطورة المواد المبثوثة على عقلية المواطن البسيط الذي يعزف عن القراءة والمواد المكتوبة، فيكتفي بدلاً عنها بمشاهدة مقاطع الفيديو او حضور لايف لأحد أؤلئك النشطاء، لأكثر من ساعة،(كلها عنصرية و سب وشتم وتحريض للكراهية)،فيصدق المشاهدُ جلَّ تلك الترهات، ومن ثم يقوم هو بدوره بمحاولة تطبيقها على الأرض، بممارسة الوهم الاستعلائي ضد القبائل المحيطة... فيحدث العراك والنزاع المسلح، ليتطور إلى ثأرات ونزوح ودمار، يصبح ضحاياه عشرات الآلاف من الأبرياء... في ظل تقاعس وتواطئ السلطات الحكومية مع تلك الاحداث، بل وتحريك ملشياتها للمشاركة فيها بغية القضاء على بعض المكونات الإثنية أو تهجيرها من أراضيها لأغراض متعددة، فتجد الحربُ والدمارُ الأبوابَ والنوافذ مشرعة أمامها بفعل النشطاء القبليين الذين باتوا آليات فعالة لإشعال الحروب والنزاعات واستمرارها إلى ما لا نهاية.
إن استمرارية نشاط اللايفنجية القبليين بهذه الرسائل السلبية، ستهدد _بلا شك_ الاستقرار والنسيج الاجتماعي السوداني المهتري أصلا.
لذلك، أعتقد أنه بإمكان النشطاء القبليين إعادة النظر حول أنشطتها الهدامة، ولعب أدوار إيجابية، بذات الوسائل وذات اللايفات، من خلال بث رسائل تحث أهاليهم على المحبة والإخاء وثقافة السلام ونبذ العنصرية واحترام الغير..
ختاماً: بقي أن أذكر بأن بلادنا ما عادت تستحمل أكثر مما حدث، سيما بعد الفشل المريع الذي ظل حليفاً لجميع الحكومات المتعاقبة على حكم البلاد.. بسبب عدم تفهمها لتعقيدات التنوع القبلي واستيعابها في قالب يجد الجميع فيه نفسه بلا إقصاء أو تمييز.
لذلك أناشد النشطاء اللايفنجية القبليين وغيرهم بتوظيف ذات الأدوات في رتق النسيج الاجتماعي وتطوير عقول أهلكم، بدلاً عن هدمهم و إشعال نيران التقتيل فيهم.
وإلا فستظلون باروداً فتاكاً لإشعال نيران الكراهية والدمار الأكيد.
20يونيو 2022
صحيفة أقلام متحدة
العدد 52
amom1834@gmail.com
/////////////////////