برنامج اقتصادي اسعافي عاجل ينفذ بمجرد سقوط النظام
د. محمد محمود الطيب
29 June, 2022
29 June, 2022
تم نشر هذا المقال قبل عدة شهور من سقوط نظام البشير وكان النظام علي وشك السقوط بفضل نضالات وتضحيات شعبنا العظيم طوال فترة حكم المتأسلمين البغيض والذي واجه معارضة شرسة منذ اليوم الاول لم تهدأ او تستكين وتواصلت نضالات شعبنا وقدم شعبنا البطل الغالي من الدماء والارواح حتي توج كل ذلك بسقوط النظام في نهاية ديسمبر 2018 واستمر النضال الي يومنا هذا حيث تستعيد الثورة عافيتها وتتقدم للامام كل يوم رغم كل التأمر الداخلي والاقليمي والدولي.
نعيد نشر هذا المقال بعد اجراء بعض الاضافات والتعديلات الطفيفة لتواكب المستجدات التي حدثت بعد سقوط نظام المتاسلمين "الجولة الاولي"
ولايزال الصراع مستمرا للقضاء علي جيوب النظام وفلوله الممتدة في كل اجهزة الدولة الي الان بفعل دولة التمكين العميقة والتي ازدادت عمقا بعد انقلاب البرهان والذي يهدف وفي المقام الاول الي استعادة دولة التمكين الكيزاني البغيضة.
المقال عبارة عن مقترحات لبرنامج اقتصادي اسعافي وطني شامل استجابة لمطالب الكثير من المتسائلين عن غياب برنامج وطني يكون بديلا لبرنامج حكومة حمدوك وعادة مايكون هذا التساؤل كلما تقدمنا بانتقادات لبرنامج حكومة حمدوك المرتكز تماما علي روشتة صندوق النقد الدولي سيئة الصيت
الكل يعلم ان البرنامج الاقتصادي لحكومة حمدوك كان يستهدف العودة لمؤسسات التمويل الدولية والاعتماد تماما علي تبني فلسفة "اجماع واشنطون" وعقيدة النيوليبرالية الاقتصادية والتي ترتكز علي سياسة التحرير الاقتصادي والانفتاح الاقتصادي والاعتماد علي التمويل الخارجي والاستثمارات الاجنبية وفق اتباع سياسات صندوق النقد والبنك الدولي وتطبيق الروشتة المعروفة والتي ترتكز علي رفع الدعم عن السلع الاساسية وتحرير سعر الصرف والخصخصة وغيرها من التوصيات التي تؤثر بشكل مباشر علي ارتفاع معدلات الفقر والافقار في معظم دول العالم كما اثبتت الكثير من التجارب.
طبق هذا البرنامج وبشكل كامل في مدة الثلاث سنوات الاخيرة ولايزال يطبق الي الان بواسطة حكومة الانقلاب ولو بشكل "غير مباشر" وكل يوم يثبت هذا البرنامج فشله ومساهمته الاساسية في زيادة المعاناة والافقار ويؤكد تماما ان هناك بدائل لم تطرق وخيارات كثيرة ام تدرس او تناقش وتتطبق بل علي العكس كان النكران والتجاهل بآن هناك بدائل اخري وكان هذا التجاهل يتم بشكل متعمد من رئيس الوزراء شخصيا وبعض المسؤولين في حكومتهم وعلي رأسهم وزير المالية ابراهيم البدوي هذا البرنامج محاولة ومجهود فردي قابل للإضافة والتعديل من كل الشرفاء والوطنيين.
من المعلوم ان هناك مجهودات كبيرة مماثلة قدمت من بعض الاقتصاديين الوطنيين وكذلك مقترحات نيرة وتوصيات قدمت من خلال المؤتمر الاقتصادي الاخير من المؤكد كل هذه الجهود تتفق حول نقاط اساسية يمكن الاستاذ عليها في صياغة البرنامج الوطني ليقدم لحكومة الثورة القادمة بقيادة شباب لجان المقاومة الاشاوس
التحية والتجلة والتقدير لشباب ثورة الشعب من اجل الحرية والكرامة والرحمة والمغفرة لشهداء الثورة السودانية الذين قدموا ارواحهم فداء للوطن٠
في حالة سقوط النظام مباشرة ينبغي علينا وضع خطة شاملة لكي تساعد في استعادة العافيه والحيوية للاقتصاد السوداني ورفع المعاناة المزمنة عن كاهل المواطن وتستند مثل هذه الخطة علي عدة محاور اساسية تتعلق بالمسائل الدستورية والتعددية السياسية بناء المؤسسات السياسية وتعزيز مبدأ الشفافية والعمل علي تطوير البني التحتية والطاقة المهمة لتنفيذ خطط النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية.
ويجب ان تتضمن مثل هذه الخطة تفاصيل تشمل الفلسفة الاقتصادية الرؤية العامة والاهداف العامة التي تحقق اهداف الثورة والانحياز للشارع والاستجابة العاجلة لمطالب الجماهير وصناع الثورة.
يجب وضع كل الخطط بشكل مفصل كما يجب الالتزام بهذه التفاصيل عند تنفيذ تلك البرامج.
كما يجب ان تحدد الاهداف على مدى زمني قصير ومدي متوسط وطويل.
في هذا المقال نركز علي الخطة قصيرة المدى والتي تهدف الى التوصل لحلول عاجلة ومباشرة تساعد في تغيير حالة المواطن ورفع المعاناة الشديدة عن كاهله والتي استمرت لما يقارب الثلاث عقودا عجافا٠
يعاني الاقتصاد السوداني من خلل هيكلي واضح مرتبط بوجود نظام المتاسلمين الفاسد في السلطة لزمن طويل مما ادي لتفاقم الازمات واستفحالها وابرز مظاهر هذا الخلل حدوث عدة اختلالات علي مستوي الاقتصاد الكلي تتمثل في عدم التوازن في الاتي:
1/ عجز مزمن في الميزانية الانفاق العام يفوق الايرادات (عجز داخلي)
2/ عجز في الميزان التجاري الواردات تفوق الصادرات (عجز خارجي)
3/ افراط في السيولة النقدية عن طريق طباعة النقود
4/ عطالة بنسب عالية جدا خاصة وسط الشباب والخريجين كما ان هناك مشاكل هيكلية اخري في مجالات التعليم والصحة والبنيات الاساسية والطاقة.
نتج عن كل تلك المشاكل والاختلالات الهيكلية والمرتبطة بنظام المتاسلمين وبطبيعته الفاسدة الاختلالات والاشكالات الاتية والتي يلمسها المواطن بشكل يومي ويعاني من تبعاتها:
1/ تضخم جامع وارتفاع للاسعار بوتيرة متسارعة٠
2/ عطالة مزمنة فاقت نسبة الاربعين في المئة في قطاعات الشباب والخريجين الجدد٠
3/ كساد تضخمي عام وتشغيل بمستوي اقل من الطاقة الكلية للاقتصاد.
4/ اختلالات اساسية في سعر الصرف للعملة الاجنبية٠
5/ تراكم الدين الخارجي واستنزاف الميزانية من دفع الالتزامات السنوية للديون.
البرنامج الاسعافي العاجل
الهدف من هذا البرنامج احداث تغيير مباشر وملموس في حياة المواطن يمكن ان يحسه ويشعره في خلال ست اشهر الى سنة وهذا في حد ذاته يعد انتصارا للمواطن واحساسه بالتغير السياسي ورفع الظلم والمعاناة والتي امتدت طوال حكم نظام البشير البغيض٠
ويمكن تحديد الاهداف الكمية لهذا البرنامج الاسعافي في المدي القصير علي استعادة توازن الاقتصاد الكلي وعودته الي مستوي التشغيل الكامل وتحقيق نمو اقتصادي مع العمل علي خفض مستويات التضخم الجامح كما يجب علي هذا البرنامج التمكن من خلق فرص عمل وخفض مستوي العطالة خاصة وسط قطاعات الشباب والخريجين الجدد.
ويمكن تحديد الاهداف الكمية لهذا البرنامج بعد توفر المعلومات الدقيقة عن كل المتغيرات الاقتصادية الهامة٠
ولتنفيذ وتمويل مثل هذا البرنامج يجب الاعتماد علي بعض القرارات المستمدة من الشرعية الثورية بواسطة السلطة الانتقالية تتلخص هذه القرارات في الاتي:
اولا/ حل وتفكيك كل مؤسسات النظام السياسية والاقتصادية مثل مؤسسات الحزب ومقاره وشركات ومؤسسات التنظيم وشركات جهاز الامن والمنظمات الطوعية التابعة للتنظيم وسيؤدي تنفيذ هذا القرار الي توفير امولا طائلة كانت تصرف هدرا لتمكين الحزب ومناصريه ويمكن اعادة تخصيص هذه الاموال لصالح المواطن.
ثانيا/ مصادرة اموال وممتلكات عناصر النظام واملاك اسرهم وكل من له صلة بالنظام حيا كان او ميتا فالمال العام المسروق لايورث يجب حصر تلك الاموال والممتلكات في الداخل والخارج بشكل دقيق.
ثالثا/ الغاء كافة الامتيازات الممنوحة لاتباع النظام مثل الرخص التجارية الاعفاءات الجمركية والضرائبية٠
رابعا/ تفعيل قانون بنك السودان ١٩٥٩ والعودة لنظام الرقابة علي النقد الاجنبي والغاء ما يسمى بسياسة تحرير سعر الصرف.
خامسا/ تشكيل لجان قانونية لإعادة النظر النظر في القوانين المتعلقة بالنشاط الاقتصادي مثل قانون العمل قانون النقابات قانون الاستثمار قانون الشركات و قانون الضرائب.
سادسا/ تغيير العملة لأسباب سياسية واقتصادية وامنية وسيادية ونفسية.
سابعا/ إعادة مبدأ مجانية التعليم والصحة وتخصيص موارد كافية لذلك.
النتائج المباشرة لهذه القرارات
بعد تنفيذ هذا البرنامج تتمكن الحكومة الجديدة من تحقيق الاتي:
اولا/ معالجة عدم التوازن الداخلي (الميزانية) في جانب الصرف فاول ميزانية بعد سقوط النظام ستكون مبشرة اذ تخلو من اعباء الصرف البذخي السياسي والصرف علي الامن والدفاع ومن المعروف ان هذه البنود كانت تأخذ اكثر من سبعين في المئه من الميزانية فسيعاد تخصيص هذه الموارد لصالح بنود التعليم والصحة والبنيات الاساسية ودعم السلع الاساسية كالخبز والوقود وسيؤدي ذلك لتغير سريع وملموس في حياة المواطن وسبل عيشه.
ثانيا/ اما فيما يتعلق في جانب الايرادات سيعاد النظر في هياكل الضرائب والجمارك بحيث تلغي الاعفاءات والامتيازات وتوسيع القاعدة الضربية بحيث تطال الكثيرين من المتهربين في السابق فالجدية في تنفيذ هذه الخطوات تمكن من الحصول علي اموال الشعب والتي كانت مهدرة في السابق.
ثالثا/ معالجة مشاكل الخلل الهيكلي الخارجي في (الميزان التجاري) فمن المعروف ان هناك عجز مزمن ناجم من زيادة الواردات علي الصادرات بما يقارب الخمس مليار دولارفي السنة ففي جل فترة حكم المتأسلمين إذا نظرنا لهيكل الواردات وهي تمثل جانب الطلب علي الدولار نجد معظم هذه الواردات تتمتع بعدم مرونة عالية للتغير في سعر الصرف فمعظم الواردات اما ادويه ومعدات طبية او مدخلات انتاج او سفر للعلاج في الخارج اضافة لبعض السلع الكمالية ومعظم هذه السلع لاتستجيب لتغيرات سعر الصرف بمعني ان الورادات كانت تشكل عبئا وضغطا علي الطلب علي الدولار٠
اما اذا نظرنا الي جانب العرض فنجد اهم مصادرة عوائد الصادرات وتحويلات المغتربين وعوائد بيع الذهب ومعظم هذه المصادر يتشكك في استجابتها لأي تغير في سعر الصرف مهما كان محفزا لأسباب تتعلق بعدم الثقة في النظام السياسي والنظام المصرفي في السودان.
فبمجرد سقوط النظام سيتغير كل ذلك فيمكن ضبط سياسة الاستيراد بحيث تمنح الاولويات لمدخلات الانتاج والادوية ووقف استيراد الكماليات والعربات الفارهة والسلع الاستفزازية٠
اما فيما يتعلق بالصادرات وتحويلات المغتربين وعوائد الذهب وهي المصادر الاساسية للعملة الحرة فتحديد سياسات سعر صرف مناسبة كفيل بجذب هذه المصادر لتمر عبر القنوات الرسمية٠
في ظل الاجواء الجديدة بعد تغير النظام من المتوقع ان يتم تجاوب من المواطنين لانجاح برامج الحكومة الانتقالية فمن المتوقع تجاوب قطاع المغتربين الهام لنداء الوطن٠
موار للعملة الحرة متوقعة بمجرد سقوط النظام
اولا/ استعادة الاموال المنهوبة من الخارج بالاتفاق مع منظمات دولية وجهات قانونية متخصصة في هذا المجال.
ثانيا/ تحسين اداء الصادرات باجراءات بسيطة مثل توفير التمويل والترحيل والتسويق والحد من تهريب الذهب والصمغ العربي.
ثالثا/ عون دولي واقليمي من دول ومنظمات مع الابتعاد عن قروض صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وشروطها المجحفة والتي تمس السيادة الوطنية واستقلالية القرار الاقتصادي ومحاولة الحصول علي منح ومعونات انسانية وفنية في بغض المجالات علي ان يجب ان تكون غير مشروطة ولا تؤثر في المساس بمبدأ السيادة الوطنية.
يساعد في ذلك الالتزام بسياسة خارجية متوازنة تهدف لمصلحة السودان العليا وعودة السودان ليلعب دوره الدولي والاقليمي بعد غياب وعزلة بسبب نظام المتاسلمين الارهابي.
سياسات عاجلة للحد من مشكلة التضخم الجامح
يعرف التضخم الجامح الحالة (بأنه الحالة من التضخم والتي يزيد فيها معدل الزيادة في الاسعار عن 50% شهريا) وبهذا التعريف نجد ان الوضع الراهن في السودان يقترب تماما من هذا التصنيف.
بلغت نسبة التضخم في السودان الان حوالي 263% حسب اخر الاحصائيات.
ومن خلال دراسة الحالات التاريخية في العالم نجد ان اسباب التضخم الجامح تنحصر في الآتي:
اولاً/ حروبات اهلية او حروبات خارجية وفي هذه الحالة تلجا الحكومة للأفراط النقدي بطباعة المزيد من النقود لتمويل الصرف علي الحرب وفي نفس الوقت تتسبب الحرب في تدمير الطاقات الانتاجية فيحدث عدم التوازن بين العرض والطلب.
ثانياً/ الفساد السياسي والاقتصادي كما حدث في حالة زيمبابوي اذا لجاء روبرت موغابي لطباعة مزيدا من العملة لتمويل فساده وبقائه في السلطة لا طول فترة ممكنة.
ثالثاً/ انهيار قطاع التصدير في الدولة وارتفاع الديون الخارجية كما في حالتي فنزويلا وبوليفيا.
رابعاً/ حصار سياسي عسكري او اقتصادي يؤدي لتعطيل الانتاج.
والشاهد ان معظم حالات التضخم الجامح تنتج اصلا من جراء طباعة الحكومة بشكل مفرط للنقود لتمويل نفقاتها الجارية وذلك بعد ضعف او دمار الطاقات الانتاجية بسبب احد او بعض الأسباب سالفة الذكر.
واذا رجعنا للأسباب سالفة الذكر والمسببة للتضخم الجامح نجد ان ما يحدث في السودان الان ينطبق علي مجمل الحالات تماما والتي تتلخص في الاتي:
أولاً/ تدمير شامل وكامل لكل الطاقات الانتاجية واعتماد اقتصاد المتأسلمين علي الريع و علي النشاط الطفيلي وبالتحديد المضاربة في العملة والسمسرة.
ثانياً/ الطباعة غير المسبوقة وغير المسئولة للنقود بشكل مذهل صبح حديث القاصي والداني وتقوم الحكومة بطابعة النقود بغرض شراء الذهب من المواطنين.
ثالثاً/ يري البعض أن التضخم صمم لتحقيق هدف سياسي، الا وهو “تدمير الطبقة الوسطى “.وذلك بعد تمكين اتباع النظام.
رابعاً/ زيادة الانفاق الحكومي علي الامن والمليشيات والجيش وكذلك الصرف السيادي البذخي.
خامساً/ السياسات المالية والنقدية الخاطئة احيانا والمدمرة و متخبطة في معظم الاحوال.
والشاهد في الامر ان معظم اسباب اشتعال نار التضخم مرتبطة اصلا بالنظام وسياساته الخاطئة ومتهورة في معظم الاحوال فبزوال النظام يمكن وضع سياسات عاجلة للحد او خفض مستوي التضخم خاصة في المدي المتوسط والطويل.
هناك بعض السياسات العاجلة يمكن ان تساعد في خفض معدلات التضخم العالية في المدي القصير تتلخص في:
1/ تفعيل الدور الرقابى للدولة على أسعار السلع، ومحاربة الاحتكار لبعض السلع الهامة للمواطن٠
2/ تقليل الاعتماد علي الاستيراد مما يقلل الضغط علي سعر الدولار وبالتالي تخفيف حدة التضخم.
3/ ضبط الافراط النقدي والصرف البذخي غير المنتج٠
4/ اعتماد سياسة سعر صرف مناسبة وضبط العمليات الخاصة به، كتحديد سعر مناسب وثابت للدولار الجمركى، وعدم تركه لتعاملات السوق.
5/ تفعيل قوانين حماية المستهلك وحماية المنافسة الحرة.
6/ تطبيق سياسات مالية ونقدية في مجال الضرائب وسعر الفائدة تهدف الي تخفيض التضخم من مستواه العالي في المدي القصير٠
قد تساعد هذه الاقتراحات والتي تركز علي الجانب النقدي للتضخم وكما اسلفنا ان مشكلة التضخم في السودان مشكلة هيكلية في المقام الاول لها علاقة مباشرة باختلالات هيكلية في بني الانتاج لايمكن ان تعالج في المدي القصير٠
سياسات عاجلة للحد من مشكلة العطالة
أسباب مشكلة البطالة عجز سوق العمل عن توفير فرص العمل للخريجين نظراً لأعدادهم الكبيرة. شح الموارد الاقتصادية داخل الدول والعجز الاقتصادي الذي يسبب ركود فرص العمل وندرتها. التخلف في أساليب وطرق العمل وعدم تنفيذ أية مشروعات جديدة تخلق فرصاً جديدةً للعمل. استقبال العمالة الوافدة التي تشغل فرص العمل بتكاليف أقل ممّا يطلبه أفراد المجتمع نفسه. تدني مستوى التعليم وانتشار الأمية في بعض المجتمعات.
ففي السودان اسباب العطالة مرتبطة بحالة الكساد المزمن للاقتصاد طوال فترة حكم المتاسلمين لغياب النظرة التنموية الجادة وسيطرة التفكير الطفيلي في ادارة الاقتصاد وعدم التخطيط وربط السياسات
التعليمية باحتياجات التنمية.
طرق حل مشكلة البطالة تتلخص في تدريب الخريجين الجدد علي مهن مطلوبة في سوق العمل في كل المجالات المختلفة،استعادة تجارب التدريب المهني ورفع المستويات وتشجيع الشباب علي تعلم الحرف والمهن اليدوية ٠ ترشيد وتقنين استخدام العمالة الوافدة. التنسيق بين القطاع العام والقطاع الخاص لخلق فرص عمل جديدة.
التعامل مع مشكلة الديون الخارجية للسودان
في ظل وجود هذا النظام ظلت قضية الديون تستغل كوسيلة للضغط على نظام الخرطوم لتحقيق السلام في دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان،
شهدت الأعوام الأخيرة مساعي دولية جادة لمعالجة أزمة ديون السودان.
وهنا نذكر مساعي ، المبعوث الأميركي إلى السودان، إسكوت غرايشون 2010، مع وزارة المالية السودانية، لإيجاد مقترحاتٍ يتم بها إعفاء السودان من ديونه الخارجية. وكان غرايشون، وقتها، اقترح تقديم الولايات المتحدة حزم حوافز لمعالجة هذه الديون، إلّا أنّ هذه الجهود فشلت لتعنت النظام ومواصلة سياسته القمعية للمواطنين.
كما شكّلت العقوبات الأميركية على السودان عائقاً كبيراً في حلحلة ديون السودان ٠
أبرز دائني السودان هم البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ونادي باريس، ودول مثل الكويت والسعودية والصين والهند. كانت قد قدمت حلولا وكانت علي استعداد إلى إعفاء السودان من الديون من أجل تخفيف الضغط علي السودان تقديراً للظروف السياسية التي يمر بها.
تري معظم الدول الدائنة للسودان ان التعامل مع نظام البشير لحل مشاكل الديون واعفائها يساعد النظام اكثر مما يساعد المواطنين خاصة في ظل ظروف الحرب والقمع وعدم الاستقرار السياسي والامني٠
قد يكون السودان من أكثر الدول تاهيلا لتخفيف عبء ديونه. ولكن، ترتيبه في ذيل مؤشرات الفساد العالمي يتراجع هذا الموقف إلى إدانةٍ، لأنّ تدهور مرتبة السودان تعكس للعالم أنّ أسباب المديونية الخارجية تعود إلى الفساد في جهاز الدولة.
من من السرد اعلاه نخلص للحقائق التالية
اولا/ معظم ديون السودان تراكمت بسبب هذا النظام وسياساته الهوجاء من حروب مفتعلة وصرف بذخي ومشاريع فاشلة وفساد مزمن اذن بزوال هذا النظام يكون السودان في وضع افضل للتعامل مع مشكلة الديون ٠
ثانيا/ المقاطعة الامريكية لعبت دورا كبيرا في اعاقة اي جهود وتفاوض حول مشكلة الديوان فبسقوط النظام يزول هذا السبب الجوهري ويمكن معاودة التفاوض حول الديون.
ثالثا/ حروب النظام العبثية في الجنوب ثم دارفور وجبال النوبة والنيل الازرق كانت من اهم الاسباب لتراكم الديون ولاعاقة التفاوض حول الديون بزوال النظام يكون السودان في وضع احسن لمعالجة مشكلة الديون.
رابعا/ معظم الدول والمؤسسات والدولية لاتثق في نظام فاشل فاسد وفاقد المصداقية بزوال النظام يمكن استعادة الثقة في النظام الجديد مما يساعد في خلق بيئة صالحة للتفاوض من جديد.
خامسا/ ضعف موقف السودان التفاوضي (Lack of leverage) للأسباب سابقة الذكر وضعف الكفاءات الفنية في وزارة الخارجية والمالية لأسباب متعلقة ببنية النظام بزوال النظام تزول كل هذه الأسباب ويمكن فتح صفحة جديدة تمكن من ايجاد حلول مناسبة لازمة الديون.
حقائق عن ديون السودان وبرنامج الهييبك
حسب شروط برنامج الهييبك بعد وصول السودان نقطة القرار Decision point
عليه الاستمرار في برنامج الصندوق الاقتصادي التقشفي لمدة ثلاث سنوات مع الاحتفاظ بنفس الشروط السابقة للوصول لنقطة القرار.
بعد التأكد من كل ذلك يتم التقييم لتحديد الوصول لنقطة الاكمال
Completion point
وعند الوصول لذلك يتمكن السودان من الاستفادة من برنامج تخفيف حدة الديون عن طريق اعادة الجدولة للديون المنضوية للدول الاعضاء في نادي باريس وفي حالة السودان تمثل هذه الديون 40% من مجموع الديون اي حوالي 21 مليار دولار ويتبقي ديون ثنائية لدول غير اعضاء في نادي باريس حوالي 21 مليار دولار من هذه الدول الصين والكويت وبعض دول الخليج والدول الاوربية
وماتبقي من الديون حوالي 14 مليار ديون لبنوك تجارية خارج هذا الاتفاق ويمكن اعادة جدولتها عبر نادي لندن
خلاصة الامر
اولا/ لن يتمكن السودان من اعفاء اي قدر من الديون في مدة اقل من ثلاث سنوات بعد استئناف الحكم المدني واستيفاء شروط الوصول لنقطة الاكمال
ثانيا/ الاستمرار في برنامج صندوق النقد او الروشتة التقشفية والتي تشمل الاستمرار في سياسة التحرير ورفع الدعم عن السلع والاستمرار في التاكيد علي مرونة سعر الصرف او "التعويم" مع باقي الشروط الاخري
ثالثا/ حتي اذا تم ذلك حسب الجدول اعلاه مستوفيا كل الشروط لن يتمكن السودان من اعفاء اكثر من 21 مليار دولار وذلك علي افتراض موافقة كل الدول الدائبة للسودان من اعضاء نادي باريس علي الغاء ديونها
رابعا/ ما تبقي من الديون للدول غير الاعضاء لنادي باريس والديون التجارية ستكون خارج الاتفاق حوالي 60% من الديون وتحتاج لجهود ديبلوماسية ومفاوضات ثنائية ربما تستغرق سنوات
في الختام هدف هذا المقال المساهمة اثراء النقاش حول أنجع السبل للخروج بالوطن العزيز من الكارثة الاقتصادية الماثلة امام اعيننا وتسبب فيها نظام البشير لسياساتة الرعناء علي جميع الاصعدة ولمدة طويلة امتدت لقرابة الثلاثين عاما
حجم الدمار والخراب الذي تسبب فيه نظام للمتأسلمين في طوال هذه السنوات لايمكن معالجته بسهوله ويسر وبالطبع لايمكن ان يكون الحل بمجهود فردي محدود فعمق الأزمة وتشعب ابعادها يتطلب مجهودات خرافية من كل حادب علي مصلحة هذا الوطن العظيم ووفاء للدماء الطاهرة والتي بذلت من اجل هذا الوطن طوال سنوات القهر والظلام والحكم الدكتاتوري
علي الجميع الانخراط والاستجابة لنداء الواجب والمشاركة في رفعة شان هدا الرطن العظيم كل حسب في مجاله وحسب قدرته فحجم الدمار كبير وعلي جميع الاصعدة تضافر الجهود يمكن ان تساعدنا في بلوغ الهدف المنشود في أسرع وقت ممكن.
د. محمد محمود الطيب
واشنطن
June 2022
wesamm56@gmail.com
نعيد نشر هذا المقال بعد اجراء بعض الاضافات والتعديلات الطفيفة لتواكب المستجدات التي حدثت بعد سقوط نظام المتاسلمين "الجولة الاولي"
ولايزال الصراع مستمرا للقضاء علي جيوب النظام وفلوله الممتدة في كل اجهزة الدولة الي الان بفعل دولة التمكين العميقة والتي ازدادت عمقا بعد انقلاب البرهان والذي يهدف وفي المقام الاول الي استعادة دولة التمكين الكيزاني البغيضة.
المقال عبارة عن مقترحات لبرنامج اقتصادي اسعافي وطني شامل استجابة لمطالب الكثير من المتسائلين عن غياب برنامج وطني يكون بديلا لبرنامج حكومة حمدوك وعادة مايكون هذا التساؤل كلما تقدمنا بانتقادات لبرنامج حكومة حمدوك المرتكز تماما علي روشتة صندوق النقد الدولي سيئة الصيت
الكل يعلم ان البرنامج الاقتصادي لحكومة حمدوك كان يستهدف العودة لمؤسسات التمويل الدولية والاعتماد تماما علي تبني فلسفة "اجماع واشنطون" وعقيدة النيوليبرالية الاقتصادية والتي ترتكز علي سياسة التحرير الاقتصادي والانفتاح الاقتصادي والاعتماد علي التمويل الخارجي والاستثمارات الاجنبية وفق اتباع سياسات صندوق النقد والبنك الدولي وتطبيق الروشتة المعروفة والتي ترتكز علي رفع الدعم عن السلع الاساسية وتحرير سعر الصرف والخصخصة وغيرها من التوصيات التي تؤثر بشكل مباشر علي ارتفاع معدلات الفقر والافقار في معظم دول العالم كما اثبتت الكثير من التجارب.
طبق هذا البرنامج وبشكل كامل في مدة الثلاث سنوات الاخيرة ولايزال يطبق الي الان بواسطة حكومة الانقلاب ولو بشكل "غير مباشر" وكل يوم يثبت هذا البرنامج فشله ومساهمته الاساسية في زيادة المعاناة والافقار ويؤكد تماما ان هناك بدائل لم تطرق وخيارات كثيرة ام تدرس او تناقش وتتطبق بل علي العكس كان النكران والتجاهل بآن هناك بدائل اخري وكان هذا التجاهل يتم بشكل متعمد من رئيس الوزراء شخصيا وبعض المسؤولين في حكومتهم وعلي رأسهم وزير المالية ابراهيم البدوي هذا البرنامج محاولة ومجهود فردي قابل للإضافة والتعديل من كل الشرفاء والوطنيين.
من المعلوم ان هناك مجهودات كبيرة مماثلة قدمت من بعض الاقتصاديين الوطنيين وكذلك مقترحات نيرة وتوصيات قدمت من خلال المؤتمر الاقتصادي الاخير من المؤكد كل هذه الجهود تتفق حول نقاط اساسية يمكن الاستاذ عليها في صياغة البرنامج الوطني ليقدم لحكومة الثورة القادمة بقيادة شباب لجان المقاومة الاشاوس
التحية والتجلة والتقدير لشباب ثورة الشعب من اجل الحرية والكرامة والرحمة والمغفرة لشهداء الثورة السودانية الذين قدموا ارواحهم فداء للوطن٠
في حالة سقوط النظام مباشرة ينبغي علينا وضع خطة شاملة لكي تساعد في استعادة العافيه والحيوية للاقتصاد السوداني ورفع المعاناة المزمنة عن كاهل المواطن وتستند مثل هذه الخطة علي عدة محاور اساسية تتعلق بالمسائل الدستورية والتعددية السياسية بناء المؤسسات السياسية وتعزيز مبدأ الشفافية والعمل علي تطوير البني التحتية والطاقة المهمة لتنفيذ خطط النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية.
ويجب ان تتضمن مثل هذه الخطة تفاصيل تشمل الفلسفة الاقتصادية الرؤية العامة والاهداف العامة التي تحقق اهداف الثورة والانحياز للشارع والاستجابة العاجلة لمطالب الجماهير وصناع الثورة.
يجب وضع كل الخطط بشكل مفصل كما يجب الالتزام بهذه التفاصيل عند تنفيذ تلك البرامج.
كما يجب ان تحدد الاهداف على مدى زمني قصير ومدي متوسط وطويل.
في هذا المقال نركز علي الخطة قصيرة المدى والتي تهدف الى التوصل لحلول عاجلة ومباشرة تساعد في تغيير حالة المواطن ورفع المعاناة الشديدة عن كاهله والتي استمرت لما يقارب الثلاث عقودا عجافا٠
يعاني الاقتصاد السوداني من خلل هيكلي واضح مرتبط بوجود نظام المتاسلمين الفاسد في السلطة لزمن طويل مما ادي لتفاقم الازمات واستفحالها وابرز مظاهر هذا الخلل حدوث عدة اختلالات علي مستوي الاقتصاد الكلي تتمثل في عدم التوازن في الاتي:
1/ عجز مزمن في الميزانية الانفاق العام يفوق الايرادات (عجز داخلي)
2/ عجز في الميزان التجاري الواردات تفوق الصادرات (عجز خارجي)
3/ افراط في السيولة النقدية عن طريق طباعة النقود
4/ عطالة بنسب عالية جدا خاصة وسط الشباب والخريجين كما ان هناك مشاكل هيكلية اخري في مجالات التعليم والصحة والبنيات الاساسية والطاقة.
نتج عن كل تلك المشاكل والاختلالات الهيكلية والمرتبطة بنظام المتاسلمين وبطبيعته الفاسدة الاختلالات والاشكالات الاتية والتي يلمسها المواطن بشكل يومي ويعاني من تبعاتها:
1/ تضخم جامع وارتفاع للاسعار بوتيرة متسارعة٠
2/ عطالة مزمنة فاقت نسبة الاربعين في المئة في قطاعات الشباب والخريجين الجدد٠
3/ كساد تضخمي عام وتشغيل بمستوي اقل من الطاقة الكلية للاقتصاد.
4/ اختلالات اساسية في سعر الصرف للعملة الاجنبية٠
5/ تراكم الدين الخارجي واستنزاف الميزانية من دفع الالتزامات السنوية للديون.
البرنامج الاسعافي العاجل
الهدف من هذا البرنامج احداث تغيير مباشر وملموس في حياة المواطن يمكن ان يحسه ويشعره في خلال ست اشهر الى سنة وهذا في حد ذاته يعد انتصارا للمواطن واحساسه بالتغير السياسي ورفع الظلم والمعاناة والتي امتدت طوال حكم نظام البشير البغيض٠
ويمكن تحديد الاهداف الكمية لهذا البرنامج الاسعافي في المدي القصير علي استعادة توازن الاقتصاد الكلي وعودته الي مستوي التشغيل الكامل وتحقيق نمو اقتصادي مع العمل علي خفض مستويات التضخم الجامح كما يجب علي هذا البرنامج التمكن من خلق فرص عمل وخفض مستوي العطالة خاصة وسط قطاعات الشباب والخريجين الجدد.
ويمكن تحديد الاهداف الكمية لهذا البرنامج بعد توفر المعلومات الدقيقة عن كل المتغيرات الاقتصادية الهامة٠
ولتنفيذ وتمويل مثل هذا البرنامج يجب الاعتماد علي بعض القرارات المستمدة من الشرعية الثورية بواسطة السلطة الانتقالية تتلخص هذه القرارات في الاتي:
اولا/ حل وتفكيك كل مؤسسات النظام السياسية والاقتصادية مثل مؤسسات الحزب ومقاره وشركات ومؤسسات التنظيم وشركات جهاز الامن والمنظمات الطوعية التابعة للتنظيم وسيؤدي تنفيذ هذا القرار الي توفير امولا طائلة كانت تصرف هدرا لتمكين الحزب ومناصريه ويمكن اعادة تخصيص هذه الاموال لصالح المواطن.
ثانيا/ مصادرة اموال وممتلكات عناصر النظام واملاك اسرهم وكل من له صلة بالنظام حيا كان او ميتا فالمال العام المسروق لايورث يجب حصر تلك الاموال والممتلكات في الداخل والخارج بشكل دقيق.
ثالثا/ الغاء كافة الامتيازات الممنوحة لاتباع النظام مثل الرخص التجارية الاعفاءات الجمركية والضرائبية٠
رابعا/ تفعيل قانون بنك السودان ١٩٥٩ والعودة لنظام الرقابة علي النقد الاجنبي والغاء ما يسمى بسياسة تحرير سعر الصرف.
خامسا/ تشكيل لجان قانونية لإعادة النظر النظر في القوانين المتعلقة بالنشاط الاقتصادي مثل قانون العمل قانون النقابات قانون الاستثمار قانون الشركات و قانون الضرائب.
سادسا/ تغيير العملة لأسباب سياسية واقتصادية وامنية وسيادية ونفسية.
سابعا/ إعادة مبدأ مجانية التعليم والصحة وتخصيص موارد كافية لذلك.
النتائج المباشرة لهذه القرارات
بعد تنفيذ هذا البرنامج تتمكن الحكومة الجديدة من تحقيق الاتي:
اولا/ معالجة عدم التوازن الداخلي (الميزانية) في جانب الصرف فاول ميزانية بعد سقوط النظام ستكون مبشرة اذ تخلو من اعباء الصرف البذخي السياسي والصرف علي الامن والدفاع ومن المعروف ان هذه البنود كانت تأخذ اكثر من سبعين في المئه من الميزانية فسيعاد تخصيص هذه الموارد لصالح بنود التعليم والصحة والبنيات الاساسية ودعم السلع الاساسية كالخبز والوقود وسيؤدي ذلك لتغير سريع وملموس في حياة المواطن وسبل عيشه.
ثانيا/ اما فيما يتعلق في جانب الايرادات سيعاد النظر في هياكل الضرائب والجمارك بحيث تلغي الاعفاءات والامتيازات وتوسيع القاعدة الضربية بحيث تطال الكثيرين من المتهربين في السابق فالجدية في تنفيذ هذه الخطوات تمكن من الحصول علي اموال الشعب والتي كانت مهدرة في السابق.
ثالثا/ معالجة مشاكل الخلل الهيكلي الخارجي في (الميزان التجاري) فمن المعروف ان هناك عجز مزمن ناجم من زيادة الواردات علي الصادرات بما يقارب الخمس مليار دولارفي السنة ففي جل فترة حكم المتأسلمين إذا نظرنا لهيكل الواردات وهي تمثل جانب الطلب علي الدولار نجد معظم هذه الواردات تتمتع بعدم مرونة عالية للتغير في سعر الصرف فمعظم الواردات اما ادويه ومعدات طبية او مدخلات انتاج او سفر للعلاج في الخارج اضافة لبعض السلع الكمالية ومعظم هذه السلع لاتستجيب لتغيرات سعر الصرف بمعني ان الورادات كانت تشكل عبئا وضغطا علي الطلب علي الدولار٠
اما اذا نظرنا الي جانب العرض فنجد اهم مصادرة عوائد الصادرات وتحويلات المغتربين وعوائد بيع الذهب ومعظم هذه المصادر يتشكك في استجابتها لأي تغير في سعر الصرف مهما كان محفزا لأسباب تتعلق بعدم الثقة في النظام السياسي والنظام المصرفي في السودان.
فبمجرد سقوط النظام سيتغير كل ذلك فيمكن ضبط سياسة الاستيراد بحيث تمنح الاولويات لمدخلات الانتاج والادوية ووقف استيراد الكماليات والعربات الفارهة والسلع الاستفزازية٠
اما فيما يتعلق بالصادرات وتحويلات المغتربين وعوائد الذهب وهي المصادر الاساسية للعملة الحرة فتحديد سياسات سعر صرف مناسبة كفيل بجذب هذه المصادر لتمر عبر القنوات الرسمية٠
في ظل الاجواء الجديدة بعد تغير النظام من المتوقع ان يتم تجاوب من المواطنين لانجاح برامج الحكومة الانتقالية فمن المتوقع تجاوب قطاع المغتربين الهام لنداء الوطن٠
موار للعملة الحرة متوقعة بمجرد سقوط النظام
اولا/ استعادة الاموال المنهوبة من الخارج بالاتفاق مع منظمات دولية وجهات قانونية متخصصة في هذا المجال.
ثانيا/ تحسين اداء الصادرات باجراءات بسيطة مثل توفير التمويل والترحيل والتسويق والحد من تهريب الذهب والصمغ العربي.
ثالثا/ عون دولي واقليمي من دول ومنظمات مع الابتعاد عن قروض صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وشروطها المجحفة والتي تمس السيادة الوطنية واستقلالية القرار الاقتصادي ومحاولة الحصول علي منح ومعونات انسانية وفنية في بغض المجالات علي ان يجب ان تكون غير مشروطة ولا تؤثر في المساس بمبدأ السيادة الوطنية.
يساعد في ذلك الالتزام بسياسة خارجية متوازنة تهدف لمصلحة السودان العليا وعودة السودان ليلعب دوره الدولي والاقليمي بعد غياب وعزلة بسبب نظام المتاسلمين الارهابي.
سياسات عاجلة للحد من مشكلة التضخم الجامح
يعرف التضخم الجامح الحالة (بأنه الحالة من التضخم والتي يزيد فيها معدل الزيادة في الاسعار عن 50% شهريا) وبهذا التعريف نجد ان الوضع الراهن في السودان يقترب تماما من هذا التصنيف.
بلغت نسبة التضخم في السودان الان حوالي 263% حسب اخر الاحصائيات.
ومن خلال دراسة الحالات التاريخية في العالم نجد ان اسباب التضخم الجامح تنحصر في الآتي:
اولاً/ حروبات اهلية او حروبات خارجية وفي هذه الحالة تلجا الحكومة للأفراط النقدي بطباعة المزيد من النقود لتمويل الصرف علي الحرب وفي نفس الوقت تتسبب الحرب في تدمير الطاقات الانتاجية فيحدث عدم التوازن بين العرض والطلب.
ثانياً/ الفساد السياسي والاقتصادي كما حدث في حالة زيمبابوي اذا لجاء روبرت موغابي لطباعة مزيدا من العملة لتمويل فساده وبقائه في السلطة لا طول فترة ممكنة.
ثالثاً/ انهيار قطاع التصدير في الدولة وارتفاع الديون الخارجية كما في حالتي فنزويلا وبوليفيا.
رابعاً/ حصار سياسي عسكري او اقتصادي يؤدي لتعطيل الانتاج.
والشاهد ان معظم حالات التضخم الجامح تنتج اصلا من جراء طباعة الحكومة بشكل مفرط للنقود لتمويل نفقاتها الجارية وذلك بعد ضعف او دمار الطاقات الانتاجية بسبب احد او بعض الأسباب سالفة الذكر.
واذا رجعنا للأسباب سالفة الذكر والمسببة للتضخم الجامح نجد ان ما يحدث في السودان الان ينطبق علي مجمل الحالات تماما والتي تتلخص في الاتي:
أولاً/ تدمير شامل وكامل لكل الطاقات الانتاجية واعتماد اقتصاد المتأسلمين علي الريع و علي النشاط الطفيلي وبالتحديد المضاربة في العملة والسمسرة.
ثانياً/ الطباعة غير المسبوقة وغير المسئولة للنقود بشكل مذهل صبح حديث القاصي والداني وتقوم الحكومة بطابعة النقود بغرض شراء الذهب من المواطنين.
ثالثاً/ يري البعض أن التضخم صمم لتحقيق هدف سياسي، الا وهو “تدمير الطبقة الوسطى “.وذلك بعد تمكين اتباع النظام.
رابعاً/ زيادة الانفاق الحكومي علي الامن والمليشيات والجيش وكذلك الصرف السيادي البذخي.
خامساً/ السياسات المالية والنقدية الخاطئة احيانا والمدمرة و متخبطة في معظم الاحوال.
والشاهد في الامر ان معظم اسباب اشتعال نار التضخم مرتبطة اصلا بالنظام وسياساته الخاطئة ومتهورة في معظم الاحوال فبزوال النظام يمكن وضع سياسات عاجلة للحد او خفض مستوي التضخم خاصة في المدي المتوسط والطويل.
هناك بعض السياسات العاجلة يمكن ان تساعد في خفض معدلات التضخم العالية في المدي القصير تتلخص في:
1/ تفعيل الدور الرقابى للدولة على أسعار السلع، ومحاربة الاحتكار لبعض السلع الهامة للمواطن٠
2/ تقليل الاعتماد علي الاستيراد مما يقلل الضغط علي سعر الدولار وبالتالي تخفيف حدة التضخم.
3/ ضبط الافراط النقدي والصرف البذخي غير المنتج٠
4/ اعتماد سياسة سعر صرف مناسبة وضبط العمليات الخاصة به، كتحديد سعر مناسب وثابت للدولار الجمركى، وعدم تركه لتعاملات السوق.
5/ تفعيل قوانين حماية المستهلك وحماية المنافسة الحرة.
6/ تطبيق سياسات مالية ونقدية في مجال الضرائب وسعر الفائدة تهدف الي تخفيض التضخم من مستواه العالي في المدي القصير٠
قد تساعد هذه الاقتراحات والتي تركز علي الجانب النقدي للتضخم وكما اسلفنا ان مشكلة التضخم في السودان مشكلة هيكلية في المقام الاول لها علاقة مباشرة باختلالات هيكلية في بني الانتاج لايمكن ان تعالج في المدي القصير٠
سياسات عاجلة للحد من مشكلة العطالة
أسباب مشكلة البطالة عجز سوق العمل عن توفير فرص العمل للخريجين نظراً لأعدادهم الكبيرة. شح الموارد الاقتصادية داخل الدول والعجز الاقتصادي الذي يسبب ركود فرص العمل وندرتها. التخلف في أساليب وطرق العمل وعدم تنفيذ أية مشروعات جديدة تخلق فرصاً جديدةً للعمل. استقبال العمالة الوافدة التي تشغل فرص العمل بتكاليف أقل ممّا يطلبه أفراد المجتمع نفسه. تدني مستوى التعليم وانتشار الأمية في بعض المجتمعات.
ففي السودان اسباب العطالة مرتبطة بحالة الكساد المزمن للاقتصاد طوال فترة حكم المتاسلمين لغياب النظرة التنموية الجادة وسيطرة التفكير الطفيلي في ادارة الاقتصاد وعدم التخطيط وربط السياسات
التعليمية باحتياجات التنمية.
طرق حل مشكلة البطالة تتلخص في تدريب الخريجين الجدد علي مهن مطلوبة في سوق العمل في كل المجالات المختلفة،استعادة تجارب التدريب المهني ورفع المستويات وتشجيع الشباب علي تعلم الحرف والمهن اليدوية ٠ ترشيد وتقنين استخدام العمالة الوافدة. التنسيق بين القطاع العام والقطاع الخاص لخلق فرص عمل جديدة.
التعامل مع مشكلة الديون الخارجية للسودان
في ظل وجود هذا النظام ظلت قضية الديون تستغل كوسيلة للضغط على نظام الخرطوم لتحقيق السلام في دارفور ومنطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان،
شهدت الأعوام الأخيرة مساعي دولية جادة لمعالجة أزمة ديون السودان.
وهنا نذكر مساعي ، المبعوث الأميركي إلى السودان، إسكوت غرايشون 2010، مع وزارة المالية السودانية، لإيجاد مقترحاتٍ يتم بها إعفاء السودان من ديونه الخارجية. وكان غرايشون، وقتها، اقترح تقديم الولايات المتحدة حزم حوافز لمعالجة هذه الديون، إلّا أنّ هذه الجهود فشلت لتعنت النظام ومواصلة سياسته القمعية للمواطنين.
كما شكّلت العقوبات الأميركية على السودان عائقاً كبيراً في حلحلة ديون السودان ٠
أبرز دائني السودان هم البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ونادي باريس، ودول مثل الكويت والسعودية والصين والهند. كانت قد قدمت حلولا وكانت علي استعداد إلى إعفاء السودان من الديون من أجل تخفيف الضغط علي السودان تقديراً للظروف السياسية التي يمر بها.
تري معظم الدول الدائنة للسودان ان التعامل مع نظام البشير لحل مشاكل الديون واعفائها يساعد النظام اكثر مما يساعد المواطنين خاصة في ظل ظروف الحرب والقمع وعدم الاستقرار السياسي والامني٠
قد يكون السودان من أكثر الدول تاهيلا لتخفيف عبء ديونه. ولكن، ترتيبه في ذيل مؤشرات الفساد العالمي يتراجع هذا الموقف إلى إدانةٍ، لأنّ تدهور مرتبة السودان تعكس للعالم أنّ أسباب المديونية الخارجية تعود إلى الفساد في جهاز الدولة.
من من السرد اعلاه نخلص للحقائق التالية
اولا/ معظم ديون السودان تراكمت بسبب هذا النظام وسياساته الهوجاء من حروب مفتعلة وصرف بذخي ومشاريع فاشلة وفساد مزمن اذن بزوال هذا النظام يكون السودان في وضع افضل للتعامل مع مشكلة الديون ٠
ثانيا/ المقاطعة الامريكية لعبت دورا كبيرا في اعاقة اي جهود وتفاوض حول مشكلة الديوان فبسقوط النظام يزول هذا السبب الجوهري ويمكن معاودة التفاوض حول الديون.
ثالثا/ حروب النظام العبثية في الجنوب ثم دارفور وجبال النوبة والنيل الازرق كانت من اهم الاسباب لتراكم الديون ولاعاقة التفاوض حول الديون بزوال النظام يكون السودان في وضع احسن لمعالجة مشكلة الديون.
رابعا/ معظم الدول والمؤسسات والدولية لاتثق في نظام فاشل فاسد وفاقد المصداقية بزوال النظام يمكن استعادة الثقة في النظام الجديد مما يساعد في خلق بيئة صالحة للتفاوض من جديد.
خامسا/ ضعف موقف السودان التفاوضي (Lack of leverage) للأسباب سابقة الذكر وضعف الكفاءات الفنية في وزارة الخارجية والمالية لأسباب متعلقة ببنية النظام بزوال النظام تزول كل هذه الأسباب ويمكن فتح صفحة جديدة تمكن من ايجاد حلول مناسبة لازمة الديون.
حقائق عن ديون السودان وبرنامج الهييبك
حسب شروط برنامج الهييبك بعد وصول السودان نقطة القرار Decision point
عليه الاستمرار في برنامج الصندوق الاقتصادي التقشفي لمدة ثلاث سنوات مع الاحتفاظ بنفس الشروط السابقة للوصول لنقطة القرار.
بعد التأكد من كل ذلك يتم التقييم لتحديد الوصول لنقطة الاكمال
Completion point
وعند الوصول لذلك يتمكن السودان من الاستفادة من برنامج تخفيف حدة الديون عن طريق اعادة الجدولة للديون المنضوية للدول الاعضاء في نادي باريس وفي حالة السودان تمثل هذه الديون 40% من مجموع الديون اي حوالي 21 مليار دولار ويتبقي ديون ثنائية لدول غير اعضاء في نادي باريس حوالي 21 مليار دولار من هذه الدول الصين والكويت وبعض دول الخليج والدول الاوربية
وماتبقي من الديون حوالي 14 مليار ديون لبنوك تجارية خارج هذا الاتفاق ويمكن اعادة جدولتها عبر نادي لندن
خلاصة الامر
اولا/ لن يتمكن السودان من اعفاء اي قدر من الديون في مدة اقل من ثلاث سنوات بعد استئناف الحكم المدني واستيفاء شروط الوصول لنقطة الاكمال
ثانيا/ الاستمرار في برنامج صندوق النقد او الروشتة التقشفية والتي تشمل الاستمرار في سياسة التحرير ورفع الدعم عن السلع والاستمرار في التاكيد علي مرونة سعر الصرف او "التعويم" مع باقي الشروط الاخري
ثالثا/ حتي اذا تم ذلك حسب الجدول اعلاه مستوفيا كل الشروط لن يتمكن السودان من اعفاء اكثر من 21 مليار دولار وذلك علي افتراض موافقة كل الدول الدائبة للسودان من اعضاء نادي باريس علي الغاء ديونها
رابعا/ ما تبقي من الديون للدول غير الاعضاء لنادي باريس والديون التجارية ستكون خارج الاتفاق حوالي 60% من الديون وتحتاج لجهود ديبلوماسية ومفاوضات ثنائية ربما تستغرق سنوات
في الختام هدف هذا المقال المساهمة اثراء النقاش حول أنجع السبل للخروج بالوطن العزيز من الكارثة الاقتصادية الماثلة امام اعيننا وتسبب فيها نظام البشير لسياساتة الرعناء علي جميع الاصعدة ولمدة طويلة امتدت لقرابة الثلاثين عاما
حجم الدمار والخراب الذي تسبب فيه نظام للمتأسلمين في طوال هذه السنوات لايمكن معالجته بسهوله ويسر وبالطبع لايمكن ان يكون الحل بمجهود فردي محدود فعمق الأزمة وتشعب ابعادها يتطلب مجهودات خرافية من كل حادب علي مصلحة هذا الوطن العظيم ووفاء للدماء الطاهرة والتي بذلت من اجل هذا الوطن طوال سنوات القهر والظلام والحكم الدكتاتوري
علي الجميع الانخراط والاستجابة لنداء الواجب والمشاركة في رفعة شان هدا الرطن العظيم كل حسب في مجاله وحسب قدرته فحجم الدمار كبير وعلي جميع الاصعدة تضافر الجهود يمكن ان تساعدنا في بلوغ الهدف المنشود في أسرع وقت ممكن.
د. محمد محمود الطيب
واشنطن
June 2022
wesamm56@gmail.com