البرهان كطاغية يتشوَّق للطغيان!!
عبدالله مكاوي
6 July, 2022
6 July, 2022
abdullahaliabdullah1424@gmail.com
بسم الله الرحمن الرحيم
يبدو ان البرهان ككل طاغية مستبد، يطابق بين بقاءه في السلطة وبقاء الوطن. ليتحول البرهان بكل بساطة الي مالك كل شئ، ومن ثمَّ مانح ومانع كل شئ. ومؤكد هكذا مسخ سلطوي يتراوح ما بين مركب النقص وجنون العظمة، وما يمتد بينهما من اطماع ورغبات، مخاوف ونزوات، احقاد ونزق وسادية وقلة اكتراث لافظع الجرائم والنكبات. لانه لا يعي الواقع إلا كمجموعة اجراءات لا تكلفه شئ ولا تعنيه في شئ، إلا بمقدار مردودها علي احكام سيطرته علي البلاد وتسلطه علي العباد. اي تحقيق شروط طغيانه.
واذا كان للطغيان درجات وللطغاة مراتب، فان ما يعد به البرهان، هو اردأ انواع الطغيان واكثر الطغاة عدمية، وذلك بسبب صفات البرهان الذي اشتهر بها، كالكذب والغدر والنفاق والتملق ل(حميدتي ومحور الشر) وبغض الثورة والثوار، المدنية والمدنيين، السياسة والسياسيين، وباختصار هو يبغض كل شئ ما عدا نفسه البغيضة. ولذلك لا يستنكف التحريض علي شعبه، واحتكار ثروات البلاد، وقطع الطريق علي اي محاولة او عمل يستهدف رفعتها. اي طالما الدولة تحت سيطرته، فكل الوسائل مباحة لفرض سطوته.
وشخص بكل هذه التشوهات، ليس اكثر من سوط عذاب علي شعبه، متي ما احكم سيطرته علي السلطة باي كيفية؟ وهو ما يخطط له كغاية وهب لها نفسه كما وهبها فاوست للشيطان. بل من اجل تبضيع (تسويق) هذه الغاية المفارقة لقدراته وامكاناته، يلجأ لاساليب تثير الرثاء من شدة ضحالتها، كقوله ان اباه حلم برؤيته رئيسا، وكأن رؤية ابيه كافية لمنحه الشرعية! واذا صح ذلك المنطق المتهافت، من يعجزه الوصول لكرسي السلطة من الراغبين؟!
وهذا ان دل علي شئ فهو يدل علي محدودية قدراته وفقر خياله، والاسوأ قابليته لتصديق الاوهام والخرافات، والتعامل معها كوقائع يبني عليها قراراته. ولك ان تتخيل اي نوعية قرارات يمكن ان تصدر عن هكذا مخيلة ووعي، لتترك اثرها في مصير الدولة واحوال الشعب! وهذا ناهيك عن الانتفاعيين الذين يمكن يتحلقوا حول هذا (الهبل) ويوظفوا عقليته الضعفية واطماعه الكبيرة، لتعظيم مكاسبهم. اي نحن حيال شخصية متواضعة القدرات من كل النواحي، وللاسف هذا نفسه سبب طموحاته غير الواقعية، لفرض انقلابه كامر واقع، ووضع نفسه كقائد ابدي للامة.
والحال كذلك، تسلط مسخ مأزوم، ينتج سلطة مأزومة، وما يستتبعها من سلسلة ازمات متلاحقة تمسك بتلابيب البلاد. وهذا بدوره يشير الي ان الكلام علي ازمة الدولة الراهنة، هو في حقيقته كلام علي تسلط مأزومين علي السلطة، يجسدهما كل من البرهان وحميدتي، بوصفهما وجهان لعملة واحدة، عنوانها الاجرام والسعي للسلطة باي كيفية وثمن؟
وطالما الامر علي هذا النحو، وغض النظر عن ما يطرحه ثنائي الاجرام حميدتي والبرهان من حلول ومخارج، فالمؤكد انها لن تحل اي ازمة، ان لم تزدها تدليس وتعقيد. لانهما كما سلف يشكلان جوهر الازمة الراهنة. ويصح ان الدولة السودانية لها مشاكلها منذ الاستقلال، وظلت هذه المشاكل تتعاظم علي تعاقب الاجيال. ولكن يصح اكثر ان هنالك كانت دائما فرص جيدة وامكانات واسعة لمعالجة كافة المشاكل، بل وانطلاق الدولة السودانية للامام. وهو ما كان علي الدوام يتطلب التخلص من نموذج المتسلطين كالبرهان وحميدتي واضرابهما، ومن عقيدة فاسدة حولت المؤسسة العسكرية الي اداة في يد الطغاة والفاسدين. لينتهي بها المطاف الي ملاطفة مليشيا مسلحة تنافسها علي السيطرة وتهدد وجودها نفسه، بعد ان اذلة كرامتها واهدرت هيبة منتسبيها!
وفي هذا اعظم درس علي ان استغلال اي مؤسسة بعد حرفها عن المهنية والمؤسسية، لا يصيبها بقصور الهمة وانعدام الحساسية تجاه المجتمع، لدرجة تحويله لرهائن في قبضة انقلابيين مجرمين. وانما يصيب المؤسسة نفسها بالعجز، واحتياجها لمن ينوب عنها في اداء مهامها. اي المسألة تتعلق اما باداء احترافي للمؤسسة المعنية، او عدم اعترف بهذه المؤسسة مجتمعيا، ايًّ كان نوعها وطبيعة عملها، وتاليا فقدانها الاحترام واستجلابها الكره والاحتقار، ولا معني لخط احمر او قداسة في هذا الشأن، حتي يتحجج بها الانتفاعيون!
المهم، الصراع في السودان ظل اقرب لاندفاع الغرائز والعنف والتوحش ممثلا في انقلابات المؤسسة العسكرية، في مواجهة اجتهادات التحضر لغاية تكريس الديمقراطية وحقوق الانسان والمؤسسية وحكم القانون، وهو ما يعبر عنه بالطبقة السياسية (او ما يفترض انه دورها). والحال هذه، الحديث عن ازمتنا الراهنة، هو حديث عن نزعات السيطرة والتسلط والاحتكار وفرض الوصاية، كممارسات وتطلعات متخلفة تجاوزها الزمان والمرحلة التاريخية، في مواجهة تطلعات للمواكبة والاستفادة من تجربة ومنجزات الانسانية في هذا المضمار، هو ما تعبر عنه الثورة السودانية.
وعلي هذه الخلفية القاتمة يمكن قراءة قرارات البرهان الانفرادية، وما فيها من بدائل ظاهرها الرحمة (تقديم تنازلات) وباطنها العذاب (شغل المعارضين بالسفاسف وتفرغه لترسيخ سلطته الاستبدادية). ولكن ما يدعو للدهشة في هذه القرارات هو سرعة التحول للنقيض في ظرف اقل من اسبوع! فهو بعد التعنت واصراره علي حوار الاستهبال في روتانا مع حلفاءه، بل وفرضه كمسار وحيد للحوار، اجهاضا لفتح قنوات للحوار بين العسكر والحرية والتغيير، وكذلك تمسكه بتعويذة الوفاق او الانتخابات بصورة طفولية مضحكة! خرج بهذه القرارات المفارقة، وكانه يتجرع السم، من مجرد شعوره بتقديم تنازلات (ولو انها شكلية) لقوي التغيير والثوار، وهم اكثر ما يتمني اخراجهما من الحياة وليس العمل السياسي فقط، بسبب ما يشكلانه من خطورة علي طموحاته. ومؤكد ان لمليونية 30/يونيو والضغوطات الخارجية، وفشل الانقلاب، تاثير في هذه القرارات. ولكن الاكثر تاكيد هو حرصه علي التحول من طاغية عسكرية الي طاغية بلباس مدني، كما سيده السيسي، استعدادا لمرحلة تالية في مشروع تابيده في سدة السلطة.
لذلك تظل المشلكة الحقيقية ليس في ما يقوله البرهان وحميدتي، ولكن فيما يضمرانه ولا يملكان الشجاعة للتصريح به (الشينة مدسوسة)، ولكنه يُستشف من لغة الجسد وزلات اللسان والسذاجة في التعامل مع السلطة (كفراعنة). وقبل ذلك تاريخ حافل من الغدر بالثورة والتآمر علي القوي المدنية، من خلال توظيف تشكيلات قذرة (قوي اعتصام القصر) ورجالات ادارية اهلية متصابية (نموذج ترك) وجماعات عنف لصوصية (تسعة طويلة).
اما الغرض من الاساءة لكل ماهو مدني او ثوري ومحاربة كل انجاز في هذا المضمار، لان تلك الوسيلة الوحيدة لفرض سلطتهم! علي اعتبار ان من لا يملك قدرات او تاهيل او انجاز او ما يقدمه للبلاد، يظل انجازه اليتيم هو محاربة قدرات وانجازات ونجاحات الآخرين، كتبرير لوجوده وتسويق لمشاريعه. اي المشكلة ليس في من ينجح او يفشل، يمتلك مقدرات او لا يمتلك، يتاهل في مجال او يعجز عن التاهيل، فهذه تكاد تكون من طبيعة المجتمعات ولتفاوت ضروب المواهب وقوة الارادة وتباين الظروف، ولكن المشكلة في من يصادر قوانين المنافسة ويلقي معيار المفاضلة، ويفرض طموحاته غض النظر عن مشروعيتها بل ومعقوليتها، كقانون وحيد لتسير الدولة وتدبير مطالب واحتياجات مواطنيها. وهذه عينها مواصفات الطغاة واجراءات الطغيان. وهي ما ينطبق وقع الحافر علي حميدتي والبرهان، ولكل من ينتمي لمؤسسة عسكرية بهذا التشوه ومليشيات بهذا الانفلات. وما رسالة الثورة وتقديمها لكل هذه الاكلاف، إلا إقناع هؤلاء الجنرالات المجرمين، ان طموحاتهم غير شرعية وطريقة حكمهم خارج التاريخ. وان مكان المجرمين هو ساحة المحاكم والسجون، وليس سكن القصور عنوة بقوة السلاح. اي تحويل الحكم الي معركة حربية غير متكافئة. تجعل من بلادنا مهزلة لاضحاك شعوب العالم، بما يقدمه الجنرالات البلهاء من تهريج وعنجهية، وما يمارسانه من تخلف وسادية، تعيد البلاد الي قرون الظلام.
وعليه، طريق الخروج من محنة الدولة السودانية الراهنة، لا يمر بما يقوله او يقرره الجنرلان المزيفان الانقلابيان، او ما يقدمانه من وعود جوفاء تليق بنفاقهم وغدرهم، ولكن في كيفية الخلاص منهما ومحاسبتهما علي جرائمهما، كعبرة لغيرهم من حملة السلاح واستخدامه غي غير محله؟ علي ان يتم ذلك باقل الخسائر وبما يحافظ علي كيان الدولة وسلامة الشعب؟ وذلك بوضع اعتبار لما يحوزانه من مصادر للقوة وقدرتهم علي شراء المنتفعين والمرتزقة؟ ومن هنا حساسية المهمة وتعقيدها، واحتياجها لافكار ووسائل مبتكرة، تتجاوز احتياطات وعدم مسؤولية الانقلابيين.
واخيرا
ما رشح عن لقاء ابي احمد البرهان، يذكر بلقاء نتنياهو البرهان، اي كعمل يتم بعيدا عن معرفة الشعب ومشاورته ومراقبته. ومهما افترضنا حسن النية (وهو بطبعه ينم عن غفلة وسذاجة غير مغفورة) في هكذا لقاء يصب في مصلحة جارين بينهما مصالح مشتركة وقضايا مصيرية عالقة تحتاج للحوار والحكمة لمعالجتها. إلا ان محصلة هكذا لقاء وبهذه الكيفية اللصوصية، يهدف في الاساس لتكريس قبضة البرهان علي السلطة. لان طبيعة العلاقة تجعل ليس هنالك مصالح مشتركة بين الطغاة او من ينزعون للطغيان، وبين الشعوب، لتضارب المصالح. خاصة وان بقاء احدهما يعني عدم بقاء الآخر، كاهتمام وحضور وحقوق.
وبناء علي هذه الفقرة الاخيرة، يمكن قراءة اللقاء بين الطرفين، علي انه من جانب البرهان قد يكون مسعي لتخفيف الضغط علي المؤسسة العسكرية في الجبهة الشرقية، حتي تتفرغ لقمع المتظاهرين بعد تنامي الثورة وفورانها، وذلك لضمان استفراده بالسلطة، بعد مغازلة المؤسسة العسكرية، بانها من تحكم مجسدة في شخصه كاحد جنرلاتها الاوفياء! وقد يكون هنالك صراع مكتوم بينه وحميدتي، للاستفراد بالمشهد واحكام السيطرة عليه، ولهذا يرغب في تحييد ابي احمد كحليف لحميدتي، ولزيادة التوازن بين القوات المسلحة والدعم السريع في العاصمة، خشية حدوث انقلاب بدعم من حميدتي! وقد تكون كل الحكاية تكتيك جديد من المصريين لجس نبض الاحباش ومعرفة نواياهم، وهو ما لن يتم إلا بلغة ناعمة قد تكون الدبلوماسية وتحسين العلاقات احد وسائلها! اما اللجوء لكل هذه الاحتمالات فسببه حقيقة واحدة، ان البرهان لا يملك لا الوعي، ولا القراءة الموضوعية للاحداث، ولا معرفة ما تعنيه العلاقات الخارجية وانعكاس ذلك علي الاوضاع الداخلية، حتي يبادر لهكذا لقاء لخدمة اطماعه السلطوية علي طريقة الاستراتيجية الحربية، مما يشي ان للمسألة يد في استخبارات خارجية. اما اذا تم هذا اللقاء في هذا التوقيت دون علم المصريين، وهو امر مستبعد، سيكون له نتائج ارتدادية، من بينها احتمال خسارته المحتومة لحلفهم؟ عموما، وغض النظر عن من ينصح البرهان او يحركه كالدمي بالرموت كنترول من خلف الكواليس، إلا ان الحقيقية المؤكدة، وبعد ما يزيد علي الثلاث سنوات من تصدر الجنرال البرهان للمشهد، ومن طريقة تعامله مع السلطة والمعارضة والحلفاء وما اتيحت له من فرص تاريخية، انه اعزكم الله لا يختلف عن (تور الله في برسيمه). ودمتم في رعاية الله.
//////////////////////////////
بسم الله الرحمن الرحيم
يبدو ان البرهان ككل طاغية مستبد، يطابق بين بقاءه في السلطة وبقاء الوطن. ليتحول البرهان بكل بساطة الي مالك كل شئ، ومن ثمَّ مانح ومانع كل شئ. ومؤكد هكذا مسخ سلطوي يتراوح ما بين مركب النقص وجنون العظمة، وما يمتد بينهما من اطماع ورغبات، مخاوف ونزوات، احقاد ونزق وسادية وقلة اكتراث لافظع الجرائم والنكبات. لانه لا يعي الواقع إلا كمجموعة اجراءات لا تكلفه شئ ولا تعنيه في شئ، إلا بمقدار مردودها علي احكام سيطرته علي البلاد وتسلطه علي العباد. اي تحقيق شروط طغيانه.
واذا كان للطغيان درجات وللطغاة مراتب، فان ما يعد به البرهان، هو اردأ انواع الطغيان واكثر الطغاة عدمية، وذلك بسبب صفات البرهان الذي اشتهر بها، كالكذب والغدر والنفاق والتملق ل(حميدتي ومحور الشر) وبغض الثورة والثوار، المدنية والمدنيين، السياسة والسياسيين، وباختصار هو يبغض كل شئ ما عدا نفسه البغيضة. ولذلك لا يستنكف التحريض علي شعبه، واحتكار ثروات البلاد، وقطع الطريق علي اي محاولة او عمل يستهدف رفعتها. اي طالما الدولة تحت سيطرته، فكل الوسائل مباحة لفرض سطوته.
وشخص بكل هذه التشوهات، ليس اكثر من سوط عذاب علي شعبه، متي ما احكم سيطرته علي السلطة باي كيفية؟ وهو ما يخطط له كغاية وهب لها نفسه كما وهبها فاوست للشيطان. بل من اجل تبضيع (تسويق) هذه الغاية المفارقة لقدراته وامكاناته، يلجأ لاساليب تثير الرثاء من شدة ضحالتها، كقوله ان اباه حلم برؤيته رئيسا، وكأن رؤية ابيه كافية لمنحه الشرعية! واذا صح ذلك المنطق المتهافت، من يعجزه الوصول لكرسي السلطة من الراغبين؟!
وهذا ان دل علي شئ فهو يدل علي محدودية قدراته وفقر خياله، والاسوأ قابليته لتصديق الاوهام والخرافات، والتعامل معها كوقائع يبني عليها قراراته. ولك ان تتخيل اي نوعية قرارات يمكن ان تصدر عن هكذا مخيلة ووعي، لتترك اثرها في مصير الدولة واحوال الشعب! وهذا ناهيك عن الانتفاعيين الذين يمكن يتحلقوا حول هذا (الهبل) ويوظفوا عقليته الضعفية واطماعه الكبيرة، لتعظيم مكاسبهم. اي نحن حيال شخصية متواضعة القدرات من كل النواحي، وللاسف هذا نفسه سبب طموحاته غير الواقعية، لفرض انقلابه كامر واقع، ووضع نفسه كقائد ابدي للامة.
والحال كذلك، تسلط مسخ مأزوم، ينتج سلطة مأزومة، وما يستتبعها من سلسلة ازمات متلاحقة تمسك بتلابيب البلاد. وهذا بدوره يشير الي ان الكلام علي ازمة الدولة الراهنة، هو في حقيقته كلام علي تسلط مأزومين علي السلطة، يجسدهما كل من البرهان وحميدتي، بوصفهما وجهان لعملة واحدة، عنوانها الاجرام والسعي للسلطة باي كيفية وثمن؟
وطالما الامر علي هذا النحو، وغض النظر عن ما يطرحه ثنائي الاجرام حميدتي والبرهان من حلول ومخارج، فالمؤكد انها لن تحل اي ازمة، ان لم تزدها تدليس وتعقيد. لانهما كما سلف يشكلان جوهر الازمة الراهنة. ويصح ان الدولة السودانية لها مشاكلها منذ الاستقلال، وظلت هذه المشاكل تتعاظم علي تعاقب الاجيال. ولكن يصح اكثر ان هنالك كانت دائما فرص جيدة وامكانات واسعة لمعالجة كافة المشاكل، بل وانطلاق الدولة السودانية للامام. وهو ما كان علي الدوام يتطلب التخلص من نموذج المتسلطين كالبرهان وحميدتي واضرابهما، ومن عقيدة فاسدة حولت المؤسسة العسكرية الي اداة في يد الطغاة والفاسدين. لينتهي بها المطاف الي ملاطفة مليشيا مسلحة تنافسها علي السيطرة وتهدد وجودها نفسه، بعد ان اذلة كرامتها واهدرت هيبة منتسبيها!
وفي هذا اعظم درس علي ان استغلال اي مؤسسة بعد حرفها عن المهنية والمؤسسية، لا يصيبها بقصور الهمة وانعدام الحساسية تجاه المجتمع، لدرجة تحويله لرهائن في قبضة انقلابيين مجرمين. وانما يصيب المؤسسة نفسها بالعجز، واحتياجها لمن ينوب عنها في اداء مهامها. اي المسألة تتعلق اما باداء احترافي للمؤسسة المعنية، او عدم اعترف بهذه المؤسسة مجتمعيا، ايًّ كان نوعها وطبيعة عملها، وتاليا فقدانها الاحترام واستجلابها الكره والاحتقار، ولا معني لخط احمر او قداسة في هذا الشأن، حتي يتحجج بها الانتفاعيون!
المهم، الصراع في السودان ظل اقرب لاندفاع الغرائز والعنف والتوحش ممثلا في انقلابات المؤسسة العسكرية، في مواجهة اجتهادات التحضر لغاية تكريس الديمقراطية وحقوق الانسان والمؤسسية وحكم القانون، وهو ما يعبر عنه بالطبقة السياسية (او ما يفترض انه دورها). والحال هذه، الحديث عن ازمتنا الراهنة، هو حديث عن نزعات السيطرة والتسلط والاحتكار وفرض الوصاية، كممارسات وتطلعات متخلفة تجاوزها الزمان والمرحلة التاريخية، في مواجهة تطلعات للمواكبة والاستفادة من تجربة ومنجزات الانسانية في هذا المضمار، هو ما تعبر عنه الثورة السودانية.
وعلي هذه الخلفية القاتمة يمكن قراءة قرارات البرهان الانفرادية، وما فيها من بدائل ظاهرها الرحمة (تقديم تنازلات) وباطنها العذاب (شغل المعارضين بالسفاسف وتفرغه لترسيخ سلطته الاستبدادية). ولكن ما يدعو للدهشة في هذه القرارات هو سرعة التحول للنقيض في ظرف اقل من اسبوع! فهو بعد التعنت واصراره علي حوار الاستهبال في روتانا مع حلفاءه، بل وفرضه كمسار وحيد للحوار، اجهاضا لفتح قنوات للحوار بين العسكر والحرية والتغيير، وكذلك تمسكه بتعويذة الوفاق او الانتخابات بصورة طفولية مضحكة! خرج بهذه القرارات المفارقة، وكانه يتجرع السم، من مجرد شعوره بتقديم تنازلات (ولو انها شكلية) لقوي التغيير والثوار، وهم اكثر ما يتمني اخراجهما من الحياة وليس العمل السياسي فقط، بسبب ما يشكلانه من خطورة علي طموحاته. ومؤكد ان لمليونية 30/يونيو والضغوطات الخارجية، وفشل الانقلاب، تاثير في هذه القرارات. ولكن الاكثر تاكيد هو حرصه علي التحول من طاغية عسكرية الي طاغية بلباس مدني، كما سيده السيسي، استعدادا لمرحلة تالية في مشروع تابيده في سدة السلطة.
لذلك تظل المشلكة الحقيقية ليس في ما يقوله البرهان وحميدتي، ولكن فيما يضمرانه ولا يملكان الشجاعة للتصريح به (الشينة مدسوسة)، ولكنه يُستشف من لغة الجسد وزلات اللسان والسذاجة في التعامل مع السلطة (كفراعنة). وقبل ذلك تاريخ حافل من الغدر بالثورة والتآمر علي القوي المدنية، من خلال توظيف تشكيلات قذرة (قوي اعتصام القصر) ورجالات ادارية اهلية متصابية (نموذج ترك) وجماعات عنف لصوصية (تسعة طويلة).
اما الغرض من الاساءة لكل ماهو مدني او ثوري ومحاربة كل انجاز في هذا المضمار، لان تلك الوسيلة الوحيدة لفرض سلطتهم! علي اعتبار ان من لا يملك قدرات او تاهيل او انجاز او ما يقدمه للبلاد، يظل انجازه اليتيم هو محاربة قدرات وانجازات ونجاحات الآخرين، كتبرير لوجوده وتسويق لمشاريعه. اي المشكلة ليس في من ينجح او يفشل، يمتلك مقدرات او لا يمتلك، يتاهل في مجال او يعجز عن التاهيل، فهذه تكاد تكون من طبيعة المجتمعات ولتفاوت ضروب المواهب وقوة الارادة وتباين الظروف، ولكن المشكلة في من يصادر قوانين المنافسة ويلقي معيار المفاضلة، ويفرض طموحاته غض النظر عن مشروعيتها بل ومعقوليتها، كقانون وحيد لتسير الدولة وتدبير مطالب واحتياجات مواطنيها. وهذه عينها مواصفات الطغاة واجراءات الطغيان. وهي ما ينطبق وقع الحافر علي حميدتي والبرهان، ولكل من ينتمي لمؤسسة عسكرية بهذا التشوه ومليشيات بهذا الانفلات. وما رسالة الثورة وتقديمها لكل هذه الاكلاف، إلا إقناع هؤلاء الجنرالات المجرمين، ان طموحاتهم غير شرعية وطريقة حكمهم خارج التاريخ. وان مكان المجرمين هو ساحة المحاكم والسجون، وليس سكن القصور عنوة بقوة السلاح. اي تحويل الحكم الي معركة حربية غير متكافئة. تجعل من بلادنا مهزلة لاضحاك شعوب العالم، بما يقدمه الجنرالات البلهاء من تهريج وعنجهية، وما يمارسانه من تخلف وسادية، تعيد البلاد الي قرون الظلام.
وعليه، طريق الخروج من محنة الدولة السودانية الراهنة، لا يمر بما يقوله او يقرره الجنرلان المزيفان الانقلابيان، او ما يقدمانه من وعود جوفاء تليق بنفاقهم وغدرهم، ولكن في كيفية الخلاص منهما ومحاسبتهما علي جرائمهما، كعبرة لغيرهم من حملة السلاح واستخدامه غي غير محله؟ علي ان يتم ذلك باقل الخسائر وبما يحافظ علي كيان الدولة وسلامة الشعب؟ وذلك بوضع اعتبار لما يحوزانه من مصادر للقوة وقدرتهم علي شراء المنتفعين والمرتزقة؟ ومن هنا حساسية المهمة وتعقيدها، واحتياجها لافكار ووسائل مبتكرة، تتجاوز احتياطات وعدم مسؤولية الانقلابيين.
واخيرا
ما رشح عن لقاء ابي احمد البرهان، يذكر بلقاء نتنياهو البرهان، اي كعمل يتم بعيدا عن معرفة الشعب ومشاورته ومراقبته. ومهما افترضنا حسن النية (وهو بطبعه ينم عن غفلة وسذاجة غير مغفورة) في هكذا لقاء يصب في مصلحة جارين بينهما مصالح مشتركة وقضايا مصيرية عالقة تحتاج للحوار والحكمة لمعالجتها. إلا ان محصلة هكذا لقاء وبهذه الكيفية اللصوصية، يهدف في الاساس لتكريس قبضة البرهان علي السلطة. لان طبيعة العلاقة تجعل ليس هنالك مصالح مشتركة بين الطغاة او من ينزعون للطغيان، وبين الشعوب، لتضارب المصالح. خاصة وان بقاء احدهما يعني عدم بقاء الآخر، كاهتمام وحضور وحقوق.
وبناء علي هذه الفقرة الاخيرة، يمكن قراءة اللقاء بين الطرفين، علي انه من جانب البرهان قد يكون مسعي لتخفيف الضغط علي المؤسسة العسكرية في الجبهة الشرقية، حتي تتفرغ لقمع المتظاهرين بعد تنامي الثورة وفورانها، وذلك لضمان استفراده بالسلطة، بعد مغازلة المؤسسة العسكرية، بانها من تحكم مجسدة في شخصه كاحد جنرلاتها الاوفياء! وقد يكون هنالك صراع مكتوم بينه وحميدتي، للاستفراد بالمشهد واحكام السيطرة عليه، ولهذا يرغب في تحييد ابي احمد كحليف لحميدتي، ولزيادة التوازن بين القوات المسلحة والدعم السريع في العاصمة، خشية حدوث انقلاب بدعم من حميدتي! وقد تكون كل الحكاية تكتيك جديد من المصريين لجس نبض الاحباش ومعرفة نواياهم، وهو ما لن يتم إلا بلغة ناعمة قد تكون الدبلوماسية وتحسين العلاقات احد وسائلها! اما اللجوء لكل هذه الاحتمالات فسببه حقيقة واحدة، ان البرهان لا يملك لا الوعي، ولا القراءة الموضوعية للاحداث، ولا معرفة ما تعنيه العلاقات الخارجية وانعكاس ذلك علي الاوضاع الداخلية، حتي يبادر لهكذا لقاء لخدمة اطماعه السلطوية علي طريقة الاستراتيجية الحربية، مما يشي ان للمسألة يد في استخبارات خارجية. اما اذا تم هذا اللقاء في هذا التوقيت دون علم المصريين، وهو امر مستبعد، سيكون له نتائج ارتدادية، من بينها احتمال خسارته المحتومة لحلفهم؟ عموما، وغض النظر عن من ينصح البرهان او يحركه كالدمي بالرموت كنترول من خلف الكواليس، إلا ان الحقيقية المؤكدة، وبعد ما يزيد علي الثلاث سنوات من تصدر الجنرال البرهان للمشهد، ومن طريقة تعامله مع السلطة والمعارضة والحلفاء وما اتيحت له من فرص تاريخية، انه اعزكم الله لا يختلف عن (تور الله في برسيمه). ودمتم في رعاية الله.
//////////////////////////////