ما زالت بريطانيا العظمى تُعلّمنا فنون الديمقراطية..!!

 


 

 

تابعت كغيري الصراع الديمقراطي المحموم الذي أطاح بزعيم حزب المحافظين، ورئيس الوزراء المستقيل للحكومة البريطانية، ما لفت انتباهي ليس هموم الناخب ولا طموح النائب، إنّ ما أثار دهشتي أن تاريخ ميلاد الشاب بوريس جونسون يوافق السنة التي اندلعت فيها ثورة اكتوبر - 1964م، التوقيت الذي هب وشب فيه غالب قادة أحزابنا السياسية الذين بقى منهم من بقى ورحل منهم من رحل، ومن بقي منهم مازال يزاحم ثوار ديسمبر الذين ينظرون لأكتوبر الأخضر نظرتنا للمهدية من حيث القدم، ومن المتوقع أن يقفز أحدهم ويكسر حاجز دهشتي ويقول ماذا دهاك؟؟!!، هل تعلم أن رئيس وزراء بريطانيا في الحرب العالمية الثانية كان مراسلاً حربياً مصاحباً لحملة اللورد كتشنر، التي أنهت حقبة المهدية في آخر عام للقرن التاسع عشر - 1899م؟، ويسترسل هذا الأحد ليُخبرني كيف أمسى ذات المراسل الحربي رئيساً للوزراء منتصف القرن العشرين، إنّ قراءة التاريخ بتجرد وابتعاد عن المزايدة لابد وأن يوصلنا للحقيقة، ويختصر لنا دروب الثورة الوعرة، فها هي بريطانيا العظمى في بدايات الألفية الثالثة تلقننا الدروس وتُلهمنا العبر من تجارب ديمقراطية ويست منستر، و تحذرنا في الوقت نفسه من الاستمرار في الهزال الديمقراطي الذي نحسبه ديمقراطية (حكم الشعب - ديموسي كراتسي)، لماذا لا يستحي ساستنا وحكّامنا من حِرفية مداولات مجلس العموم البريطاني العابرة لأثير القنوات الأفريقية والشرق أوسطية؟.
حزب الأمة القومي قاده الإمام الراحل لأكثر من نصف قرن، والاتحادي الديمقراطي رأسه محمد عثمان الميرغني لسنوات تجاوزت المدة التي جلس فيها الإمام على كرسي رئاسة حزبه، والجمهوري قاده الأستاذ محمود محمد طه إلى أن أعدمه النميري، والشيوعي انتقلت رئاسة مركزيته من عبد الخالق إلى نقد الذي لم يسلم الراية إلّا بعد أن توفّاه الله، والجبهة الإسلامية المتحوّرة لعدد من الأسماء استحوذ على أمانتها العامة الراحل حسن الترابي إلى أن توفى، وعلى ذات المنوال سارت أحزاب البعث والقومي والحركات التي تمردت على سلطة الخرطوم، عبد العزيز آدم الحلو، وعبد الواحد محمد أحمد النور، ومني أركو مناوي، وجبريل إبراهيم، ومالك عقار، وياسر عرمان. جميعهم تعفنوا على كرسي الرئاسة والأمانة العامة، ويا ويل من يحدّثهم عن الديمقراطية والتداول السملي للسلطة!!، سوف تقوم قيامة من يحاول تطبيق مباديء ديمقراطية ويست منستر في أوساط هذه الأحزاب والحركات المتمردة، وسيسحل ويعذب ويقتل بالرصاص أو باغتيال الشخصية، هكذا هي ديمقراطيتنا يا سادتي، إنّها لا تُرينا إلّا ما يرى كهنتها المتيبسون على أرائك القصور، ديمقراطية (قراقوش)، أو كما يقول أهلنا رعاة الأبقار في مثلهم الحكيم مخاطبين البقرة العنيدة النافرة التي لا ترد الحوض:(إمّا أن تشربي من ماء الحوض وإما أن أكسر قرنكي).
الديمقراطيون الأوحدون هم شباب بلادي المقاوم الذي لا يساوم، الذي حمل روحه على جناح أغر، ووضع قاعدة جديدة للديمقراطية السودانية التي ابتدر تأسيسها الأجداد الأوّلون، وهي الديمقراطية التلقائية التي ربما فاقت ديمقراطية ويست منستر في الجودة وحسن الأداء لو تركت لوحدها تسيّر أمورها، ففي لمح البصر توافق شباب السودان على جسم (مقاوم) تلقائي عريض أوسع شمولاً وأكثر تنوعاً وانتشاراً من التيار الإسلامي (العريض)، فعندما تترك هذا الشعب بتلقائيته المعهودة وسماحة روحه الهميمة والصادقة، ومن دون تدخل من سلطتي السياسة المتدينة والتدين المسيّس، سوف ترى العجب العجاب، وإن أردت أن تشاهد عجائب قدرات هذا المارد العظيم، ما عليك إلّا أن تتركه وشأنه، وأن لا تنصّب نفسك عليه استاذاً متفلسفاً، فهو يعرف ماذا يريد، ويعلم بدقة متناهية كيف يحقق هذه الإرادة، بلا وصاية ولا وساطة ولا (هيصة) ولا (زمبريصة)، لقد استمعت للمستنيرين من هذا الشباب المقاوم من الذين تمرّدوا على حياة الزيف، بتركهم للمظاهر الخادعة والقشور الزائفة وتركيزهم على جوهر الحقائق الصادمة والصادعة، بالحق، فوجدتهم خير من يستأمن على هذا التراب ( الأرض التي هي لنا وليست لأحد آخر سوانا)، وإنّي لمن الباصمين بالعشرة، ومقسم على أن مستقبل هذه البلاد سيكون بيد هؤلاء الشباب، مهما تهكم عليهم المتهكمون وضحك من مظهرهم الخارجي الأرزقيون.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
10 سوليو 2022

 

آراء