أين ذهبت مروءتنا ؟!

 


 

د. زهير السراج
3 September, 2022

 

manazzeer@yahoo.com

* أزعجنى وأقلقني تسجيل فيديو تظهر فيه عصابة من اللصوص بعضهم اطفال، تقوم في وضح النهار بأحد الاسواق بتشليح عربة وسرقتها، كانت قد تعرضت لحادث ونقل صاحبها الى المستشفى، ويظهر في التسجيل عدد كبير من الاشخاص، ينظر بعضهم الى المشهد باندهاش، ويضحك بعضهم، ويتحدث أحدهم محذرا المواطنين من عدم ركن عرباتهم وتركها في الطريق إذا تعطلت أو تعرضت لحادث وتركت بدون حراسة، وإلا كان مصيرها التشليح والسرقة مثل العربة التي تظهر في التسجيل !

* مصدر إنزعاجي الأكبر ليس جريمة السرقة، ولكن عدم مبالاة المواطنين (وعددهم كبير جدا) بما يجري أمامهم بدون أن يُبدي أحدهم ولو محاولة سلمية لإثناء اللصوص عن جريمتهم، أو الاتصال بالشرطة، بالإضافة الى وقوعها في وضح النهار أمام حشد كبير من الناس، بمعنى أن اللصوص كانوا واثقين من ارتكاب جريمتهم بدون أن يجرؤ أحد على إعتراضهم، أو حضور الشرطة الى المكان !

* هل يعقل أن نكون وصلنا الى هذه الدرجة من عدم المبالاة واندثار قيم النجدة والفزعة التي ظللنا نتباهى ونتحاكى بها، أم حل محلها الخوف والجبن والانانية وعدم المبالاة، لدرجة أن جريمة يرتكبها بضعة لصوص (بعضهم أطفال) في وضح النهار أمام مئات المواطنين بدون ان يفعلوا شيئا لإيقافها ولو بمجرد الصياح او الحديث، دعك من التصدي للصوص !

* وما يثير الحيرة والامتعاض أن البعض ينظر الى المشهد وكأنه يتفرج على فيلم سينمائي، والبعض يتسامر، والبعض يضحك، والبعض يُصوِّر، وكان أقصى ما استطاع أن يفعله أحد الحاضرين هو تحذير المواطنين في التسجيل من ترك عرباتهم في الطريق إذا تعطلت أو تعرضت الى حادث !

* تحضرني هنا عشر قصص حكاها الكاتب السعودي (محمد بن حامد) في جريدة عكاظ، عن مغترب سودانى عرض حياته للخطر بانقاذ حافة ركاب من الغرق في مياه السيول، وآخر أنقذ طفلا جرفته السيول عندما خاف الجميع من إنقاذه فكرمه أمير منطقة حائل (سعود بن عبد المحسن)، وثالث عثر على مبلغ مالي ضخم في مكة المكرمة وقام بتسليمه للمسؤولين، ورابع إقتحم طائرة عسكرية مشتعلة في النيران بمنطقة نجران وأنقذ الطيار من الموت حرقا ... وخامس وسادس وعاشر، متحدثا باسهاب عن شهامة وشجاعة السودانيين بما جعل عينى تفيضان بالدموع، وقال في مقاله: " حيث يكون السودانيون تكون السماحة والشهامة ، يتعاملون بكرم وسخاء، في جيناتهم مروءة وطيبة نفس، يهبون للمساعدة ولا يتجاهلون نداء الاستغاثة، خليط من اللطف والتهذيب، يقدسون الادب والثقافة وفي حياتهم يتعاطون بأدب وثقافة" كان ذلك ما قاله، فأين ذهب كل ذلك، أم أننا أناس آخرون؟!

* أين ذهبت مروءتنا التي يتحدث عنها الآخرون و نتحاكى ونتغنى بها، أم انها ضاعت مثل كل شئ جميل وانطبق علينا قول الشاعر العراقي (عبد المهدي الأعرجي):
مررتُ على المرءة وهى تبكي ** فقلتُ علام تنتحب الفتاُة
فقالت كيف لا أبكي ** وأهلي جميعا دون خلق الله ماتوا

* أين ذهبت مروءتنا يا اهل المروءة ؟!

 

آراء