إلى الصحفيين السودانيين: حضرنا ولم نجدكم (2/4) !!
عبدالله الفكي البشير
6 September, 2022
6 September, 2022
قراءة في مواقفهم إزاء المفكر السوداني الانساني محمود محمد طه
إلى الصحفيين السودانيين: حضرنا ولم نجدكم!
تعليق على كتاب: هاشم كرار، من المشنقة إلى السقوط: كلام ما ساكت!
(2-4)
بقلم: الدكتور عبد الله الفكي البشير
"ونحن لا نستغرب سوء الفهم، وسوء النية، من أي إنسان بقدر ما نستغربهما مِمَنْ يحملون الأقلام، ويتصدون لتوجيه الرأي العام، ويجدون المداد، والورق، موفوراً لديهم، لأن الشعب يثق فيهم، ويقبل على ما يكتبون - يدفع ثمنه من حر ماله، ويقبل عليه يقرأه، ويستظهره– من مثل هؤلاء يستغرب سوء الفهم، ويستغرب سوء النية.. بل من مثل هؤلاء قد لا يقبل صرف ولا عدل.. لأن في عملهم خيانة لأمانة الثقافة، وخيانة لرسالة القلم، وخيانة لأمانة الثقة.. الثقة الغالية التي أودعها الشعب في حملة الأقلام".
محمود محمد طه، 1969
يجيء هذا المقال بمثابة تعليق على كتاب الكاتب الصحفي هاشم كرار: من المشنقة إلى السقوط: كلام ما ساكت!، (تحت الطبع)، وننشره الآن احتفاءً بالممارسة الديمقراطية في تشكيل أول نقابة للصحفيين السودانيين منذ (33) عاماً. لا جدال في أن عودة النقابات، وهي من أهم مظاهر التحول الديمقراطي وضماناته، ومن أقوى التعابير عن المشاركة الجماعية والتفاعل القاعدي للرأي العام، تمثل محطة مهمة من محطات الانتصار لثورة ديسمبر السودانية المجيدة. ومن بشائر نجاح الثورة، ومؤشرات التجسيد لتعبير الردة مستحيلة عن الثورة السودانية أن تكون نقابة الصحفيين هي أول نقابة تتشكل بعد (33) عاماً، وفي هذا اتساق مع واجب الصحافة والصحفيين تجاه التحول الديمقراطي، وحماية الديمقراطية، وحراسة حرية التعبير، إلى جانب تنمية الوعي وبناء الرأي العام، فضلاً عن حماية المجتمع من الكوارث الطبيعية، واتقاء شرور السياسيين، وخطر الجهلاء منهم، وكشف عبث أنصاف المثقفين "من أدعياء السياسة وأدعياء الوطنية". ولهذا فإن هناك الكثير من العمل الذي ينتظر الصحفيين والمثقفين عامة من أجل الثورة والوفاء لشهدائها، وفي سبيل تحقيق التغيير الجذري والشامل.
هاشم صحفي العيش الكفاف يفوز بشرف السبق ويفتح الباب أمام حملة الأقلام لتصحيح المواقف
فاز هاشم بشرف تقديم أول كتاب من صحفي كان محوره محمود محمد طه. وفي هذا ترفيع للقواعد الأخلاقية، وتجسيد للمعاني الإنسانية. كتب هاشم واصفاً حاله، فقال: "إنني - فقط- مجُّرد زول، أتيحت له فرصة أن (يُصوِّر) حدثاً في زمانٍ مُعيَّن، ومكانٍ مُعيَّن، أو أزمنةٍ وأمكنةٍ مُعيَّنة.. وها هو الآن يحاول - بعد عشرين عاما - أن ينقل الصورة، كما هي.. بكلِ تفاصيلها". يقيني أن هاشم بهذا الكتاب يفتح الباب أمام زملائه الصحفيين، ويدعوهم إلى الانحياز للحق وعدم الممالاة على الجهل، وهو يردد ما كتبه محمود محمد طه، عندما أصدر صحيفته، صحيفة الجمهورية، في 15 يناير 1954، فقد كتب محمود محمد طه، قائلاً: إن الصحافة "يجب أن تعين على العلم، لا أن تمالي على الجهل.. يجب أن تسير أمام الشعب لا أن تسير في زمرته تتسقط رضاه، وتجارى هواه، وتقدم له من ألوان القول ما يلذه ولا يؤذيه". غير أن الصحف في السودان قد رزئت منذ بداياتها الأولى بالكثير من الصحفيين من ذوي التكوين المعرفي الضعيف، والتأهيل الركيك. وفي هذا كتب محمود محمد طه عن الصحف ومحرريها، قائلاً: "إننا نجد أكثر محرري صحفنا من فشلوا في ميادين الحياة المختلفة فاستوعبتهم الصحف فأخذوا يغذون الشعب بجهالات عقولهم وغثاثات أنفسهم"، (محمود محمد طه، "كلمة حق"، صحيفة أنباء السودان، 29 نوفمبر 1958). ولعل راهن الصحافة اليوم لا يختلف كثيراً عما كانت عليه في مرحلة البدايات تلك، خاصة تجاه القضايا الفكرية، وبصورة أخص في موقفها من محمود محمد طه. وهذا ما يمكن رصده وببساطة من خلال تتبع مواقفها، إذ ظلت تعمل، وكذلك الإعلام المسموع والمرئي، غير أن تركيزنا الآن على الصحافة، وتحديداً على الورقية وليس الإلكترونية، على التعتيم والتجاهل. وفي مفارقة مدهشة، وجدنا بعض حملة الأقلام ممن يسعون لتجاهل محمود محمد طه وتغييبه، يمارسون النهب، فكانت أفكاره ونصوصه حاضرة كالشمس في كتاباتهم. وفي هذا النهب برع رجال الدين، وبعض المفكرين الإسلاميين، والقادة السياسيين، وكثير من المثقفين من داخل السودان وخارجه. لم يقف الأمر في حدود نهب الأفكار والنصوص، وإنما قام البعض بالسطو على فصول بأكملها، بل هناك من نهب كتاباً من الغلاف إلى الغلاف، ولم يلغ منه سوى ما جاء عن الرسالة الثانية من الإسلام، أو الذكر للجمهوريين أو الحزب الجمهوري. يعد كاتب هذه الشطور في كتاب بعنوان: نهب أفكار محمود محمد طه).
على الرغم من كل ذلك، وليس غائباً عنا بأن مجال الصحافة في السودان مجال واسع، خاصة إذا ما نظرنا إليه في إطار زمني يمتد منذ إعلان محمود محمد طه للفهم الجديد للإسلام في العام 1951، فإن هناك مواقف مشرفة لبعض الصحفيين من محمود محمد طه، منهم على سبيل المثال، لا الحصر، أحمد يوسف هاشم (1903- 1958)، وبشير محمد سعيد (1921- 1995)، ومحمد سعيد معروف (1926- 2000)، وعبدالرحمن بلاص (1937- 2017)، ودوليب محمد الأمين، وصالح بان النقا (ابن البان)، وعمر الحسين (1940- 2005)، وسيد أحمد خليفة (1940- 2010)، وحسن ساتي (1948- 2008)، وبكري خضر، وعبد الله جلاب، البروفيسور اليوم وأستاذ الدراسات الأفريقية وسوسيولوجيا الإسلام، بجامعة ولاية أريزونا، الولايات المتحدة، والحاج وراق، وآمال عباس، ونجيب نور الدين، وفيصل محمد صالح، وزير الثقافة والإعلام السابق، وفتحي الضوء، وشمس الدين ضو البيت، وعبدالله الشيخ، وأسامة أبو شنب، وأمل هباني، ورشا عوض، وأمير صديق، وعماد البليك، وصلاح شعيب، ومنصور الصويم، وحيدر المكاشفي، وفيصل الباقر، وعبدالوهاب همت، وشوقي عبدالعظيم، والسر السيد، وعادل سيد أحمد خليفة، والدكتور محمد بدوي مصطفى، ومأمون التلب، وحاتم الكناني، وأفراح تاح الختم، ومحمد إبراهيم، ومحمد الشيخ حسين، وحسين سعد، وأحمد جادين، وحسن إسحق. كما فتح البعض منبر صحيفته، غير أنه أحجم عن الكتابة عن محمود محمد طه، بينما اتبع البعض الآخر فتح منبره بالكتابة عن محمود محمد طه، ومن هؤلاء على سبيل المثال، لا الحصر: عادل الباز، رئيس تحرير صحيفة الأحداث، وعثمان ميرغني، رئيس تحرير صحيفة التيار، والدكتور خالد التجاني، رئيس تحرير صحيفة إيلاف. وهناك صحف ظلت أبوابها مفتوحة للكتابة عنه، منها على سبيل المثال، لا الحصر: أجراس الحرية، والجريدة، والأيام، والميدان، والديمقراطي، والحداثة، وهناك من الصحفيين من ظل مشغولاً بالفكرة الجمهورية وبالجمهوريين في أحاديثه وكتاباته، سواء كان ناقداً أو متأملاً أو معبراً عن إعجابه أو كتب مقالاً يتيماً أو بعض المقالات، منهم على سبيل المثال، لا الحصر، محجوب عروة، ومحمد طه محمد أحمد، رئيس تحرير صحيفة الوفاق (1956- 2006)، وحسين خوجلي، رئيس تحرير صحيفة ألوان، ومحمد لطيف، رئيس تحرير صحيفة الأخبار، والصحفي بكري المدني الذي ظل مشغولاً بنقد الفكرة الجمهورية. والنقد مطلوب، غير أن لديه استحقاقاً وشروطاً لابد من استيفائها، وقد لخصها محمود محمد طه في ثلاثة شروط، هي: العلم، والصدق، والمسؤولية.
غني عن القول إن ما أوردناه أعلاه من أسماء لم يكن سوى نماذج فقط، فهو ليس حصراً أو رصداً، فإننا لا نسعى لذلك، ولا يمكننا القيام به في هذه المساحة الضيقة. كما أننا لم نتعرض للكُتاب من الأكاديميين والمثقفين الذين ظلوا يكتبون في الصحف باستمرار. كذلك معلوم أن بعض الصحف التي وردت الإشارة إليها، قد توقفت عن الصدور، غير أنها محفوظة، وكذلك تلك التي لم نذكرها وهي كثيرة، في الذاكرة القومية في الأرشيف الصحفي بدار الوثائق القومية.
كذلك لابد من الإشارة إلى أن ميدان الصحافة في السودان، على الرغم من سجله السلبي تجاه محمود محمد طه، إلا أنه كان من أكثر الميادين التي قدمت العصاميين، أولئك الذين لم ينالوا تعليماً نظامياً، وإنما علموا أنفسهم بأنفسهم تعلماً ذاتياً، نهلوه من مدرسة الحياة، "فالحياة أصدق من العلم"، (محمود محمد طه، "إلى ابني المبارك عصام [عبد الرحمن البوشي] عصم الله خاطره وفكره ولسانه ويده"، (رسالة)، بتاريخ 18 يناير 1970)، كما يقول محمود محمد طه. كان من بين هؤلاء على سبيل المثال، لا الحصر، يحيي محمد عبد القادر (1914-2011)، صاحب صحيفة أنباء السودان، وعبد الله رجب، صاحب صحيفة الصراحة، ومحمد الخليفة طه الريفي (1917- 2002)، والفاتح النور (1922- 2000)، صاحب أول صحيفة إقليمية في السودان صحيفة كردفان، والأديب والكاتب الصحفي جعفر الشريف عمر السَّوْري (1924- 1956)، فهو أول صحفي، حسب اطلاعي، أطلقت عليه صحيفة السودان الجديد، في 14 يوليو 1956، عند نعيه، وصف "الصحفي العصامي". وكذلك محمد الحسن أحمد (1932- 2008)، صاحب صحيفة الأضواء، والقائمة طويلة، ولكن هذه مجرد نماذج. كما أن هناك إسهامات وطنية كبيرة وبصمات واضحة ومشرقة لصحفيين كُثر، ظلت باقية ومثلت إضافة حية ومتجددة وسدت فراغاً كبيراً في مسار السودان السياسي والثقافي والاجتماعي والفكري. ولكن هذا لا يمنع القول بأننا في حاجة إلى تحرير ميدان الصحافة والإعلام مما ينطوي عليه من ضعف تجاه دوره في تنمية الوعي وخدمة التنوير. ولا سبيل لهذا التحرير، إلا بترفيع مستوى الأداء وإعمال الحس النقدي، والعمل على إنجاب الصحفي الحر والمسؤول، فضلاً عن الاحتفاء بالنماذج الإرشادية من الصحفيين، والاسترشاد بسيرهم، من أمثال مؤلف هذا الكتاب، الكاتب الصحفي النبيل هاشم كرار، وهو من صحفيي "العيش الكفاف"، (ورد تعبير "العيش الكفاف" عند محمود محمد طه في وصفه لأهل مقابر مدينة عطبرة، فقد وصفهم، قائلاً: "إنهم شهداء العيش الكفاف").
نلتقي في الحلقة الثالثة.
abdallaelbashir@gmail.com
////////////////////////////
إلى الصحفيين السودانيين: حضرنا ولم نجدكم!
تعليق على كتاب: هاشم كرار، من المشنقة إلى السقوط: كلام ما ساكت!
(2-4)
بقلم: الدكتور عبد الله الفكي البشير
"ونحن لا نستغرب سوء الفهم، وسوء النية، من أي إنسان بقدر ما نستغربهما مِمَنْ يحملون الأقلام، ويتصدون لتوجيه الرأي العام، ويجدون المداد، والورق، موفوراً لديهم، لأن الشعب يثق فيهم، ويقبل على ما يكتبون - يدفع ثمنه من حر ماله، ويقبل عليه يقرأه، ويستظهره– من مثل هؤلاء يستغرب سوء الفهم، ويستغرب سوء النية.. بل من مثل هؤلاء قد لا يقبل صرف ولا عدل.. لأن في عملهم خيانة لأمانة الثقافة، وخيانة لرسالة القلم، وخيانة لأمانة الثقة.. الثقة الغالية التي أودعها الشعب في حملة الأقلام".
محمود محمد طه، 1969
يجيء هذا المقال بمثابة تعليق على كتاب الكاتب الصحفي هاشم كرار: من المشنقة إلى السقوط: كلام ما ساكت!، (تحت الطبع)، وننشره الآن احتفاءً بالممارسة الديمقراطية في تشكيل أول نقابة للصحفيين السودانيين منذ (33) عاماً. لا جدال في أن عودة النقابات، وهي من أهم مظاهر التحول الديمقراطي وضماناته، ومن أقوى التعابير عن المشاركة الجماعية والتفاعل القاعدي للرأي العام، تمثل محطة مهمة من محطات الانتصار لثورة ديسمبر السودانية المجيدة. ومن بشائر نجاح الثورة، ومؤشرات التجسيد لتعبير الردة مستحيلة عن الثورة السودانية أن تكون نقابة الصحفيين هي أول نقابة تتشكل بعد (33) عاماً، وفي هذا اتساق مع واجب الصحافة والصحفيين تجاه التحول الديمقراطي، وحماية الديمقراطية، وحراسة حرية التعبير، إلى جانب تنمية الوعي وبناء الرأي العام، فضلاً عن حماية المجتمع من الكوارث الطبيعية، واتقاء شرور السياسيين، وخطر الجهلاء منهم، وكشف عبث أنصاف المثقفين "من أدعياء السياسة وأدعياء الوطنية". ولهذا فإن هناك الكثير من العمل الذي ينتظر الصحفيين والمثقفين عامة من أجل الثورة والوفاء لشهدائها، وفي سبيل تحقيق التغيير الجذري والشامل.
هاشم صحفي العيش الكفاف يفوز بشرف السبق ويفتح الباب أمام حملة الأقلام لتصحيح المواقف
فاز هاشم بشرف تقديم أول كتاب من صحفي كان محوره محمود محمد طه. وفي هذا ترفيع للقواعد الأخلاقية، وتجسيد للمعاني الإنسانية. كتب هاشم واصفاً حاله، فقال: "إنني - فقط- مجُّرد زول، أتيحت له فرصة أن (يُصوِّر) حدثاً في زمانٍ مُعيَّن، ومكانٍ مُعيَّن، أو أزمنةٍ وأمكنةٍ مُعيَّنة.. وها هو الآن يحاول - بعد عشرين عاما - أن ينقل الصورة، كما هي.. بكلِ تفاصيلها". يقيني أن هاشم بهذا الكتاب يفتح الباب أمام زملائه الصحفيين، ويدعوهم إلى الانحياز للحق وعدم الممالاة على الجهل، وهو يردد ما كتبه محمود محمد طه، عندما أصدر صحيفته، صحيفة الجمهورية، في 15 يناير 1954، فقد كتب محمود محمد طه، قائلاً: إن الصحافة "يجب أن تعين على العلم، لا أن تمالي على الجهل.. يجب أن تسير أمام الشعب لا أن تسير في زمرته تتسقط رضاه، وتجارى هواه، وتقدم له من ألوان القول ما يلذه ولا يؤذيه". غير أن الصحف في السودان قد رزئت منذ بداياتها الأولى بالكثير من الصحفيين من ذوي التكوين المعرفي الضعيف، والتأهيل الركيك. وفي هذا كتب محمود محمد طه عن الصحف ومحرريها، قائلاً: "إننا نجد أكثر محرري صحفنا من فشلوا في ميادين الحياة المختلفة فاستوعبتهم الصحف فأخذوا يغذون الشعب بجهالات عقولهم وغثاثات أنفسهم"، (محمود محمد طه، "كلمة حق"، صحيفة أنباء السودان، 29 نوفمبر 1958). ولعل راهن الصحافة اليوم لا يختلف كثيراً عما كانت عليه في مرحلة البدايات تلك، خاصة تجاه القضايا الفكرية، وبصورة أخص في موقفها من محمود محمد طه. وهذا ما يمكن رصده وببساطة من خلال تتبع مواقفها، إذ ظلت تعمل، وكذلك الإعلام المسموع والمرئي، غير أن تركيزنا الآن على الصحافة، وتحديداً على الورقية وليس الإلكترونية، على التعتيم والتجاهل. وفي مفارقة مدهشة، وجدنا بعض حملة الأقلام ممن يسعون لتجاهل محمود محمد طه وتغييبه، يمارسون النهب، فكانت أفكاره ونصوصه حاضرة كالشمس في كتاباتهم. وفي هذا النهب برع رجال الدين، وبعض المفكرين الإسلاميين، والقادة السياسيين، وكثير من المثقفين من داخل السودان وخارجه. لم يقف الأمر في حدود نهب الأفكار والنصوص، وإنما قام البعض بالسطو على فصول بأكملها، بل هناك من نهب كتاباً من الغلاف إلى الغلاف، ولم يلغ منه سوى ما جاء عن الرسالة الثانية من الإسلام، أو الذكر للجمهوريين أو الحزب الجمهوري. يعد كاتب هذه الشطور في كتاب بعنوان: نهب أفكار محمود محمد طه).
على الرغم من كل ذلك، وليس غائباً عنا بأن مجال الصحافة في السودان مجال واسع، خاصة إذا ما نظرنا إليه في إطار زمني يمتد منذ إعلان محمود محمد طه للفهم الجديد للإسلام في العام 1951، فإن هناك مواقف مشرفة لبعض الصحفيين من محمود محمد طه، منهم على سبيل المثال، لا الحصر، أحمد يوسف هاشم (1903- 1958)، وبشير محمد سعيد (1921- 1995)، ومحمد سعيد معروف (1926- 2000)، وعبدالرحمن بلاص (1937- 2017)، ودوليب محمد الأمين، وصالح بان النقا (ابن البان)، وعمر الحسين (1940- 2005)، وسيد أحمد خليفة (1940- 2010)، وحسن ساتي (1948- 2008)، وبكري خضر، وعبد الله جلاب، البروفيسور اليوم وأستاذ الدراسات الأفريقية وسوسيولوجيا الإسلام، بجامعة ولاية أريزونا، الولايات المتحدة، والحاج وراق، وآمال عباس، ونجيب نور الدين، وفيصل محمد صالح، وزير الثقافة والإعلام السابق، وفتحي الضوء، وشمس الدين ضو البيت، وعبدالله الشيخ، وأسامة أبو شنب، وأمل هباني، ورشا عوض، وأمير صديق، وعماد البليك، وصلاح شعيب، ومنصور الصويم، وحيدر المكاشفي، وفيصل الباقر، وعبدالوهاب همت، وشوقي عبدالعظيم، والسر السيد، وعادل سيد أحمد خليفة، والدكتور محمد بدوي مصطفى، ومأمون التلب، وحاتم الكناني، وأفراح تاح الختم، ومحمد إبراهيم، ومحمد الشيخ حسين، وحسين سعد، وأحمد جادين، وحسن إسحق. كما فتح البعض منبر صحيفته، غير أنه أحجم عن الكتابة عن محمود محمد طه، بينما اتبع البعض الآخر فتح منبره بالكتابة عن محمود محمد طه، ومن هؤلاء على سبيل المثال، لا الحصر: عادل الباز، رئيس تحرير صحيفة الأحداث، وعثمان ميرغني، رئيس تحرير صحيفة التيار، والدكتور خالد التجاني، رئيس تحرير صحيفة إيلاف. وهناك صحف ظلت أبوابها مفتوحة للكتابة عنه، منها على سبيل المثال، لا الحصر: أجراس الحرية، والجريدة، والأيام، والميدان، والديمقراطي، والحداثة، وهناك من الصحفيين من ظل مشغولاً بالفكرة الجمهورية وبالجمهوريين في أحاديثه وكتاباته، سواء كان ناقداً أو متأملاً أو معبراً عن إعجابه أو كتب مقالاً يتيماً أو بعض المقالات، منهم على سبيل المثال، لا الحصر، محجوب عروة، ومحمد طه محمد أحمد، رئيس تحرير صحيفة الوفاق (1956- 2006)، وحسين خوجلي، رئيس تحرير صحيفة ألوان، ومحمد لطيف، رئيس تحرير صحيفة الأخبار، والصحفي بكري المدني الذي ظل مشغولاً بنقد الفكرة الجمهورية. والنقد مطلوب، غير أن لديه استحقاقاً وشروطاً لابد من استيفائها، وقد لخصها محمود محمد طه في ثلاثة شروط، هي: العلم، والصدق، والمسؤولية.
غني عن القول إن ما أوردناه أعلاه من أسماء لم يكن سوى نماذج فقط، فهو ليس حصراً أو رصداً، فإننا لا نسعى لذلك، ولا يمكننا القيام به في هذه المساحة الضيقة. كما أننا لم نتعرض للكُتاب من الأكاديميين والمثقفين الذين ظلوا يكتبون في الصحف باستمرار. كذلك معلوم أن بعض الصحف التي وردت الإشارة إليها، قد توقفت عن الصدور، غير أنها محفوظة، وكذلك تلك التي لم نذكرها وهي كثيرة، في الذاكرة القومية في الأرشيف الصحفي بدار الوثائق القومية.
كذلك لابد من الإشارة إلى أن ميدان الصحافة في السودان، على الرغم من سجله السلبي تجاه محمود محمد طه، إلا أنه كان من أكثر الميادين التي قدمت العصاميين، أولئك الذين لم ينالوا تعليماً نظامياً، وإنما علموا أنفسهم بأنفسهم تعلماً ذاتياً، نهلوه من مدرسة الحياة، "فالحياة أصدق من العلم"، (محمود محمد طه، "إلى ابني المبارك عصام [عبد الرحمن البوشي] عصم الله خاطره وفكره ولسانه ويده"، (رسالة)، بتاريخ 18 يناير 1970)، كما يقول محمود محمد طه. كان من بين هؤلاء على سبيل المثال، لا الحصر، يحيي محمد عبد القادر (1914-2011)، صاحب صحيفة أنباء السودان، وعبد الله رجب، صاحب صحيفة الصراحة، ومحمد الخليفة طه الريفي (1917- 2002)، والفاتح النور (1922- 2000)، صاحب أول صحيفة إقليمية في السودان صحيفة كردفان، والأديب والكاتب الصحفي جعفر الشريف عمر السَّوْري (1924- 1956)، فهو أول صحفي، حسب اطلاعي، أطلقت عليه صحيفة السودان الجديد، في 14 يوليو 1956، عند نعيه، وصف "الصحفي العصامي". وكذلك محمد الحسن أحمد (1932- 2008)، صاحب صحيفة الأضواء، والقائمة طويلة، ولكن هذه مجرد نماذج. كما أن هناك إسهامات وطنية كبيرة وبصمات واضحة ومشرقة لصحفيين كُثر، ظلت باقية ومثلت إضافة حية ومتجددة وسدت فراغاً كبيراً في مسار السودان السياسي والثقافي والاجتماعي والفكري. ولكن هذا لا يمنع القول بأننا في حاجة إلى تحرير ميدان الصحافة والإعلام مما ينطوي عليه من ضعف تجاه دوره في تنمية الوعي وخدمة التنوير. ولا سبيل لهذا التحرير، إلا بترفيع مستوى الأداء وإعمال الحس النقدي، والعمل على إنجاب الصحفي الحر والمسؤول، فضلاً عن الاحتفاء بالنماذج الإرشادية من الصحفيين، والاسترشاد بسيرهم، من أمثال مؤلف هذا الكتاب، الكاتب الصحفي النبيل هاشم كرار، وهو من صحفيي "العيش الكفاف"، (ورد تعبير "العيش الكفاف" عند محمود محمد طه في وصفه لأهل مقابر مدينة عطبرة، فقد وصفهم، قائلاً: "إنهم شهداء العيش الكفاف").
نلتقي في الحلقة الثالثة.
abdallaelbashir@gmail.com
////////////////////////////