لجان المقاومة والخروج من عنق الزجاجة .. بقلم : عاطف عبدالله
عاطف عبدالله
9 September, 2022
9 September, 2022
09/09/2022
التوتاليتارية الجديدة هي تلك التي انتشرت في أواخر القرن الماضي وازدهرت في بدايات القرن الحالي بعد أن وضعت الحرب الباردة أوزارها وانعتقت كثير من الشعوب من التبعية المطلقة وارتهان قرارها لإحدى القوتين العظميتين، تختلف عن التوتاليتارية الأولى في شموليتها المطلقة حيث تتصف التوتاليتارية الجديدة بدرجة من الليبرالية الشكلية من حيث الدستور والقوانين ونظام الحكم المدني وفصل الدين عن مؤسسات الحكم، وهي تتشكل في حالة حصول حزب واحد على أغلبية مطلقة كاسحة في الانتخابات البرلمانية ضد الأحزاب الأخرى مجتمعة، فتنتج حكومة قوية ومعارضة ضعيفة مما يشكل نوع جديد من الشمولية التي لا تستند على أيديولوجية محددة أو على أي أسس قبلية أو جهوية فقط كيان سياسي تشكل تحت ظلّ ظرف موضوعي محدد، يقوم على أسس برامجية ورؤية ومشاريع سياسية واقتصادية يلمسها المواطن العادي ويحصد نتائجها.
في مقال لي سابق ربطت بين التوتاليتارية الجديدة، ولجان المقاومة فذهب الظن بالبعض بأنني قصدت تمجيد الأنظمة الشمولية أو التماهي مع فكرة المستبد العادل، بالتأكيد لا وأكتب الآن لتوضيح رؤيتي ومقاصدي.
للجان المقاومة موقف سلبي تجاه الأحزاب الوطنية وعدم ثقة وعداء لا يخفى على أي مراقب، وهي قد نشأت وتأسست في ظل ظروف استثنائية حيث فرضتها الحاجة خلال هبة ديسمبر لإدارة الشأن الثوري والمحافظة على شعلة النضال اليومي متقدة، وضعت لجان المقاومة نصب عينيها أهداف تتمثل في تحقيق الحرية والسلام والعدالة، وبحكم تكوينها الشبابي ووضعها كرأس الرمح في الثورة نجدها الأحرص والأكثر تمسكاً على أن تصل سفينة الثورة لمرساها وتحقيق مبتغاها، فهي مكونة من شباب تفتح وعيه في ظلّ نظام الإنقاذ القميء ولكن وبفضل وسائل التواصل الحديثة وفي ظل ثورة المعلوماتية والعولمة أكتسب ذلك الشباب وعي نوعي مكنه من تجاوز كافة التنظيمات الحزبية التقليدية والحديثة فشكل الدرع الواقي للثورة في الأحياء وعلى مستوى المدن والأرياف، ربما لو كانت لجان المقاومة قد تشكلت من تحالف لأحزاب المعارضة ربما كان للثورة وجه آخر، ولكنا وجدنا الإنقاذ قد عادت أقوى مما كانت وأسوأ مما كانت ..
معظم الأحزاب لا زالت تعاني من التشرذم والتفكك والضعف الهيكلي التنظيمي والخواء الفكري وانعدام الرؤية لذا لم تستطع أن تكون وعاءً جاذباً لشباب الثورة الذي كان وما زال يسبقها بخطوات وخطوات على الرغم من افتقاده للحنكة السياسية والخبرات التجاربية لكنه ظلَّ يتقدم ويتعلم من خلال تجاربه ونضاله اليومي، ومن خلال تمسكه بشعاراته وأهدافه اكتسب شباب المقاومة الوعي الثوري اللازم الذي أهله لقيادة المسيرة، وعي أخذ يتراكم من خلال العملية الثورية المستمرة والنضال اليومي الذي لم تفتر همته بالرغم من مرور عدة سنوات منذ انطلاق شرارة الثورة والعنف المفرط الذي تقابل به سلميته الأمر الذي أهله ليتبوأ مكانة مميزة على رأس الطاولة Head of the table في المشهد السياسي السوداني.
إن التحالفات الحزبية دائما ما نجدها تتميز بقصر النفس، وضيق الصدر والغيرة السياسية نسبة للاستقطاب والتنافس غير المجدي فيما بينها والذي يظهر عدم المامها بأدب الخلاف والاختلاف حيث التخوين والتجريم والإقصاء والعداء السافر الذي يخرج أسوأ ما فيها، لذا نجد تحالفاتها أوهن من بيت العنكبوت سرعان ما يصاب بداء التفكك خاصة بعد الحالة المزرية وفقدان البوصلة التي خرجت به الأحزاب بعد حكم الإنقاذ، لذا فحمداً لله أن لجان المقاومة تأسست مبرأة من دائها وفشلها المستدام.
بعد أن رفضت لجان المقاومة حصر دورها في التنسيق الميداني والتظاهرات والتتريس والاستشهاد، والبعد عن القيام بأي دور سياسي أو قيادي، كما أراد لها البعض، اتجهت لتشكيل كيان سياسي مستقل بها بعد أن أنجزت مواثيق تأسيس سلطة الشعب الذي يؤسس لكيف يحكم السودان في الفترة الانتقالية. الأمر الذي سحب الشرعية من أي كتل ومبادرات تحركت تجاه التسويات التي تؤطر للوضع القائم والشراكة الضيزى بين العسكر والمدنيين.
بعد أن بدأت بوادر تشكيل كيانها السياسي المستقل ظهرت بعض المؤشرات لانفراجه سياسية بينها وبين والأحزاب الوطنية الأخرى تتمثل في الدعوة لتحالف عريض لإسقاط الإنقلاب، وهي خطوة وإن جاءت متأخرة، إلا أنها تصب في الاتجاه الصحيح في المنعطف الخطير الذي يمر به السودان والوضع الحرج للثورة الديسمبرية إلا أن ذلك التحالف الذي تدعو له يختلف كماً وكيفاً عن التحالفات الحزبية التقليدية من حيث الأهداف وطريقة تحقيقها حيث ما زالت تتحمل العبأ الأكبر في منازلة السلطة الغاشمة.
إن تشكيل كيان أو حزب سياسي للجان المقاومة خطوة يجب أن تجد التقريظ والتشجيع وعليها أن تحرص على عقد مؤتمراتها من القاعدة للقمة وستكون الفرصة مؤاتيه له لتشكيل أغلبية مطلقة فيما بعد المرحلة الانتقالية، ربما تتحالف مع بعض الكيانات السياسية الأخرى مثل النقابات أو الحركات المسلحة الوحدوية أو الأحزاب لكنها ستكون تحالفات تتم وفقاً لشروطها وتحت قيادتها ونزولاً على إرادتها وحسب رؤيتها لبناء السودان الجديد، وذلك بسبب توجهاتها الثورية الحصيفة ورؤاها المختلفة التي ستجد الدعم في الداخل والخارج خاصة من دول الترويكا، انتزعت شرعيتها بحكم قيادتها للثورة وتضحياتها الجمة ومبدئيتها، وستكون الأحزاب الأخرى بما فيها أحزاب الأمة والاتحادي والشيوعي تمومة جرتق في العملية السياسية. وتلك هي عين التوتاليتارية الجديدة التي نتمنى أن تنجح في إخراجنا من عنق الزجاجة كما نجحت في بعض الدول الأخرى مثل سنغافورة ورواندا.
atifgassim@gmail.com
التوتاليتارية الجديدة هي تلك التي انتشرت في أواخر القرن الماضي وازدهرت في بدايات القرن الحالي بعد أن وضعت الحرب الباردة أوزارها وانعتقت كثير من الشعوب من التبعية المطلقة وارتهان قرارها لإحدى القوتين العظميتين، تختلف عن التوتاليتارية الأولى في شموليتها المطلقة حيث تتصف التوتاليتارية الجديدة بدرجة من الليبرالية الشكلية من حيث الدستور والقوانين ونظام الحكم المدني وفصل الدين عن مؤسسات الحكم، وهي تتشكل في حالة حصول حزب واحد على أغلبية مطلقة كاسحة في الانتخابات البرلمانية ضد الأحزاب الأخرى مجتمعة، فتنتج حكومة قوية ومعارضة ضعيفة مما يشكل نوع جديد من الشمولية التي لا تستند على أيديولوجية محددة أو على أي أسس قبلية أو جهوية فقط كيان سياسي تشكل تحت ظلّ ظرف موضوعي محدد، يقوم على أسس برامجية ورؤية ومشاريع سياسية واقتصادية يلمسها المواطن العادي ويحصد نتائجها.
في مقال لي سابق ربطت بين التوتاليتارية الجديدة، ولجان المقاومة فذهب الظن بالبعض بأنني قصدت تمجيد الأنظمة الشمولية أو التماهي مع فكرة المستبد العادل، بالتأكيد لا وأكتب الآن لتوضيح رؤيتي ومقاصدي.
للجان المقاومة موقف سلبي تجاه الأحزاب الوطنية وعدم ثقة وعداء لا يخفى على أي مراقب، وهي قد نشأت وتأسست في ظل ظروف استثنائية حيث فرضتها الحاجة خلال هبة ديسمبر لإدارة الشأن الثوري والمحافظة على شعلة النضال اليومي متقدة، وضعت لجان المقاومة نصب عينيها أهداف تتمثل في تحقيق الحرية والسلام والعدالة، وبحكم تكوينها الشبابي ووضعها كرأس الرمح في الثورة نجدها الأحرص والأكثر تمسكاً على أن تصل سفينة الثورة لمرساها وتحقيق مبتغاها، فهي مكونة من شباب تفتح وعيه في ظلّ نظام الإنقاذ القميء ولكن وبفضل وسائل التواصل الحديثة وفي ظل ثورة المعلوماتية والعولمة أكتسب ذلك الشباب وعي نوعي مكنه من تجاوز كافة التنظيمات الحزبية التقليدية والحديثة فشكل الدرع الواقي للثورة في الأحياء وعلى مستوى المدن والأرياف، ربما لو كانت لجان المقاومة قد تشكلت من تحالف لأحزاب المعارضة ربما كان للثورة وجه آخر، ولكنا وجدنا الإنقاذ قد عادت أقوى مما كانت وأسوأ مما كانت ..
معظم الأحزاب لا زالت تعاني من التشرذم والتفكك والضعف الهيكلي التنظيمي والخواء الفكري وانعدام الرؤية لذا لم تستطع أن تكون وعاءً جاذباً لشباب الثورة الذي كان وما زال يسبقها بخطوات وخطوات على الرغم من افتقاده للحنكة السياسية والخبرات التجاربية لكنه ظلَّ يتقدم ويتعلم من خلال تجاربه ونضاله اليومي، ومن خلال تمسكه بشعاراته وأهدافه اكتسب شباب المقاومة الوعي الثوري اللازم الذي أهله لقيادة المسيرة، وعي أخذ يتراكم من خلال العملية الثورية المستمرة والنضال اليومي الذي لم تفتر همته بالرغم من مرور عدة سنوات منذ انطلاق شرارة الثورة والعنف المفرط الذي تقابل به سلميته الأمر الذي أهله ليتبوأ مكانة مميزة على رأس الطاولة Head of the table في المشهد السياسي السوداني.
إن التحالفات الحزبية دائما ما نجدها تتميز بقصر النفس، وضيق الصدر والغيرة السياسية نسبة للاستقطاب والتنافس غير المجدي فيما بينها والذي يظهر عدم المامها بأدب الخلاف والاختلاف حيث التخوين والتجريم والإقصاء والعداء السافر الذي يخرج أسوأ ما فيها، لذا نجد تحالفاتها أوهن من بيت العنكبوت سرعان ما يصاب بداء التفكك خاصة بعد الحالة المزرية وفقدان البوصلة التي خرجت به الأحزاب بعد حكم الإنقاذ، لذا فحمداً لله أن لجان المقاومة تأسست مبرأة من دائها وفشلها المستدام.
بعد أن رفضت لجان المقاومة حصر دورها في التنسيق الميداني والتظاهرات والتتريس والاستشهاد، والبعد عن القيام بأي دور سياسي أو قيادي، كما أراد لها البعض، اتجهت لتشكيل كيان سياسي مستقل بها بعد أن أنجزت مواثيق تأسيس سلطة الشعب الذي يؤسس لكيف يحكم السودان في الفترة الانتقالية. الأمر الذي سحب الشرعية من أي كتل ومبادرات تحركت تجاه التسويات التي تؤطر للوضع القائم والشراكة الضيزى بين العسكر والمدنيين.
بعد أن بدأت بوادر تشكيل كيانها السياسي المستقل ظهرت بعض المؤشرات لانفراجه سياسية بينها وبين والأحزاب الوطنية الأخرى تتمثل في الدعوة لتحالف عريض لإسقاط الإنقلاب، وهي خطوة وإن جاءت متأخرة، إلا أنها تصب في الاتجاه الصحيح في المنعطف الخطير الذي يمر به السودان والوضع الحرج للثورة الديسمبرية إلا أن ذلك التحالف الذي تدعو له يختلف كماً وكيفاً عن التحالفات الحزبية التقليدية من حيث الأهداف وطريقة تحقيقها حيث ما زالت تتحمل العبأ الأكبر في منازلة السلطة الغاشمة.
إن تشكيل كيان أو حزب سياسي للجان المقاومة خطوة يجب أن تجد التقريظ والتشجيع وعليها أن تحرص على عقد مؤتمراتها من القاعدة للقمة وستكون الفرصة مؤاتيه له لتشكيل أغلبية مطلقة فيما بعد المرحلة الانتقالية، ربما تتحالف مع بعض الكيانات السياسية الأخرى مثل النقابات أو الحركات المسلحة الوحدوية أو الأحزاب لكنها ستكون تحالفات تتم وفقاً لشروطها وتحت قيادتها ونزولاً على إرادتها وحسب رؤيتها لبناء السودان الجديد، وذلك بسبب توجهاتها الثورية الحصيفة ورؤاها المختلفة التي ستجد الدعم في الداخل والخارج خاصة من دول الترويكا، انتزعت شرعيتها بحكم قيادتها للثورة وتضحياتها الجمة ومبدئيتها، وستكون الأحزاب الأخرى بما فيها أحزاب الأمة والاتحادي والشيوعي تمومة جرتق في العملية السياسية. وتلك هي عين التوتاليتارية الجديدة التي نتمنى أن تنجح في إخراجنا من عنق الزجاجة كما نجحت في بعض الدول الأخرى مثل سنغافورة ورواندا.
atifgassim@gmail.com