السودان تحت وطأة السفير !!

 


 

 

الزعيم الأفريقي الراحل نلسون مانديلا (ماديبا) أيقونة النضال والتحرر الوطني، قال:(الفاسدون لا يبنون أوطانهم وإنّما يبنون أنفسهم)، ونحن نرفد قول آخر الرجال النزهاء ببيتٍ من الشعر جديد هو: أن الفاسدين والمرتزقة والعملاء والمأجورين والجواسيس يفسدون أوطانهم ويبيعونها في سوق النخاسة، ويرهنوها للذئاب الدولية الضارية الساعية لالتهام ثروات الأوطان، والغريب في شأن سودان (العزةّ) الذي لم يتقدم شبراً واحداً بعد خروج آخر حاكم عام بريطاني، أنّ الجاسوس والعميل والمرتزق يلقى من رغد العيش وتبوء المكانة الاقتصادية الكبرى واعتلاء المنصب وتقلد الوظيفة الحكومية العليا ما يلقى، بل يحظى بتمثيل دبلوماسي لبلدان أخرى غير وطنه الذي رهنه ثم باعه في مزادات الامبرايالية العالمية وأذيالها، كمدير مكتب الرئيس المخلوع الذي سرّب أسرار الدولة، وخرج من بوابة مطار بلاده كما تخرج الشعرة من العجين، وذهب ليخدم مسشتشاراً لدى الجار الشرقي، ودونك رئيس مخابرات الرئيس المخلوع الذي احتضنه الجار الشمالي وخفض له جناح الذل من الرحمة، فما زالت هذه الأيدي العميلة والمرتزقة والجاسوسة تعبث بوحدة الوطن وتتلاعب بمقدراته خدمة للأجندة الخارجية الخائنة، ومن فرط اعتزاز هؤلاء المُرابين والسماسرة أنهم يتبارون ويتسابقون لنيل أسبقية تقبيل يد سفير الدولة الصديقة القريبة والأجنبية البعيدة دون حياء ولا كابح للضمير.
زار السفير الأمريكي مخيمات النازحين بدارفور في غياب رأس دولة الأمر الواقع ونائبه وحاكم الاقليم، والسفراء الآخرون يتقدمون مجالس المبادرات (الوطنية) الساعية لحل المشكل السوداني - السوداني، والأحزاب السياسية وبعض ممن يدّعون وصلاً بحسناء ثورة شباب السودان، يبسطون السجّاد الأحمر ليسير عليه سفير الدولة الغربية والعربية والإفريقية، عساه أن يرضى عن عجائز هذه الأحزاب العاجزة، أو لعله يوصي بضم مرشحيها لقائمة من سيُعيّنهم لاحقاً بهياكل الحكم القادمة، ففي سابق الأزمان كان مثل هذا الرجل الحزبي يتودد للمواطن ليحصل منه على كرت المباركة والبطاقة الخضراء الموصلة إلى مراكز السلطة، أما الآن فقد انقلبت الأمور رأساً على عقب، فأصبح مانح السلطة والمعطي لها والمانع والمذل والمعز، هو هذا المبعوث الأممي وذلك الدبلوماسي الترويكي وهؤلاء السفراء الإقليميين، وكما هي العادة فإنّ الحزب الذي لا يُؤسس على أرضية صلبة من الدعم الشعبي، سيفشل في الإجابة على أول سؤال من أسئلة امتحان التربية الوطنية، الذي وضعه الشباب الثائر والطامح لتأسيس الوطن الحلم – المُبرأ من دنس العمالة والخالي من بؤر الفساد والمغسولة ساحاته وميادينه من قذارة الارتزاق – وطن الحرية والسلام والعدالة، وهذا المشهد العام الذي تظلله السحب الركامية للوفود الدولية بعدتها وعتادها لا يبشر بخير لأمة الأمجاد والماضي العريق.
ما من بلد ولجت أضابيره أذرع المنظمات والهيئات العالمية، وتمددت في حضره وأريافه مكاتب ممثليات البعثات الدولية ذات الغرض، وجابت فيافيه وغاباته وصحراءه فرق المسح الجيولوجي وخبراء التنقيب الأثري وشركات التعدين العابرة للقارات، إلّا وعصفت به عواصف التشرذم والتشتت والاختلاف والتباغض والتناحر الجهوي والكراهية العرقية والتباعد الإثني، واسألوا أهل جمهوريات ليبيريا ورواندا والكنغو لو أردتم سماع القول الجُهيزي الفاصل، فليست الأمور كما يظنها الطيبون من بني وطني، نعم، ليست الأمور بهذه الرومانسية الخادعة التي يصورها رؤساء الأحزاب العقيمة وزعماء الحركات الداجنة والمذعنة لأمر السفير، لا ليست كذلك أيها الصغار الأغرار، وليس الخطاب العاطفي الحالم والواعد بالثأر لدم الشهيد والملقي من فيه القائد (الفذ الجبّار)، بتلك المصداقية ولا ذلك التعبير الفعلي عمّا تجيش به خواطر الثوار، ولا هو بتلك المرآة اللامعة والعاكسة للإرادة الحقيقية للأحرار، لقد صُكّت الآذان وبنى فيها العنكبوت بيتاً هيّناً وليّناً من بيوت نفاق الخُطب الرنّانة، التي تضجّرت المسامع من انزعاجاتها وصراخ أهازيجها الطنّانة، والتي بها تم تخريب وإتلاف الوجدان الجمعي بزيف هتافاتها وزغاريدها الحنّانة، ولم يبقى إلّا الاستمساك بعروة اللاءات الثلاث الواثقة، والاستظلال تحت وهج سيوف الثائرين الباشقة، فالبلاد قد نامت واستكانت تحت وطأة السفير الواقبة والغاسقة.

اسماعيل عبدالله
ismeel1@hotmail.com
16 سبتمبر 2022
////////////////////////

 

آراء