على السودانيين التخلّص من عقل الحيرة و الاستحالة
طاهر عمر
19 October, 2022
19 October, 2022
من عادات النخب السودانية المرذولة إستكانتهم لعقل الحيرة و الاستحالة أسير الخوف المرضي المعشعش على رؤسهم جيل عبر جيل. الحديث عن عقل الحيرة المسيطر عليه الخوف يجبرنا أن نتحدث عن تاريخ الخوف و دوره المهم عندما نعرف كنهه و تاريخ الخوف لا يقل أهمية عن تاريخ الذهنيات و كلاهما يفتحان الطريق لفك طلاسم الجمود و الركود و التحجر الذي يلتصق بنشاط النخب السودانية.
و هي عاجزة أي النخب السودانية عن مفارقة عقلها الجمعي التقليدي و السبب لأننا ما زلنا تحت تأسير مؤرخ تقليدي و مفكر تقليدي و مثقف تقليدي لاحق للأحداث لم يسعفه الزمن أن يبداء مع العالم المتجدد من حولنا حقبة بعد حقبة و هنا ينام سر أن نخبنا السودانية التي لم تزال أسيرة وحل الفكر الديني من كل شاكلة و لون.
و لكنهم لهم القدرة على سودنة كل فكر و جعله محلي يسيطر عليه عقلهم العاجز بدلا من الشب عن طوقهم فاذا بهم يسودنون كل شي و يفرغونه من مضمونه حتى يبررون لعجزهم المزمن. مثلا لم يبداء أتباع مؤتمر الخريجيين حيث كانت بدايات مدرسة الحوليات و عقلانية ماكس فيبر بل لم يستوعبوا أصلا أن زمنهم كان مفصل تاريخي يعلن عن نهاية فلسفة تاريخ تقليدية و بداية فلسفة تاريخ حديثة كما أعلنت مدرسة الحوليات الفرنسية عن إنطلاقها متزامنة مع بداية الكساد الاقتصادي العظيم 1929 منذ ذلك التاريخ و النخب السودانية تتخبط كما السائر في ظلام دامس جيل عبر جيل.
لو عرف أتباع مؤتمر الخريجين أن الظواهر الاجتماعية في زمنهم تفتح على حلقات فكر جديدة لاستوعبوا ما طرحته مدرسة الحوليات من فتح الطريق لدراسة تاريخ الشعوب الاجتماعي و الاقتصادي و عبره كان يكون بمقدورهم معرفة تاريخ الخوف و تاريخ الذهنيات و كيف تفارق الشعوب عقلها الجمعي التقليدي بسبب جسارة مفكريين يرتقون الى مصاف الشخصيات التاريخية حيث يبذرون فكرهم و ينمو عبر القرون كما فعل كل من مارتن لوثر كشخصية تاريخية في فكرة الاصلاح الديني و تصادفت مع رغبة البرجوازية في تحقيق الازدهار المادي. وكيف تحدى جون كالفن تراث اليهودية و المسيحية المتراكم عبر آلاف السنيين و قد أصبح الأب الشرعي لسعر الفائدة لاغيا تراث يهودي مسيحي محبوس في فكرة الربا و مجسد لفكرة أن التجارة عمل غير أخلاقي. مدرسة الحوليات احتاجت لثلاثة عقود و يزيد حتى تصل أفكارها الى الجامعات الكبرى في فرنسا و تصبح أفق لا يمكن تجاوزه.
رغم أن هناك كثر من المفكرين و الاقتصاديين و علماء الاجتماع كانت رؤيتهم واضحة و ثاقبة منذ بداية مدرسة الحوليات و كانت مرشد لسياسيين مثلا روزفلت الرئيس الامريكي كان ناضج سياسيا عندما أحاط نفسه بمشرعيين قد عرفوا أن فلسفة التاريخ التقليدية قد أفلت و الفلسفة التاريخ الحديثة قد بدأت أشعتها في الظهور و نجد كينز قد أدخل فكرة كيفية قراءة النصوص الكلاسيكية لأدم اسمث حيث دمج كتابيه نظرية المشاعر الأخلاقية مع ثروة الأمم و جاءت فكرته متوافقة مع فكرة التدخل الحكومي من اجل فكرة خلق الطلب من قبل التدخل الحكومي و فكرة الانفاق الحكومي من اجل إنشاء مشاريع جديدة و هذا ما قام به روزفلت في مواجهة الكساد الاقتصادي العظيم و حينها قال كينز عندما قابل روزفلت و وصفه كسياسي بارع مشبع بالفكر الجديد أي يسير كسياسي في الطريق الذي ينبغي أن يسير عليه الاقتصادي في كيفية خلق الطلب و الوصول الى نهاية نظرية ساى أي أن العرض يخلق الطلب.
لكن عند كينز كاقتصادي و روزفلت كسياسي كانت هناك صدفة قد جعلتهم يلتقون في فكرة خلق الطلب عبر فكرة التدخل الحكومي عبر انفاق عام يخلق فرص عمل جديدة. ما أود قوله مثلا في راهننا اليوم العالم يتخلق ليولد من جديد و يحتاج لديناميكية جديدة سوف تكون على مدى ثلاثة عقود قادمة و هي فكرة الحماية الاقتصادية أي أن تنطوي كل أمة على نفسها من أجل إنعاش صناعاتها الوطنية و في حالتنا كمجتمع تقليدي كيفية تحولنا الى مجتمع صناعي و لنا موارد تتيح لنا مثل هذه الفرصة و كيف أنها نابعة من صميم الفكر الليبرالي و ليست من أوهام يسارنا السوداني الرث بميوله الشمولية في شيوعي متحجرة لم تؤمن بعد بأخلاقية الفرد و عقلانيته.
التحول من مجتمع تقليدي الى مجتمع حديث يحتاج لنخب تهندس مثل هذه النقلات الهائلة و لهذا نقول أن المثقف العضوي الذي نحتاجه لمثل هذه الطبقات الصاعدة ليس من أتباع أحزاب اللجؤ الى الغيب أي أحزاب الطائفية و أتباع الحركة الاسلامية و السلفيين و ليس من أتباع النسخة المتحجرة من الشيوعية السودانية بل مثقف عضوي زاده معرفة تاريخ الانسانية التاريخية و الانسان التاريخي ليكون قادر على خلق إتفاقيات مع المجتمعات الحديثة و هي الآن تحتاج لموارد مقابل نقل خبرتها الصناعية لحيزنا التقليدي و لهذا نقول نحتاج لنخب مكافئة من ناحية مستوى الوعي لوعي عقل ورثة عقل الأنوار و بالتالي تكون الاتفاقيات مع الغرب في نقل خبرته الصناعية مقابل مواردنا التي تعشم في استغلالها مصر مسدودة الأفق فيما يتعلق بتحولها الى دولة صناعية و يكون مثقفنا العضوي مدرك لهذا العمل و ليس كما يعمل الجاهل حميدتي في بيعه الذهب لكل من روسيا و الامارات.
المثقف العضوي الذي يحتاجه سودان الطبقات الصاعدة الآن من جيل ثورة ديسمبر يعرف أن ليس لمصر و الامارات و السعودية ما نحتاجه في سبيل نقل مجتمعنا الى مجتمع حديث لأنها ليس عندها ما نحتاجه من خبرة صناعية كما هو موجود عند الدول الغربية و هي الآن في صف ثوار ثورة ديسمبر مع أحرار العالم تساعد في إمكانية التحول الاجتماعي و التحول الديمقراطي و لذلك عندما نزيل إنقلاب البرهان الفاشل على النخب السودانية أن تفكر في التعامل بجدية في سبيل نقل خبرات الغرب الصناعية مقابل مواردنا وفقا لاتفاقيات تقودها نخبة مكافئة في وعيها لوعي نخب الغرب الحديث.
هذا يحتاج لتغير مفهومنا عن نفسنا و عن الغير في زمن أصبحت فكرة المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد تعني فكرة الضمان الاجتماعي و أن الديمقراطية قد صارت بديلا للفكر الديني أي لا يمكن تحقيق ديمقراطية بأحزاب دينية لأن الديمقراطية قد أصبحت بديلا للدين في زمن لم يعد للدين أي دور بنيوي على صعد السياسة و الاقتصاد و الاجتماع.
في زمن يتحدث الاقتصاديين و علماء الاجتماع عن التقارب الطبقي و التضامن الطبقي و التصالح الطبقي و ليس عن الصراع الطبقي كما يتوهم الشيوعي السوداني و بالتالي يمكننا التحدث عن ظواهر المجتمع بدلا عن الصراع الطبقي و الفرد في علاقته بالدولة بدلا عن الطبقة حيث أصبح شأن الفرد في صراعه مع المجتمع فيما يتعلق بالحرية و العدالة و الدين نفسه قد أصبح شأن فردي بين الفرد و ربه.
كل ذلك يجبرنا على تغير عقلنا الجمعي التقليدي و مفارقته و هذا يجعلنا مجبرين أن نعرف مفهوم تاريخ الخوف و تاريخ الذهنيات الذي قد تجاهله المؤرخ السوداني التقليدي الذي إنشغل بفكرة الأصالة و الحداثة في زمن قد قضت فيه الحداثة على جلالة السلطة و قداسة المقدس و نحن ما زلنا في سطوة مثقف تقليدي و مؤرخ تقليدي و مفكر تقليدي تشغله فكرة سلاسل الجحيم و كيفية الخلاص الأخروي.
عقل الخلوة المسيطر على النخب السودانية و قد ارتضت أن تكون في صحبة الاسلاميين و ارتضوا أن يكون وهم مفكر اسلامي يجعلهم في مستوى عقل الاستعداد للانخداع من قبل الكيزان كما رأينا كيف خدع الكوز خالد التجاني مجموعة من النخب السودانية في لقاء نيروبي.
أتذكر جيدا عندما خدع الكوز خالد التجاني كل من كمال الجزولي و رشا عوض و النور حمد في لقاء نيروبي و قد أعطوه شيك على بياض في إستثمار الكيزان لفكر اللجؤ الى الغيب كنت أتسأل ألم يدري كل من النور حمد و رشا عوض و كمال الجزولي أن توكفيل قبل ما يقارب القرنيين قد قال أن الديمقراطية قد أصبحت بديلا للدين و أن الدين قد أصبح شأن فردي؟ و قد قال أن الكاثوليكية و الكاثوليك كانوا كحال الكيزان اليوم و كحال أحزاب الطائفية يظنون أنهم بإمكانهم تحقيق ديمقراطية إلا أن توكفيل كان يقول لهم هيهات لأن الديمقراطية أصلا هي بديلا للفكر الديني و هنا ندعو النخب السودانية في التفكير في هذا المنحى أي أن الديمقراطية بديلا للدين و لا يمكن تحقيق ديمقراطية بأحزاب يرتكز فكرها على و حل الفكر الديني.
لهذا عندما فاجأت ثورة ديسمبر النخب السودانية قلنا لهم أن ما تركته الانقاذ من ركام يجب كنسه من أساسه و تأسيس فكرة الدولة الحديث بعقل جديد كان مفقود عند النخب السودانية و رأينا كيف تكالبوا على الوظائف و المحاصصة على سلطة ليست ذات علاقة بمفهومها الحديث فيما يتعلق بتارخ الانسانية التاريخية و عليه نقول لهم من جديد بعد إزالة إنقلاب البرهان الفاشل يجب أن تفكيك التمكين و ينبغي التعامل مع الكيزان بلارحمة حتى لا يتركوا في مفاصل المجتمع و يعيقون تحركه نحو التحول الاجتماعي.
و بالتالي يعيقون التحول الديمقراطي. يجب أن تكون هناك تشريعات كبرى تجب ما تركته الانقاذ من سلطة قضائية فاسدة يدافع عن ديمومتها قانونيين سودانيين يمثلون أضعف حلقة في سلسة النخب السودانية. و أن يكون البنك المركزي سيد سياساته الاقتصادية و سياساته النقدية و مسيطر على بقية البنوك كبنك البنوك وزارة مالية مسيطرة على المال العام.
بعد توضيح ملامح الدولة الحديثة ليس للجيش أي دور لا في التجارة الخارجية و لا إستثمارات الشعب السوداني في الداخل لأن مسألة النشاط الاقتصادي من إختصاص اقتصاديين يعرفون كيف تطبّق النظريات الاقتصادية في سبيل خلق الثروة و إعادة توزيعها في ظل تحول هائل في مفاهيم البرجوازية الصغيرة بعد أن تعرف مفهوم المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد و هذا يحقق للفرد أدنى مستويات الدخل في حالة العجز و المرض بمعنى الا يترك فرد من أفراد المجتمع على قراعة الطريق حتى الأشرار كما يقول ديزموند توتو و عبر خلق الثروة و إعادة توزيعها ستكون ثورة ديسمبر قد بلغت مبتغاها.
و في الختام ينبغي الحديث عن أن لحظة الانتصار لثورة ديسمبر التي تصادف تخلق العالم ليولد من جديد و عليه ننبه النخب السودانية لشئ مهم و هو أن العالم العربي و الاسلامي متعود على تفويت فرصة البداية الصحيحة مع العالم كما رأينا كيف فوت العالم العربي و الاسلامي لحظة نهاية الكينزية في مطلع السبعينيات من القرن المنصرم. و كيف سار العالم العربي و الاسلامي باتجاه الخواء و كيف سارت شعوب العالم المتقدم باتجاه الحياة و ما أكبر الاختلاف ما بين الخواء و الحياة.
و إذا بالعالم الاسلامي يقع في فكر الصحوة الاسلامية التي فتحت على دمار العالم العربي و الاسلامي حيث أصبح المجتمع الوحيد المقاوم للحداثة و كاره لعلومها و النتيجة خواء . عليه نقول للنخب السودانية عليكم أن تبدأوا بداية صحيحة مع عالم متجدد و فارقوا موروث النخب السودانية الفاشلة و استلفوا من تراث الانسانية المنتصر للحياة و بيننا و بينه ما يقارب خمسة عقود و هي لحظة نهاية الكينزية كديناميكية و بداية فكر الصحوات التي فتحت على عوالم الدواعش و من لف لفهم.
taheromer86@yahoo.com
/////////////////////////
و هي عاجزة أي النخب السودانية عن مفارقة عقلها الجمعي التقليدي و السبب لأننا ما زلنا تحت تأسير مؤرخ تقليدي و مفكر تقليدي و مثقف تقليدي لاحق للأحداث لم يسعفه الزمن أن يبداء مع العالم المتجدد من حولنا حقبة بعد حقبة و هنا ينام سر أن نخبنا السودانية التي لم تزال أسيرة وحل الفكر الديني من كل شاكلة و لون.
و لكنهم لهم القدرة على سودنة كل فكر و جعله محلي يسيطر عليه عقلهم العاجز بدلا من الشب عن طوقهم فاذا بهم يسودنون كل شي و يفرغونه من مضمونه حتى يبررون لعجزهم المزمن. مثلا لم يبداء أتباع مؤتمر الخريجيين حيث كانت بدايات مدرسة الحوليات و عقلانية ماكس فيبر بل لم يستوعبوا أصلا أن زمنهم كان مفصل تاريخي يعلن عن نهاية فلسفة تاريخ تقليدية و بداية فلسفة تاريخ حديثة كما أعلنت مدرسة الحوليات الفرنسية عن إنطلاقها متزامنة مع بداية الكساد الاقتصادي العظيم 1929 منذ ذلك التاريخ و النخب السودانية تتخبط كما السائر في ظلام دامس جيل عبر جيل.
لو عرف أتباع مؤتمر الخريجين أن الظواهر الاجتماعية في زمنهم تفتح على حلقات فكر جديدة لاستوعبوا ما طرحته مدرسة الحوليات من فتح الطريق لدراسة تاريخ الشعوب الاجتماعي و الاقتصادي و عبره كان يكون بمقدورهم معرفة تاريخ الخوف و تاريخ الذهنيات و كيف تفارق الشعوب عقلها الجمعي التقليدي بسبب جسارة مفكريين يرتقون الى مصاف الشخصيات التاريخية حيث يبذرون فكرهم و ينمو عبر القرون كما فعل كل من مارتن لوثر كشخصية تاريخية في فكرة الاصلاح الديني و تصادفت مع رغبة البرجوازية في تحقيق الازدهار المادي. وكيف تحدى جون كالفن تراث اليهودية و المسيحية المتراكم عبر آلاف السنيين و قد أصبح الأب الشرعي لسعر الفائدة لاغيا تراث يهودي مسيحي محبوس في فكرة الربا و مجسد لفكرة أن التجارة عمل غير أخلاقي. مدرسة الحوليات احتاجت لثلاثة عقود و يزيد حتى تصل أفكارها الى الجامعات الكبرى في فرنسا و تصبح أفق لا يمكن تجاوزه.
رغم أن هناك كثر من المفكرين و الاقتصاديين و علماء الاجتماع كانت رؤيتهم واضحة و ثاقبة منذ بداية مدرسة الحوليات و كانت مرشد لسياسيين مثلا روزفلت الرئيس الامريكي كان ناضج سياسيا عندما أحاط نفسه بمشرعيين قد عرفوا أن فلسفة التاريخ التقليدية قد أفلت و الفلسفة التاريخ الحديثة قد بدأت أشعتها في الظهور و نجد كينز قد أدخل فكرة كيفية قراءة النصوص الكلاسيكية لأدم اسمث حيث دمج كتابيه نظرية المشاعر الأخلاقية مع ثروة الأمم و جاءت فكرته متوافقة مع فكرة التدخل الحكومي من اجل فكرة خلق الطلب من قبل التدخل الحكومي و فكرة الانفاق الحكومي من اجل إنشاء مشاريع جديدة و هذا ما قام به روزفلت في مواجهة الكساد الاقتصادي العظيم و حينها قال كينز عندما قابل روزفلت و وصفه كسياسي بارع مشبع بالفكر الجديد أي يسير كسياسي في الطريق الذي ينبغي أن يسير عليه الاقتصادي في كيفية خلق الطلب و الوصول الى نهاية نظرية ساى أي أن العرض يخلق الطلب.
لكن عند كينز كاقتصادي و روزفلت كسياسي كانت هناك صدفة قد جعلتهم يلتقون في فكرة خلق الطلب عبر فكرة التدخل الحكومي عبر انفاق عام يخلق فرص عمل جديدة. ما أود قوله مثلا في راهننا اليوم العالم يتخلق ليولد من جديد و يحتاج لديناميكية جديدة سوف تكون على مدى ثلاثة عقود قادمة و هي فكرة الحماية الاقتصادية أي أن تنطوي كل أمة على نفسها من أجل إنعاش صناعاتها الوطنية و في حالتنا كمجتمع تقليدي كيفية تحولنا الى مجتمع صناعي و لنا موارد تتيح لنا مثل هذه الفرصة و كيف أنها نابعة من صميم الفكر الليبرالي و ليست من أوهام يسارنا السوداني الرث بميوله الشمولية في شيوعي متحجرة لم تؤمن بعد بأخلاقية الفرد و عقلانيته.
التحول من مجتمع تقليدي الى مجتمع حديث يحتاج لنخب تهندس مثل هذه النقلات الهائلة و لهذا نقول أن المثقف العضوي الذي نحتاجه لمثل هذه الطبقات الصاعدة ليس من أتباع أحزاب اللجؤ الى الغيب أي أحزاب الطائفية و أتباع الحركة الاسلامية و السلفيين و ليس من أتباع النسخة المتحجرة من الشيوعية السودانية بل مثقف عضوي زاده معرفة تاريخ الانسانية التاريخية و الانسان التاريخي ليكون قادر على خلق إتفاقيات مع المجتمعات الحديثة و هي الآن تحتاج لموارد مقابل نقل خبرتها الصناعية لحيزنا التقليدي و لهذا نقول نحتاج لنخب مكافئة من ناحية مستوى الوعي لوعي عقل ورثة عقل الأنوار و بالتالي تكون الاتفاقيات مع الغرب في نقل خبرته الصناعية مقابل مواردنا التي تعشم في استغلالها مصر مسدودة الأفق فيما يتعلق بتحولها الى دولة صناعية و يكون مثقفنا العضوي مدرك لهذا العمل و ليس كما يعمل الجاهل حميدتي في بيعه الذهب لكل من روسيا و الامارات.
المثقف العضوي الذي يحتاجه سودان الطبقات الصاعدة الآن من جيل ثورة ديسمبر يعرف أن ليس لمصر و الامارات و السعودية ما نحتاجه في سبيل نقل مجتمعنا الى مجتمع حديث لأنها ليس عندها ما نحتاجه من خبرة صناعية كما هو موجود عند الدول الغربية و هي الآن في صف ثوار ثورة ديسمبر مع أحرار العالم تساعد في إمكانية التحول الاجتماعي و التحول الديمقراطي و لذلك عندما نزيل إنقلاب البرهان الفاشل على النخب السودانية أن تفكر في التعامل بجدية في سبيل نقل خبرات الغرب الصناعية مقابل مواردنا وفقا لاتفاقيات تقودها نخبة مكافئة في وعيها لوعي نخب الغرب الحديث.
هذا يحتاج لتغير مفهومنا عن نفسنا و عن الغير في زمن أصبحت فكرة المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد تعني فكرة الضمان الاجتماعي و أن الديمقراطية قد صارت بديلا للفكر الديني أي لا يمكن تحقيق ديمقراطية بأحزاب دينية لأن الديمقراطية قد أصبحت بديلا للدين في زمن لم يعد للدين أي دور بنيوي على صعد السياسة و الاقتصاد و الاجتماع.
في زمن يتحدث الاقتصاديين و علماء الاجتماع عن التقارب الطبقي و التضامن الطبقي و التصالح الطبقي و ليس عن الصراع الطبقي كما يتوهم الشيوعي السوداني و بالتالي يمكننا التحدث عن ظواهر المجتمع بدلا عن الصراع الطبقي و الفرد في علاقته بالدولة بدلا عن الطبقة حيث أصبح شأن الفرد في صراعه مع المجتمع فيما يتعلق بالحرية و العدالة و الدين نفسه قد أصبح شأن فردي بين الفرد و ربه.
كل ذلك يجبرنا على تغير عقلنا الجمعي التقليدي و مفارقته و هذا يجعلنا مجبرين أن نعرف مفهوم تاريخ الخوف و تاريخ الذهنيات الذي قد تجاهله المؤرخ السوداني التقليدي الذي إنشغل بفكرة الأصالة و الحداثة في زمن قد قضت فيه الحداثة على جلالة السلطة و قداسة المقدس و نحن ما زلنا في سطوة مثقف تقليدي و مؤرخ تقليدي و مفكر تقليدي تشغله فكرة سلاسل الجحيم و كيفية الخلاص الأخروي.
عقل الخلوة المسيطر على النخب السودانية و قد ارتضت أن تكون في صحبة الاسلاميين و ارتضوا أن يكون وهم مفكر اسلامي يجعلهم في مستوى عقل الاستعداد للانخداع من قبل الكيزان كما رأينا كيف خدع الكوز خالد التجاني مجموعة من النخب السودانية في لقاء نيروبي.
أتذكر جيدا عندما خدع الكوز خالد التجاني كل من كمال الجزولي و رشا عوض و النور حمد في لقاء نيروبي و قد أعطوه شيك على بياض في إستثمار الكيزان لفكر اللجؤ الى الغيب كنت أتسأل ألم يدري كل من النور حمد و رشا عوض و كمال الجزولي أن توكفيل قبل ما يقارب القرنيين قد قال أن الديمقراطية قد أصبحت بديلا للدين و أن الدين قد أصبح شأن فردي؟ و قد قال أن الكاثوليكية و الكاثوليك كانوا كحال الكيزان اليوم و كحال أحزاب الطائفية يظنون أنهم بإمكانهم تحقيق ديمقراطية إلا أن توكفيل كان يقول لهم هيهات لأن الديمقراطية أصلا هي بديلا للفكر الديني و هنا ندعو النخب السودانية في التفكير في هذا المنحى أي أن الديمقراطية بديلا للدين و لا يمكن تحقيق ديمقراطية بأحزاب يرتكز فكرها على و حل الفكر الديني.
لهذا عندما فاجأت ثورة ديسمبر النخب السودانية قلنا لهم أن ما تركته الانقاذ من ركام يجب كنسه من أساسه و تأسيس فكرة الدولة الحديث بعقل جديد كان مفقود عند النخب السودانية و رأينا كيف تكالبوا على الوظائف و المحاصصة على سلطة ليست ذات علاقة بمفهومها الحديث فيما يتعلق بتارخ الانسانية التاريخية و عليه نقول لهم من جديد بعد إزالة إنقلاب البرهان الفاشل يجب أن تفكيك التمكين و ينبغي التعامل مع الكيزان بلارحمة حتى لا يتركوا في مفاصل المجتمع و يعيقون تحركه نحو التحول الاجتماعي.
و بالتالي يعيقون التحول الديمقراطي. يجب أن تكون هناك تشريعات كبرى تجب ما تركته الانقاذ من سلطة قضائية فاسدة يدافع عن ديمومتها قانونيين سودانيين يمثلون أضعف حلقة في سلسة النخب السودانية. و أن يكون البنك المركزي سيد سياساته الاقتصادية و سياساته النقدية و مسيطر على بقية البنوك كبنك البنوك وزارة مالية مسيطرة على المال العام.
بعد توضيح ملامح الدولة الحديثة ليس للجيش أي دور لا في التجارة الخارجية و لا إستثمارات الشعب السوداني في الداخل لأن مسألة النشاط الاقتصادي من إختصاص اقتصاديين يعرفون كيف تطبّق النظريات الاقتصادية في سبيل خلق الثروة و إعادة توزيعها في ظل تحول هائل في مفاهيم البرجوازية الصغيرة بعد أن تعرف مفهوم المسؤولية الاجتماعية نحو الفرد و هذا يحقق للفرد أدنى مستويات الدخل في حالة العجز و المرض بمعنى الا يترك فرد من أفراد المجتمع على قراعة الطريق حتى الأشرار كما يقول ديزموند توتو و عبر خلق الثروة و إعادة توزيعها ستكون ثورة ديسمبر قد بلغت مبتغاها.
و في الختام ينبغي الحديث عن أن لحظة الانتصار لثورة ديسمبر التي تصادف تخلق العالم ليولد من جديد و عليه ننبه النخب السودانية لشئ مهم و هو أن العالم العربي و الاسلامي متعود على تفويت فرصة البداية الصحيحة مع العالم كما رأينا كيف فوت العالم العربي و الاسلامي لحظة نهاية الكينزية في مطلع السبعينيات من القرن المنصرم. و كيف سار العالم العربي و الاسلامي باتجاه الخواء و كيف سارت شعوب العالم المتقدم باتجاه الحياة و ما أكبر الاختلاف ما بين الخواء و الحياة.
و إذا بالعالم الاسلامي يقع في فكر الصحوة الاسلامية التي فتحت على دمار العالم العربي و الاسلامي حيث أصبح المجتمع الوحيد المقاوم للحداثة و كاره لعلومها و النتيجة خواء . عليه نقول للنخب السودانية عليكم أن تبدأوا بداية صحيحة مع عالم متجدد و فارقوا موروث النخب السودانية الفاشلة و استلفوا من تراث الانسانية المنتصر للحياة و بيننا و بينه ما يقارب خمسة عقود و هي لحظة نهاية الكينزية كديناميكية و بداية فكر الصحوات التي فتحت على عوالم الدواعش و من لف لفهم.
taheromer86@yahoo.com
/////////////////////////