الاستقلال بين الأمل وحالة الانكسار

 


 

 

في البدء لابد أن نهنئ الشعب السوداني بالذكرى 67 للاستقلال الذي لم يكتمل بعد حتى يشعر الكل بالأمان و الحياة الكريمة و الاستقرار الاجتماعي و السياسي. و نهنئ الشعب السوداني و كل شعوب العالم بالسنة الجديدة و أن يكون عام أمن و سلام.
تمر الدول في مسيرتها التاريخية بتحديات عضال تحاول كسر هامة أبنائها لكي ترضخ لمطلب دول أخرى، و أيضا تمر بنزاعات و حروب داخلية، و أطماع استعمارية و محاولات نهب لثرواتها، و تستطيع الدول أن تحقق مقاصدها بسهولة إذا وجدت مناطق رخوة في نسيج الدولة الاجتماعي، عناصر تقدم نفسها سلع في سوق النخاسة بهدف مكاسب فردية أو حزبية رخيصة. لكنه تعجز تماما في تحقيق الأهداف عندما يكون الشعب واعي لمصالحه، و أنه قوى الشكيمة لا ينكسر أمام المغريات.
أن ثورة ديسمبر 2018م تختلف عن الأخريات، في استمرارية النضال من أجل تحقيق أهداف الثورة. و رغم أختلاف تقييم القوى السياسية و الأفراد للسلبيات التي حدثت في حكومتي حمدوك و تشظي الحاضنة السياسية، لكن استمرار وجود الشباب في الشارع دفاعا عن الثورة، ظاهرة تحتاج للدراسة لمعرفة التحولات التي طرأت في المجتمع، و جعلت الشارع لا يتراجع عن تحقيق مطالبه، عكس ثورة أكتوبر و انتفاضة إبريل حيث سقط النظامان و رجعت الجماهير تاركة الشأن للنخبة السياسية التي عجزت أن تحافظ على النظم الديمقراطية، و عجزت عن عملية أكمال بناء الاستقلال في توفير الحياة الكريمة للشعب و الاستقرار. الجديد في هذه الثورة أن الشباب لم يتركوا الساحة للنخب السياسية، بل ظلوا حريصين لمتابعة التطورات فيها، و تقديم كل التضحيات من أجل إرجاع قطار الثورة لجادة الطريق.
أن الذي يشهده السودان اليوم من انتكاسات سياسية، و عجز النخبة السياسية التي فشلت في أن تقدم مشروعا سياسيا لكي يجد توافقا عريضا في المجتمع، يعتبر دلالة على حاجة البلاد لتغير العقل الذي يسيطر على الساحة السياسية، و استمرار الشباب في الشارع من أجل التغيير، ينذر ببروز عقل جديد ناشيء، أن تخلق العقل الجديد يعني تجاوز للعقل السياسي الجامد، و الموروث السياسي الذي يعتمد على ثقافة سياسية خاملة، و عاجزة أن تقدم تصورات جديدة لبناء المستقبل، هي التي تصنع كوابح لنهوض العقل الجديد، عقل يريد أن يفارق كل الشعارات البالية التي كان قد أنتجها العقل القديم، حيث فشل أن ينزلها على الأرض عبر مسيرته التاريخية. فالعقل الجديد بدأ يتخلق، و تظهر معالمه من خلال تعدد الأدوات التي بدأ الشباب في استخدامها، لكي يؤكدوا بها أن النهضة تعني أن تجعل كل أدوات الإبداع مستخدمة في حوار النهضة. هذأ الإبداع هو الذي جعل بعض القيادات السياسية تتأمر مع العسكر لفض الاعتصام خوفا من ضياع مصالحهم و تطلعات البعض للسلطة.
أن ظاهرة استمرار الشباب في الشارع تؤكد أن عمود الأمة مايزال قويا عصيا على الإنكسار، و مادام العمود قويا سوف تتكسر عنده كل دعوات التخازل و الانكسار التي تؤسس على المصالح الضيقة، و التي تجعل بعض الدول طامعة في ثروات البلاد، و أتذكر هنا مقولة لبرهان غليون وردت في كتابه ( مجتمع النخبة) يقول فيها " المطلوب هو دائما أحداث قفزة في الفكر الخامل و الراكد تنقله من حالة العجز إلي حالة القوة و الحيوية. أي المطلوب دائما هو تغير العقل، و هذا يعني تغيير مفاهيم الناس القديمة البالية و استبدالها بمفاهيم جديدة صالحة للعصر الجديد" بالفعل المطلوب مفاهيم جديدة تدرس ظاهرة فشل النخب السياسية، و تقدم تصورات جديدة تتجاوز بها تراكمات الفشل السياسي. الملاحظ في الأربعة سنوات من عمر الثورة و عدم استقرار السودان ظلت القوى السياسية جميعها عاجزة أن تقدم أفكار جديدة يكون فيها الوطن هو سيد الأجندة، جميع القوى السياسي تبحث عن الطريق الذي يجعلها هي وحدها ذات القول الفصل، و لها اليد العليا. الأمر الذي يعقد المشهد السياسي. أن العقل الجديد هو القادر أن يستخدم أدوات إبداع لكي ينتشل البلاد من وهدتها. و نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com
////////////////////

 

آراء