لماذا الجيش يقاتل على الصعيدين ..؟

 


 

 

شكلت الحرب أصعب و أكبر إختبار على الصعيدين العسكري و السياسي، و خاصة السياسي الذي غاب تماما بعد انفجار الحرب حيث لزمت القوى السياسية الصمت، و بقيت قوى الحرية و التغيير المركزي وحدها هي التي تصدر بياناتها لكي تؤكد على استمرارية وجودها على الأرض، أما القوى الأخرى قررت أن تبتعد في هذا الوقت و تلزم جانب الصمت و تعطي الجيش حق التعبير نيابة عنها، و الغريب هناك بعض القيادات التي تظهر في القنوات تصرح أن ( الاتفاق الإطاري) مرحلة أنتهت و بعد الحرب سوف يكون هناك واقعا جديدا، السؤال كيف يكون ذلك؟ لا إجابة عندهم.. هؤلاء ينتظرون ما يقرره الجيش بعد الحرب، في إعتقاد أن الذي ينتصر في الحرب هو الذي سوف يشكل مستقبل السياسة في السودان. و تتوسع دائرة القناعة في الشارع السياسي بسبب الدعم الذي وجده الجيش من أغلبية المواطنين في مناطق السودان المختلفة. أما في الساحة السياسية هناك حالة من السكون الذي يوضح أزمة القوى السياسية.
معلوم أن الحرب هي نتيجة إخفاق القوى السياسية في تقديم رؤى تنجح في استقطاب قطاع واسع للجماهير تفرض به وجودها في الساحة، و أيضا عجزت أن تقدم أي مبادرات وطنية تحدث حوارا سياسيا يستطيع أن يقلل فرص العنف و الحرب و يخرج البلاد من الأزمة السياسية الخانقة. و قوى الحرية المركزي الداعمة لمنصة ( الاتفاق الإطاري) لرغبتها أن تكون سلطة الفترة الانتقالية في نطاق ضيق لقوى سياسية بعينها، جعلها ترفض توسيع قاعدة المشاركة، و عدم نجاحها في إقناع قيادة الجيش برؤيتها الإقصائية، جعلها تذهب في اتجاه أخر أدى إلي الحرب الدائرة. لكنها ظلت باقية في الساحة من خلال أصدار تعليقات على مجريات الأحداث و الحرب ترسلها عبر بعض القنوات العربية في رسائل تتعلق بالجانبين الداخلي و الخارجي، و خاصة الخارجي لكي تؤكد بها إنها القوى السياسية الوحيدة الفاعلة في المسرح السياسي. مع غياب كامل للقوى الأخرى التي علقت عملها السياسي لما بعد معرفة نتيجة الحرب.
أن الحرب الدائرة تؤكد أن هناك ضعف في أداء القوى السياسية منفردة و متحالفة، و ضعف الأداء يبين ضعف القيادات الجالسة على قمة هرم هذه القوى. أن الأزمات و الحروب هي التي تظهر فيها فاعلية القوى السياسية و قدرات قياداتها، لآن الأزمات تحتاج لقيادات نوعية ذات قدرات عقلية تتعاطى مع الأزمة من خلال تقديم أفكار تجعلها تنفذ للأزمة بصورة مباشرة. لكن القيادات الحالية كل قدراتها تمكنها فقط أن توصف الحالة، و لا تستطيع أن تذهب أبعد من ذلك. و هي حالة الضعف التي كانت تعيشها قبل ثورة ديسمبر 2018م و التي جعلتها غير قادرة على تحقيق شعارات الثورة، و الاتجاه الصحيح لعملية التحول الديمقراطي. فهي جاءت الساحة السياسية بعد الثورة منهكة لذلك كان عطاؤها ضعيفا، و سيظل ضعيفا إذا لم تسمح بصعود أجيال جديدة لقمة هرم الأحزاب، تغيير طبيعة التفكير السالب إلي تفكير إيجابي يضخ كمية من الأفكار التي تخلق حوارا سياسيا و مجتمعيا، يحرك بها عملية الوعي المجتمعي. لأن السائد الآن جمود العقل السياسي الذي يعيد إنتاج أزمته بشكل مستمر، و الملاحظ في الساحة السياسية أن المكون العسكري وحده هو الذي يغيير الأجندة في الساحة بما يتوافق مع رؤيته للعملية السياسية، و حتى إذا جاءت أجندة أخرى من قبل قوى سياسية يكون المكون العسكري مساهما فيها بحجم أكبر، و هذا يعود لمشكلة أن هناك قيادات سياسية تفرض ذاتها داخل مؤسساتها الحزبية دون إيجاد أي معارضة فاعلة، و أيضا في المسرح السياسي الذي تتنافس فيه الرؤى العاجزة التي لا تستطيع أن تجذب قطاعا واسعا لدائرة الحوار حول هذه الرؤى.
مثالا لحالة الضعف نجد أن الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل ( مجموعة جعفر الميرغي) أيدت القوات المسلحة، و أكتفت بالتأييد و ذهبت في حالة من النوم العميق تنتظر نتيجة الحرب، لآن ما بعد الحرب مستقبل سياسي سوف يشكله المنتصر فيها، حالة السكون للحزب الاتحادي تبين أن القيادة لا تستطيع أن تنظر للعملية السياسية إلا في حدود توزيع غنائمها، ألمر الذي يبن نوعية القيادات و محدودية الرؤية عندها، هي قيادات أفرزتها الأزمة و شكلت وعيها بذات القدرات السياسية الضيفة المتماهية مع شروط الأزمة. هذه حالة لكنها منتشرة داخل القوى السياسية. فالحزب الشيوعي الذي يعاني من أزمة قيادة عجز أن يتعاطى مع الأزمة بإجابية أن يضخ أفكار في الساحة تعجل بنهاية الحرب. و هذه المشكلة ليست في قيادة الحزب بل في أغلبية عضويته التي فوق الخمسين هؤلاء يعانون من أزمة مواجهة خوفا من الفصل و الإبعاد و التجميد لذلك أصبحوا كتل صماء لا تستطيع تقديم أي أراء غير أنها ترفع نشاطات الناشطين الذين يعملون في وسائط الإعلام لاجتماعية. تأكدا على جمود العقل.
الآن كل القوى السياسية منتظرة أن الجيش ينتصر على المليشيا، و يأتي لكي يضع الأجندة السياسية لما بعد الحرب. و هؤلاء يرفعون شعارات الديمقراطية دون أن يكون لهم إسهام في عملية صناعة الديمقراطية، و يريدون إبعاد الجيش عن العملية السياسية و في ذات الوقت يرفعون شعار إبعاده عن السياسة هذه تناقضات لا تستطيع أن تقود مجتمع لبناء الديمقراطية. هؤلاء بسلوكهم يريدون الجيش يدير الحرب و السياسة في ذات الوقت. نسأل الله لهم و لنا حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com

 

آراء