الخطر الأعظم على بلاد السودان (1) !!
البراق النذير الوراق
16 June, 2023
16 June, 2023
(1)
يهدف هذا المقال لتنبيه الجميع بالخطر المحدق ببلاد السودان والإقليم بسبب الحرب الدائرة حالياً، فعلى الرغم من أن هذه الحرب يمكن أن تضع أوزارها في أي لحظة تحت وطأة الضغط الدولي بأكثر من الضغط الداخلي، إلا أن عوامل استمرارها تتزايد بتوسع رقعتها يوماً بعد آخر، وظروفها تغري بدخول لاعبين آخرين، لهم مصالح تتقاطع حيناً وتتطابق في أحيان أخرى.
وتعبير بلاد السودان وليس دولة السودان يضع الموقع الجغرافي والحدود المفتوحة على سبع دول بدون أي حواجز طبيعية تحد من الحركة وتستجيب للسيطرة، في قلب الجدال حول الحرب القائمة حالياً بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع ذات الطابع المليشيوي، والتغيرات المحتملة في طبيعتها والمآلات المتوقعة في حال استمراراه لوقت طويل. كما يمكن أن يثير هذا التعبير الانتباه للتداخل بين المجموعات السكانية الموجودة على الحدود بين السودان وهذه الدول السبع، وهو تداخلاً يحمل معه كل السمات الاقتصادية والثقافية والسيسيولوجية بما فيها المصالح والعادات والتقاليد والطبائع والأعراف السائدة بين هذه المجتمعات.
داخلياً يمكن تحديد فئات تعتبر سواداً غير متجانس، يؤكد حالة التشظي داخل المجتمعات السودانية التي بلغت مداها، وهذه الفئات أن تُقسَّم إلى:
1- مؤيد للحرب منحازاً لطرف ضد الآخر لمصالح مباشرة مع هذا الطرف أو ذاك،
2- رافض للطرفين ورافض للحرب حتى وإن كان خلف هذا الرفض مصلحة سياسية منظورة منتظرة،
3- أو رافض للحرب من حيث هي ولأسباب إنسانية أو مخاوف ذاتية مجردة أو إشفاق وطني أصيل،
4- ومن يقف في خانة الحياد باعتبار أن ما يحدث حرب ماجنة لا طائل من المناداة بوقفها أو استمرارها،
5- أو من يقف على الحياد في انتظار انتصار طرف على الآخر حتى يعلن مساندته له، وهذه تشكل مجموعة صغيرة انتهازية بامتياز
6- أو من يقف على الحياد بلا مبالاة وفي عزوف كامل يصل مرحلة الاقتناع بألا جدوى من الدخول في هذا المعمعان وليحدث ما يحدث حتى ولو انهارت الدولة.
وبهذا فإن القوى الداخلية ووفق هذا التشظي ليس بإمكانها التأثير إيجابياً في الصراع الدائر حالياً إلا إذا وقفت موحدة وبأهداف واضحة ومحددة خلف قوى وحيدة سيأتي بيانها في خاتمة هذا المقال.
ولكن خارجياً تقف العديد من الدول خاصة في الجوار والإقليم، على أمشاطها فزعاً من مآلات هذه الحرب وانعكاساتها وتأثيرها على أوضاعها الداخلية، كما ترقب العديد من دول العالم الأخرى خاصة الدول وثيقة الصلة بدول الإقليم وبأفريقيا وذات المصالح المشتركة معها، ما يحدث في بلاد السودان وتصحو في كل يوم وعلى يد قادتها الآلات الحاسبة، والأوراق والوثائق المتناثرة، والمعلومات المُحدَّثة، وبعض هذه الدول أصبعها على الزناد!
بعد حدوث هذه الحرب بدا من الواضح أن الوضع الداخلي في بلاد السودان وصل مداه من التشظي، بين القوى المدنية/المدنية، والقوى المدنية/العسكرية، ولكن ما هو أسوأ أن الخطر الذي كان يحذر منه أغلب الفاعلين في المشهد السياسي أصبح واقعاً، وهو الوصول لمرحلة التشظي العسكري/العسكري خاصة مع وجود تسعة فصائل مسلحة متوزعة على مختلف الأراضي السودانية بالإضافة للجيش والدعم السريع. على أن الخطر الأسوأ على الاطلاق من هذا التشظي، هو بروز مجموعات أخرى، أكثر دربة، وأعلى مقدرات على خوض المنازعات، وأكبر قوة وتنظيماً حين تنهار القوى المتصارعة، أو تتراجع وتضعف قدراتها خاصة القدرات العسكرية، وهنا أقصد القوى والجماعات الدينية المتطرفة.
وعلى الرغم من تقدير الكاتب بأن هذه القوى والجماعات المتطرفة خاصة داعش، لا يمكن أن تكون جزءاً من مشروع تحالف مع القوات المسلحة أو الدعم السريع بقيادتيهما الحالية، خاصة مع المناهضة الكبيرة والمنظمة لهذه الجماعة والجماعات المماثلة من عدد كبير من دول العالم وفي قلبها الدول ذات الثقل السياسي والقدرات الاقتصادية والعسكرية، والتي تحرص قيادة القوات المسلحة وقيادة الدعم السريع على حفظ درجة من الود معها لأسباب عديدة، إلا أن الجدير بالنظر أن القوى والجماعات المتطرفة لا تنتظر أحلافاً على شاكلة الجيش أو الدعم السريع لتجد لها موطئ قدم في أرض السودان الذي أصبح مفتوحاً أمامها ومتضعضعاً على المستوى الأمني والسياسي والاقتصادي، فهي لديها أحلافاً خفية ظاهرة، وحلفاء بمقدرات ووجود وانتشار، ولكن وضع هؤلاء الحلفاء السياسي والتزاماتهم القانونية ووضعهم التأميني، لا يسمح لهم بالتدخل في الشأن السوداني بشكل سافر، ولذلك يتحالف هؤلاء مع مثل هذه الجماعات المتطرفة ويقدمون لها يد العون والمساعدة لتحقيق مصالح مشتركة في تقاسم الموارد الوفيرة كالذهب واليورانيوم، ولاكتساب مواقع على الأرض للوصول لتلك الموارد، ولإيجاد أسواق للسلاح والمخدرات ومنتجات أخرى، وللاستفادة من حالة الفوضى لمواجهة أو دحر أعداء آخرين لا يستطيعون مواجهتهم بوجه مكشوف.
الحركة الإسلامية وقادة القوات المسلحة
ظل العسكريون حريصين على الظهور بمظهر حماة الدولة وأمنها والديمقراطية والتغيير وكذلك الدفاع عن الحكم المدني والثورة، وذلك منذ ظهور المجلس العسكري الأول (أبريل 2019)، وحتى اندلاع حرب 15 أبريل 2023 بينهم كحلفاء يمثلون الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ووصف قيادات الأول للثانية بالمتمردين، ووصم الثانية لقيادات الأول بالانقلابيين؛ ولكن العامل الجديد الذي ظهر بعد اندلاع الحرب هو أن الدعم السريع يحاول أن يضع قادة القوات المسلحة في خانة المدافعين عن مصالح الإسلاميين، وكأن الدعم السريع تحالف معهم طيلة الأربع سنوات الماضية وخاض معهم في الجرائم والمؤامرات والانقلابات والدسائس دون أن يتحقق من موقفهم من هذا التغيير! فهل كان الدعم السريع بهذه السذاجة ليصدق ويتعامل مع قادة القوات المسلحة كمجرد ضباط وطنيين ثوريين ولا منتمين حزبياً؟! وهل كانت قيادة القوات المسلحة بهذا الذكاء حتى تخفي حلفها مع الإسلاميين طيلة هذه المدة وتظهر ودها واتفاقها مع الدعم السريع، وهي مضمرة ومتماهية مع حلف آخر أشد وثاقاً؟!
قد يبدو للكثيرين أن قيادة الجيش السوداني قريبة من الإسلاميين خاصة خلال الحرب الدائرة حالياً في السودان، ولكن بإمعان النظر جيداً نجد أن العكس هو الذي كان حادثاً منذ انهيار نظام البشير في طوره الأول تحت وطأة الثورة الشعبية الباسلة، وهو ما ظل يحدث حتى اليوم. فالإسلاميون وقياداتهم علموا منذ وقت بعيد، أي إبان سقوطهم الأول بالاعتصام الباسل أمام ساحة القيادة العامة للجيش في 2019، ألا طريق يوصلهم للسلطة من جديد إلا عبر القوى العسكرية نفسها التي ساهمت في إزاحتهم بما فيها الدعم السريع؛ وقد حاول الإسلاميون التقرب من المجلس العسكري الذي أسقطته الثورة بعد أبريل 2019 بأشكال وصور عديدة وفي مناسبات مختلفة، بدءاً من محاولة المشاركة بعناصر لهم في المجلس العسكري الأول، وتلا ذلك محاولة الدخول لبوابات القصر عبر القيادات الأهلية والكيانات الجهوية، ثم أردفوا ذلك، بخطاب غزلٍ ممجوجٍ يفرق تلك السلطة ويميز فيها بين المدنيين والعسكريين وكأنهما ليسا شريكين، هذا على الرغم من أن العسكر أكد أنه أعطاهم ظهره بالكامل بتوقيعه للوثيقة الدستورية في أغسطس 2019، وبتوقيعه مرة أخرى بعد الانقلاب على السلطة الانتقالية في 25 أكتوبر 2021 مع رئيس الوزراء المستقيل عبدالله حمدوك على اتفاق في نوفمبر 2021 لم يصمد طويلاً بسبب تنصل العسكر عن التزاماتهم فيه وابتعاد القوى المدنية عنه فزعاً من الشارع أو طمعاً في مشاركة جديدة، ومن ثم بتوقيع طرفي الحرب الحالية قبل اندلاعها بأشهر على اتفاق إطاري جديد في ديسمبر 2022.
وبهذا لا يبدو أن العسكر ابتلعوا طعم الإسلاميين، بل على العكس حاولوا في كل مرة أن يجعلوا من هذه الحالة المائعة، بداية فقط لانتهاز والتقاط الفرص المتهاوية من أخطاء المدنيين المعارضين للإنقاذ الساقطة والذين تسلموا السلطة، ومن أخطاء الموالين للإنقاذ الساقطة بمختلف لافتاتهم، وهي محاولات استمرت كثيراً وبشتى الحيل، من أجل وراثة الحكم عن الإسلاميين عوض الانتقال المدني الديمقراطي المفضي للانتخابات، ومن ثم الاستفراد به بعد ذلك تماماً نحو دولة استبدادية تخفي قبحها بتمثيل مدني زائف خلف شعارات حماية الدولة، وهي ما يمكن تجديدها لاحقاً وفي كل مرة بانتخابات صورية تأتي بهم من جديد مثلما حدث ويحدث في المنطقة. إن القيادات العسكرية من الجيش والدعم السريع، لم تكتف بالإسلاميين فقط، بل استخدمت مجموعات غير إسلامية، وجزء من المجموعات المدنية والمسلحة التي وقعت مع الحكومة الانتقالية على اتفاق سلام جوبا (أكتوبر 2020) ومجموعات أهلية وجهوية ودينية وأصحاب رؤوس أموال، بل واستخدمت كذلك التناقضات داخل قوى الثورة ذاتها من أجل تحقيق انفرادها الكامل بالحكم، وغني عن القول أن دخول جزء من الإسلاميين وقوى كانت مشاركة لنظام البشير حتى سقوطه، ضمن الاتفاق الإطاري الأخير يبدو كأحد الشواهد البائنة لهذا المنحى الذي يتخذه العسكر لانتهاز والتقاط الفرص.
على أن أكثر الجهات التي لم تقترب منها القيادات العسكرية بشكل واضح، هي الجماعات الإسلامية المتطرفة، ولا أعزو ذلك لخوف من جارٍ أو بعيد، ولكن إحدى الفرضيات الأساسية التي يقوم عليها هذا المقال، أن القيادات العسكرية لم تقترب من مثل هذه المجموعات إلا في إطار ضيق وفي حدود وجود هذه الجماعات ضمن التحالفات الكبيرة التي لا تظهر فيها هذه المجموعات إلا من خلال أفراد معروفون بتقلباتهم السياسية والفكرية بأكثر من صلابتهم المذهبية. إنما أعزوه لإدراك القادة العسكريين في الجانبين( القوات المسلحة والدعم السريع)، أن نهايتهم ستكون على يد هذا النوع من الجماعات إن هم حاولوا التحالف السافر معها؛ وبهذا فإن هذه الجماعات هي الوحيدة التي يمكن أن يشن عليها الجانبان الحرب بلا هوادة وبلا مواقف تكتيكة، بل وفق استراتيجية واضحة المعالم والعكس صحيح، والسبب الأكيد هو معرفتهم بأن هذه الجماعات أشرّ من ثمود وعاد مجتمعات، ليس بسبب امتلاكها لشدة القتال والبأس، ولكن لأن السودان بوضعه السابق والحالي يمثل بيئة مثالية لانتشار خطابهم وبسط سيطرتهم واستقطابهم حتى للجنود المقاتلين في الجهتين، مع قدرة هذه الجماعات على تحريك مجموعات من مناطق أخرى قريبة وبعيدة، ما سينسف حلم السيطرة والانتصار للقوات المسلحة والدعم السريع متفرقين أو جماعة، وفق تصوراتهم وتصورات أنصارهم السائدة الآن، بل ربما ينسف حلم العودة لسودان الرابع عشر من أبريل ذاته، أي قبل الحرب بيوم، وهي الحالة التي قد تسود لمدة تطول كثيراً إن لم يحدث فض عاجل للنزاع الدائر الآن، ووفق اتفاق ملزم وضمانات ذات موثوقية يخرج القوات المسلحة والدعم السريع من السلطة، ويتم بموجبه تطبيق عاجل لإصلاح عسكري وأمني داخل الجيش يتضمن نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج لكل المجموعات المسلحة وصولاً لجيش واحد بمهنية عالية وعقيدته الأساسية حماية الدولة.
baragnz@gmail.com
يهدف هذا المقال لتنبيه الجميع بالخطر المحدق ببلاد السودان والإقليم بسبب الحرب الدائرة حالياً، فعلى الرغم من أن هذه الحرب يمكن أن تضع أوزارها في أي لحظة تحت وطأة الضغط الدولي بأكثر من الضغط الداخلي، إلا أن عوامل استمرارها تتزايد بتوسع رقعتها يوماً بعد آخر، وظروفها تغري بدخول لاعبين آخرين، لهم مصالح تتقاطع حيناً وتتطابق في أحيان أخرى.
وتعبير بلاد السودان وليس دولة السودان يضع الموقع الجغرافي والحدود المفتوحة على سبع دول بدون أي حواجز طبيعية تحد من الحركة وتستجيب للسيطرة، في قلب الجدال حول الحرب القائمة حالياً بين القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع ذات الطابع المليشيوي، والتغيرات المحتملة في طبيعتها والمآلات المتوقعة في حال استمراراه لوقت طويل. كما يمكن أن يثير هذا التعبير الانتباه للتداخل بين المجموعات السكانية الموجودة على الحدود بين السودان وهذه الدول السبع، وهو تداخلاً يحمل معه كل السمات الاقتصادية والثقافية والسيسيولوجية بما فيها المصالح والعادات والتقاليد والطبائع والأعراف السائدة بين هذه المجتمعات.
داخلياً يمكن تحديد فئات تعتبر سواداً غير متجانس، يؤكد حالة التشظي داخل المجتمعات السودانية التي بلغت مداها، وهذه الفئات أن تُقسَّم إلى:
1- مؤيد للحرب منحازاً لطرف ضد الآخر لمصالح مباشرة مع هذا الطرف أو ذاك،
2- رافض للطرفين ورافض للحرب حتى وإن كان خلف هذا الرفض مصلحة سياسية منظورة منتظرة،
3- أو رافض للحرب من حيث هي ولأسباب إنسانية أو مخاوف ذاتية مجردة أو إشفاق وطني أصيل،
4- ومن يقف في خانة الحياد باعتبار أن ما يحدث حرب ماجنة لا طائل من المناداة بوقفها أو استمرارها،
5- أو من يقف على الحياد في انتظار انتصار طرف على الآخر حتى يعلن مساندته له، وهذه تشكل مجموعة صغيرة انتهازية بامتياز
6- أو من يقف على الحياد بلا مبالاة وفي عزوف كامل يصل مرحلة الاقتناع بألا جدوى من الدخول في هذا المعمعان وليحدث ما يحدث حتى ولو انهارت الدولة.
وبهذا فإن القوى الداخلية ووفق هذا التشظي ليس بإمكانها التأثير إيجابياً في الصراع الدائر حالياً إلا إذا وقفت موحدة وبأهداف واضحة ومحددة خلف قوى وحيدة سيأتي بيانها في خاتمة هذا المقال.
ولكن خارجياً تقف العديد من الدول خاصة في الجوار والإقليم، على أمشاطها فزعاً من مآلات هذه الحرب وانعكاساتها وتأثيرها على أوضاعها الداخلية، كما ترقب العديد من دول العالم الأخرى خاصة الدول وثيقة الصلة بدول الإقليم وبأفريقيا وذات المصالح المشتركة معها، ما يحدث في بلاد السودان وتصحو في كل يوم وعلى يد قادتها الآلات الحاسبة، والأوراق والوثائق المتناثرة، والمعلومات المُحدَّثة، وبعض هذه الدول أصبعها على الزناد!
بعد حدوث هذه الحرب بدا من الواضح أن الوضع الداخلي في بلاد السودان وصل مداه من التشظي، بين القوى المدنية/المدنية، والقوى المدنية/العسكرية، ولكن ما هو أسوأ أن الخطر الذي كان يحذر منه أغلب الفاعلين في المشهد السياسي أصبح واقعاً، وهو الوصول لمرحلة التشظي العسكري/العسكري خاصة مع وجود تسعة فصائل مسلحة متوزعة على مختلف الأراضي السودانية بالإضافة للجيش والدعم السريع. على أن الخطر الأسوأ على الاطلاق من هذا التشظي، هو بروز مجموعات أخرى، أكثر دربة، وأعلى مقدرات على خوض المنازعات، وأكبر قوة وتنظيماً حين تنهار القوى المتصارعة، أو تتراجع وتضعف قدراتها خاصة القدرات العسكرية، وهنا أقصد القوى والجماعات الدينية المتطرفة.
وعلى الرغم من تقدير الكاتب بأن هذه القوى والجماعات المتطرفة خاصة داعش، لا يمكن أن تكون جزءاً من مشروع تحالف مع القوات المسلحة أو الدعم السريع بقيادتيهما الحالية، خاصة مع المناهضة الكبيرة والمنظمة لهذه الجماعة والجماعات المماثلة من عدد كبير من دول العالم وفي قلبها الدول ذات الثقل السياسي والقدرات الاقتصادية والعسكرية، والتي تحرص قيادة القوات المسلحة وقيادة الدعم السريع على حفظ درجة من الود معها لأسباب عديدة، إلا أن الجدير بالنظر أن القوى والجماعات المتطرفة لا تنتظر أحلافاً على شاكلة الجيش أو الدعم السريع لتجد لها موطئ قدم في أرض السودان الذي أصبح مفتوحاً أمامها ومتضعضعاً على المستوى الأمني والسياسي والاقتصادي، فهي لديها أحلافاً خفية ظاهرة، وحلفاء بمقدرات ووجود وانتشار، ولكن وضع هؤلاء الحلفاء السياسي والتزاماتهم القانونية ووضعهم التأميني، لا يسمح لهم بالتدخل في الشأن السوداني بشكل سافر، ولذلك يتحالف هؤلاء مع مثل هذه الجماعات المتطرفة ويقدمون لها يد العون والمساعدة لتحقيق مصالح مشتركة في تقاسم الموارد الوفيرة كالذهب واليورانيوم، ولاكتساب مواقع على الأرض للوصول لتلك الموارد، ولإيجاد أسواق للسلاح والمخدرات ومنتجات أخرى، وللاستفادة من حالة الفوضى لمواجهة أو دحر أعداء آخرين لا يستطيعون مواجهتهم بوجه مكشوف.
الحركة الإسلامية وقادة القوات المسلحة
ظل العسكريون حريصين على الظهور بمظهر حماة الدولة وأمنها والديمقراطية والتغيير وكذلك الدفاع عن الحكم المدني والثورة، وذلك منذ ظهور المجلس العسكري الأول (أبريل 2019)، وحتى اندلاع حرب 15 أبريل 2023 بينهم كحلفاء يمثلون الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، ووصف قيادات الأول للثانية بالمتمردين، ووصم الثانية لقيادات الأول بالانقلابيين؛ ولكن العامل الجديد الذي ظهر بعد اندلاع الحرب هو أن الدعم السريع يحاول أن يضع قادة القوات المسلحة في خانة المدافعين عن مصالح الإسلاميين، وكأن الدعم السريع تحالف معهم طيلة الأربع سنوات الماضية وخاض معهم في الجرائم والمؤامرات والانقلابات والدسائس دون أن يتحقق من موقفهم من هذا التغيير! فهل كان الدعم السريع بهذه السذاجة ليصدق ويتعامل مع قادة القوات المسلحة كمجرد ضباط وطنيين ثوريين ولا منتمين حزبياً؟! وهل كانت قيادة القوات المسلحة بهذا الذكاء حتى تخفي حلفها مع الإسلاميين طيلة هذه المدة وتظهر ودها واتفاقها مع الدعم السريع، وهي مضمرة ومتماهية مع حلف آخر أشد وثاقاً؟!
قد يبدو للكثيرين أن قيادة الجيش السوداني قريبة من الإسلاميين خاصة خلال الحرب الدائرة حالياً في السودان، ولكن بإمعان النظر جيداً نجد أن العكس هو الذي كان حادثاً منذ انهيار نظام البشير في طوره الأول تحت وطأة الثورة الشعبية الباسلة، وهو ما ظل يحدث حتى اليوم. فالإسلاميون وقياداتهم علموا منذ وقت بعيد، أي إبان سقوطهم الأول بالاعتصام الباسل أمام ساحة القيادة العامة للجيش في 2019، ألا طريق يوصلهم للسلطة من جديد إلا عبر القوى العسكرية نفسها التي ساهمت في إزاحتهم بما فيها الدعم السريع؛ وقد حاول الإسلاميون التقرب من المجلس العسكري الذي أسقطته الثورة بعد أبريل 2019 بأشكال وصور عديدة وفي مناسبات مختلفة، بدءاً من محاولة المشاركة بعناصر لهم في المجلس العسكري الأول، وتلا ذلك محاولة الدخول لبوابات القصر عبر القيادات الأهلية والكيانات الجهوية، ثم أردفوا ذلك، بخطاب غزلٍ ممجوجٍ يفرق تلك السلطة ويميز فيها بين المدنيين والعسكريين وكأنهما ليسا شريكين، هذا على الرغم من أن العسكر أكد أنه أعطاهم ظهره بالكامل بتوقيعه للوثيقة الدستورية في أغسطس 2019، وبتوقيعه مرة أخرى بعد الانقلاب على السلطة الانتقالية في 25 أكتوبر 2021 مع رئيس الوزراء المستقيل عبدالله حمدوك على اتفاق في نوفمبر 2021 لم يصمد طويلاً بسبب تنصل العسكر عن التزاماتهم فيه وابتعاد القوى المدنية عنه فزعاً من الشارع أو طمعاً في مشاركة جديدة، ومن ثم بتوقيع طرفي الحرب الحالية قبل اندلاعها بأشهر على اتفاق إطاري جديد في ديسمبر 2022.
وبهذا لا يبدو أن العسكر ابتلعوا طعم الإسلاميين، بل على العكس حاولوا في كل مرة أن يجعلوا من هذه الحالة المائعة، بداية فقط لانتهاز والتقاط الفرص المتهاوية من أخطاء المدنيين المعارضين للإنقاذ الساقطة والذين تسلموا السلطة، ومن أخطاء الموالين للإنقاذ الساقطة بمختلف لافتاتهم، وهي محاولات استمرت كثيراً وبشتى الحيل، من أجل وراثة الحكم عن الإسلاميين عوض الانتقال المدني الديمقراطي المفضي للانتخابات، ومن ثم الاستفراد به بعد ذلك تماماً نحو دولة استبدادية تخفي قبحها بتمثيل مدني زائف خلف شعارات حماية الدولة، وهي ما يمكن تجديدها لاحقاً وفي كل مرة بانتخابات صورية تأتي بهم من جديد مثلما حدث ويحدث في المنطقة. إن القيادات العسكرية من الجيش والدعم السريع، لم تكتف بالإسلاميين فقط، بل استخدمت مجموعات غير إسلامية، وجزء من المجموعات المدنية والمسلحة التي وقعت مع الحكومة الانتقالية على اتفاق سلام جوبا (أكتوبر 2020) ومجموعات أهلية وجهوية ودينية وأصحاب رؤوس أموال، بل واستخدمت كذلك التناقضات داخل قوى الثورة ذاتها من أجل تحقيق انفرادها الكامل بالحكم، وغني عن القول أن دخول جزء من الإسلاميين وقوى كانت مشاركة لنظام البشير حتى سقوطه، ضمن الاتفاق الإطاري الأخير يبدو كأحد الشواهد البائنة لهذا المنحى الذي يتخذه العسكر لانتهاز والتقاط الفرص.
على أن أكثر الجهات التي لم تقترب منها القيادات العسكرية بشكل واضح، هي الجماعات الإسلامية المتطرفة، ولا أعزو ذلك لخوف من جارٍ أو بعيد، ولكن إحدى الفرضيات الأساسية التي يقوم عليها هذا المقال، أن القيادات العسكرية لم تقترب من مثل هذه المجموعات إلا في إطار ضيق وفي حدود وجود هذه الجماعات ضمن التحالفات الكبيرة التي لا تظهر فيها هذه المجموعات إلا من خلال أفراد معروفون بتقلباتهم السياسية والفكرية بأكثر من صلابتهم المذهبية. إنما أعزوه لإدراك القادة العسكريين في الجانبين( القوات المسلحة والدعم السريع)، أن نهايتهم ستكون على يد هذا النوع من الجماعات إن هم حاولوا التحالف السافر معها؛ وبهذا فإن هذه الجماعات هي الوحيدة التي يمكن أن يشن عليها الجانبان الحرب بلا هوادة وبلا مواقف تكتيكة، بل وفق استراتيجية واضحة المعالم والعكس صحيح، والسبب الأكيد هو معرفتهم بأن هذه الجماعات أشرّ من ثمود وعاد مجتمعات، ليس بسبب امتلاكها لشدة القتال والبأس، ولكن لأن السودان بوضعه السابق والحالي يمثل بيئة مثالية لانتشار خطابهم وبسط سيطرتهم واستقطابهم حتى للجنود المقاتلين في الجهتين، مع قدرة هذه الجماعات على تحريك مجموعات من مناطق أخرى قريبة وبعيدة، ما سينسف حلم السيطرة والانتصار للقوات المسلحة والدعم السريع متفرقين أو جماعة، وفق تصوراتهم وتصورات أنصارهم السائدة الآن، بل ربما ينسف حلم العودة لسودان الرابع عشر من أبريل ذاته، أي قبل الحرب بيوم، وهي الحالة التي قد تسود لمدة تطول كثيراً إن لم يحدث فض عاجل للنزاع الدائر الآن، ووفق اتفاق ملزم وضمانات ذات موثوقية يخرج القوات المسلحة والدعم السريع من السلطة، ويتم بموجبه تطبيق عاجل لإصلاح عسكري وأمني داخل الجيش يتضمن نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج لكل المجموعات المسلحة وصولاً لجيش واحد بمهنية عالية وعقيدته الأساسية حماية الدولة.
baragnz@gmail.com