إنّها حرب حتمية وليست عبثية !!
اسماعيل عبدالله
26 June, 2023
26 June, 2023
رفع شعارات المطالبة بوقف الحرب عاطفياً هكذا دون الرجوع إلى معالجة أس الأزمات المتراكمة منذ صبيحة يوم الاستقلال، لن يجدي، فالداء الألد الذي سكن جسد هذه الأمة بدأ مع انبثاق شعاع فجر أول يوم لرفع العلم، بل وسبق ذلك تمرد توريت في العام الذي سلف، وقد قتل الباحثون هذه القضية المركزية بحثاً مضنياً وألف المؤلفون الكتب والأسفار الشارحة لحيثيات تكرار الفشل الحكومي لسبعة عقود، فالحروب التي اندلعت أولاً في الجنوب وبعدها بجبال النوبة ثم دارفور، لها ارتباط وثيق بمنظومة الحكم الصفوي المركزي القابض والمسيطر على دولاب الدولة، والفارض لوجهة النظر الأحادية التي لا تقبل التعدد في مجتمع متنوع، وكل الحاذقين والحادبين على المصالح العليا للبلاد أشاروا إلى هذا الخلل البنيوي، الذي صاحب الحكومات المتعاقبة ذات النسق الواحد المكرس للقبضة الحديدية الفاقدة للرؤية، لذا كان لابد أن تصل البلاد لعنق الزجاجة ومن ثم الانفجار الحتمي، فلقد تضافرت كل عوامل الصدام بين من تبقى من أنصار الدولة القديمة، وبين القوى الحديثة الثائرة من أجل التغيير الشامل الذي لا تنازل عن أجندته، فهذه العملية الطويلة الأمد ليست بعبث ولا بخبط عشواء، وإنّما تدافع تلقائي وصراع أزلي لا محال واصل لنهاياته المرجوة، وخاتم لعسف المفاهيم القديمة التي أقعدت الأمة عن النهوض وصرفتها عن مواكبة سباق النمو الاقتصادي.
هذه الحرب أعلنت عن وفاة الأحزاب السياسية، ودشنت مرحلة جديدة من مراحل الفعل السياسي البراغماتي الذي يتيح مساحة كبيرة للكفاءات والخبرات للنزول إلى ميدان العمل التنفيذي المباشر، فالأحزاب والتنظيمات السياسية بعد الخامس عشر من أبريل لم تعد ذات جدوى بحكم أنها ومنذ تأسيسها لم تعمل على شيء ذي بال، استهلكت وقت الوطن في لت وعجن لم يسمن ولم يغني الناس من جوع وفقر وألم ومرض، فبعد أن ينتهي الأشاوس من وضع حد لفوضى فلول الحزب الفوضوي الذي صال وجال في البلاد فسادا، ستكون هنالك مجالس لخبراء الوطن في الاقتصاد والمال والأعمال والأمن والشرطة والعسكر والتربية والتعليم والصحة والمواصلات والبنى التحتية، وسوف تخضع الأحزاب والتنظيمات السياسية لأطر وقوانين تستوجب أن يكون العمل التنظيمي فيها رهين بالأهداف والمصالح العليا للبلاد، ولما شاب هذه الكيانات من خلل جوهري في التركيبة التنظيمية يبقى من الضروري ضبطها بما يتناسب وأشواق المواطنين، وما يتنافى مع طموح الطائفة وعصبية الأيدلوجيا وولاء الكيان لكيانات قطرية لا صلة تجمعها بوجدان شعبنا الكريم، ومن باب مجرب المجرب لا يحصد سوى الندم، الواجب الوطني يلزمنا بضبط إيقاع العمل العام بما يتوافق والمعايير الحديثة لتسيير دفة دولاب الحكم، بإبعاد أثر الوشيجة الاجتماعية من الوظيفة العامة، واستئصال داء الانحياز الجهوي من أروقة المؤسسات، هذا مع التأكيد على اختيار النظام الإداري الذي يكفل لكل إقليم التمتع بالخصوصية الاقتصادية والثقافية الخاصة بخلاياه المجتمعية.
إن مؤسسات الحكم المركزي بالخرطوم لم تكن في يوم من الأيام بحجم تحديات الأقاليم، وكذا (الكفاءات) المتواجدة بهذه المؤسسات لم ترقى لمستوى حلحلة المشكلات اليومية الحادثة بالأقاليم، لذلك انتهجت هذه المؤسسات الكسولة نظام الحلول التخديرية، فتفاقمت بيروقراطية الأداء الاداري وتعاظمت المشكلات الأمنية والنزاعات المسلحة، بسبب كسل العقل المركزي المتحصن بالأحلام الوردية السارحة على ضفاف شارع النيل، ما أدى لانتقال أزمة المواطن والدولة التي كانت بالجنينة إلى الخرطوم، فانفرط عقد استقرار المجتمع وضاعت هيبة الدولة ووصلنا لما نحن عليه اليوم من انهيار تام لجهاز الدولة، كمحصلة نهائية ومتوقعة نسبة للخطأ الاستراتيجي الذي ارتكب مع توقيت خروج الرجل البريطاني من مقرن النيلين، فولغت النخبة الكسولة في دم المواطن وعجزت عن الحفاظ على البنية التحتية التي وضع لبنتها الأولى الرجل الأوروبي، بعد أن غادر وترك الجمل بما حمل لقلة من أصحاب الدار الذين لم يحسنوا صنعا، وساروا على الخط المعوج فحادوا عن الخط المستقيم الموصل للبناء والتعمير، فجاءت النتيجة حرب وتدمير، فإدارة دولة مترامية الأطراف مثل السودان لن تكون إذا جلس على رأس الهرم الإداري عسكري كل ما وهبه له الله في هذه الدنيا هو دورات تدريبية بالكلية العسكرية، ولن يفلح أهل السودان لو أنهم كرروا التجربة بإعادة البزة العسكرية لكي تمكث مرة أخرى على القمة.
إسماعيل عبدالله
24يونيو2023
ismeel1@hotmail.com
هذه الحرب أعلنت عن وفاة الأحزاب السياسية، ودشنت مرحلة جديدة من مراحل الفعل السياسي البراغماتي الذي يتيح مساحة كبيرة للكفاءات والخبرات للنزول إلى ميدان العمل التنفيذي المباشر، فالأحزاب والتنظيمات السياسية بعد الخامس عشر من أبريل لم تعد ذات جدوى بحكم أنها ومنذ تأسيسها لم تعمل على شيء ذي بال، استهلكت وقت الوطن في لت وعجن لم يسمن ولم يغني الناس من جوع وفقر وألم ومرض، فبعد أن ينتهي الأشاوس من وضع حد لفوضى فلول الحزب الفوضوي الذي صال وجال في البلاد فسادا، ستكون هنالك مجالس لخبراء الوطن في الاقتصاد والمال والأعمال والأمن والشرطة والعسكر والتربية والتعليم والصحة والمواصلات والبنى التحتية، وسوف تخضع الأحزاب والتنظيمات السياسية لأطر وقوانين تستوجب أن يكون العمل التنظيمي فيها رهين بالأهداف والمصالح العليا للبلاد، ولما شاب هذه الكيانات من خلل جوهري في التركيبة التنظيمية يبقى من الضروري ضبطها بما يتناسب وأشواق المواطنين، وما يتنافى مع طموح الطائفة وعصبية الأيدلوجيا وولاء الكيان لكيانات قطرية لا صلة تجمعها بوجدان شعبنا الكريم، ومن باب مجرب المجرب لا يحصد سوى الندم، الواجب الوطني يلزمنا بضبط إيقاع العمل العام بما يتوافق والمعايير الحديثة لتسيير دفة دولاب الحكم، بإبعاد أثر الوشيجة الاجتماعية من الوظيفة العامة، واستئصال داء الانحياز الجهوي من أروقة المؤسسات، هذا مع التأكيد على اختيار النظام الإداري الذي يكفل لكل إقليم التمتع بالخصوصية الاقتصادية والثقافية الخاصة بخلاياه المجتمعية.
إن مؤسسات الحكم المركزي بالخرطوم لم تكن في يوم من الأيام بحجم تحديات الأقاليم، وكذا (الكفاءات) المتواجدة بهذه المؤسسات لم ترقى لمستوى حلحلة المشكلات اليومية الحادثة بالأقاليم، لذلك انتهجت هذه المؤسسات الكسولة نظام الحلول التخديرية، فتفاقمت بيروقراطية الأداء الاداري وتعاظمت المشكلات الأمنية والنزاعات المسلحة، بسبب كسل العقل المركزي المتحصن بالأحلام الوردية السارحة على ضفاف شارع النيل، ما أدى لانتقال أزمة المواطن والدولة التي كانت بالجنينة إلى الخرطوم، فانفرط عقد استقرار المجتمع وضاعت هيبة الدولة ووصلنا لما نحن عليه اليوم من انهيار تام لجهاز الدولة، كمحصلة نهائية ومتوقعة نسبة للخطأ الاستراتيجي الذي ارتكب مع توقيت خروج الرجل البريطاني من مقرن النيلين، فولغت النخبة الكسولة في دم المواطن وعجزت عن الحفاظ على البنية التحتية التي وضع لبنتها الأولى الرجل الأوروبي، بعد أن غادر وترك الجمل بما حمل لقلة من أصحاب الدار الذين لم يحسنوا صنعا، وساروا على الخط المعوج فحادوا عن الخط المستقيم الموصل للبناء والتعمير، فجاءت النتيجة حرب وتدمير، فإدارة دولة مترامية الأطراف مثل السودان لن تكون إذا جلس على رأس الهرم الإداري عسكري كل ما وهبه له الله في هذه الدنيا هو دورات تدريبية بالكلية العسكرية، ولن يفلح أهل السودان لو أنهم كرروا التجربة بإعادة البزة العسكرية لكي تمكث مرة أخرى على القمة.
إسماعيل عبدالله
24يونيو2023
ismeel1@hotmail.com