السبب شنو؟

 


 

فيصل بسمة
3 July, 2023

 

بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

سأل أحدهم:
إنتو الحاصل في السودان و البِحصَل ده سببو شنو؟
و هل تعثرت الثورة؟
سارع أحدهم مجاوباً في عجالة و عفوية و بنبرة لا تخلو من الإنهزامية:
ده محصلة سنين من الفسوق و الفساد... و عقاب على العَمَايل البَطَّالَة... و عشان الناس عينها في الغلط و ما بتغيرو... و بسكتوا و بِصَهينُوا و بعملوا نايمين أو رايحين... و أظن إنو الثورة و الجيش قد راحوا شَمَار في مَرَقَة... و مليشيات الجَنجَوِيد ح تحكم البلد...
فَنَطَ آخر مقاطعاً في حماس و حدة و إنفعال:
يا زول المسألة ليست بهذه البساطة... و المسألة أكثر تعقيداً مما نتصور... و كلامك جيد... لكن فيهو جزئيات في حوجة إلى مراجعات... و الثورة ما راحت و لم تتعثر... الثورة باقية... حية و مستمرة... و ذلك لأنها تختلف كثيراً عما سبقها من ثورات شعبية و إنتفاضات...
و دي مرحلة بالغة الخطورة... و مربكة و مركبة و بالغة التعقيد... و محتاجة تفكير و مراجعة و تخطيط و تكتيكات مختلفة... و الجيش رغم علاته سوف ينتصر بإذن الله تعالى و كذلك الإرادة السودانية... و الكيزان تم رفضهم و لفظهم و ما برجعوا تاني... و الجَنجَوِيد مستحيل يحكموا البلد دي... لأنهم لو إنتصروا فلن تكون هنالك دولة أصلاً حتى يحكموها...
و صحيح أن الناس في فترات متعددة و بسبب القمع و الإرهاب خافت و خنعت و أسلمت رؤوسها للمغامرين تتعلم عليها الحكم و الحلاقة بمقصات حمير!!! ، و خضعت بعد الحلاقة و جلست تراقب الطغاة و الهواة يوطدون أركان الأنظمة الدكتاتورية أو المدنية الفاشلة/العاجزة/الغير مؤهلة و يمارسون القمع و القتل و الفساد و سوء الإدارة و الفشل في مخاطبة تطلعات و مطالب الجماهير ، و على الرغم من أن جماعات قد مارست المقاومة السلمية الخجولة إلا أن الغالبية قد آثرت الصمت و الخنوع و لفترات طويلة إلى جانب هواية غض الأطراف و الإحجام عن الفعل و المقاومة حتى خملوا ، و بلغوا درجة الإدمان في التحكر/التسمر في مقاعد المتفرجين بينما الكوارث و المصآئب و الأزمات تتشكل و تتخلق أمام أعينهم...
و الشواهد التاريخية على الصمت و السكوت و غض الأطراف عن الفساد و المفسدين و الظالمين كثيرة و هَبَطرَش ، فلقد عاشت/عايشت الشعوب السودانية و أيدت و غضت الطرف عن:
- الرئيس الذي حنث العهد و القسم و خان الأمانة
- ”الريس“ الكذوب فاقد الأهلية و وصفته بالقآئد الملهم و ولي الأمر
- المعتوه الفاسد العقيدة و هو يفتي و يُنَظِّرُ في أمور الدين
- السياسي الفاشل الذي يجهل أساسيات السياسة و أمور الحكم و الإدارة و أسمته الزعيم
- العاطل السلبي و غير الكفء و سلمته القيادة و لقبته المنقذ
- القاتل قاطع الطريق (الرَّبَّاط) المشكوك في أهليته و نادته الوطني
- أرتال من: الساسة و المستشارين و الأكاديميين و الإعلاميين و المثقفين و الأدبآء و الفنانين و رجالات الإدارة الأهلية و الطرق الصوفية يريقون مياه وجوههم متزلفين خدماً و حاشية في بلاطات الدكتاتوريات القمعية و الحكومات المدنية الفاشلة
- الوزير الغير كفء الذي تولى الوزارات السيادية و الأمنية
- اللص الذي أصبح قَيِّماً على وزارات: المالية و التجارة و الصناعة و الزراعة و الإستثمار
- المريض نفسياً يمارس السياسة و التمرد و الإرتزاق و يقود حركات ”التحرر“ و يدعي الشعوبية
- المُجَعِّرَاتِية يملؤن الساحات السياسية كذباً و نفاقاً و ضجيجاً و كُورَاك
- المسئول الفاشل ، المختل/المتخلف عقلياً ، صاحب الذمة الواسعة يمارس الإدارة و السياسة و الفساد بنهم و جشع دون وجل أو خوف
- الفاسدين بحسبانهم أقارب و أصدقآء و معارف و جيران أو من العشيرة و وصفهم بـ(الفالحين) و (المِفَتِّحِين) ، بينما يتم وصف الأمنآء الذين عَفُّوا و أحجموا عن الفساد بأنهم (مساكين) و أغبيآء (ناس عُوَرَة) ضيعوا الفرص على أنفسهم و حرموا/أضروا من هم في كفالاتهم من الإستفادة من نعيم الفساد (لا فادوا لا استفادوا)!!!
و قد هجرت أقليات/مجموعات الصمت و سبل المقاومة السلمية و اختارت التمرد و ”الكفاح“ المسلح و ما يصاحب ذلك من قتال و دمار ، و إلى جانب ذلك فقد وثق التاريخ هرولات قطاعات عريضة من الشعوب السودانية لمبايعة هذا الطاغية أو ذاك الدكتاتور ، و إلى مباركة أنظمة الفساد و الإستبداد ، و أن فئات قد ساندت و شاركت في عمليات القمع و ممارسة الفساد ، و لم يكتفوا بذلك فقد ذكرت روايات موثقة أنه و عقب إطاحة ثورة بطاغية بكت جموع على مرأى من الشهود تحسراً على ذهاب عهده و صاحوا:
يا ريس ضَيَّعَنَاك...
و ضِعنَا وَرَاك...
و يعتقد كثيرون أن الأزمة السودانية الحالية هي نتاج تحالف/تآمر المغامرين و أصحاب الأطماع و المصالح من المتأسلمين (الكيزان) و غير المتأسلمين و تسابقهم/تنافسهم/صراعهم من أجل إفشال مشروع ثورة التغيير السودانية التي أفسدت عليهم مخططاتهم و تدابيرهم المستقبلية للسيطرة على السلطة و الإقتصاد و نهب موارد البلاد ، و أن أصحاب الأطماع لا يجدون حرجاً في التضحية بأمن و إستقرار و موارد الوطن و مصالح و ممتلكات و دمآء و أنفس المواطنين خدمةً لمصالح كفلآءهم و أطماعهم ، لكن الثوار هذه المرة ، و على خلاف الثورات و الإنتفاضات السابقة ، قد فاجأوا الطامعين و المغامرين و أظهروا درجة عالية من الوعي بعدم الرضوخ للحيل و المؤمرات و الألاعيب بعزيمة قوية لا تلين و لا تفتر و بتصميم عظيم على مواصلة الثورة و إحداث التغيير الحقيقي مهما كانت التكلفة...
و كانت جماعات المغامرين و الطامعين في السلطة من:
- المتأسلمين بمسمياتهم المختلفة و في مقدمتهم جماعة الكيزان
- النظاميين المتأسلمين (الكيزان) في القوات المسلحة و جهاز الأمن و جهاز العمليات و الشرطة
- مليشيات المتأسلمين (الكيزان): الدفاع الشعبي و الأمن الشعبي و الشرطة الشعبية و كتآئب الظل و الجنجويد (الدعم السريع) و الجهاز الخآص و أجهزة سرية أخرى يعلمها الله و قادة الجماعة!!!
- المرتزقة من أمرآء الحروب و الحركات/المليشيات المتمردة المسلحة
- الإنتهازيين و الطفيلية/الأرزقية السياسية و السواقط الحزبية و الفواقد التربوية و المجتمعية و عملآء الدول و الدوآئر الأجنبية
قد برعوا في ألاعيب و أحاييل السياسة حتى صاروا مرجعيات في: عقد الحوارات و التحالفات و صنع الجبهات و تفصيل الوفاقات و المحاصصات ، و كذلك تدبير المؤمرات و المكآئد و الإنقلابات و خلق الفوضى و العبث ، و كانوا قبل ذلك قد تمرسوا و أصبحوا أساطين في أساليب ممارسة: المحسوبية و الفساد و الإفساد و التهريب و التهرب من الضرآئب و الجمارك و التعامل في الإقتصاد الطفيلي...
الخلاصة:
و هكذا و بسبب الصمت و السكوت و غض الأطراف عن ظلم و فساد و هَردَبِيس المغامرين و الطامعين أصبحت/أضحت/أمست/غدت جميع الشعوب السودانية في زمرة الخاسرين ، و الحال هكذا فكان لا بد من حدوث الفشل و الإنهيار و الكوارث و المآسي الأمنية و الإقتصادية و الإجتماعية و حالتي العبث و الفوضى التي تعيشها بلاد السودان حالياً...
و ما يحدث الآن في الساحة السياسية ما هو إلا:
١- صراع مدمر بين جماعات الفاسدين (الكيزان بجميع مسمياتهم و قواتهم و مليشياتهم) الطامعين في السلطة فيما بينهم و محاولاتهم الدآئمة و المستميتة لإفشال/إخماد/وأد الثورة
٢- تراكم الدمار/الخراب الذي أصاب الدولة السودانية و الشخصية السودانية على مدى عقود من الحكم الفاسد/الفاشل
الختام:
و في النهاية الأمر سوف تجلس جماعات الفاسدين الطامعين تحت رعاية/وصاية الكفلآء ، و سوف يتفاوضون و يتفقون فيما بينهم و سوف يتوافقون و يتحاصصون على تقاسم السلطة و سبل نهب الثروات و إستغلال الموارد ، و كذلك على الكيفية التي تُقمَعُ بها الثورة و تُسَفَّهُ بها أحلام الشعوب السودانية في السلام و الحرية و العدالة و الحكم المدني ، و سيرفض الثوار كل ذلك و سوف تستمر المقاومة:
سلمية... سلمية...
ضد الحرامية...
و ربما تستريح الثورة و تستكين و لكنها لن تخمد أبداً ، فالثورة مستمرة و ظافرة بإذن الله ، و الثوار يعوون جيداً أن طريق الثورة طويل و شآق و عسير و يتطلب الكثير من: الصبر و الحكمة و التضحيات ، و يعلمون أن الثورة لن تنجح في تحقيق أهدافها إذا لم:
١- ترسخ دولة القانون و العدالة التي تحاسب و تعاقب
٢- تتم هيكلة/بنآء جميع مؤسسات الدولة السودانية حتى تصبح قادرة على العمل بكفآءة عالية
٣- تصاغ (تُفَرمَت) الشخصية السودانية من خلال برامج التربية و التعليم حتى تصبح قادرة على العمل و الفعل و الإنجاز و تحقيق التنمية التي تقود إلى الكفاية فالرخآء و الرفاه
و لكن الشواهد تقول أن هذه الحلول/المقترحات/الأهداف قد تبدو مثالية و صعبة التنفيذ ، و أن لا بد من إيجاد طرق عملية معقولة تساعد على تحقيقها ، و يبدوا أن السبيل إلى ذلك لا بد أن يمر عبر منابر تفاكر الثوار/المواطنين الحآدبين و الحريصين من: العقلآء و الحكمآء أصحاب البصيرة القادرين على إيجاد المخارج و الحلول العملية المرضية التي تثبت أولاً أركان/جذور الثورة بحيث يصعب إقتلاعها ، ثم الشروع في تنفيذ أهداف الثورة مصطحبين معهم الحكمة و القدرة على الخلق و الإبداع و مقدرات إستثنآئية من خآصية الصبر على المكاره...
و الله غالب على أمره...
و الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.

فيصل بسمة

fbasama@gmail.com
//////////////////////

 

آراء