مجادلات فكرية في الديمقراطية وإشكالياتها

 


 

 

عندما كتبت قبل يومين مقال بعنوان "ديمقراطية صراع المنبتون سياسيا" كان الهدف منه إشارة إلي أن بعض الذين يخرجون من أحزابهم بإداعاء أنهم وصلوا إلي طريق مسدود في الحوار داخل أحزابهم، أو أنهم عجزوا ان يوسعوا مواعين الديمقراطية فيها، بسبب أن الوائح و القوانين تحد حرية الرأي داخل الأحزاب ، الأمر الذي يؤدي إلي خضوع الأغلبية لأقلية تتحكم في الحزب، هذا الخروج كان المتوقع منه، أن يدفع هؤلاء لتقديم أجتهادات فكرية و ثقافية، تظهر إنتاجا جديدا واسعا يسهم في خلق وعي جديد، لكن للأسف أن خروج هؤلاء جعلهم أكثر دغمائية مما كانوا عليها، كأنهم كانوا ساعين فقط للخروج تحت إدعاء خلافات فكرية و لكنهم يريدون أن يحتفظوا بذات الثقافة الحزبية و لكن بعيدا عن قيود الحزب فقط. هذا المقال قد دفع البعض أن يقدموا اجتهادات رأي و أسئلة جديدة في الثقافة السياسية و الرؤى الفكرية. و كانت قد قدمت هذه الأسئلة في صفحة "منبر التوافق الوطني" بالفيسبوك، و التي خصصت من قبل بعض مجتهدي الرأى بهدف الجدل الفكري و المساهمات الثقافية للنخب السودانية، لعلها تغير طريقة التفكير في الساحة السياسية.
في الحوار حول الديمقراطية في السودان و إشكالياتها كتب البروف السر أحمد معقبا على المقال بقوله "الاخ الزين سلام عليك ورحمة…. ان انحسار دور ما يسمي بالقوي والديموقراطية في السودان في رائي يرجع الي هيكلها البنيوي القائم علي اسس طائفية/عقائدية/قبلية مناطقيه… منذ نشأتها في اربعينات القرن الماضي.فالضعف والسكون والخمول الفكري والسياسي ليس جديدا عليها وليس مكتسبا عرضيا وانما هو اصيل في بنيتها. والدليل علي ذلك هواستمرارية هذا الضعف والخمول طوال اكثر من ثمانية عقود وما زال برغم اجتهاد عدد مقدر من الافراد والمثقاتية لتغيير الواقع الاليم لتلك القوي بمبادرات وافكار تكتيكية لا تقدم ولا تؤخر. فما زالت بيوتات محددة تسيطر بالكامل علي ما يجري في هذه القوي التي تدعي الديموقراطية -طائفية/عقائدية /عائلية.وتؤرثها لابنائها ابا عن جد ولخدامهم من المثقفين والمفكرين والمبررين وحارقي البخور. الخروج من هذه الوحسة يتطلب العمل بالبحث الجاد والمجاهرة بالتفكير الاستراتيجي والحلول الاستراتيجية بنعومة للخروج من عباءة القوي التي تدعي الديموقراطية وهي اصلا ضدها وتكرس القوي السياسية التي أنشأتها بمساعدة الاستعمار لتحقيق مآربها الذاتية من ثروة وسلطة وجاه. والادلة علي ذلك لانحصي ولا تعد.يبقي السؤال الجوهري هو كيف لهؤلاء المثقفاتية والمفكراتية الخروج من الوحسة التي وجدوا انفسهم في خضمها؟نواصل باذن الله) و يضيف تاج السر القول ( أسئلة إستراتيجية هامة يجب أن يجيب عليها المقفون و المفكرون و السياسيون لتكون منصة انطلاق لنشأة تجمعات / أحزاب سياسية جديدة عما هو قائم الآن... ما هو الأجدى للسودان القائم الآن كأمر واقع) هي أسئلة مهمة ،و يجب أخذها على الجانب الفكري بعيدا عن شعارات السياسة القاصرة في تقديم وعي سياسي جديد ، و أيضا محدوديتها في طرح الأسئلة المهمة.
و في تداخل أخر؛ كتب الأستاذ عادل إبراهيم حمد الكاتب و السياسي المعروف محاولا إيجاد بعض الإجابات على أسئلة البروف السر بالقول ( للمشاركة في نقاش القضايا و الأسئلة المهمة التي طرحها دكتور السر. يجب الاتفاق أولا على الديمقراطية، فتسقط تلقائيا اشكالات ترتبط بالدكتاتوريات، إذ تسع الديمقراطية نقاش كل هذه الخيارات المختلف عليها، بدون أن يملك فريق ادعاء ملكية القول الفصل.. و في ذلك رحابة معينة على تطوير الأفكار( و يواصل الأستاذ حمد و يقول (الطوائف والقبائل سابقة للأحزاب كما هو معلوم ، وعلاقة بعض الطوائف بالعمل الحزبي علاقة تراضي .. والتراضي علاقة غير مؤذية ولو بدت لمن هو خارج اطار هذه العلاقة صور من الاستغلال الضار بالقواعد في هذه الكيانات . لكنها علاقة (مريد) بشيخ او زعيم .. وفوق ذلك فهي علاقة عرضة للنقد والتصحيح ، بدون ان يملك زعيم الطائفة سلطة الحجر او العقاب على كاتب رأي او على من يهتف (الكهنوت مصيرو الموت) في مقابل سلطة الحجر و الاعتقال والتعذيب والفصل من العمل التي ترتبط بكيانات الحداثة التي طرحت نفسها بديلا لاحزاب ارتبطت بطوائف و عرفت كيف توازن بين الطائفة والحزب كما فعل السيد عبد الرحمن مع الحركة الاستقلالية ، حيث لا يمكن وصف رجال في قامة محمد احمد محجوب و عبد الرحمن على طه و ابراهيم احمد بانهم حارقو بخور ..نواصل في نقاش بقية النقاط .و التحية لدكتور السر) أن الأستاذ عادل إبراهيم حمد أتهم القوى الحديث، بإنها لم تستطيع أن تقدم جديدا لسلطة الطوائف و زعماء الأحزاب التقليدية غير شعارات لا تحمل مضامين للتغير، فقط إدانة للطوائف مثل " الكهنوت مصيره الموت" .
أن الإجابة على الأسئلة بعيدا عن القناعات المسبقة، و الميل العاطفي الذي يسبق التفكير الإيجابي القائم على الافتراضات العلمية، لا يجعل صاحبه قادر على تناول القضية بالصورة النقدية الصحيحة، و هي الحالة التي تعيشها النخب ليس داخل الأحزاب التقليدية بل داخل المجموعات الجديدة، التي ترفض البناءات السياسية التاريخية، و لكنها تعجز أن تقيم لها مؤسسات تتجاوز ثقافة تلك البناءات، الأمر الذي يطرح أسئلة جديدة؛ لماذا تتبنى النخب السياسية و الثقافي في المجتمع الثقافة التقليدية رغم نقدها المتواصل لها؟ هل هي عاجزة أن تفكر بعمق في الإشكاليات المجتمعية و السياسية التي تعيشها البلاد؟ أم إن أغلبيتهم لا يستطيعون التفكير خارج دائرة المناطقية و القبلية بسبب رغباتهم في تحقيق مصالح ضيقة؟
هناك أسئلة عديدة كانت قد طرحت في منابر عديدة عقب ثورة 1924م، بعد إجهاض الثورة قدمت أسئلة إذا كانت من قوى تقليدية مجتمعية أو من قوى جديدة بدأت تتخلق في المجتمع، جاءت ألأسئلة التي كانت قد طرحت عن الهوية و غيرها في مجالات الأدب و السياسة في مجلتي الفجر و النهضة، حيث كان سجالا ثقافيا فكريا حسب محدودية المعرفة بين خريجي التعليم الحديث في ذلك الوقت. و أيضا في ستينيات القرن الماضي تكونت مدارس فكرية في حقل الفنون و الأداب " مدرسة الغابة و الصحراء و الخرطوم و ابادماك و غيرها. و لكن بدأت هذه النهضة الثقافية الفكرية تتراجع أواخر السبعينات و الثمانينات و بصورة أكبر في عهد الإنقاذ، فالعودة لهذه النهضة بعد اتساع رقعة التعليم في البلاد إيجاد أرضية مشتركة تبدأ بقبول أخر و محاورت تصوراته من خلال مناهج تؤسس على النقد العلمي. لذلك عندما فكر عدد في تأسيس هذا المنبر كان الهدف منه هو توسيع دائرة المشاركة للمدارس الفكرية المختلفة بعيدا عن سياسة الهتاف و الضد. و نسأل الله التوفيق و حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com

 

آراء