حتى لا تتكرر الحرب بعد تجربة الاتفاق الإطاري

 


 

 

١
التحركات الجارية حاليا لوقف الحرب وإيصال المساعدات الإنسانية والتسوية السياسية كما في مفاوضات جدة برعاية أمريكية - سعودية مع الميسرين من الاتحاد الأفريقي والإبقاء وما تبعها من اجتماع القوى المدنية( تقدم) في أديس أبابا، وما تم في القاهرة من اجتماع لقوى الحرية والتغيير في الفترة من ١٥ إلى ١٨ نوفمبر ٢٠٢٣ وصدر عنه البيان الختامي ، كل ذلك من المهم أن يصب في الاستفادة من التجارب السابقة بسلبياتها وايجابياتها، وعدم تكرار تجربة الاتفاق الإطاري التي قادت للحرب اللعينة الجارية حاليا، لكن واقع الحال يشير للتوجه إلى التسوية التي تعيد إنتاج الشراكة مع العسكر والدعم السريع والاتفاق الإطاري، تحت الضغوط الاقليمية والدولية والهادفة لتصفية الثورة ونهب ثروات البلاد وتمزيق وحدتها، مما يعيد إنتاج الأزمة والحرب من جديد.
معلوم أن الاتفاق الإطاري كان إعادة لتجربة" الوثيقة الدستورية" فيما يتعلق بالشراكة مع العسكر والدعم السريع والإبقاء على اتفاق جوبا ، وفجر الصراع حول السلطة والثروة بين الدعم السريع واللجنة الأمنية بعد الخلاف حول دمج الدعم السريع في الجيش الذي أشار له الاتفاق الإطاري، فبينما أصر حميدتي على عشر سنوات، أصر البرهان على عامين.
٢
كما هو معلوم من قضايا الثورة المهمة التي تم تأجيلها في الاتفاق الإطاري الاصلاح الأمني والعسكري، بما فيها الترتيبات الأمنية لحل الدعم السريع ومليشيات المؤتمر الوطني وجيوش الحركات المسلحة، وقيام الجيش القومي المهني، ومعلوم أن التأجيل حسب تجربة الوثيقة الدستورية 2019، تعني تجاهل هذه القضية أو عدم الرجوع اليها.
هذا فضلا أن الاتفاق الإطاري الذي وقع عليه البرهان وحميدتي من السلطة الانقلابية كرّس وجود الدعم السريع كما في الآتي:
–في (4- 2) جاء أن الدعم السريع ضمن الأجهزة النظامية.
–ضم قادة الدعم السريع وحركات الكفاح المسلح وقادة الأجهزة النظامية لمجلس الأمن والدفاع القابض الفعلي على السلطة.
– دمج الدعم السريع في القوات المسلحة.
–قوات الدعم السريع قوات عسكرية تتبع للقوات المسلحة ويحدد القانون أهدافها ومهامها ويكون رأس الدولة قائدا أعلى لقوات الدعم السريع.
– في الوقت نفسه تحدث الاتفاق الإطاري عن جيش مهني قومي ملتزم بواجباته في حماية حدود الوطن والدفاع عن الحكم المدني الديمقراطي.
–الاتفاق لم يتحدث عن ضم شركات الدعم السريع لولاية وزارة المالية مع شركات الجيش والأمن والشرطة.
كل ما ورد أعلاه عكس الاضطراب والربكة في الاتفاق بخصوص الدعم السريع، مما يشير الي الاتجاه لتكريس مليشيات الدعم السريع التي شكلت خطورة علي وحدة البلاد وامنها القومي، لما لها من ارتباطات بالخارج، اضافة لمشاركتها في مجزرة فض الاعتصام والانتهاكات والإبادة الجماعية في دارفور، وفي انقلاب 25 أكتوبر، والجرائم والانتهاكات التي حدثت بعد الانقلاب، مما قاد للحرب الحالية التي أدت لنزوح الملايين ومقتل الآلاف من الأشخاص والابادة الجماعية في غرب دارفور واغتصاب للنساء وتدمير البنية التحتية كما حدث في تدمير كبرى شمبات الرابط بين أم درمان والخرطوم بحري وتدمير جسر جبل خزان جبل أوليا..الخ، إضافة للماسي الانسانية والصحية التي خلفتها الحرب وتهديد الملايين من السودانيين المجاعة ونقص الغذاء. الخ.
٣
معلوم، كما اوضحنا سابقا، أنه قبل ثورة ديسمبر أشارت قوى المعارضة والقوات المسلحة المهنية منذ وقت مبكر إلي خطورة تكوين المليشيات القبلية والأسرية خارج القوات النظامية، ولا سيما المرتبطة بدوائر أجنبية علي وحدة البلاد واستقرارها وامنها وسيادتها الوطنية.
كانت معارضة هيئة الأركان للجيش السوداني للمليشيات في مذكرتها في فترة الديمقراطية الثالثة لحكومة الصادق المهدي التي أشارت فيها لخطورة تكوين قوات المراحيل أو المليشيات من قبائل المسيرية والرزيقات لمواجهة تمرد الحركة الشعبية.
كما جاء في الميثاق السياسي لقوى “نداء السودان " لاعادة هيكلة وبناء الدولة السودانية ٢٠١٦" حل وتسريح الدفاع الشعبي ومليشيات الدعم السريع وجميع المليشيات التي أنشأها النظام ونزع أسلحتها - وضع ترتيبات أمنية لقوات الجبهة الثورة لمرحلة ما بعد اسقاط النظام، وقومية القوات النظامية كحامية للوطن وسيادته.
– انتهاج سياسة خارجية متوازنة ومستقلة.
–إلغاء قانون الأمن لسنة 2010.
–والالغاء الفورى لكل القوانين المقيدة للحريات”.
جاء في وثيقة إعلان الحرية والتغيير 2019:
“إعادة هيكلة الخدمة المدنية والعسكرية (النظامية) بصورة تعكس قوميتها، وعدالة توزيع الفرص دون المساس بشروط الأهلية والكفاءة .
– تحسين علاقات السودان الخارجية وبناؤها على أساس الاستقلالية والمصالح المشتركة والبعد عن المحاور.
– وعمل ترتيبات أمنية نهائية مكملة لاتفاق سلام عادل وشامل.
٤
اصبحت قوات الدعم السريع تتمدد بعد تقنين الوثيقة الدستورية 2019 لها كما جاء في الفصل الحادى عشر (1) “القوات المسلحة وقوات الدعم السريع مؤسسة عسكرية وطنية حامية لوحدة الوطن ولسيادته تتبع للقائد العام للقوات المسلحة، وخاضعة للسلطة السيادية”.
هكذا وجدنا أنفسنا أمام ظاهرة جديدة في السياسة السودانية، حيث تزايد نفوذ مليشيات الدعم الذي اصبح لقيادتها مصالح طبقية، وارتباط بدوائر اقليمية وعالمية ونفوذ عسكري بعد اضعاف نظام البشير للجيش.
يستحيل الحديث عن نجاح الفترة الانتقالية والوصول لأهداف الثورة في ظل وجود المليشيات، وقوات الدعم السريع التي ما عاد هناك مبرر لوجودها في ظل الاتجاه للسلام ووقف الحرب، وما ينتج عنها من ترتيبات امنية تتطلب حلها، وجمع سلاحها في يد القوات المسلحة، وتكوين جيش البلاد القومي.
بالتالي من المهم أن تواصل الحركة الجماهيرية نضالها من أجل وقف الحرب واسترداد الثورة، و قومية القوات النظامية فعلا لا قولا وحل المليشيات التي تشكل خطرا على الفترة الانتقالية، وتهدد بتقسيم البلاد وانفصال دارفور بعد استيلاء الدعم السريع على حاميات نيالا و زالنجي والجنينة، وتقدمها للاستيلاء على الضعين و الفاشر. الخ، وتهديد وحدة البلاد، كما حدث في انفصال الجنوب، وفي بلدان أخرى بعد تفكيك جيوشها الوطنية (العراق، ليبيا، اليمن)، وخطورة مليشيات حزب الله في لبنان، الخ،
٥
القضية العاجلة كما اشرنا سابقا هي وقف الحرب واسترداد الثورة التي نجحت في إزاحة الديكتاتور البشير بعد ثلاثين عاما من التسلط والقهر والنهب، كما نجحت في يوم في الاطاحة بمجرمي الحرب في دارفور ابنعوف وكمال عبد المعروف، ولكن النظام الفاسد ما زال باقيا، وكان رد الثوار هو الوجود في ساحة الاعتصام والشارع حتى التصفية الكاملة للنظام الإسلاموي الفاسد بشعار تسقط ثالث ورابع وخامس. الخ، حتي يروا بأعينهم اعتقال كل رموز النظام الفاسد ومعرفة مكان اعتقالهم، حتى يتم تقديمهم لمحاكمات، وحتى تسليم الحكم لنظام مدني ديمقراطي عبر فترة انتقالية مدتها أربع سنوات تنفذ المهام التي تم الاتفاق عليها في ميثاق قوى ” الحرية والتغيير”، ورفض أي انقلاب عسكري، يعيد إنتاج النظام السابق والحلقة “الجهنمية” ديمقراطية– انقلاب– ديمقراطية– انقلاب. الخ، التي دمرت البلاد لأكثر من 60 عاما بعد استقلال السودان. فضلا عن رفض إعادة تجربة انتكاسة ثورة الاستقلال 1956، وثورة أكتوبر 1964، وانتفاضة مارس- أبريل 1985، وانتكاسة الفترة الانتقالية على أساس الوثيقة الدستورية المعيبة التى انتهت بانقلاب 25 أكتوبر الذي وجد مقاومة باسلة لأكثر من عام، وجاءت التسوية على أساس الاتفاق الإطاري كطوق نجاة له لاطالة عمره، التي أدت لانفجار الحرب اللعينة الجارية الان.
٦
وأخيرا الهدف المباشر تقوية وتمتين التحالف من أجل : - وقف الحرب وعودة الحياة لطبيعتها وإعادة إعمار ما دمرته الحرب، وتحسين الاوضاع المعيشية، وتوفير الخدمات الصحية والدواء، وفتح المدارس والجامعات وإعادة تأهيلها وخروج الدعم السريع والجيش منها من منازل المواطنين وبقية مؤسسات الدولة وتوفير خدمات المياه والكهرباء واثحاح البيئة.
- استعادة الثورة، ورفض التسوية والشراكة مع العسكر والدعم السريع التي تعيد إنتاج الحرب بشكل اوسع وتؤدي لتمزيق وحدة البلاد ، واسقاط الانقلاب وانتزاع الحكم المدني الديمقراطي، - محاكمة المتورطين في جرائم الحرب و ضد الانسانية والإبادة الجماعية،
- الحل الشامل والعادل في السلام وعودة النازحين لمنازلهم وقراهم مع التعمير والتعويض العادل وتعمير مناطقهم وتقديم مجرمي الحرب للمحكمة الجنائية الدولية. وقيام الترتيبات الأمنية لحل الدعم السريع ومليشيات المؤتمر الوطني وجيوش الحركات وقيام الجيش المهني القومي الموحد.
- خروج الجيش والدعم السريع من السياسة والاقتصاد و ضم شركات الدعم السريع والجيش والأمن والشرطة لولاية وزارة المالية.
- تفكيك نظام 30 يونيو واستعادة اموال الشعب المنهوبة.
- قيام المؤتمر الدستوري في نهاية الفترة الانتقالية للتوافق على شكل الحكم ودستور ديمقراطي وقانون انتخابات يفضي لانتخابات حرة نزيهه في نهاية الفترة الانتقالية، وغير ذلك من بقية أهداف الثورة.

alsirbabo@yahoo.co.uk

 

آراء